ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

طاغوت العصر.. طواغيت تعبد من دون الله..الكفر بالطاغوت شرط لصحة الإيمان

اذهب الى الأسفل

طاغوت العصر.. طواغيت تعبد من دون الله..الكفر بالطاغوت شرط لصحة الإيمان Empty طاغوت العصر.. طواغيت تعبد من دون الله..الكفر بالطاغوت شرط لصحة الإيمان

مُساهمة  عاشقة السماء الإثنين ديسمبر 02, 2013 1:01 am

(4)
الكاتب: الطاغوت
لغة:


الطاغوت
لغة:
طغى يطغى طغْيا، ويطغو طغيانا؛ جاوز القَدْرَ وارتفعَ وغَلا في الكفر، وكل شيء جاوز القدر فقد طغى، قال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}، وقال: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}.

أما اصطلاحا، فإليك أقوال أهل العلم:

قال عمر رضي الله عنه: (الطاغوت هو الشيطان).

وقال ابن كثير:
(معنى قوله الطاغوت هو الشيطان؛ قوي جدا، فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها) [26].

قال جابر رضي الله عنه:
(الطواغيت كهان تنزل عليهم الشياطين).

قال مالك: (الطاغوت كل ما يعبد من دون الله عز وجل).

قال ابن القيم:
(الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها؛ رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى طاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته) [27].

قال ابن جرير الطبري: (والصواب من القول عندي في "الطاغوت"؛ أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء) [28].

قال ابن تيمية: (الطاغوت فعلوت من الطغيان، والطغيان: مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغي، فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك؛ طاغوت، ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: "ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت").

وقال: (والمطاع في معصية الله، والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق، سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله، أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله؛ هو طاغوت، ولهذا سمى من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله؛ طاغوت، وسمى فرعون وعاداً طغاة) [29].

قال محمد بن عبد الوهاب: (الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة، من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت، والطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة...)، ثم ذكر الشيطان، ومن عبد من دون الله وهو راض، ومن دعا إلى عبادة نفسه، ومن ادّعى علم الغيب، والحاكم الجائر المغير لما أنزل الله.

قال الشيخ سليمان بن سحمان النجدي: (الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم وطاغوت عبادة وطاغوت طاعة ومتابعة) [30].

فطاغوت الحكم ورد في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}.

قال ابن كثير:
(والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامّة لمن عدل عن الكتاب والسنّة وتحاكم إلى ما سواها من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هنا) [31].

قال المودودي: (المراد من الطاغوت؛ كل فرد أو طائفة أو إدارة تبغي وتتمرد على الله، وتجاوز حدود العبودية وتدعي لنفسها الألوهية والربوبية).

وقال: (ومعنى الطاغوت في اصطلاح القرآن؛ كل دولة أو سلطة، وكل إمامة أو قيادة، تبغي على الله وتتمرد، ثم تنفذ حكمها في أرضه وتحمل عباده على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد) [32].

قال سيد قطب:
(والطاغوت صيغة من الطغيان، تفيد كل ما يطغى على الوعي ويجور على الحق، ويتجاوز الحدود التي رسمها الله للعباد، ولا يكون له ضابط من العقيدة في الله، ومن الشريعة التي يسنها الله، ومنه كل منهج غير مستمد من الله، وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد لا يستمد من الله، إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله، وكل حكم لا يقوم على شريعة الله، وكل عدوان يتجاوز الحق، والعدوان على سلطان الله وألوهيته، وحاكميته هو أشنع العدوان، وأشده طغيانا، وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى... وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان، ولكن اتبعوا شرعهم فسماهم الله عبادا لهم، وسماهم مشركين؛ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، فهم عبدوا الطاغوت، أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها، وهم لم يعبدوها بمعنى السجود والركوع، ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة، وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله) [33].

قال محمد حامد الفقي: (والذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم؛ أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس والأشجار والأحجار وغيرها، ويدخل في ذلك بلا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها، والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت، وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصدا أو عن غير قصد من واضعه، فهو طاغوت) [34].

وجاء في فتوى رقم (8008) من فتاوى "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء": ردا على سؤال عن معنى الطاغوت في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}، الجواب: (والمراد بالطاغوت في الآية؛ كل ما عدل عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى التحاكم إليه من قوانين وضعية أو تقاليد وعادات متوارثة أو رؤساء قبائل ليفصل بينهم بذلك أو بما يراه زعيم الجماعة أو الكاهن، ومن ذلك يتبين أن النظم التي وضعت ليتحاكم إليها، مضاهاة لتشريع الله؛ داخلة في معنى الطاغوت) [35].

طواغيت تعبد من دون الله:

بعد التعرف على معنى الطاغوت وصفة من يجري عليه مسمّى الطاغوت، نتعرّف على بعض الطواغيت مع شرح وجيز، على أن نرجئ الحديث عن الحاكم بغير ما أنزل الله في عنوان مستقل.

أ) المشرّع من دون الله:

يختلف المشرّع عن الحاكم المنفّذ، وهذا ما يسمّونه في هذه الأيام بـ "السلطة التشريعية"، التي تلزم السلطة التنفيذية بتنفيذ ما يصدر عنها من أحكام وتشريعات، وقد يكون المشرّع من دون الله شخصا أو هيئة أو حزبا أو مجلسا يضم مشرّعين.

وعلى العموم فإننا نقول: كل من جعل خاصية التشريع - التحليل والتحريم، التحسين والتقبيح [36] - لنفسه من دون الله وأخذ يشرّع للعباد ما يهواه ويراه؛ فهو طاغوت، يجب تكفيره والكفر به، وأيما مخلوق يعترف له بهذا الحق ويتحاكم إلى ما يصدر عنه؛ فقد أقر له بالإلهية واتّخذه معبودا وندا لله تعالى.

ب) التشريع ذاته:

التشريع المضاهي لشرع الله تعالى؛ طاغوت، وقد تقدم معنا في تعريف الطاغوت أن من أهل العلم من أدخل التشريعات المضاهية لشرع الله وغيرها في مسمّى الطاغوت.

ومما يدخل في هذا النوع؛ الدساتير الوضعية التي صاغتها عقول البشر لتحكم البلاد والعباد... ولشدّة رهبة القوم من الدستور؛ فإنهم يتصورون أن يخرجوا على كل شيء سوى الدستور، فالدستور عندهم فوق التعقيب والنقد والاعتراض، والويل كل الويل لمن تسوّل له نفسه إهانة الدستور والتطاول عليه...

فإن قيل؛ الطاغوت هو الذي يعبد من دون الله فأين تكمن عبادة التشريع؟

أقول: من الواضح أن عبادته تكمن من جهة التحاكم إليه وطاعته والأخذ بنصوصه وأحكامه من غير تعقيب أو تقديم بشيء يدلّ على التعقيب والإعتراض، فأصبح بذلك مطاعا لذاته.

ج) المحبوب لذاته من دون الله عز وجل:

تقدم أن المحبوب لذاته من دون الله معبود من جهة عقد الولاء والبراء فيه وعليه، ومن كان كذلك فهو طاغوت... وقد تختلف أشكاله وصوره، فقد يكون حاكما أو شيخا أو زعيما أو وطنا أو قوما.

أ) الوطن والوطنية:


الوطن يكون طاغوتا ومعبودا من دون الله عندما يُعقد الولاء والبراء على أساس الانتماء إليه ولحدوده، وتقسيم الحقوق والواجبات على هذا الأساس، ومن صور ذلك؛ "الوحدة الوطنية" التي تُردد على ألسنة الطواغيت وكثير من الناس المخدوعين.

وفي فتاوى "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء": (إن من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن، وجعل أحكامهم واحدة؛ فهو كافر).

هو كافر لكونه أشرك الوطن مع الله تعالى في الولاء والبراء، وجعل الاعتبار في ذلك هو الوطن وليس العقيدة والدين، وهذا مفاده رد وإبطال كثير من النصوص الشرعية التي تنصّ على وجوب عقد الولاء والبراء على العقيدة).

قال الشيخ أبو محمد المقدسي: (توحيد الوطنيين الوثنيين أو الوحدة الوطنية - الوثنية - التي تجمع بين الشيوعي والعلماني والديمقراطي والبعثي - ساب الرب والدّين والمستهزئ بدين الله - وتؤلف بينهم وتجمع صفوفهم في ظل أي مصلحة مزعومة أخرى، وهذا التوحيد هو توحيد الكفار أو توحيد الطواغيت أو توحيد المشركين أو توحيد كفار قريش الذي كانوا يدعون النبي صلى الله عليه وسلم إليه ويساومونه عليه من أجل مصلحة العشيرة والقبيلة ووحدتها ومن أجل مصلحة البلد أو المصلحة الوطنية، لكنه أبدا لن يكون توحيد المرسلين، ومحال أن يكون، فتوحيد رب العالمين يفرّق بين أهل الحق وأهل الباطل، والوحدة الوطنية - الوثنية - تجمع وتؤاخي بينهم... ساء ما يحكمون) [37].

د) الشعب:


عندما يكون الشعب مصدر السلطات - بما في ذلك السلطة التشريعية - ويكون له الأمر والاختيار فيمن يحكم البلاد، والقانون الذي يطبق في الأرض، حتى ولو وقع اختياره على قانون الجاهلية، فالشعب في هذه الصورة؛ طاغوت ومعبود من دون الله.

يقول سيد قطب رحمه الله: (والأمة في النظام الإسلامي؛ هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله، ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته، إنما مصدر الحاكمية هو الله، وكثيرون - حتى من الباحثين المسلمين - يخلطون بين مزاولة السلطة وبين مصدر السلطة، فالناس بجملتهم لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده، والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية، وما أنزل الله به من سلطان).

ويقول رحمه الله:
(فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل، وليس الذي يقرره الناس هو الحق، وليس الذي يقرره الناس هو الدّين [38]... إن نظرة الإسلام تقوم ابتداء على أساس أن فعل الناس لشيء وقولهم لشيء، وإقامة حياتهم على شيء لا تحيل هذا الشيء حقا إذا كان مخالفا للكتاب، ولا تجعله أصلا من أصول الدين، ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين، ولا تبرره لأن أجيالا متعاقبة قامت عليه... لا يكفي إذن أن يتخذ البشر لأنفسهم شرائع تشابه شريعة الله أو حتى شريعة الله نفسها بنصها إذا هم نسبوها لأنفسهم ووضعوا عليها شاراتهم ولم يردوها لله، ولم يطبقوها باسم الله إذعانا لسلطانه واعترافا بألوهيته وبتفرده بهذه الألوهية، التفرد الذي يحرر العباد من حق السلطان والحاكمية إلا تطبيقا لشريعة الله وتقريرا لسلطانه في الأرض) اهـ.

هـ) المجالس النيابية - مجلس الشعب
- [39]:

من جرأة القوم على الله؛ أنهم خصصوا لأنفسهم ولشعوبهم مجالس تشريعية، وظيفتها التشريع وسن القوانين للناس من غير سلطان من الله... وكون هذه المجالس بأعضائها طاغوتا؛ فهو لعبادتها من جهة الإقرار لها بخاصية التشريع وطاعتها واتباعها في ذلك.

و) الديمقراطية:

هي دين له نظرته الخاصة عن الوجود والحياة والإنسان، وهو تكريس للعلمانية التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة والحياة...

من إفرازات الديمقراطية؛ أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، أي أن المشرع المطاع في نظر الديمقراطية هو الإنسان وليس الله، ومن غلو القوم في هذا الدين الجديد؛ أنهم يوالون ويعادون عليه، ويقاتلون ويسالمون عليه، فمن دخل فيه سالموه ووالوه، ومن أبى حاربوه وعادوه.

فالديمقراطية طاغوت، تفرز طواغيت تعبد من دون الله، ومع ذلك فالناس يدخلون فيها كدين [40]، ويحتكمون إليها، ويثنون عليها خيرا من غير أن يجدوا حرجا، وهذا الشر لم يسلم منه إلا من رحمه الله، وهم قليل.

الطواغيت التي ذكرناها لك؛ تعتبر عناوين عامة رئيسية يندرج تحتها جميع الطواغيت، وهي كذلك تعينك على معرفة بقية الطواغيت - الظاهرة منها والخفية - بالقياس عليها والمقارنة بها.

وقال الشيخ عبد الرحمن الدوسري: (حدثت ضروب من الشرك، برزت بأسماء وألقاب ينخدع بها الجهلة ويتعلق بها المغرضون والحاقدون... إن الذي تولى كبره هم اليهود والمجوس، لما خافوا من البعث الإسلامي الصحيح... وفي هذا الوقت كسبوا أنصارا من بني جلدتنا فألهبوا حماس الجهلة بنعرات العصبيات القومية في كل أمة إسلامية، فظهرت الوثنية الجديدة وعبادة المادة والشهوات وتقديس الأشخاص، بحجة الجنسية والوطنية، حتى تكونت في المحيط الإسلامي والعربي خاصة ردة جديدة بما انتحلوه من مبادئ وطنية ومذاهب مادية مزخرفة بألقاب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب... وبمعرفة حقيقة التوحيد تعرف مدى ما انغمس فيه غالب المحسوبين على الإسلام من الوثنية الجديدة وما استجلبوه من مبادئ الغرب ومذاهبه المادية فجعلوا حدود الوطن فوق حدود الله وجعلوا لأنفسهم الخيرة فيما يشرعون وينظمون خلافا لما قضى الله ورسوله، واتبعوا ما يمليه رجال تألهوهم بالحب والتعظيم... وجلبوا موالاة أعداء الله بحجة الجنس والوطن، وتعطيل الشريعة بحجة التطوير الفاسد وعبادة كل طاغوت في سبيل ذلك، كقولهم: "الدين لله والوطن للجميع"، وكقولهم: "الدين علاقة بين العبد وربه فقط لا شأن له في الحياة"... ولا زال خريجو المدارس الاستعمارية يركزون هذه المفاهيم في طبقات الأمة الإسلامية... فعلى المسلمين - شيبا وشبانا وحكومات وشعوبا -؛ أن يقاوموا هذا الشرك الجديد والوثنية الجديدة) [41].

الكفر بالطاغوت شرط لصحة الإيمان:

الطاغوت؛ يؤمن به ويكفر به، قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}، والإيمان بالطاغوت يكون بصرف نوع من أنواع العبادة له والتحاكم إليه - كما أسلفنا -

إن أعظم ركن في الإسلام جاءت به الرسل هو الإيمان بالله تعالى وحده والكفر بالطاغوت، وهو أول ما دعوا إليه قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ}، ولا يصحّ إيمان عبد حتى يكفر بالطاغوت، وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

قال ابن كثير: (أي من خلع الأنداد والأوثان وما يدعوا إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله) اهـ.

ومفهوم الآية يقتضي؛ أن من آمن بالله ولم يكفر بالطاغوت أو كفر بالطاغوت ولم يؤمن بالله؛ لم يستمسك بالعروة الوثقى التي هي الإيمان أو الإسلام أو لا إله إلا الله - كما قال أهل العلم - كما تقتضي الآية؛ أن الإيمان بالله والإيمان بالطاغوت لا يمكن اجتماعهما في قلب واحد، فإن الإيمان بأحدهما يستلزم انتفاء الآخر.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) [42].

قال محمد بن عبد الوهاب:
(فقوله: وكفر بما يعبد من دون الله تأكيد للنفي، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك، فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله) [43].

وقال أبو محمد المقدسي: (وهذا الأمر أعظم عروة من عرى الإسلام، لا تقبل دعوة ولا جهاد ولا صلاة، ولا صيام ولا زكاة ولا حج إلا به، ولا يمكن النجاة من النار دون التمسك به، إذ هو العروة الوحيدة التي ضمن الله تعالى لنا ألا تنفصم، أما ما سواها من عُرى الدين وشرائعه فلا تكفي وحدها دون هذه العروة للنجاة، قال تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا}، تأمل كيف قدم الله الكفر بالطاغوت واجتنابه في الذكر على الإيمان به، والإنابة إليه سبحانه، تماما كما قدم النفي على الإثبات في كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وما ذلك إلا تنبيها على هذا الركن العظيم من هذه العروة الوثقى، فلا يصح الإيمان بالله ولا ينفع إلا بالكفر بالطاغوت أولا) اهـ

صفة الكفر بالطاغوت:

سبق وأن عرفنا؛ أن توحيد الألوهية هو شهادة أن لا إله إلاّ الله المشتملة على النفي والإثبات، والنفي معناه؛ نفي كل ما عبد من دون الله، وعرفنا؛ أنه لا يصح إيمان العبد إلا بالكفر بالطاغوت... ويحقق العبد هذا؛ باعتقاد بطلان عبادة غير الله ويترك هذه العبادة ويبغضها ويكفّر أهلها ويعاديهم، وهذا هو المراد بالكفر بالطاغوت.

إذن فالكفر بالطاغوت يكون:

# أولا؛ بتكفيرهم:


قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، فلا بد من مخاطبتهم بصفة الكفر، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}، فقوله: {بدا} يفيد غاية الظهور والوضوح، وتقديم العداوة التي مكانها الجوارح الظاهرة على البغضاء الذي مكانه القلب وتأمل تقديم البراءة من العابدين وشركهم قبل المعبودين، وما ذلك إلا للأهمية، فإن البراءة من العابد وشركه يقتضي البراءة من المعبودين دون العكس.

والكفر بالطاغوت، يكون باجتنابهم واعتزالهم وعدم مخالطتهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي}

ويكون بجهادهم وقتالهم عند توفر الاستطاعة، قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}.

وقال صلى الله عليه وسلم:
(أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) [44].

ومن لوازم الكفر بالطواغيت؛ انتفاء موالاتهم أو موادتهم، أو الركون إليهم، أو التحالف معهم.

قال أبو محمد المقدسي: (من لوازم التوحيد ومعالمه التي هي من أهم صفات ومميّزات أتباعه؛ حب الله تعالى وحب أوليائه الموحدين الذين يعبدونه وحده لا يشركون به شيئا، وموالاتهم ونصرتهم وتكثير سوادهم، وحب انتصارهم وظهورهم، ومن لوازم الكفر بالطاغوت؛ اجتناب الشرك والبراءة منه واجتناب أهله ومفارقتهم، وبغضهم ومعاداتهم، وجهادهم باللسان والسنان عند الإمكان، وإن كانوا من الأهل والعشيرة وأقرب الأقربين) [45].

# تنبيه مهم:

بعد ذكر أقوال أهل العلم في حقيقة الطاغوت وبعض ما يدخل في مسماه شرعا وذكرنا فقه التعامل معه، يجدر بنا التنبيه على مسألة مهمة، وهي: أن الواجب الكفر بالطاغوت - كل طاغوت - أي كل ما عبد من دون الله بوجه من وجوه العبادة وهو راض بذلك - الحسية منها والمعنوية، الظاهرة والخفية، طواغيت الأشجار والأحجار والقبور وطواغيت الحكم والدستور -

أقول هذا، لأننا ابتلينا بطائفة من الناس تؤلف وتحاضر في طواغيت القبور، وتحجم - بل تدافع - عن الكلام في طواغيت الحكم والدستور، وتكفر تارك الصلاة في حين تتكلّف التأويلات لتارك الحكم بما أنزل الله.

واعلم - رحمك الله - أن "قضية توحيد الله في العبودية والكفر بالطاغوت، كانت الهمّ الأكبر، والغاية العظمى للأنبياء والرسل، لا يصرفهم عنها صارف، ولا يشغلهم عنها شاغل، ولم تكن تقبل عندهم المساومة، أو يرضوا فيها أنصاف الحلول، فإما استسلام وعبودية مطلقة لله تعالى وحده، وهو الإيمان، أو عبودية للطاغوت - ولو في جانب من جوانب العبادة - فهو الكفر والشرك، والخروج من دائرة الدين الحق إلى دين الطاغوت" [46].

لذا كان لأجلها تُسل السيوف، وتبعث البعوث، وتجهز الجيوش، وعليها يعقد الولاء والبراء، ويعلن الحرب والسلم، وفي سبيلها تبذل المهج والأرواح، ويرخص كل غال ونفيس.

-----------


[26] التفسير: 1/311.

[27] أعلام الموقعين: 1/50.

[28] وفي وقتنا الحاضر آلهة تعبد من دون الله مثل القانون والأنظمة والحكام والهيئات الدولية وغيرها مما يخالف الشرع كلها آلهة تعبد من دون الله [شرح كشف الشبهات لعلي الخضير: ص24].

[29] الفتاوى: 28/200.

[30] الدرر السنية: 8/272.

[31] التفسير: 1/519.

[32] المصطلحات الأربعة في القرآن: 79.

[33] انظر الظلال: 1/292.

[34] حاشية كتاب فتح المجيد: ص282، ط دار الكتب العلمية.

[35] أنظر الجامع في طلب العلم الشريف: ص669، وللمزيد راجع الطاغوت، لأبي بصير.

[36] هذا هو ما يعرف في القانون الوضعي بعبارة: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" أي نص شريعتهم.

[37] مقال الفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد الوطنيين.

[38] فنحن حين نرفض مشروع العفو الشامل الذي يصادق عليه الشعب لم نخالف الدّين القيّم في شيء.

[39] برغم كل ما يقال عن سلطة الشعب فالواقع يقول أن الطواغيت لا يبالون بالشعب وإنما ذلك ضحك على الإنسان، انظر العمدة، فنحن نرى الطواغيت الذين يحكمون المسلمين بالشرائع الكفرية يدّعون أنهم يستندون في شرعية حكمهم على رأي الشورى وإنهم يحترمون الديمقراطية وهم يضعون البرلمانات والأغلبية بالتزوير والخداع وإذا أعياهم هذا لجأوا إلى البطش والتنكيل والأحكام العرفية.

[40] من عجائب القوم أنهم يتحرجون الدخول في الديانة اليهودية أو النصرانية، بينما لا يجدون حرجا في الدخول في دين الديمقراطية، أو دين الاشتراكية، أو دين الشيوعية والعلمانية، أو في دين غيرها من الأحزاب التي تقوم على مبادئ وأسس كفرية... علما أن هذا دين وهذا دين، وهذا باطل، والآخر أشد بطلانا وكفرا من الأول، لأن الأول له أصل سماوي والآخر أصله يستند إلى عقول الرجال وأهوائهم!

[41] نقلا بتصرف من شرح كشف الشبهات لعلي الخضير: ص140.

[42] رواه مسلم.

[43] ومن قالها وهو مقيم على عبادة غير الله تعالى لا يبرأ من الشرك ولا يكفر به؛ لم تنفعه ولم تعصم دمه وماله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس، على أن يعبد الله ويكفر بما دونه)، وهذا تفسير على ما ورد في رواية: (على أن يوحّد الله)، ورواية: (شهادة أن لا إله إلا الله).

[44] البخاري ومسلم.

[45] الفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد الوطنيين. للمزيد راجع الكفر بالطاغوت، لأبي بصير.

[46] الطاغوت، لأبي بصير.
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

طاغوت العصر.. طواغيت تعبد من دون الله..الكفر بالطاغوت شرط لصحة الإيمان Empty رد: طاغوت العصر.. طواغيت تعبد من دون الله..الكفر بالطاغوت شرط لصحة الإيمان

مُساهمة  عاشقة السماء الإثنين ديسمبر 02, 2013 2:33 am

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق
https://t3beer.ahlamontada.com/t4091-topic#39666
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى