وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
علاء. السبت ديسمبر 21, 2013 7:00 pm
وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
بقلم أ/ خلف عبد الرءوف
عندما وطئ النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه بالمدينة كان فيها كثير ممن بقي على الشرك وعدد من قبائل اليهود وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة.. ومن طبيعة دعوة الإسلام الانفتاح على الآخر ومخاطبة المخالفين والتفاعل مع المجتمعات والثقافات غير الإسلامية.
فلم يعرف النبي (صلى الله عليه وسلم) العزلة ولم يمارسها في أي مرحلة من مراحل دعوته.. فالإسلام يأبى أن يتأثر بما يخالفه من عقائد وثقافات ولكن يقبل بل يسعي جاهدا ً إلى تحقيق التعايش والتوافق والارتباط من خلال تحقيق المصالح المشتركة بينه وبين المجتمعات المحيطة به.. فلا مجال لإقصاء الآخر أو نفيه وتهميشه.. ومن ثم خصامه وتجبيه.
من هذا المنطلق كانت عهود النبي (صلى الله عليه وسلم) مع يهود المدينة.
وقراءة واعية لنص الكتاب الذي كتبه النبي (صلى الله عليه وسلم) مع اليهود تبدي بجلاء ما أسلفنا ذكره في فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر.
معاهدة السلام والدفاع المشترك مع اليهود
ونورد هنا قطوف من الوثيقة العهد الذي أبرمه النبي (صلى الله عليه وسلم) والتي أوردها محمد بن اسحق من غير سند ونقلها عنه ابن هشام في سيرته.
"بسم الله الرحمن الرحيم"
"هذا كتاب من محمد (صلى الله عليه وسلم) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم.. وجاهد معهم.. إنهم أمة واحدة من دون الناس.. وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس".
"وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سيبل الله.. إلا على سواء وعدل بينهم.
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه.. وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله (عز وجل) وإلى محمد (صلى الله عليه وسلم).
وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم .. مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يؤتغ إلا نفسه وأهل بيته".
"وأن الله على أبر هذا.. وأن على اليهود نفقتهم وعلي المسلمين نفقتهم. وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.. وإن بينهم والنصح والنصيحة والبر دون الإثم.. وأن النصر للمظلوم .
وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.. وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.. وأن بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا دعوا إلى الصلح يصالحونه ويلبسونه.
وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.. على كل أناس حصنهم من جانبهم الذي قبلهم .. وإن البر دون الإثم.. ولا يكسب كاسب إلا على نفسه.. وأن الله على أصدق ما في هذه الصحفية وأبره" . (1)
رابطة العقيدة لا تنفي قبول الآخر والتعايش معه
جاءت هذه الوثيقة لتؤكد الفجوة العميقة وترسخ أسس التباين الذي لا التقاء بعده بين العقيدة الإسلامية وما سواها من العقائد.. وتقطع حبائل الولاء بين المؤمنين وغيرهم.. وتقصر كل آيات الولاء على أهل الإيمان.
" إنهم أمة واحدة من دون الناس.. وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض من دون الناس.. وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه" .
فالرابطة الوحيدة هي رابطة العقيدة ، والانتماء إنما يكون للدين والولاء إنما يكون لأمة الإسلام ودولته.. دون إن يكون هناك تعارض بين كل ذلك وبين حقوق وواجبات المواطنة بينهم وبين أهل البلد الواحد من غير المسلمين.. والتي تصل إلى حد التناصر والوقوف كتفا إلى كتف وجنبا إلى جنب صفا ً واحدا دفاعا ً عن الأرض والوطن.
" وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.. وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.. وأن بينهم النصر على من دهم يثرب".
ويبلغ الاعتراف بالآخر واحترام حقوقه وحرياته قمته في هذه الصحيفة دون جور أو حيف
"وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف"
السياسة والدين والأخلاق في منظومة واحدة
ثم أنك تجد في هذه الصحيفة ذات النهج القرآني الفريد في التشريع الذي يمزج الدين بالقانون ويؤلف بين الأخلاق والمصالح السياسية في نسيج واحد ونظم فريدة.. فالإسلام كله منظومة واحدة لا تنفك فيه السياسة عن الدين بل هي جزء منه.. ولا تجافي في نصوصه بين العقيدة والأخلاق.
فهذه الصحيفة هي معاهدة بين شعبين وأمتين على إقليم واحد.. يرغبان في إقامة دولة واحدة على نسق أشبه بالنظام الكونفدرالي.. وينظمان من خلال الصحيفة أسس الدولة وحقوق وواجبات كل طرف فيها ومع ذلك تجد في أكثر من موضع كلمة "وإن الله على أبر هذا.. وإن الله جار لمن بر واتقي.. وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.. وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه.. وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة لا يؤخذ منه صرف ولا عدل".
إنها قداسة الالتزام العقائدي وحرمة الحدود الإلهية وفرضية الواجبات الدينية تشيع بروحها بين بنود اتفاقية مدنية جاءت لتنظم أمورا اقتصادية "على المسلمين نفقتهم وعلى اليهود نفقتهم.. اليهود ينفقون مع المسلمين ما داموا محاربين".
والتزامات سياسية "وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها.. وخطط عسكرية عليهم".
النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.. على كل أناس حصتهم التي من جانبهم".
وتضع المرجعية القانونية والتشريعية "وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله (عز وجل) والى محمد (صلى الله عليه وسلم)".
جاءت هذه الصحيفة لترسخ الإطار أو الصبغة الأخلاقية التي ينبغي أن تحكم السياسة وترسي لها دورها وحدودها.. فالإسلام لا يقر تعاهدا ولا اتفاقا يقوم على الإثم والظلم وأكل أموال الناس بالباطل واستغلال الشعوب المستضعفة "وأنه البردون الإثم ".. عدل لا جور فيه.
" وأنه لا يكسب كاسب إلا علي نفسه".. وانه لا يتأثر أمرؤ بحليفه فلا يؤخذ محسن بجريرة مسيء".
"وأن بينهم النصح والنصيحة".. حوار هادئ بين أنباء الوطن الواحد على ما بينهم من اختلاف.
" وأن النصر للمظلوم ".. انتصار لحقوق الضعفاء مهما كانت قوة الظالم - في عالم تسوده القوة لأن.
الحق فوق القوة والعدل فوق المصلحة.
كل يعمل على شاكلته بالبر والقسط
نهج النبي (صلى الله عليه وسلم) مع يهود المدينة نهج البر والوفاء والاحترام للعهد المبرم والميثاق المقطوع وتجاوز عن كثير من سخافاتهم ومطاعنهم وتشكيكهم في أصل الرسالة ونبوة محمد (صلى الله عليه وسلم).. وكان يكتفي في ذلك بالجدل بالتي هي أحسن ورد الشبهة بالحجة ودفع الباطل بالحق.
"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " الآية – العنكبوت 46
وعاملهم بالبر والقسط الذي أمر الله به "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الممتحنة – الآية8
ولم يكن البر الذي عاملهم به (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه مجرد الكف عنهم.. بل كان المسلمون يعودون من مرض من اليهود.. ويتعاملون معهم في البيع والشراء والرهن والقرض والكراء .. وعمل بعض المسلمين لدى بعض اليهود لقاء أجرة معلومة.
وكانوا يغشَون مجالسهم ويأكلون من طعامهم.. بل أن الله قد أجاز لهم نكاح نسائهم "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" المائدة – الآية 5.
بما يستتبع المناكحة من صلة ومودة وسكن "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الروم – الآية 21
ويقبلون دعوتهم وهداياهم ويهدونهم.. حتى أنه (صلى الله عليه وسلم) في بادئ هجرته كان يتشبه بهم في بعض مسلكهم مثل صيام يوم عاشوراء وبعض العادات.
ولم يسجل التاريخ على النبي (صلى الله عليه سلم) وأصحابه خرقا ً واحدا للعهد في بند أو حرف منه.
ولقد طمع النبي (صلى الله عليه وسلم) في إسلام اليهود فهم أهل الكتاب الأول وعندهم نعت النبي (صلى الله عليه وسلم) وخبره.. فقد كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا مرتقبين بعثته آملين أن يخرج نبي أخر الزمان فيتبعونه ويقاتلون به أهل الشرك وعبدت الأوثان كما كانوا يتوعدون جيرانهم من العرب بذلك.
وهكذا بقي (صلى الله عليه وسلم) على عهده معهم.. يرد سفاهاتهم بالحجة وإساءاتهم بالإحسان ويتودد إليهم.
وفي المقابل إيذاء وكيد
على الجانب الآخر كان اليهود يعملون على شاكلتهم من لدد في الخصومة "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" الآية - المائدة- 82
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ"
الحرب النفسية والمعنوية
لقد راح اليهود يثيرون الشبهات حول الرسالة والرسول (صلى الله عليه وسلم) وينتقصون من قدره بالسخرية
منه والاستهزاء به في محاولة لخلخلة العقيدة في نفوس المسلمين وراح القرآن يكشف سوءاتهم ويفضح أمرهم لعلهم يرعون ويدركون أن ما تخفيه صدورهم مرصود فضلا عما تفيه به أفواههم.
"سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"– البقرة 142".. تشكيكا في مسألة تغيير القبلة.
"َّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ" -آل عمران - 181.. تعريضاً بقوله تعالي "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" البقرة245
"ّمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً " الآية - النساء – 46
"وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" الآية – البقرة 14
"وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" آل عمران – الآية 72
" وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ"- البقرة - الآية 76
وغير ذلك الكثير مما تتبعه الوحي من أراجيفهم وأباطيلهم.
نزع فتيل الفتنة وإشعال نار الحرب الأهلية
لم يكتف اليهود بهذه الأقوال والمواقف المستفزة والتي تعد نوعا من الحرب النفسية والمعنوية.. بل راحو يخططون لتأجيج نيران الفتنة الطائفية ونزع فتيل حرب أهلية بين قطبي الأنصار بالمدينة الأوس والخزرج الأوس.
فقد كان شاس ابن قيس ـ وهو شيخ يهودي قد عسا ـ "عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم" - على نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه سلم) من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام.. بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.. فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد.. لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.. فأمر فتى شابا ًمن يهود كان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم.. ثم اذكر يوم بعث وما كان من قبله.. وانشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار.. ففعل فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا.. حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب وتقاولا ثم قال أحدهما لصحابه: إن شئتم رددناها الآن جذعه.. يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم وغضب الفريقان جميعا ً وقالوا : قد فعلنا موعدكم الظاهرة – والظاهرة : الحرة – السلاح ، فخرجوا إليها ( وكادت تنشب الحرب).. فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين.. حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين.. الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم.. بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر وألف بين قلوبكم.
فعرف القوم أنها نزغة شيطان وكيد من عدوهم.. فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا.. ثم انصرفوا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سامعين مطيعين قد أطفأ الله كيد عدو الله شاس بن قيس)"(2)
سلام بن مشكم يقدم الدعم لقريش بغزوة السويق
فبعد هزيمة المشركين في بدر أراد أبو سفيان أن يقوم بعمل عسكري سريع ومؤثر يحدث به نكاية في المسلمين ويذهب عنهم تشوه النصر.. فخرج في مائتي راكب متخفيا حتى أتى المدينة فاستفتح حيي بن أخطب (من زعماء يهود بني النضير) فلم يفتح له وخاف.. فأتي سلام بن مشكم سيد بني النضير وصاحب كنزهم.. فأضافه وأكرمه وأخبره بما يعلم من أمر المسلمين فبعث أبو سفيان مفرزة من أصحابه إلى ناحية العريض بالمدينة فقطعوا وأحرقوا بعض النخيل وقتلوا رجلا من الأنصار وحليفا ً له وفروا هاربين.
تحذير نبوي وصفاقة يهودية
ازدادت تحرشات اليهود بالمسلمين.. وعالت على الصبر تجاوزاتهم وخروقاتهم للعهد وضاقت نفوس المسلمين بدسائسهم ومؤامراتهم.. وكان أشدهم على المسلمين بنو قينقاع.. فقد كانوا صناعا ً وتجارا ً وقد تجمع لهم من صناعاتهم غير قليل من الكراع وعدة الحرب وكان مقاتلتهم سبعمائة رجل قد أورثوا قومهم حمية وبطرا واغترارا بالقوة.
وقد ازداد بغي اليهود وأذاهم بعد انتصار المسلمين في بدر حقدا وحسدا لرسول الله (صلى الله عليه سلم) فلما قدم من بدر بغت يهود وقطعت ما بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه سلم) من العهد فجمعهم بسوق بني قينقاع وقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يوقع الله بكم مثل وقعة قريش فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله.. فقالوا يا محمد لا يغرنك من لقيت.. إنك قهرت قوماً أغماراً وإنا والله أصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا". (3)
فانزل الله تعالى فيهم:" قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ"قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ" -آل عمران – الآية12: 13
فانبذ إليهم على سواء
لم يؤت التحذير النبوي لليهود شيئا من ثماره.. بل كان موقفهم بعده عكس المنشود تماما ً فازدادت تحرشاتهم وأذاهم بمن غشي أسواقهم من المسلمين حتى بلغ الأمر حد العبث بعورات نساء المسلمين.
"فقد كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها.. فجعلوا يريدونها عن كشف وجهها فأبت.. فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشف سوأتها.. فضحكوا بها.. فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً.. وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود.. فغضب المسلمون.. فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع". (4)
عند ذلك لم يعد الصبر والحلم والأناة والصفح والإعراض من عزائم الأمور ولا من مكارم الأخلاق بل هي ترجمة لمعاني الجبن والتخاذل والضعف والاستكانة وهي أخلاق أبعد ما تكون عن خلق النبي (صلى الله عليه سلم) وأصحابه ما دامت هناك القوة الكافية للتصدي لهذا العبث وتلك السفاهات.. فتلك أمور لا يسع المسلم الصبر عليها اللهم إلا أن يكون مستضعفا ً عاجزا ً عن التصدي لها فلا عليه أن يصبر على الضيم حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
نَكَتََ يهود بني قينقاع بأيديهم نكتة أنهوا بها سطرا ً طويلاً من كلمات ومعاني الحلم والأناة والصبر.. لتبدأ فقرة جديدة كتبتها لهم أيدي المؤمنين انتهت بهلاكهم.
فقد أنزل الله على نبيه (صلى الله عليه سلم) "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ * َإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ " - الأنفال - 55: 60
فقال (صلى الله عليه سلم) : أنا أخاف بني قينقاع.
"فاحتمال الغدر قائم في كل لحظة ولم يكن هناك خيار من المعركة وإن كان لابد من ذلك فليكن المسلمون هم البادءون.. لقد نبذ إليهم الرسول (صلى الله عليه سلم) منذ أن دعاهم إلى الإسلام.. وفي تحرك سريع خاطف كان اليهود محاصرين في بيوتهم وحصونهم".(5)
استمر الحصار خمسة عشر يوما ًٍ نزل بعدها اليهود على حكم النبي (صلى الله عليه سلم) في رقابهم على أن تبقي نساؤهم وذراريهم.. لولا تدخل عبد الله بن أبي وإلحاحه الشديد على النبي (صلى الله عليه سلم) في أن لا يقتل مقاتليهم ولم يكن قد مضى على إسلامه شهرا وكان منافقا ً يخشى على حلفائه فوهبهم له النبي (صلى الله عليه سلم) على أن يخرجوا من المدينة بلا سلاح أو أعتاد.. فخرجوا إلى أدرعات الشام حتى هلك معظمهم فيها.
كان ذلك عقاب رادع وجزاءا وفاقا ً لا بغي فيه ورسالة شديدة اللهجة إلى باقي الحلفاء من يهود الذين يتململون ضائقين بحالة السلم العام بالمدينة متربصين بالمسلمين فرصة ودائرة للانقضاض على العهد ونبذ الميثاق.
كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت منتصف شوال بعد بدر ببضعة وعشرين يوما.
هذا هو الإرهاب الذي نزلت فيه الآيات.. فالإرهاب المأمور به شرعا ً هو قوة الردع التي يلوح بها المسلمون لرؤوس الأفاعي كي تسكن في جحورها وتلملم أيادي الأذى عن الآمنين من المؤمنين وغيرهم.
فالإرهاب الذي أمر الله به موجه لقوى البغي والطغيان كي يرعوا ويرتدعوا وهو رسالة موجهة للمتآمرين المتحرقين لانتهاك الحرمات بأن دورهم آت إن لم ينتهوا.
وهو ذكرى وعبرة لكل من تحدثه نفسه بنقض العهد أو طعن ظهور المسلمين بسلاح الغدر والخيانة.
هـوامـش
لسيرة النبوية - لابن هشام – ج 2 – ص 527 : 531.
الرحيق المختوم صفي الرحمن المباركفوري ص 278.. والقصة عند ابن هشام جزء 1 ص 555 ، 556 .
إمتاع الأسماع للمقريزي ـ ج 1 ـ ص 104.
السيرة النبوية - لابن هشام – ج 2 – ص 809.
المنهج الحركي للسيرة النبوية – منير محمد الغضبان – ج 2 - ص .286
بقلم أ/ خلف عبد الرءوف
عندما وطئ النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه بالمدينة كان فيها كثير ممن بقي على الشرك وعدد من قبائل اليهود وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة.. ومن طبيعة دعوة الإسلام الانفتاح على الآخر ومخاطبة المخالفين والتفاعل مع المجتمعات والثقافات غير الإسلامية.
فلم يعرف النبي (صلى الله عليه وسلم) العزلة ولم يمارسها في أي مرحلة من مراحل دعوته.. فالإسلام يأبى أن يتأثر بما يخالفه من عقائد وثقافات ولكن يقبل بل يسعي جاهدا ً إلى تحقيق التعايش والتوافق والارتباط من خلال تحقيق المصالح المشتركة بينه وبين المجتمعات المحيطة به.. فلا مجال لإقصاء الآخر أو نفيه وتهميشه.. ومن ثم خصامه وتجبيه.
من هذا المنطلق كانت عهود النبي (صلى الله عليه وسلم) مع يهود المدينة.
وقراءة واعية لنص الكتاب الذي كتبه النبي (صلى الله عليه وسلم) مع اليهود تبدي بجلاء ما أسلفنا ذكره في فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر.
معاهدة السلام والدفاع المشترك مع اليهود
ونورد هنا قطوف من الوثيقة العهد الذي أبرمه النبي (صلى الله عليه وسلم) والتي أوردها محمد بن اسحق من غير سند ونقلها عنه ابن هشام في سيرته.
"بسم الله الرحمن الرحيم"
"هذا كتاب من محمد (صلى الله عليه وسلم) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم.. وجاهد معهم.. إنهم أمة واحدة من دون الناس.. وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس".
"وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سيبل الله.. إلا على سواء وعدل بينهم.
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه.. وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله (عز وجل) وإلى محمد (صلى الله عليه وسلم).
وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم .. مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يؤتغ إلا نفسه وأهل بيته".
"وأن الله على أبر هذا.. وأن على اليهود نفقتهم وعلي المسلمين نفقتهم. وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.. وإن بينهم والنصح والنصيحة والبر دون الإثم.. وأن النصر للمظلوم .
وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.. وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.. وأن بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا دعوا إلى الصلح يصالحونه ويلبسونه.
وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.. على كل أناس حصنهم من جانبهم الذي قبلهم .. وإن البر دون الإثم.. ولا يكسب كاسب إلا على نفسه.. وأن الله على أصدق ما في هذه الصحفية وأبره" . (1)
رابطة العقيدة لا تنفي قبول الآخر والتعايش معه
جاءت هذه الوثيقة لتؤكد الفجوة العميقة وترسخ أسس التباين الذي لا التقاء بعده بين العقيدة الإسلامية وما سواها من العقائد.. وتقطع حبائل الولاء بين المؤمنين وغيرهم.. وتقصر كل آيات الولاء على أهل الإيمان.
" إنهم أمة واحدة من دون الناس.. وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض من دون الناس.. وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه" .
فالرابطة الوحيدة هي رابطة العقيدة ، والانتماء إنما يكون للدين والولاء إنما يكون لأمة الإسلام ودولته.. دون إن يكون هناك تعارض بين كل ذلك وبين حقوق وواجبات المواطنة بينهم وبين أهل البلد الواحد من غير المسلمين.. والتي تصل إلى حد التناصر والوقوف كتفا إلى كتف وجنبا إلى جنب صفا ً واحدا دفاعا ً عن الأرض والوطن.
" وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.. وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.. وأن بينهم النصر على من دهم يثرب".
ويبلغ الاعتراف بالآخر واحترام حقوقه وحرياته قمته في هذه الصحيفة دون جور أو حيف
"وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف"
السياسة والدين والأخلاق في منظومة واحدة
ثم أنك تجد في هذه الصحيفة ذات النهج القرآني الفريد في التشريع الذي يمزج الدين بالقانون ويؤلف بين الأخلاق والمصالح السياسية في نسيج واحد ونظم فريدة.. فالإسلام كله منظومة واحدة لا تنفك فيه السياسة عن الدين بل هي جزء منه.. ولا تجافي في نصوصه بين العقيدة والأخلاق.
فهذه الصحيفة هي معاهدة بين شعبين وأمتين على إقليم واحد.. يرغبان في إقامة دولة واحدة على نسق أشبه بالنظام الكونفدرالي.. وينظمان من خلال الصحيفة أسس الدولة وحقوق وواجبات كل طرف فيها ومع ذلك تجد في أكثر من موضع كلمة "وإن الله على أبر هذا.. وإن الله جار لمن بر واتقي.. وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.. وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه.. وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة لا يؤخذ منه صرف ولا عدل".
إنها قداسة الالتزام العقائدي وحرمة الحدود الإلهية وفرضية الواجبات الدينية تشيع بروحها بين بنود اتفاقية مدنية جاءت لتنظم أمورا اقتصادية "على المسلمين نفقتهم وعلى اليهود نفقتهم.. اليهود ينفقون مع المسلمين ما داموا محاربين".
والتزامات سياسية "وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها.. وخطط عسكرية عليهم".
النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.. على كل أناس حصتهم التي من جانبهم".
وتضع المرجعية القانونية والتشريعية "وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله (عز وجل) والى محمد (صلى الله عليه وسلم)".
جاءت هذه الصحيفة لترسخ الإطار أو الصبغة الأخلاقية التي ينبغي أن تحكم السياسة وترسي لها دورها وحدودها.. فالإسلام لا يقر تعاهدا ولا اتفاقا يقوم على الإثم والظلم وأكل أموال الناس بالباطل واستغلال الشعوب المستضعفة "وأنه البردون الإثم ".. عدل لا جور فيه.
" وأنه لا يكسب كاسب إلا علي نفسه".. وانه لا يتأثر أمرؤ بحليفه فلا يؤخذ محسن بجريرة مسيء".
"وأن بينهم النصح والنصيحة".. حوار هادئ بين أنباء الوطن الواحد على ما بينهم من اختلاف.
" وأن النصر للمظلوم ".. انتصار لحقوق الضعفاء مهما كانت قوة الظالم - في عالم تسوده القوة لأن.
الحق فوق القوة والعدل فوق المصلحة.
كل يعمل على شاكلته بالبر والقسط
نهج النبي (صلى الله عليه وسلم) مع يهود المدينة نهج البر والوفاء والاحترام للعهد المبرم والميثاق المقطوع وتجاوز عن كثير من سخافاتهم ومطاعنهم وتشكيكهم في أصل الرسالة ونبوة محمد (صلى الله عليه وسلم).. وكان يكتفي في ذلك بالجدل بالتي هي أحسن ورد الشبهة بالحجة ودفع الباطل بالحق.
"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " الآية – العنكبوت 46
وعاملهم بالبر والقسط الذي أمر الله به "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الممتحنة – الآية8
ولم يكن البر الذي عاملهم به (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه مجرد الكف عنهم.. بل كان المسلمون يعودون من مرض من اليهود.. ويتعاملون معهم في البيع والشراء والرهن والقرض والكراء .. وعمل بعض المسلمين لدى بعض اليهود لقاء أجرة معلومة.
وكانوا يغشَون مجالسهم ويأكلون من طعامهم.. بل أن الله قد أجاز لهم نكاح نسائهم "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" المائدة – الآية 5.
بما يستتبع المناكحة من صلة ومودة وسكن "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الروم – الآية 21
ويقبلون دعوتهم وهداياهم ويهدونهم.. حتى أنه (صلى الله عليه وسلم) في بادئ هجرته كان يتشبه بهم في بعض مسلكهم مثل صيام يوم عاشوراء وبعض العادات.
ولم يسجل التاريخ على النبي (صلى الله عليه سلم) وأصحابه خرقا ً واحدا للعهد في بند أو حرف منه.
ولقد طمع النبي (صلى الله عليه وسلم) في إسلام اليهود فهم أهل الكتاب الأول وعندهم نعت النبي (صلى الله عليه وسلم) وخبره.. فقد كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا مرتقبين بعثته آملين أن يخرج نبي أخر الزمان فيتبعونه ويقاتلون به أهل الشرك وعبدت الأوثان كما كانوا يتوعدون جيرانهم من العرب بذلك.
وهكذا بقي (صلى الله عليه وسلم) على عهده معهم.. يرد سفاهاتهم بالحجة وإساءاتهم بالإحسان ويتودد إليهم.
وفي المقابل إيذاء وكيد
على الجانب الآخر كان اليهود يعملون على شاكلتهم من لدد في الخصومة "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" الآية - المائدة- 82
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ"
الحرب النفسية والمعنوية
لقد راح اليهود يثيرون الشبهات حول الرسالة والرسول (صلى الله عليه وسلم) وينتقصون من قدره بالسخرية
منه والاستهزاء به في محاولة لخلخلة العقيدة في نفوس المسلمين وراح القرآن يكشف سوءاتهم ويفضح أمرهم لعلهم يرعون ويدركون أن ما تخفيه صدورهم مرصود فضلا عما تفيه به أفواههم.
"سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"– البقرة 142".. تشكيكا في مسألة تغيير القبلة.
"َّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ" -آل عمران - 181.. تعريضاً بقوله تعالي "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" البقرة245
"ّمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً " الآية - النساء – 46
"وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" الآية – البقرة 14
"وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" آل عمران – الآية 72
" وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ"- البقرة - الآية 76
وغير ذلك الكثير مما تتبعه الوحي من أراجيفهم وأباطيلهم.
نزع فتيل الفتنة وإشعال نار الحرب الأهلية
لم يكتف اليهود بهذه الأقوال والمواقف المستفزة والتي تعد نوعا من الحرب النفسية والمعنوية.. بل راحو يخططون لتأجيج نيران الفتنة الطائفية ونزع فتيل حرب أهلية بين قطبي الأنصار بالمدينة الأوس والخزرج الأوس.
فقد كان شاس ابن قيس ـ وهو شيخ يهودي قد عسا ـ "عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم" - على نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه سلم) من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام.. بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.. فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد.. لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.. فأمر فتى شابا ًمن يهود كان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم.. ثم اذكر يوم بعث وما كان من قبله.. وانشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار.. ففعل فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا.. حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب وتقاولا ثم قال أحدهما لصحابه: إن شئتم رددناها الآن جذعه.. يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم وغضب الفريقان جميعا ً وقالوا : قد فعلنا موعدكم الظاهرة – والظاهرة : الحرة – السلاح ، فخرجوا إليها ( وكادت تنشب الحرب).. فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين.. حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين.. الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم.. بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر وألف بين قلوبكم.
فعرف القوم أنها نزغة شيطان وكيد من عدوهم.. فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا.. ثم انصرفوا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سامعين مطيعين قد أطفأ الله كيد عدو الله شاس بن قيس)"(2)
سلام بن مشكم يقدم الدعم لقريش بغزوة السويق
فبعد هزيمة المشركين في بدر أراد أبو سفيان أن يقوم بعمل عسكري سريع ومؤثر يحدث به نكاية في المسلمين ويذهب عنهم تشوه النصر.. فخرج في مائتي راكب متخفيا حتى أتى المدينة فاستفتح حيي بن أخطب (من زعماء يهود بني النضير) فلم يفتح له وخاف.. فأتي سلام بن مشكم سيد بني النضير وصاحب كنزهم.. فأضافه وأكرمه وأخبره بما يعلم من أمر المسلمين فبعث أبو سفيان مفرزة من أصحابه إلى ناحية العريض بالمدينة فقطعوا وأحرقوا بعض النخيل وقتلوا رجلا من الأنصار وحليفا ً له وفروا هاربين.
تحذير نبوي وصفاقة يهودية
ازدادت تحرشات اليهود بالمسلمين.. وعالت على الصبر تجاوزاتهم وخروقاتهم للعهد وضاقت نفوس المسلمين بدسائسهم ومؤامراتهم.. وكان أشدهم على المسلمين بنو قينقاع.. فقد كانوا صناعا ً وتجارا ً وقد تجمع لهم من صناعاتهم غير قليل من الكراع وعدة الحرب وكان مقاتلتهم سبعمائة رجل قد أورثوا قومهم حمية وبطرا واغترارا بالقوة.
وقد ازداد بغي اليهود وأذاهم بعد انتصار المسلمين في بدر حقدا وحسدا لرسول الله (صلى الله عليه سلم) فلما قدم من بدر بغت يهود وقطعت ما بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه سلم) من العهد فجمعهم بسوق بني قينقاع وقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يوقع الله بكم مثل وقعة قريش فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله.. فقالوا يا محمد لا يغرنك من لقيت.. إنك قهرت قوماً أغماراً وإنا والله أصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا". (3)
فانزل الله تعالى فيهم:" قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ"قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ" -آل عمران – الآية12: 13
فانبذ إليهم على سواء
لم يؤت التحذير النبوي لليهود شيئا من ثماره.. بل كان موقفهم بعده عكس المنشود تماما ً فازدادت تحرشاتهم وأذاهم بمن غشي أسواقهم من المسلمين حتى بلغ الأمر حد العبث بعورات نساء المسلمين.
"فقد كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها.. فجعلوا يريدونها عن كشف وجهها فأبت.. فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشف سوأتها.. فضحكوا بها.. فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً.. وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود.. فغضب المسلمون.. فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع". (4)
عند ذلك لم يعد الصبر والحلم والأناة والصفح والإعراض من عزائم الأمور ولا من مكارم الأخلاق بل هي ترجمة لمعاني الجبن والتخاذل والضعف والاستكانة وهي أخلاق أبعد ما تكون عن خلق النبي (صلى الله عليه سلم) وأصحابه ما دامت هناك القوة الكافية للتصدي لهذا العبث وتلك السفاهات.. فتلك أمور لا يسع المسلم الصبر عليها اللهم إلا أن يكون مستضعفا ً عاجزا ً عن التصدي لها فلا عليه أن يصبر على الضيم حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
نَكَتََ يهود بني قينقاع بأيديهم نكتة أنهوا بها سطرا ً طويلاً من كلمات ومعاني الحلم والأناة والصبر.. لتبدأ فقرة جديدة كتبتها لهم أيدي المؤمنين انتهت بهلاكهم.
فقد أنزل الله على نبيه (صلى الله عليه سلم) "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ * َإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ " - الأنفال - 55: 60
فقال (صلى الله عليه سلم) : أنا أخاف بني قينقاع.
"فاحتمال الغدر قائم في كل لحظة ولم يكن هناك خيار من المعركة وإن كان لابد من ذلك فليكن المسلمون هم البادءون.. لقد نبذ إليهم الرسول (صلى الله عليه سلم) منذ أن دعاهم إلى الإسلام.. وفي تحرك سريع خاطف كان اليهود محاصرين في بيوتهم وحصونهم".(5)
استمر الحصار خمسة عشر يوما ًٍ نزل بعدها اليهود على حكم النبي (صلى الله عليه سلم) في رقابهم على أن تبقي نساؤهم وذراريهم.. لولا تدخل عبد الله بن أبي وإلحاحه الشديد على النبي (صلى الله عليه سلم) في أن لا يقتل مقاتليهم ولم يكن قد مضى على إسلامه شهرا وكان منافقا ً يخشى على حلفائه فوهبهم له النبي (صلى الله عليه سلم) على أن يخرجوا من المدينة بلا سلاح أو أعتاد.. فخرجوا إلى أدرعات الشام حتى هلك معظمهم فيها.
كان ذلك عقاب رادع وجزاءا وفاقا ً لا بغي فيه ورسالة شديدة اللهجة إلى باقي الحلفاء من يهود الذين يتململون ضائقين بحالة السلم العام بالمدينة متربصين بالمسلمين فرصة ودائرة للانقضاض على العهد ونبذ الميثاق.
كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت منتصف شوال بعد بدر ببضعة وعشرين يوما.
هذا هو الإرهاب الذي نزلت فيه الآيات.. فالإرهاب المأمور به شرعا ً هو قوة الردع التي يلوح بها المسلمون لرؤوس الأفاعي كي تسكن في جحورها وتلملم أيادي الأذى عن الآمنين من المؤمنين وغيرهم.
فالإرهاب الذي أمر الله به موجه لقوى البغي والطغيان كي يرعوا ويرتدعوا وهو رسالة موجهة للمتآمرين المتحرقين لانتهاك الحرمات بأن دورهم آت إن لم ينتهوا.
وهو ذكرى وعبرة لكل من تحدثه نفسه بنقض العهد أو طعن ظهور المسلمين بسلاح الغدر والخيانة.
هـوامـش
لسيرة النبوية - لابن هشام – ج 2 – ص 527 : 531.
الرحيق المختوم صفي الرحمن المباركفوري ص 278.. والقصة عند ابن هشام جزء 1 ص 555 ، 556 .
إمتاع الأسماع للمقريزي ـ ج 1 ـ ص 104.
السيرة النبوية - لابن هشام – ج 2 – ص 809.
المنهج الحركي للسيرة النبوية – منير محمد الغضبان – ج 2 - ص .286
علاء.- زائر
رد: وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
جعبة الأسهم السبت ديسمبر 21, 2013 9:49 pm
أخي/ علاء
هذا ما يريد اليهود أن يصوروه لنا ويتم ترويجه على أنه كوثيقة العهد النبوي .. لعلمك اليهود هم من يقتل ابنائنا في افغانستان والعراق والصومال وما الجيش الامريكي والناتو إلا مرتزقة بيد اليهود .. أبعد كل هذا نعقد الصلح معهم !!!!
ثم يا أخي علاء لسنا في موقف القوة وأي وثيقة بيننا وبينهم تدل على عدم العداء وهم يقتلوننا ويسهلون للرافضة دعائياً ولوجستياً لابادتنا ..فهي تجعلهم كدولة ونحن كأقلية ..أي عكس وثيقة المدينة تماماً (انتبه فأنت في عصر الدجال وتقليب الأمور) .. والله المستعان
هذا ما يريد اليهود أن يصوروه لنا ويتم ترويجه على أنه كوثيقة العهد النبوي .. لعلمك اليهود هم من يقتل ابنائنا في افغانستان والعراق والصومال وما الجيش الامريكي والناتو إلا مرتزقة بيد اليهود .. أبعد كل هذا نعقد الصلح معهم !!!!
ثم يا أخي علاء لسنا في موقف القوة وأي وثيقة بيننا وبينهم تدل على عدم العداء وهم يقتلوننا ويسهلون للرافضة دعائياً ولوجستياً لابادتنا ..فهي تجعلهم كدولة ونحن كأقلية ..أي عكس وثيقة المدينة تماماً (انتبه فأنت في عصر الدجال وتقليب الأمور) .. والله المستعان
جعبة الأسهم- الفقير إلى عفو ربه
- عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013
رد: وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
علاء السبت ديسمبر 21, 2013 9:59 pm
اخونا
توحيد الشعب او الجماعه او القبيله او سميها ماشئت
طريقتين لاثالث لهما
الطريقه الاولى = توحدهم على رئيس او امام واحد موجود على الواقع لكي يتأمرون بأمره (موجود على الواقع) يعني امام موجود عايش يتنفس ياكل ويشرب . يعني احد رؤساء العالم اليوم اما الملك عبدالله او غيره .........
الطريقه الثانيه = بالعقيده وهي التحذير من الغلو بالتفريط والغلو بالتشدد.......
هنا سؤال كيف اعرف المتشدد من المتساهل
او
ماهي مصادر القياس على الغلو هنا بهذا الموضع ............ المصادر التي يعتمد عليها هي السلف الصالح بدأ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم و بالصحابه الى القرن الثالث
تحذير
لايقاس على اننا بحالة ضعف او بحالة قوة او بحالة كذا وكذا ولاتقيس على الواقع الحالي ابدا(لان القياس هو سبب التفرق)
توحيد الشعب او الجماعه او القبيله او سميها ماشئت
طريقتين لاثالث لهما
الطريقه الاولى = توحدهم على رئيس او امام واحد موجود على الواقع لكي يتأمرون بأمره (موجود على الواقع) يعني امام موجود عايش يتنفس ياكل ويشرب . يعني احد رؤساء العالم اليوم اما الملك عبدالله او غيره .........
الطريقه الثانيه = بالعقيده وهي التحذير من الغلو بالتفريط والغلو بالتشدد.......
هنا سؤال كيف اعرف المتشدد من المتساهل
او
ماهي مصادر القياس على الغلو هنا بهذا الموضع ............ المصادر التي يعتمد عليها هي السلف الصالح بدأ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم و بالصحابه الى القرن الثالث
تحذير
لايقاس على اننا بحالة ضعف او بحالة قوة او بحالة كذا وكذا ولاتقيس على الواقع الحالي ابدا(لان القياس هو سبب التفرق)
علاء- اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدجال
- عدد المساهمات : 1603
تاريخ التسجيل : 31/07/2013
رد: وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
جعبة الأسهم السبت ديسمبر 21, 2013 10:27 pm
علاء كتب:
تحذير
لايقاس على اننا بحالة ضعف او بحالة قوة او بحالة كذا وكذا ولاتقيس على الواقع الحالي ابدا(لان القياس هو سبب التفرق)
أخي/ علاء
من الجميل أنك أخرجت بعض علمك .. يبدو أنك متخصص في باب معين وهم الجماعات المتشددة كما أتوقع من خلال ردك ..
لكن كيف يكون القياس سبب للتفرق وهو مصدر من مصادر التشريع الاربع ؟
1- القرآن الكريم
2- السنة.
3- الاجماع
4- القياس
ما أعلمه هو أن البغي والتأويل الخاطيء هما أول اسباب التفرق !!!
جعبة الأسهم- الفقير إلى عفو ربه
- عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013
رد: وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
علاء السبت ديسمبر 21, 2013 10:43 pm
انت تعتبرني اقيس على التشدد
لاكنك انت اهملت ان 30 بالمية صوفيه 10 بالميه شيعه 5 بالميه اشاعره و2 بالمية و3 بالميه
فرق كثيرة
انت تريد تجمع فرقتين بس انت تريد تجمع المتشددين بمن يخالفهم فقط
لان هدفك جهادي ليس دعوي ليس نشر اسلام هدفك تحرير القدس فقط
لاكنك انت اهملت ان 30 بالمية صوفيه 10 بالميه شيعه 5 بالميه اشاعره و2 بالمية و3 بالميه
فرق كثيرة
انت تريد تجمع فرقتين بس انت تريد تجمع المتشددين بمن يخالفهم فقط
لان هدفك جهادي ليس دعوي ليس نشر اسلام هدفك تحرير القدس فقط
علاء- اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدجال
- عدد المساهمات : 1603
تاريخ التسجيل : 31/07/2013
رد: وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
جعبة الأسهم السبت ديسمبر 21, 2013 10:47 pm
حسنا أخي "علاء" قد تكون عرفت ما اتمناه وما اهدف إليه في الظاهر وهو ما يريده كل مسلم صادق .. لكنك تجاهلت أنك لا تعلم كل شيء حيث أن لكل أمريء باطن وما يدريك عن باطني يا عبد من عباد الله .. دعك الآن من أهدافي وأجبني فهذا أفضل لاثراء الموضوع .. والله منوراء القصد
جعبة الأسهم- الفقير إلى عفو ربه
- عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013
رد: وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
علاء السبت ديسمبر 21, 2013 10:51 pm
هدفك الزج بمن هم صغار ومتحمسين الى الهلاك بأسم انه جهاد ويجب تحرير الاراضي من الاعداء
هذا هو الخطأ لان هذا الامر ليس لاي شخص هذا يكون للامام فقط
لان هذه الدول بينها اتفاقيات ومعاهدات
هذا هو الخطأ لان هذا الامر ليس لاي شخص هذا يكون للامام فقط
لان هذه الدول بينها اتفاقيات ومعاهدات
علاء- اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدجال
- عدد المساهمات : 1603
تاريخ التسجيل : 31/07/2013
رد: وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
جعبة الأسهم الأحد ديسمبر 22, 2013 11:02 am
أخي/ علاء
يا رجل أين أنت مما يجري من حولك ؟!!!
لم يعد الصغار بحاجة للزج بهم فهم يشاهدون مآسي المسلمين ولديهم وسائل التواصل وقد يعلمون من الاخبار ما لا تعلمه انت ولا أعلمه انا .. المسألة اخي علاء تجاوزت هذا الأمر .. وإن كنت عرفت امنيتي في تحرير المسجد الاقصى فهذا ليس بجديد فأنا أعلنه وأحث عليه وأسأل الله عز وجل أن يهيء لنا صلاة في المسجد الاقصى .. وكونك عرفت ظاهر حديثي فهذا لا يعني أنك عرفت نيتي من هذا الأمر وهو إهلاك الأمة كما تزعم .. بل لن تكون نجاة الأمة إلا بنزع هذا السرطان الصهيوني الجاثم على صدرها لعشرات السنين ..
ودعني اضعك على المحك أخي علاء ..
فكما تعلم كثيرا ما هدد حكام بلاد الحرمين اسرائيل بسحب المبادرة العربية .. وهذا يعني أنها قد تسحب يوما ما وقد يكون هذا اليوم قريب .. ولذلك أنا اسعى في هذا الاتجاه ولا أخفي أهدافي لقناعتي أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .. أي أن مجهودي يركز على تحريك الدول بمن فيها صغار وكبار لاعلان الجهاد ضد العدو .. اما الصغار فليس هناك جهود تذكر لتحريكهم والزج بهم كما تدعي .. فهؤلاء من يزج بهم هو بشار وزمرته بما يفعلون بالمسلمين في سوريا .. هؤلاء الصغار حركتهم المآسي التي شاهدوها فبحثوا بأنفسهم عن الطريق الموصل لنجدة المسلمين حركهم ايمانهم بنصرة المسلمين فسخر الله لهم كل شيء من حجر وبشر حتى وصلوا لمبتغاهم..!!!
والآن سؤالي المباشر بعد أن عرفت الهدف الاكبر مما ذكرت .. هل تتمنى أن تعلن الدول الاسلامية وعلى رأسها حكومة بلاد الحرمين الجهاد ضد اسرائيل أم لا ؟
يا رجل أين أنت مما يجري من حولك ؟!!!
لم يعد الصغار بحاجة للزج بهم فهم يشاهدون مآسي المسلمين ولديهم وسائل التواصل وقد يعلمون من الاخبار ما لا تعلمه انت ولا أعلمه انا .. المسألة اخي علاء تجاوزت هذا الأمر .. وإن كنت عرفت امنيتي في تحرير المسجد الاقصى فهذا ليس بجديد فأنا أعلنه وأحث عليه وأسأل الله عز وجل أن يهيء لنا صلاة في المسجد الاقصى .. وكونك عرفت ظاهر حديثي فهذا لا يعني أنك عرفت نيتي من هذا الأمر وهو إهلاك الأمة كما تزعم .. بل لن تكون نجاة الأمة إلا بنزع هذا السرطان الصهيوني الجاثم على صدرها لعشرات السنين ..
ودعني اضعك على المحك أخي علاء ..
فكما تعلم كثيرا ما هدد حكام بلاد الحرمين اسرائيل بسحب المبادرة العربية .. وهذا يعني أنها قد تسحب يوما ما وقد يكون هذا اليوم قريب .. ولذلك أنا اسعى في هذا الاتجاه ولا أخفي أهدافي لقناعتي أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .. أي أن مجهودي يركز على تحريك الدول بمن فيها صغار وكبار لاعلان الجهاد ضد العدو .. اما الصغار فليس هناك جهود تذكر لتحريكهم والزج بهم كما تدعي .. فهؤلاء من يزج بهم هو بشار وزمرته بما يفعلون بالمسلمين في سوريا .. هؤلاء الصغار حركتهم المآسي التي شاهدوها فبحثوا بأنفسهم عن الطريق الموصل لنجدة المسلمين حركهم ايمانهم بنصرة المسلمين فسخر الله لهم كل شيء من حجر وبشر حتى وصلوا لمبتغاهم..!!!
والآن سؤالي المباشر بعد أن عرفت الهدف الاكبر مما ذكرت .. هل تتمنى أن تعلن الدول الاسلامية وعلى رأسها حكومة بلاد الحرمين الجهاد ضد اسرائيل أم لا ؟
جعبة الأسهم- الفقير إلى عفو ربه
- عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013
مواضيع مماثلة» "فتنة" نقل قبر الرسول من المسجد النبوى تتصاعد
» بالتفاصيل.. مبادئ وثيقة الخرطوم وخطة سد النهضة
» وثيقة سرية تفضح خطة أمريكا لتدمير مدن في حرب نووية
» هل النصر يوم المولد النبوى؟
» المهدي يخطب في الحرم النبوي
» بالتفاصيل.. مبادئ وثيقة الخرطوم وخطة سد النهضة
» وثيقة سرية تفضح خطة أمريكا لتدمير مدن في حرب نووية
» هل النصر يوم المولد النبوى؟
» المهدي يخطب في الحرم النبوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى