ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سلسلة رثاء النفس في الشعر العربي

اذهب الى الأسفل

سلسلة رثاء النفس في الشعر العربي Empty سلسلة رثاء النفس في الشعر العربي

مُساهمة  سيف الإثنين سبتمبر 23, 2013 11:39 am


سِلْسِلَةُ رِثَاءُ النَّفْسِ في الشِّعْرِ العَرَبي(1)
رثاء النفس هو البكاء والحزن عليها عندما يتيقن الراثي ( المرثي) بدنو أجله, وانقطاع أمله.
وهو -عندي- من أفضل ألوان الرثاء-إن لم يكن أفضلها- على الإطلاق,وذلك لما يبرز في شعره من صور بلاغية, وقِيَمٍ جمالية, وعاطفة حزينة, وشعور صادق, فالراثي هنا هو المرثي وأي شيءٍ يكون أحبُّ من النفس؟!! وهل النائحة الثكلى كالمستأجرة!! ولذا نجد أنَّ قصائد هذا النوع أو اللون من الرثاء قد سارت بها الرُّكْبَان, وأنشدها الأدباء على مرِّ العصور والأزمان, فصارت عقدًا تُزيِّنُ به كثيرًا من كتب الأدب القديمة منها والحديثة, ولعلنا نذكر منها نماذج مختصرة في جميع العصور, لنُطلع القارىء عليها ونُروي بعض ظمأه, ونبدأ بالعصر الجاهلي:
• ابن حذَّاق يرثي نفسه:-

قال ابن قتيبة: بلغني أنَّ أول مَنْ بكى على نفسه وذكر الموت في شعره: يزيد بن حذَّاق فقال:- (1)
هَلْ لِلْفَتَى مِن بَناتِ الدَّهْرِ مِن رَاقِي***** أمْ هَل لهُ مِن حِمام الموتِ مِن وَاقِي (2)
قدْ رجَّلونِي ومَا بالشَّعـرِ مِن شَعَثٍ***** وألْبَسُونِي ثِيــابًا غيرُ أخْـلاقِ
وطيَّبُـوني وقَـالوا أيُّـما رَجُـلٍ*****وأدْرَجُــونِي كَأني طَيُّ مِخْـرَاقِ(3)
وأرْسَلُـوا فِتيةً مِن خَيْرِهم حَسَبًا*****ليُسنِدوا في ضَرِيـحِ القَبْـر أطْبَاقِي(4)
وقسَّمُوا المَال وارفضَّت عوائدُهُم***** وقَال قَائِلُـهُم مَـات ابْـنُ حَذَّاقِ
هوِّنْ عَليكَ ولا تُولـع بإشفـاقٍ***** فإِنَّـما مَـالُنا لِلْـوَارثِ البَـاقِي
--------------------------------------------------

• امرؤ القيس يرثي نفسه:-
عندما عاد امرؤ القيس من بلاد الروم منصرفًا عن قيصر ملك الروم,بعدما أعطاه حُلَّةً مسمومة , فلَّما وصل إلى أنقره لبسها فتقطع جلده وهلك, وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قال: (5)
لَقدْ دَمَعتْ عَيْنَايَ فِي القَرِّ والقَيْظِ*****وهلْ تدمعُ العَينانِ إِلاَّ مِن الْغيظِ
فلَّمَا رَأيتُ الشَّرَ ليسَ بِبَــارِحٍ*****دَعَوتُ لِنَفْسِي عِندَ ذَلكَ بِالْفيظِ

وقال أيضًا قبل ذلك حينما رأى قبر امرأةٍ في سفح جبل عسيب الذي مات عنده: (6)
أجَـارتنَا إنَّ الخُطُوبَ تنـوبُ*****وإني مُقيمٌ ما أقـامَ عسيبُ
أجَـارتنَا إنَّـا غريبـانِ هَهُنَا***** وكلُّ غريبٍ للغريبِ نسيبُ
فـإنْ تصِلِينا فالقـرابة بيننا*****وإن تصـرمينا فالغريبُ غريبُ
أجَارتنَا ما فاتَ ليسَ يَؤُوبُ*****ومَـاهو آتٍ في الـزَّمانِ قَريبُ
وليس غريبًا مَنْ تناءت دِيارُهُ*****ولكنْ مَنْ وَارَى التُّراب غريبُ
-------------------------------------------------
• طرفة بن العبد يرثي نفسه:-

قال طرفة بن العبد وهو في سجنه ينتظر القتل بعدما سجنه والي البحرين بأمرٍ من ملك الحيرة عمرو بن هند, وذلك عندما بعث بكتابين لطرفه وخاله المُتَلَّمِس, وفيهما أمرٌ بقتلهما, فنجا خاله بعدما طلب من غلام أن يقرأ له ما في الكتاب, ولكن طرفة أصرَّعلى أن يذهب لوالي البحرين ظانًّا أن ملك الحيرة أمر والي البحرين أن يعطيهما الجوائز, ولم يجعل الغلام يقرأ له كتابه, وعندما وصل إلى البحرين سجنه الوالي وأمر بقتله, فقال قبل قتله :- (7)
ألا اعتزليني اليوم خولة أو غُضِّي***** قفد نزلتْ حدباءُ مُحكمـة القبضِ
أزالتْ فؤادي عن مَقَـرِّ مكانهِ*****وأضحى جَناحي اليومَ ليسَ بِذي نهضِ
وقد كنتُ جلدًا في الحياة مُدَرَّئًا*****وقد كنتُ لبَّاس الرجال على البُغضِ
وإني لحلوٌ للخليــلِ وإنَـني*****لمُرٌّ لذي الأضغـانِ أُبـدي لهُ بُغضي
ولا تَعْدِليني إنْ هَلكتُ بعاجزٍ*****مِنَ النَّـاس مَنقوضَ المَريـرة والنقضِ

----------------------------------------------------
• رثاء عبد يغوث لنفسه قبل موته:- (8)
لمَّا أسرتْ بنو تيم عبدَ يغوث, وذلك في يوم الكُلاب عندما وقعت الحرب بين بني تيم وقوم عبد يغوث في أيام الجاهلية, وكان عبد يغوث فارسًا وشاعرًا, فشدُّوا على لسانه نسعة(9) خوفًا من أن يهجوهم قبل موته, فقال لهم: إنكم قاتلي ولا بُدّ, فدعوني أذمُّ أصحابي وأنوح على نفسي, فقالوا: إنك شاعر ونخاف أن تهجونا, فعقد لهم أن لا يفعل. فأطلقوا لسانه وأمهلوه حتى قال قصيدته المشهورة الرائعة:- (10)
ألا لا تَلوماني كَفى اللَومَ مـا بِـيا *****وَمـا لَكُـما في اللَـومِ خَيرٌ وَلا لِـيا
أَلَم تَعلَمـا أَنَّ المَـلامَةَ نَفعُـهـا *****قَليـل وَما لَـومي أَخي مِن شمـالِـيا
فَيـا راكِباً إِمّـا عَرَضتَ فَبَلَّغَـن***** نَدامـايَ مِـن نَجـرانَ أَن لا تَـلاقِيا
أَبا كَـرِبٍ و َالأَيهَمَينِ كِلَيـهِـما***** وَقَيساً بِأَعـلى حَضرَ مَـوتَ اليَمـانِيا
جَزى اللَهُ قَومي بِالكُـلابِ مَلامَةً*****صَـريحَهُـم وَ الآخَـريـنَ المـَوالِيـا
وَلَو شِئتُ نَجَّتني مِنَ القَوْمِ نَهـدَةٌ *****تَرى خَلفَـهـا الحُـوَّ الجِيـادَ تَوالِيا
وَلَكِنّني أَحمي ذِمــارَ أَبيـكُـمُ***** وَكـانَ الرِمـاحُ يَختَطِفـنَ المُحـامِيا
وَتَضحَـكُ مِنّي شَيـخَةٌ عَبشَمِيَّةٌ*****كَـأَن لَـم تَـرى قَبـلي أَسيراً يَمـانِيا
وَقَد عَلِمَـت عَرسي مُلَيكـَةُ أَنَّني*****أنـا اللَيـثُ مَـعـدُوّاً عَلَيَّ وَعادِيـا
أَقولُ وَقَد شَدّوا لِسـاني بِنِسـعَةٍ*****أَمَعشَـرَ تَيمٍ أَطلِقـوا عَـن لِسـانِيـا
أَمَعشَرَ تَيمٍ قَد مَلَكتُم فَأَسجِحـوا*****فَـإِنَّ أَخـاكُم لَم يَكُـن مِن بَوائِـيا(11)
فَإِن تَقتُلـوني تَقتُـلوا بِيَ سَيِّـداً *****وَإِن تُطلِقـوني تَحرُبـوني بِمـالِـيا
وَكُنتُ إِذا ما الخَيلُ شَمَّصَها القَنـا*****لبيقٌ بِتَصـريفِ القَنـاة بنَـانِـيـا
أَحَقّاً عِبـادَ اللَهِ أَن لَستُ سـامِعاً*****نَشيـدَ الرُعـاءِ المُعـزِبينَ المَتـالِيا
وَقَد كُنتُ نَحّارَ الجَزورِ وَمُعمِلَ الـ *****ـمطيَّ وأمضي حيث لاحيَّ ماضيا
وَأَنحَرُ لِلشَـربِ الكِـرامِ مِطِيـَّتي *****وَأَصـدَعُ بَينَ القَينَـتَينِ رِدائِـيـا
وَعادِيَةٍ سَومَ الجَـرادِ وَزَعتُـهـا *****بِكَفّي وَقَـد أَنحَـوا إِلَيَّ العَـوالِـيا
كَأَنِّيَ لَم أَركَـب جَواداً وَلَم أَقُل *****لِخَيلِيَ كُـرّي نَفِّسي عَـن رِجالـِيا
وَلَم أَسبَإِ الزِقَّ الرَوِيَّ وَلَـم أَقُل *****لِأَيسارِ صِـدقٍ أَعظِمـوا ضَوءَ نارِيا

-----------------------------------------------------
(1)ابن قتيبة, الشعر والشعراء (1/ 386), وفي الأوئل لأبي هلال العسكري ص:14 ببعض الإختلاف في صدر البيت الثاني, ونسبها المفضل الضبي في المفضليات للممزق العبدي ص:144
(2)بنات الدهر: حوادثه ومصائبه.
(3)مخراق: منديل أو ثوب يُلف ثم يُضرب به.
(4)الأطباق: فِقار الظهر.
(5)ديوان امرىء القيس ص:128
(6)ديوان امرىء القيس ص:29
(7)عبد المعين الملوحي, الشعراء الذين رثوا أنفسهم قبل الموت ص:27.
(8)ذكرتُ هذه القصة على سبيل الإيجاز ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى العقد الفريد(6/ 71-75).
(9)النسعة: سير عريض تُشد به الحقائب والرحال.
(10)العقد الفريد لابن عبد ربه(6/ 74-75),وفي المفضليات 67-68,وفي ذيل الأمالي لأبي علي القالي ص:115 ببعض الإختلاف.
(11)أسجحوا: ارفقوا.
سيف
سيف
موقوووووووف

عدد المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 23/06/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سلسلة رثاء النفس في الشعر العربي Empty رد: سلسلة رثاء النفس في الشعر العربي

مُساهمة  سيف الإثنين سبتمبر 23, 2013 11:40 am


سلسة رثاء النفس في الشعر العربي(2)
لقد مر معنا في موضوع (سلسة رثاء النفس في الشعر العربي 1)مقدمة بسيطة عن رثاء النفس وأتبعناها بقصائد وأبيات جاهلية لمجموعة من الشعراء في رثاء أنفسهم, وهذا الموضوع هو عبارة عن إكمال( لسلسة رثاء النفس في الشعر العربي من العصر الجاهلي وحتى سقوط الأندلس) وعنوانه: رثاء النفس في عصر صدر الإسلام- أرجو من الله العلي القدير أن يُيسر لي إتمام السلسة المتواضعة- فإلى بعض قصائد رثاء النفس في هذا العصر:

· زيد الخيل يرثي نفسه قبل موته:
لمَّا وفد زيد الخيل الطائي على الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه,وسماه النبي صلى الله عليه وسلم (زيد الخير) أراد أن يرجع إلى دياره, وهو في طريقه عائدًا أصابته حمى واشتدت به, فخرج وقال لأصحابه الذين معه جنبوني بلاد قيس فقد كانت بيننا حماسات في الجاهلية ولا والله لا أُقاتل مسلمًا حتى ألقى الله, فنزل بماءٍ لحي من طيء يُقال له (فردة), واشتدت به الحمى فأنشأ يقول:(1)
أمرتحلٌ صحبي المشـارق غُـدوةً*****وأُتركُ في بيتٍ بفــردة منجـدِ
سقى الله مابين القفيـل وطـابةً*****فمَا دُونَ أرمام فما فــوق منشدِ
هنالكَ لو أنِّي مَرِضـتُ لعَادَنِي*****عوائـد من لم يشفِ مِنهُـنَّ مجهـدِ
فليت اللواتي عُدنني لم يعـدنني*****وليت اللـواتي غِبْنَ عني عُــوَّدي

ثم مات ودفن في مكانه.
· لبيد بن ربيعة يرثي نفسه:
عندما حضرت لبيدَ الوفاةُ, وكانت عنده ابنتاه, قال يخاطبهما: (2)
تمنَّى ابنتـايَ أنْ يعيشَ أبوهُمَا*****وهـل أنا إلا مِن ربيعةَ أو مُضَرْ
ونائحتانَ تندبـانَ بِعَـــاقلٍ*****أخا ثقةٍ لا عينَ منـهُ وَلا أَثَـرْ
وفي ابنَيْ نزارٍ أُسوةٌ إنْ جَزِعْتُمَا*****وإنْ تسألاهم تُخبرا فيهم الخَبَـرْ
وفيمنْ سواهم مِن مُلوكٍ وسوقةٍ*****دعائم عرشٍ خانهُ الدهر فانْقَـعَرْ
فقُومَا فَقُولا بالذي قد عَلِمْتُمَـا*****و لا تَخْمِشَا وَجْهًا ولا تَحْلِقَا شَعَرْ
وقُولا هوَ المرءُ الَّذي لا خَليلـهُ*****أضَاعَ ولا خَانَ الصَّدِيقَ ولا غَـدَرْ
إلى الحولِ ثم اسمُ السَّلامِ عَليكُمَا*****ومَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فقدْ اِعْتَـذَرْ

ثم مات ودُفن.

· خُبيب بن عدي –رضي الله عنه- يرثي نفسه:
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سريَّةً مُكوَّنةً من عشرة رجال ليُراقبوا تحركات كفار قريش وذلك بعد غزوة بدر, وجعل أمير السرية عاصم بن ثابت-رضي الله عنه- ومن رجال السرية خُبيب بن عدي-رضي الله عنه- ولما بلغوا مكانًا بين عسفان ومكة نما خبرهم إلى جماعة من هُذيل, فسارعوا إليهم بمائة من أمهر الرماة, وحينما أحسَّ أميرهم عاصم بهُذيل, دعا أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل, واقترب الرماة منهم وأحاطوا بهم, ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقًا أن لا ينالهم منهم سوء, فأبى أميرهم عاصم وقال ( أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر اللهم أخبر عنا رسولك) وشرع الرماة يرمونهم بالنبال, فأُصيب عاصم واستُشهد, وأصيب معه سبعة واستُشهدوا, ونادوا الباقين أن لهم العهد إذا نزلوا, فنزل الثلاثة, واقترب الرماة من خُبيب وصاحبه ( زيد بن الدثنة) فربطوهما, ورأى صاحبهم الثالث بداية الغدر فقرر أن يموت حيث مات عاصم فقُتل, فقادوهما إلى مكة وباعوهما وتذكر بنو الحارث بن عامر- الذي قتله خُبيب في معركة بدر- ثأرهم فسارعوا إلى شرائه, وتواصى كفار مكة من أهالي بدر عليه ليشفوا أحقادهم منه, فراحوا يساومونه على دينه, ويُلوِّحون له بالنجاة إن هو كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ولما يئسوا منه قادوه إلى مصيره, واستأذنهم أن يصلي ركعتين, فأذنوا له, ثم فتح ذراعيه إلى السماء وقال: (( اللهم احصهم عددا واقتلهم بددًا )), ثم أنشأ يقول: (3)
لقدْ جَمَّعَ الأحزابُ حَولي وألَّبُوا*****قَبائِلهُـم واستَجْمَعُوا كَلَّ مَجْمَعِ
وقد قرَّبُوا أبنَـاءَهم ونساءَهُم*****وقُرِّبتُ مِنْ جذعٍ طويلِ مُمَنَّــعِ
وكلُّهم يُبدي العداوةَ جَاهِـدًا*****علـيَّ لأنِّـي في وثاقٍ بمضيــعِ
إلى اللهِ أشكو غُربتي بعدَ كُربتي*****ومَا جمَّعَ الأحـزابُ عندَ مَصـرعي
وذلكَ في شأنِ الإلهِ وإنْ يَشَـأْ*****يُبـارك على أوصـالِ شلوٍ مُمَزَّعِ
وقد خيَّروني الكفرَ والموتَ دونَهُ*****وقد هَملتْ عيْنَاي في غيرِ مَجْزَعِ
ومابِي حذاري الموتَ إنـي لميتٍ*****ولكن حذاري جُحْمَ نـارٍ مُلفَّعِ
فلستُ بِمُبْـدٍ للعدو تَخَشُّعًـا*****ولا جَــزَعًا إنِّي إلى اللهِ مَرْجِعـي
ولستُ أُبالي حينَ أُقتـلُ مُسلمًا*****على أي جنبٍ كانَ في اللهِ مَصرعي

فقُتل رضي الله عنه وأرضاه.
· عبدة الطيب يرثي نفسه:

هو شاعر مخضرم عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم وجاهد مع النعمان بن مقرَّن –رضي الله عنه- الفرس والمدائن (4), وقد بكى نفسه بأبيات بعدما طال مرضه وأيقن بالموت فقال: (5)

ولقد علمتُ بأنَّ قصري حٌفرةً*****غبراءُ يحملُني إليها شَرْجَعُ (6)
فبكَّى بناتي شَجْـوَهُنَّ وزوجتي*****والأقــربونَ إليَّ ثم تصدَّعُوا
وتُرِكْتُ في غبراءَ يُكْرَهُ وِرْدُهَا*****تَسْفِي عليَّ الريـحُ حِين أُودَّعُ
فإذا مضيتُ إلى سبيلي فابعثُوا*****رجلًا له قلبٌ حديدٌ أصْمَــعُ
إنَّ الحوادثَ يَخْتَـرِمْنَ وإنمـا*****عُمْرُ الفَتى في أهلهِ مُسْتَـودَعُ

· شاعر آخر يرثي نفسه:
ذكر الواقدي أن ضرار الأزور -رضي الله عنه- أُسر في معركة اليمامة أسرته الروم, وقال شعرًا يرثي به نفسه(7), والظاهر-والله أعلم-أنه ليس ضرار الأزور فقد ذكر أهل العلم(8) أنه جُرح يوم اليمامة واستشهد وقيل أنه عوفي من جروحه, واشترك في معركة اليرموك وكان ممن بايع عكرمة بن أبي جهل-رضي الله عنه- على الموت, وكانوا أربعمائة فاستشهد وهو يفتك بالروم, ولم يذكروا أنه أُسر, وليس هذا محل بحث في هذا الموضوع, ولكن أردنا أن نبيِّن للقارىء أن قائل هذه الأبيات ليس ضرار بن الأزور وإنما قد يكون رجلًا من المسلمين اسمه ضرار أو ربما نُسبت له.
فقد قال وهو في الأسر يبكي نفسه, وقد انقطع أمله في الحياة وشارف على الموت, يبعث هذه الأبيات كرسالة إلى أهله وذويه: (9)

حَمائِمُ نَجْدٍ بلِّغي قولَ شَائِــقٍ*****إلى عسكرِ الإسلامِ والسادةِ الغُرِّ
وقولي ضرارٌ في القيودِ مُكبَّــلٌ*****بعيدٌ عنِ الأوطانِ في بَلدٍ وَعْـرِ
حمائمُ نَجدٍ اسمعي قولَ مُفْــرَدٍ*****غَريبٍ كئيبٍ وهـو في ذِلَّةِ الأَسْرِ
وإنْ سألتْ عنِّي الأحبةُ خبِّـري*****بأنَّ دُمُوعي كالسحابِ وكَالقَطْـرِ
وقـولي لهم إنِّي أسيرٌ مُقَيَّــدٌ*****لهُ عِلَّةٌ بينَ الجَوانحِ والصَـــدْرِ
وفي خـدِّهِ خَالٌ مَحَتْـهُ مَدَامعٌ*****على فَقْدِ أوطـانٍ وكَسرٍ بلا جَبْـرِ
مضَى سَائرًا يبغي الجهادَ تَطَوُّعًا*****فوافاهُ أبناءُ اللئــامِ عَلى غَــدْرِ
ألا فَادْفِنَـاني باركَ اللهُ فِيكُمَـا*****ألا واكْتُبَـا هذا الغريب على قَبري

ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1)الأغاني للأصفهاني (16/ 44-50). وانظر السيرة النبوية لابن هشام (2/ 350-351) والبداية والنهاية لابن كثير (2/ 48-49).
(2)ديوان لبيد بن ربيعة 73-74
(3)أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (2/ 148-150), والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (5/ 267-268) باختلاف,
والخبر رواه الإمام أحمد في المسند (15/ 230) وصحح إسناده أحمد شاكر رحمه الله.
(4)ذكر محققا المفضليات ( أحمد شاكر وعبد السلام هارون) ترجمة عبدة الطيب في الحاشية نقلًا عن تاريخ الطبري (4/ 43, 115)
(5) المفضليات للمفضل الضبي 148.
(6)شرجع: خشب يشد بعضه إلى بعض كالسرير يحمل عليه الموتى.
(7)فتوح الشام للواقدي (2/ 232).
(8)ذكر ذلك ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 53), وابن كثير في البداية والنهاية (7/7-8), وابن حجر في الإصابة (3/ 391-392).
(9)فتوح الشام للواقدي (1/ 190).

سيف
سيف
موقوووووووف

عدد المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 23/06/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى