ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

هل القرآن في نفسه يتفاضل ؟ فيكون بعضه أفضل من بعض؟!

اذهب الى الأسفل

هل القرآن في نفسه يتفاضل ؟ فيكون بعضه أفضل من بعض؟! Empty هل القرآن في نفسه يتفاضل ؟ فيكون بعضه أفضل من بعض؟!

مُساهمة  مصالح الشعوب والأمم الإثنين أكتوبر 27, 2014 7:03 pm

فائدة جليلة كنت قرأتها لشيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة تفاضل القرآن، حين سأل رحمه الله عن تفسير قول النبي في سورة الإخلاص إنها "تعدل ثلث القرآن" .. قال رحمه الله بعد أن بين فضل السورة وشرح معنى الحديث السابق:

فهذه المسألة مبنية على أصل، وهو أن القرآن هل يتفاضل في نفسه، فيكون بعضه أفضل من بعض؟ وهذا فيه للمتأخرين قولان مشهوران: منهم من قال: لا يتفاضل في نفسه؛ لأنه كله كلام الله، وكلام الله صفة له قالوا: وصفة الله لا تتفاضل، لا سيما مع القول بأنه قديم، فإن القديم لا يتفاضل، كذلك قال هؤلاء في قوله تعالى: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }، قالوا: فخير إنما يعود إلى غير الآية، مثل نفع العباد وثوابهم.

والقول الثاني: أن بعض القرآن أفضل من بعض، وهذا قول الأكثرين من الخلف والسلف، فإن النبي قال في الحديث الصحيح في الفاتحة: «إنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا الزبور ولا القرآن مثلها»، فنفي أن يكون لها مثل، فكيف يجوز أن يقال: إنه متماثل؟ وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال لأبي بن كعب: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: { اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }، فضرب بيده في صدره وقال له: «لِيَهَنك العلم أبا المنذر»، فقد بين أن هذه الآية أعظم آية في القرآن، وهذا بين أن بعض الآيات أعظم من بعض.

وأيضا، فإن القرآن كلام الله والكلام يشرف بالمتكلم به، سواء كان خبرًا أو أمرًا، فالخبر يشرف بشرف المخبر وبشرف المخبر عنه، والأمر يشرف بشرف الآمر، وبشرف المأمور به، فالقرآن وإن كان كله مشتركًا، فإن الله تكلم به، لكن منه ما أخبر الله به عن نفسه، ومنه ما أخبر به عن خلقه، ومنه ما أمرهم به. فمنه ما أمرهم فيه بالإيمان، ونهاهم فيه عن الشرك، ومنه ما أمرهم به بكتابة الدين، ونهاهم فيه عن الربا.

ومعلوم أن ما أخبر به عن نفسه ك { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أعظم مما أخبر به عن خلقه ك { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } وما أمر فيه بالإيمان، وما نهي فيه عن الشرك أعظم مما أمر فيه بكتابة الدين ونهي فيه عن الربا؛ ولهذا كان كلام العبد مشتركًا بالنسبة إلى العبد، وهو كلام لمتكلم واحد، ثم إنه يتفاضل بحسب المتكلم فيه. فكلام العبد الذي يذكر به ربه ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر أفضل من كلامه الذي يذكر فيه خلقه، ويأمر فيه بمباح أو محظور. وإنما غلط من قال بالأول؛ لأنه نظر إلى إحدى جهتي الكلام، وهي جهة المتكلم به، وأعرض عن الجهة الأخرى، وهي جهة المتكلم فيه، وكلاهما للكلام به تعلق يحصل به التفاضل والتماثل.

قالوا: ومن أعاد التفاضل إلى مجرد كثرة الثواب أو قلته من غير أن يكون الكلام في نفسه أفضل، كان بمنزلة من جعل عملين متساويين وثواب أحدهما أضعاف ثواب الآخر، مع أن العملين في أنفسهما لم يختص أحدهما بمزية، بل كدرهم ودرهم تصدق بهما رجل واحد في وقت واحد ومكان واحد على اثنين متساويين في الاستحقاق ونيته بهما واحدة، ولم يتميز أحدهما على الآخر بفضيلة، فكيف يكون ثواب أحدهما أضعاف ثواب الآخر؟! بل تفاضل الثواب والعقاب دليل على تفاضل الأعمال في الخير والشر. وهذا الكلام متصل بالكلام في اشتمال الأعمال على صفات بها كانت صالحة حسنة، وبها كانت فاسدة قبيحة. وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

وقول من قال: صفات الله لا تتفاضل ونحو ذلك، قول لا دليل عليه، بل هو مورد النزاع، ومن الذي جعل صفته التي هي الرحمة لا تفضل على صفته التي هي الغضب، وقد ثبت عن النبي : «إن الله كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي» وفي رواية: «تسبق غضبي». وصفة الموصوف من العلم والإرادة والقدرة والكلام والرضا والغضب، وغير ذلك من الصفات تتفاضل من وجهين:

أحدهما: أن بعض الصفات أفضل من بعض، وأَدْخَلَ في كمال الموصوف بها، فإنا نعلم أن اتصاف العبد بالعلم والقدرة والرحمة، أفضل من اتصافه بضد ذلك، لكن الله تعالى لا يوصف بضد ذلك، ولا يوصف إلا بصفات الكمال، وله الأسماء الحسني يُدْعَي بها، فلا يدعي إلا بأسمائه الحسني وأسماؤه متضمنة لصفاته وبعض أسمائه أفضل من بعض، وأدخل في كمال الموصوف بها؛ ولهذا في الدعاء المأثور: «أسألك باسمك العظيم الأعظم، الكبير الأكبر»، و«لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعِي به أجاب، وإذا سئل به أعطى»، وأمثال ذلك. فتفاضل الأسماء والصفات من الأمور البينات.

والثاني: أن الصفة الواحدة قد تتفاضل، فالأمر بمأمور يكون أَكْمَل من الأمر بمأمور آخر، والرضا عن النبيين أعظم من الرضا عمن دونهم، والرحمة لهم أكمل من الرحمة لغيرهم، وتكليم الله لبعض عباده، أكمل من تكليمه لبعض، وكذلك سائر هذا الباب. وكما أن أسماءه وصفاته متنوعة، فهي أيضا متفاضلة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع مع العقل، وإنما شبهة من منع تفاضلها من جنس شبهة من منع تعددها، وذلك يرجع إلى نفي الصفات، كما يقوله الجهمية لما ادعوه من التركيب، وقد بينا فساد هذا مبسوطًا في موضعه.
مصالح الشعوب والأمم
مصالح الشعوب والأمم
موقوووووووف

عدد المساهمات : 127
تاريخ التسجيل : 26/10/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى