ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاقتصاد الإسلامي والأزمة المالية

اذهب الى الأسفل

الاقتصاد الإسلامي والأزمة المالية Empty الاقتصاد الإسلامي والأزمة المالية

مُساهمة  "قرة أعين" الجمعة يوليو 17, 2015 1:24 am

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

يشهد الماضي والحاضر إخفاق النظريات الاقتصادية الوضعية في تحقيق الأمن النفسي والروحي جنباً إلى جنب مع الأمن المادي للإنسان، حيث نظرت تلك النظريات للإنسان على أنه كائن عضوي جل همه إشباع غرائزه وشهواته وحاجته المادية، دون أية اعتبارات أخلاقية أو روحية . وكان من نتيجة ذلك أن تفاقمت المشكلات سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي من بطالة وتضخم وانحلال أسري وتفلت أخلاقي وذوبان للهوية.

ويرجع ذلك في المقام الأول إلى طبيعة تلك النظريات الاقتصادية الوضعية، حيث اعتمدت على العقل كمصدر وحيد للمعرفة، رغم أن العقل لا يدرك كل شيء، وهذا ما فطن إليه المنهج الاقتصادي الإسلامي من قبل فهو لا يلغي العقل بل يسمو بشأنه في إطار دائرة تحكمه من الكتاب والسنة، وبذلك يمارس العقل دوره كأداة لاكتساب المعرفة وليس مصدراً وحيداً للمعرفة، ولا اصطدام بين العقل والوحي فالله الذي خلق العقل هو الذي أنزل له الوحي لإرشاده .

لقد جاءت كل الرسالات لتقر في الأرض، وفي حياة الخلق ميزاناً ثابتاً، ترجع إليه البشرية في كل سكناتها وحركاتها، ميزاناً لا يحابي أحداً، لأنه من رب العالمين الذي يزن بالحق الإلهي للجميع ولا يحيف على أحد . فبهذا الميزان تأمن البشرية من اضطراب الأهواء، واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع . يقول الله تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ”، (سورة الحديد، 25)، وبغير هذا الميزان الإلهي الثابت في منهج الله وشريعته لا يهتدي الناس إلى العدل، وإن اهتدوا إليه لم يثبت في أيديهم ميزانه، وتضطرب حياتهم في مهب الجهالات والأهواء.

وقد كشفت الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008م عن أزمة النظام الرأسمالي وعجزه عن تحقيق الاستقرار للناس أو إسعادهم، فتبخرت أموال الناس وآمالهم، وتراكمت آلامهم، وازدادت حياتهم تخبطاً واضطراباً . كما سقط النظام الاشتراكي صريعاً من قبل في نهاية الثمانينات من القرن الماضي معلناً وفاة دولة عظمى كانت تسمى الاتحاد السوفيتي، تاركاً شعبه يعيش في بحر لجي من الفقر والحرمان .

ورغم ما نتج عن الأزمة المالية العالمية من تبعات سلبية على الاقتصاد العالمي، إلا أنه ولد من رحمها فرصاً للمسلمين لعل من أهمها اهتمام الدول والمؤسسات الغربية بالنظام الاقتصادي الإسلامي فكراً وتطبيقاً، بعد أن أيقنوا أنه لا مكان في هذا النظام للربا أو المقامرة أو بيع الدين أو الجشع أو الطغيان، وهى الأسباب الرئيسة التى فجرت الأزمة المالية العالمية.

وقد أعيا الدول والمؤسسات الغربية البحث وأضناهم الجهد لافتقادهم لوجود نموذج لنظام اقتصادي إسلامي تطبيقي بصورة متكاملة ومثالية على أرض الواقع، خاصة وهم يرون انفصاماً بين الفكر والتطبيق، حتى أصبح حال المسلمين فتنة لغيرهم، فهم ما زالوا يعيشون في غيابات الدول المتخلفة حقيقة النامية تأدباً، وبين أيديهم منهج اقتصادي رباني قادر على إخراجهم من الظلمات إلى النور ومن التخلف المادي إلى التقدم المادي والروحي ولكنهم لم يتبنوا هذا المنهج بصورة جادة ومتكاملة، بل لسان حالهم السير وراء الاشتراكية تارة، واتخاذ الرأسمالية سبيلاً تارة أخرى، وترقيع الاشتراكية بالرأسمالية تارة ثالثة، فتحقق فيهم وفي غيرهم سنن الله الكونية ? لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيراً”، (سورة النساء، 123)،”فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى”، (سورة طه، 123-126) .

إن النظام الاقتصادي الإسلامي يتميز بأنه نظام رباني شامل كامل، حيث يستمد أسسه ومنهجه من شمول وكمال وتمام الإسلام ذاته “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا”، (سورة المائدة، 3)، وما وضعه من ضوابط وأحكام تحقق للبشرية جمعاء الأمن الروحي والمادي “لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ”، (سورة قريش، 1-4)، فهو نظام عقدي يرتبط ارتباطاً عضوياً ووثيقاً بعقيدة التوحيد عبادة وإيمانا وأخلاقا، ويراعي الفطرة الإنسانية، ويرسخ مفاهيم الأخلاق الفاضلة، ويؤكد سد حاجات المجتمع.

إن غاية النظام الاقتصادي الإسلامي هو تمكين الإنسان من القيام بالمهمة التي وكله الله تعالى بها على الأرض وهي البناء والتعمير والإصلاح وليس التخريب والهدم والتدمير “هو أنْشَأَكُمْ من الأرضِ واسْتَعْمَركُمْ فيها”، (سورة هود، 61)، لتحقيق العبودية الخالصة لله رب العالمين “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إلا لِيَعْبُدُون”، (سورة الذاريات، 56)، فالمنهج الاقتصادي في الإسلام منهج متكامل بدءاً من قضية الاستخلاف باعتبار المال

مال الله تعالى والبشر مستخلفون فيه وفقاً لإرادة الله تعالى - المالك الحقيقي للمال- ومروراً بالقواعد التي تحكم الإنتاج والاستهلاك والأرباح وتوزيع وتداول الدخل والثروة .

والإسلام دين يأمر بالأخذ بمواطن القوة - ومنها القوة الاقتصادية - كوسيلة لتحقيق غاية الإنسان في الأرض ولا ينظر إليها كغاية في حد ذاتها - كما في المنظومة الغربية - تؤدي في نهاية المطاف إلى الإفساد في الأرض “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخرة وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ولا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرض إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”، (سورة القصص، 77)، “كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ”، (سورة البقرة، 60) .

إن قوة علم الاقتصاد الإسلامي تبدو في كونه علماً توجيهياً لا يقتصر على السلوك الاقتصادي من إنتاج وتوزيع واستهلاك وتدبير فحسب بل يتعدى ذلك إلى التوجيه نحو السلوك الإنساني الرشيد الذي يحقق التوازن بين الجانب النفسي والجانب المادي بميزان قوامه العدل والإحسان والرحمة، لا الفحشاء والمنكر والبغي، “وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”، (سورة النحل، 89-90 ) .

إن الاقتصاد الإسلامي في حقيقته منهج حياة باعتباره منهجاً ربانياً متكاملاً مبناه وأساسه على الحكم ومصالح الناس جميعاً في المعاش والمعاد، وهو عدل كله، ورحمة كله، ومصالح كله، وحكمة كله . وهو يحمل من الثوابت والمتغيرات ما يربط فقه النص بواقع العصر، فيصل العصر بالنص، ويرشد بالنص وقائع العصر، ويسمو بالعصر إلى أفق النص.

فما أحوجنا إلى الاهتمام بهذا الاقتصاد الرباني داخلياً بحسن تطبيقه، وخارجياً بحسن تسويقه رحمة بالعالمين “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” ، (سورة الأنبياء، 107) خاصة أن العالم متشوق إليه للخلاص من أزمته المالية التي أصابت الاقتصاد العالمي في صميمه.


لا اله الا الله محمد رسول الله
الاقتصاد الإسلامي والأزمة المالية 3558-41
"قرة أعين"
موقوووووووف

عدد المساهمات : 303
تاريخ التسجيل : 11/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى