ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حقوق أهل البيت عليهم السلام من 1 إلى 4 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت

اذهب الى الأسفل

حقوق أهل البيت عليهم السلام  من 1 إلى 4 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت Empty حقوق أهل البيت عليهم السلام من 1 إلى 4 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت

مُساهمة  دولة الأدارسة السبت فبراير 08, 2014 4:08 am

مقدمة المركز

له الحمد جل شأنه وعلا، وصلاته وسلامه على نبيه المصطفى وعترته النجبا.

عرفت أُمتنا الإسلامية في تاريخها الطويل رجالاً لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، لا سيما في عصر الصحابة الذي كان من أغنى عصور الإسلام ثراءً في معرفة نماذج فريدة من عباد الله الصالحين من العبّاد والزهّاد والمجاهدين والشهداء والمهاجرين في سبيل الله وأنصار دين الله الذين تبوأوا الدار والإيمان.

ولكن الذي يستوقفنا حقاً من تلك النماذج الفريدة والعزيزة هم أهل البيت : ، ذلك أن الآيات النازلة في بيان ما لهم من حقوق على المسلمين لم ينزل نظيرها في غيرهم قط ، والآيات المبينة لشرفهم وفضلهم ومنزلتهم لم يرد نظيرها في غيرهم أبداً ، وكذلك حال ما ورد بشأنهم على لسان النبي الأكرم 6 ، مما يدل على أن للشريعة الخاتمة هداً سامياً ينضوي وراء تأكيداتها المباشرة على بيان حقوقهم تارة ، وعلى بيان مقامهم الشامخ العظيم تارة اُخرى ، وخلاصة موقف الشريعة وهدفها ، تنبيه الأمة على قدوتها وصفوتها ومثلها الأعلى بعد رسولها الكريم 6.

وقد تجسد هذا الاهتمام على جميع الأصعدة ، على صعيد الحقوق ، وعلى صعيد الافضائل والمناقب ، وأيضاً على المستويات كافة ، على المستوى السياسي ، والمعنوي ، والمالي.

فعلى المستوى السياسي صدع الوحي بولايتهم مقرونة بولاية الله عزوجل وولاية نبيه 6 ، وكذلك الأمر في وجوب طاعتهم ، والاهتداء بهديهم ، وموالاتهم في السلم وفي الحرب.

وعلى المستوى المعنوي قد ارتقوا إلى درجة من السموّ والرفعة بحيث أصبح

لهم على الناس حق أن يكنّوا لهم الود والمحبة ، ويعاملوهم بالإجلال والتكريم. حتى جعلت هذه المعاني التي يستشعرها المؤمن في قلبه ، ويمارسها في سلوكه ، من أهم مصاديق الإيمان. ولعل من أهم ما يعبر عن هذا كله ما يجاء به القرآن والسنة من لزوم الصلاة عليهم ، مقرونه بالصلاة على نبيه 6 في كل صلاة ، وفي كل ذكر لمحمد 6.

وأما في مجال الحقوق المالية ، فقد جعل الله لهم موارد مالية خاصة بهم يشتركون فيها مع النبي 6 كالخمس والانفال ، لا يشاركهم فيها سواهم.

وكان ينبغي لتلك الحقوق أن تسير لدى سائل الاُمة بموازاة هذه المنزلة التي أقرها الجميع وأذعن لها ، إلا أنها تخلفت عنها تحت تأثير تراكمات الواقع السياسي المضطرب ، مما أحدث تهافتاً في الرؤية وازدواجية في الموقف.

ولأجل بيان ما لحق بتلك الحقيقة من أوضار التاريخ السياسي الإسلامي وعباره ، جاء هذا البحث ليتابع مواد تلك الحقوق المفروضة بنص القرآن الكريم والمؤيدة بالسنة ، سواء كانت ذات صبغة سياسية ملزمة للاُمة في إطار ما أوجبته لأهل البيت : ، أو أن تكون ذات صفة اجتماعية وطبيعة تربوية ظاهرة في إرشاد الأمة وتوعيتها بضرورة ما ينبغي أن يكون عليه تعامل أفرادها ـ ظاهراً وباطناً ـ مع أهل البيت :.

وقد سلك الباحث منهجا واضحاً ومحدداً في تناول سائل الحقوق المذكورة ، يعتمد في الأساس على ورود كل حق مذكور في القرآن الكريم أولاً ، مع بيان ما يؤكد ذلك الحق من السنة المطهرة في كتب الفريقين ثانياً ، وكشف في ثنايا بحث تلك الحقوق عن مدى القيمة العلمية التي تمتلكها بعض الشبهات المثارة حول دلالة بعض الآيات الواردة بهذا الشأن.

آملين أن يكون هذا المنهج خطوة على طريق خدمة القرآن الكريم ببث أهدافه الكبرى ، وخدمة أهل البيت : أعدال القرآن وحماته ..

مركز الرسالة

المقدّمَةُ

له الحمد جلّ شأنه وصلاته وسلامه على نبيه المصطفى وآله الميامين.

وبعد ...

فقد أولى اللّه تعالى أهل بيت نبيّه عناية خاصة ، وألزم المسلمين لهم حقوقاً خطيرة. ثم جاءت السنّة المطهّرة بما لا مزيد عليه من البيان والتفصيل لمنزلتهم الرفيعة ، وحقوقهم المفروضة على الأُمّة ، كل ذلك ينتهي إلى نتيجة واحدة وهي أن اللّه تعالى قد ميّز هذه الثلّة الطاهرة بفضائل وكمالات لا نظير لها جعلتهم قدوة للعباد وكهفاً للأنام وحجّةً له عزّوجلّ على خلقه ، وقد أعدّوا أنفسهم لذلك ، فكانوا أهلاً لتحمّل الأمانة التي عجز غيرهم عنها حيث لا يطيقها إلاّ من حاز تلك الملكات ، وتسنّم تلك المقامات.

ولتوفير الأرضية الملائمة لأداء تلك الأمانة أوجب اللّه تعالى لهم حقوقاً ألزم الاُمّة بأدائها ، وأوضحها نبينا 6 وأكّدها مراراً ، ولكن الاُمور لم تأتِ كما أُريد لها ، فأُبعد أهل بيت رسول اللّه : بعد غيابه 6 وضاعت حقوقهم ، فتمالأ الناس على ذلك ، وجرت سنتهم عليه ، واستحكمت أفكارهم على العمل به حتى صار ديناً لهم ، معتمدين في ذلك على ما وصلهم من تراث لعبت به المصالح والأهواء السياسية ، دون أن يلتفتوا إلى قول الطرف الآخر وأدلته ، معتبرين ذلك من المسلمات التي لا يصحّ النقاش فيها ولا حتى محاولة إثارة التساؤل حول أُصولها ومناشئها ، فأضطرتهم تلك التفسيرات البعيدة عن صريح الآيات إلى تشويه دلالاتها بخلق الشبهات وإثارة الطعون ، فجاءت شبهاتهم وطعونهم سقيمة متهافتة مجانبة للمنطق والوجدان وما تواتر من الأثر الصحيح.

فخلق هذا التوجه الفكري والمنهج التفسيري نظرة مزدوجة عند المسلمين تجاه أهل البيت : يتجاذبها طرفان متضادّان ؛ فمن طرف تراهم يقرّون بمقامهم السامي الثابت بصريح الكتاب والسنّة ويكنّون لهم المودّة والاحترام ، ومن طرف آخر والتزاماً بمنهج السلف والواقع المفروض تراهم لا يقرّون بحقوقهم التي جعلها اللّه تعالى ورسوله لهم ، بل يعطونها لغيرهم أو يشركون ذلك الغير معهم حتى لا تبقى لهم مزيةً على غيرهم ، وكل ذلك تحت طائلة التأويل والاجتهاد والتقليد الأعمى الذي توارثوه خلفاً عن سلف.

وانطلاقاً من هذا الواقع المرير وأداءً لحق أهل البيت : حاولنا الوقوف عند بعض تلك الحقوق لإماطة اللثام عن حقيقتها، وفتح الطريق أمام دراستها.

معتمدين في إثبات ذلك ما ورد في كتب الجمهور من أدلّة حاولوا جهدهم تأويلها وليّها عن ظاهرها قسراً لتنسجم ومتبنّياتهم ، دون الخروج عمّا أقرّوه من تلك الحقوق سواء كان تصريحاً أو نتيجةً لما أوردوه من أدلّة ، أقرّوها قولاً ، إلاّ أنهم خالفوها عملاً.

فتوفرنا في بحثنا هذا على حقوقهم المادية ، ومنها الأنفال والخمس ، وحقوقهم السياسية ومنها الولاية والطاعة والاتباع ، وكذلك حقوقهم المعنوية ومنها المودة وترفيع البيوت والصلاة عليهم.

واتبعنا في ذلك ـ نظراً لطبيعة بحثنا القرآنية ـ ذكر الآية المصرحة بذلك الحق وإيراد ما ورد في تفسيرها من أثر صحيح ، وتعضيدها بأقوال علماء الجمهور المصرحة بذلك الحق ، ومن ثمّ دفع جميع ما ورد حول الآية وتفسيرها من شبهات وطعون.

وبعد استجلاء الحق في ذلك ، نكون قد أوقفنا القارى ء العزيز على عِظَمْ الخسارة التي مُني بها المسلمون بحرمانهم أنفسهم من نعمة أداء حقوق أهل بيت نبيهم 6 ، راجين أن تعود هذه الذكرى بالنفع على المؤمنين.

الفصل الأوّل

التعريف بأصحاب الحقوق

استخدم القرآن الكريم جملة من الألفاظ ذات الدلالات اللغوية المحدّدة في لغة العرب ، للتعبير عن حقوق مجموعة من الناس أطلق عليهم تارة لفظ (أهل البيت) ، وأُخرى (الآل) ، وثالثة (ذوي القربى) ، كما استخدمت السنة هذه الألفاظ الشريفة ، وزادت عليها ألفاظاً أُخر أشهرها لفظ (العترة). كما جاء وصفهم على لسان النبي 6 بمفاهيم عالية ذات معنى بيّن ، وقصد واضح ، وهدف جليل ، فهم في لسان الشريعة : (الثقلُ) ، و (السفينةُ) ، و (باب حطة) ، و (الحجة) ، و (الدليل) ، و (الصراط المستقيم) ، ونحوها كثير.

وهذه الثلّة من الناس كما يبدو من مسمّياتها وأوصافها تشكل جزءاً لا يتجزأ من كيان الرسالة الخاتمة ، سيّما وقد وصفها اللّه تعالى بكتابه بأجل الأوصاف ، فهؤلاء هم الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وما يعنينا هنا هو بيان معنى الألفاظ الأربعة الأولى : (أهل البيت ، والآل ، وذوي القربى ، والعترة) وذلك لسببين مهمين :

الأول : لكي لا تذهب حقوق تلك الثلّة إلى غيرها ، فما دام الحق معلوماً ، فلابدّ من البحث والتنقيب عن صاحبه حتى يُعرف بشخصه.

والثاني : وهو ما يلوح في هذه المفردات من عموم لغوي كما يظهر من تتبّع

موارد استعمالاتها في لغة العرب ، لكنّ الشريعة لم تهمل ما يخصص ذلك العموم ، نظراً لما في أدلة الشرع من عوامل حسم أكيدة في أمثال تلك الموارد ، ومن هنا سوف لن نلتفت ـ في منهجنا ـ إلى ثمرة ما سواه ؛ لأنّا لا نعطي كلمة الفصل ـ مع وجوده ـ إلى غيره مهما كان.

وفي هذا المقام قد وجدنا من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها بين رواد الحديث ونَقَدَته ما هو صريح جداً بتخصص عموم تلك الألفاظ ، وحصرها بثلّة معروفة من الناس دون غيرهم من سائر المسلمين ، كما يتضح من تناول تلك المفردات وتحديد مداليلها وباختصار شديد ، كالآتي :
أولاً : معنى العترة

العترة في اللغة : أقرباء الرجل من وُلْده ، وولد وُلْدِه ، وبني عمّه ، وغيرهم. وأكثر ما تُطلق في استعمالات أهل اللغة على أصل الرجل ونسله وأخصّ أقربائه (١). إلاّ أن بعض فحول أهل اللغة استفاد معنىً آخر من لفظ العترة ، اعتماداً على الدليل الشرعي ، إذ هناك ما يدلّ على أن العترة وأهل البيت موضوعان لمعنىً واحد في لسان الشريعة ، ويتبين هذا من :

١ ـ حديث الثقلين المتواتر ، إذ جاء فيه ما يؤكد تلك الحقيقة. فقد أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم عن النبي 6 قال : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب اللّه

__________________

(١) انظر مادة (عَتَرَ) في : كتاب العين / الفراهيدي ، ولسان العرب / ابن منظور وتاج العروس / مرتضى الزبيدي الحنفي ، والنهاية في غريب الحديث / ابن الأثير.

حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » (١).

٢ ـ حديث الكساء ، أخرج الحاكم الحسكاني وابن المغازلي وغيرهما قول رسول اللّه 6 في هذا الحديث : « هؤلاء أهل بيتي وعترتي ، فأذْهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » (٢).

٣ ـ حديث المهدي 7 من رواية أبي سعيد عن رسول اللّه 6 وفيه : « فيبعث اللّه رجلاً من عترتي أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً » (٣).

ومن هنا صرّح غير واحدٍ بأن المراد بالعترة هم أهل البيت : لا غيرهم ، منهم : أبو سعيد الخدري الصحابي الجليل المشهور ، فقد أخرج الصدوق حديث الثقلين عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري وفي آخره ، قال : « فقلت لأبي سعيد : من عترته؟ قال : أهل بيته » (٤).

ومنهم : ابن الأعرابي فيما حكاه ثعلب عنه ، قال : قلت لابن الأعرابي : فما

__________________

(١) الجامع الصحيح / الترمذي ٦ : ١٢٥ / ٣٧٨٨ ، باب مناقب أهل البيت : ، وانظر : مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٤٠٨ / ١٠٨٢٧ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١١٨ / ٤٥٧٦.

(٢) شواهد التنزيل / الحاكم الحسكاني ٢ : ٣٠ / ٦٤٩ ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ، ط١ / ١٤١١ه ، ومناقب ابن المغازلي : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ / ٣٤٦.

(٣) مصابيح السنة / البغوي ٣ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ / ٤٢١٥ وعدّه من الحسان ، دائرة المعرفة ـ بيروت ، ط١ / ١٤٠٧ هـ.

(٤) معاني الأخبار / الصدوق : ٩٠ / ١ باب معنى الثقلين والعترة ، منشورات مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٠ هـ.

معنى قول أبي بكر في السقيفة : نحن عترة رسول اللّه 6؟ قال : أراد بلدته وبيضته. وعترة محمد 6 لا محالة ولد فاطمة 3 ، والدليل على ذلك ردّ أبي بكر وإنفاذ علي 7 بسورة براءة ، وقوله 6 : « أُمرت أن لا يبلّغها عني إلاّ أنا أو رجل منّي » ... فلو كان أبو بكر من العترة نسباً لكان محالاً أخذ سورة براءة منه ودفعها إلى علي 7 (١).

ومنهم : ابن منظور العالم اللغوي المشهور ، قال : في مادة (عتر) وقد ذكر حديث الثقلين : والمشهور المعروف أن عترته أهل بيته (٢).

ومنهم : المناوي الحنفي ، إذ قال في شرح حديث الثقلين : « وعترتي أهل بيتي » تفصيل بعد إجمال بدلاً أو بياناً ، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً (٣).

ومن هنا فقد اضطر بعضهم إلى التصريح بعدم إرادة المعنى اللغوي من لفظ (العترة) في حديث الثقلين ، لعلمهم بأن دلالة الحديث غير متحققة في كل من يشمله عنوان العترة بمبناه المستعمل في لغة العرب ، وهم وإن لم يصرّحوا بحصر المراد بالأئمة الاثني عشر : ، إلاّ أنهم حصروا العترة بمصاديق لم نجدها في غير الأئمة الاثني عشر : ، ومن هؤلاء :

١ ـ الحكيم الترمذي ، قال عن حديث الثقلين : وقع على الأئمة منهم السادة لا على غيرهم (٤).

__________________

(١) إكمال الدين / الصدوق ١ : ٢٣٤ ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

(٢) لسان العرب / ابن منظور ، مادة (عتر).

(٣) فيض القدير / المناوي ٣ : ١٤.

(٤) نوادر الأصول / الحكيم الترمذي : ٦٩ ، دار صادر ، بيروت.

٢ ـ السمهودي ، قال : الذين وقع الحثّ على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب اللّه عزّوجلّ (١).

٣ ـ القاري ، قال في شرح الحديث : الأظهر هو أن أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ، فالمراد بهم أهل العلم ، فهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته ، العارفون بحكمه وحكمته (٢).

ومن هنا يتبين بكل وضوح أن المراد بالعترة هم أهل البيت ، وأن أهل البيت هم العترة ، لأنهما مفهومان لمعنى واحد لا غير ، وسوف يتضح هذا أكثر وأكثر في بيان معنى أهل البيت ، والمراد به رسول اللّه 6 وبضعته الزهراء 3 والأئمة الاثنا عشر ، وأولهم أمير المؤمنين ، وآخرهم الإمام المهدي 7.
ثانياً ـ أهل البيت :

أهل البيت في اللغة ـ كالعترة ـ واسع في مدلوله اللغوي ، إذ يشمل مع الأقرباء سائر أفراد العشيرة ، بل يشمل أيضاً كل من اتّصل بنسبٍ أو دِين (٣).

وأمّا شرعاً : فيلحظ ابتداءً أن كلمة (أهل البيت) قد وردت في القرآن الكريم ثلاث مرّات فقط ، وهي :

__________________

(١) جواهر العقدين / السمهودي : ٢٤٣ ، دارالكتب العلمية ، بيروت ـ ط١ / ١٤١٥ هـ.

(٢) مرقاة المفاتيح / الملا علي القاري ٥ : ٦٠٠ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(٣) المفردات / الراغب الأصفهاني : ٢٩ ، ولسان العرب / ابن منظور ١١ : ٢٨ ـ ٢٩ (أهل) ، دار القلم ـ دمشق ، الدار الشامية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٦ هـ.

الأولى : في قصة إبراهيم 7 ، كما في قوله تعالى : ( أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّه رَحْمَةُ اللّه وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (١) والمراد بأهل البيت هنا هو إبراهيم 7 وزوجته تبعاً له.

الثانية : في قصة موسى 7 ، كما في قوله تعالى : ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ) (٢) ومن الواضح أن المراد بأهل البيت في هذه الآية الشريفة : إسرةٌ ما بلا أدنى تحديد أو خصوصية زائدة في البيان.

الثالثة : في آية التطهير من سورة الأحزاب كما في قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣).

وقد اتفق المسلمون جميعاً على أن المراد بأهل البيت في آية التطهير الشريفة هم أهل بيت نبينا محمد 6 ، ولكنهم اختلفوا في تشخيصهم على خمسة أقوال لا سادس لها ، المعتمد منها قولان فقط لا ثالث لهما ، وأمّا الثلاثة الأُخر فلم يعبأ بها أحد ، ولم تعتمد في مذهب أو فرقة قط ، ولكنها قيلت على كل حال ؛ ولهذا فسوف لن نقف عندها إلاّ بمقدار عرضها ؛ لوضوح بطلانها بالاجماع ، وهي ما سنذكره تحت عنوان :
الأقوال غير المعتمدة في معنى (أهل البيت) :

القول الأول : إن المراد بأهل البيت في آية التطهير هو النبي 6 فقط (٤).

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٧٣.

(٢) سورة القصص : ٢٨ / ١٢.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

(٤) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي : ١٤٣ ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٧ هـ.

وهو كما ترى قول شاذ لم يعتمده أحد من العلماء ، ولا يستند على أدنى دليل معتبر ، فضلاً عن مخالفته للدليلين الشرعي واللغوي لمعنى أهل البيت.

القول الثاني : إنّ المراد بأهل البيت هنا أزواج النبي 6 فقط ، وهو كالأول في شذوذه ، ولم يكترث به أحد من المفسرين أو المحدثين ، وأصله عكرمة الخارجي مولى ابن عباس ، ولم يسبقه إلى هذا القول أحد ، ولم يُتابَع عليه حتى من قبل الخوارج ، سوى مقاتل (١) ، وهو كعكرمة كذّاب أشر بلا خلاف بين سائر علماء الرجال (٢).

القول الثالث : إن المراد بأهل البيت هم من حرّمت عليهم الصدقة من أقرباء النبي 6 ، كآل علي 7 ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل العباس. وقد روي هذا عن زيد بن أرقم موقوفاً عليه (٣).

وهو قول شاذ نادر في بابه ، وسائر أقوال الصحابة على خلافه ـ كما سنرى ـ فضلاً عن مخالفته الصريحة للخبر المتواتر في تعيين المراد بأهل البيت في آية التطهير كما سنبيّنه في بحث القولين المعتمدين ، ومنه يُعلم أن هذا القول من

__________________

(١) انظر قولهما في تفسير الطبري ٢٢ : ٧ ، والدر المنثور / السيوطي ٥ : ١٩٨ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط١ / ١٤١١ هـ.

(٢) انظر ترجمة عكرمة في ميزان الاعتدال / الذهبي ٥ : ١١٦ / ٥٧٢٢ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٦ه ، وتهذيب الكمال / المـزي ٢٠ : ٢٦٤ / ٤٠٠٩ ، مؤسسة الرسالة ـ ط٦ / ١٤١٥ه ، وانظر ترجمة مقاتل في كتاب المجروحين / ابن حبان ٣ : ١٤ ، دار المعرفة ـ بيروت / ١٤١٣ه ، وميزان الاعتدال ٦ : ٥٠٥ / ٧٨٤٧ ، وتهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني ١٠ : ٢٥١ / ٧١٨٥ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط١ / ١٤١٥ هـ.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ٣٦ ، دار ابن حزم ـ بيروت ، ط١ / ١٢١٦.

اجتهاد زيد بن أرقم الذي لم يُتابع عليه ، ولعله أراد المعنى اللغوي لأهل البيت دون الشرعي المتواتر الذي يستبعد خفاؤه على مثله ، وهو الأنسب في توجيه قوله.

وسوف يتضح فساد هذه الأقوال الثلاثة من خلال مناقشة المعتمد من الأقوال لدى المسلمين في بيان المراد بأهل البيت في آية التطهير.
المعتمد من الأقوال في معنى (أهل البيت) :

قد ذكرنا أن المعتمد قولان لا غير ، وهما :

القول الأول : إن المراد بأهل البيت هم أهل الكساء فقط ، وهم :

رسول اللّه 6 وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين : ، وهو قول الشيعة الإمامية.

القول الثاني : هم أهل الكساء : مع أزواج النبي 6 ، وعليه جمهور أهل السنة.

والملاحظ هنا هو أن القدر المشترك بين القولين المختلفين واقع في أصحاب الكساء : دون غيرهم ، وعلى هذا يكون إجماع الأُمة بشأن أهل الكساء محققاً ، وبشأن نساء النبي 6 مفقوداً.

هذا ، وقد انحصرت أدلة القول الثاني بدليلين لا ثالث لهما ، وهما :

الدليل الأول : شمول آية التطهير لنساء النبي 6 كما ورد في بعض طرق أحاديث الكساء ، وبالتحديد الخبر الحاكي عن دخول أُم سلمة (رضي اللّه عنها) مع أهل البيت : في حديث الكساء.

الدليل الثاني : مجيء آية التطهير وسط آيات تتحدث عن الأزواج ، بمعنى

أن وحدة السياق القرآني تقتضي نزول آية التطهير فيهنّ. وبناءً على هذا القول سيكون حديث الكساء معبّراً عن إرادة النبي 6 إدخال علي وفاطمة والحسنين : مع أزواجه في هذه الآية المباركة تكريماً لهم وتعظيماً.

وقد مرّت على هذين الدليلين قرون عديدة ، وكل من كتب في نصرة القول الثاني اتّكأ عليهما واستظل بظلهما ، ولم يلتفت ـ مع الأسف ـ إلى الطرف الآخر ، ولم يعتنِ بجوابه كما يقتضيه العلم ، بل لم يعبأ بما قاله جملة من كبار علماء أهل السنة أنفسهم في نقد دليلي إدخال الأزواج مع أهل البيت : في آية التطهير ، مما يدل على أن الحوار الإسلامي الهادف لم يجد أرضاً خصبة عند شريحة واسعة من المسلمين على الرغم من تمادي القرون وشدة الحاجة إلى مواجهة الموروث الفكري والعقائدي بنوايا مخلصة وشجاعة علمية كافية في مواجهة نقاط الاختلاف والصبر على مناقشتها إلى آخر المطاف.

نعم ، كان تقييم كلا القولين المعتمدين في تحديد مفهوم (أهل البيت) ، وعلى ضوء الموازين العلمية المحررة في مظانّها ، موجوداً وميسراً ؛ ولكنه لم يَحْضَ بتلك العناية المناسبة ، ولم يتعرض للنقد المنصف البعيد عن فكرة الانتصار لهذا القول أو ذاك والاطاحة بالآخر ، الأمر الذي يجعلنا نجدد دعوتنا بكلّ صدق وإخلاص إلى تحمّل المسؤولية الشرعية في ضرورة النظر إلى مقومات الدليل المهمل على امتداد التاريخ.

وربما يُقال بأنّ الجمع بين كلا القولين لا ضيرَ فيه ، وهو ممكن في ذاته ، إذ لا تدافع ولا تنافي أو تعارض بينهما حتى لا يمكن الجمع بينهما ، ومعنى هذا أنه لا حاجة إلى بيان أدلة أيٍّ منهما ؛ خصوصاً وأن لكل منهما قاعدة إسلامية عريضة ترى صحة قولها ولا تشك فيه أبداً.

وفي هذا مصادرة كبيرة ؛ لأن سيرة (أهل البيت : ) وسيرة بعض نساء النبي 6 سيرتان متنافيتان ، وإثبات صحة إحداهما يقتضي الطعن بالأُخرى ، وعلى هذا فلابدّ من التماس الدليل الواضح على صحة أحدهما وبطلان الآخر.

ومن هنا سوف نقوم باستعراض أدلة القول الأول لنرى مدى سلامته ومطابقته مع واقع الآية الشريفة ، وبهذه الطريقة نقيس سلامة القول الثاني.

مع أدلة القول الأول
١ ـ الأحاديث النبوية

الأحاديث النبوية المصرحة بكون أهل البيت : هم : النبي الأكرم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، صلوات اللّه عليهم أجمعين ، كثيرة جداً ، حفلت بها كتب الفريقين من حديث وتاريخ وتفسير ولغة وغيرها ، وقد جاءت بتعابير وكيفيات ومواقع متعددة أكدت هذه الحقيقة بشكل عزّ نظيره ، فإنك لا تجد أحداً تعرّض لبحث آية التطهير إلاّ وذكر سيلاً من الأحاديث التي تصرّح بأسمائهم مذعناً لصحّتها ومسلّماً لدلالتها ، وسنأتي فيما يلي على ذكر بعض هذه الأحاديث :

١ ـ من حديث عامر بن سعد ، قال : قال سعد : قال رسول اللّه حين نزل الوحي ، فأخذ علياً وابنيه وفاطمة ، وأدخلهم تحت ثوبه ، ثمّ قال : « ربّ هؤلاء أهلي وأهل بيتي » (١).

__________________

(١) تفسير الطبري ٩ : ١٢ / ٢١٧٣٨ ، مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٢ ، دار صادر ـ بيروت ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٩ / ٤٧٠٨ ، السنن الكبرى / البيهقي ٥ : ١٢٢ ـ ١٢٣ / ٨٤٣٩ ، دار المعرفة ـ بيروت ، تفسير ابن كثير ٩ : ٤١٤ ، الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٣٣.

٢ ـ أخرج مسلم في صحيحه بسنده إلى صفية بنت شيبة قالت : قالت عائشة : خرج النبي 6 غداة وعليه مرط مرحّل ، من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فدخل معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء علي فأدخله ، ثمّ قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١). (٢)

٣ ـ أخرج أحمد بن حنبل بسنده إلى شهر بن حوشب عن أُمّ سلمة : أن رسول اللّه 6 قال لفاطمة : إئتني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساءاً فدكياً ، قال : ثمّ وضع يده عليهم ، ثمّ قال : « اللهمّ إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، إنك حميد مجيد ».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : « إنك على خير » (٣).

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٥٠١ / ٢٤٢٤ باب فضائل أهل بيت النبي 6 ، المصنف / ابن أبي شيبة ٧ : ٥٠١ / ٣٩ كتاب الفضائل ـ فضائل علي بن أبي طالب 2 ، دار الفكر ـ بيروت / ١٤١٤ه ، تفسير ابن أبي حاتم ٩ : ٣١٣١ / ١٧٦٧٤ ، شواهد التنزيل / الحسكاني ٢ : ٥٦ / ٦٧٦ ، المستدرك على الصحيحين / الحاكم ٣ : ١٥٩ / ٤٧٠٧ ، تفسير ابن كثير ٩ : ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٧ : ٤٥٥ / ٢٦٢٠٦ ، مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٥٣ / ٢٦٦٤ ـ ٢٦٦٥ ، دار إحياء التراث العربي ، ط٢ ، مسند أبي يعلى الموصلي ٦ : ٨٦ / ٦٨٧٦ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٨ه ، تاريخ دمشق / ابن عساكر ١٣ : ٢٠٣ ، دار الفكر ـ بيروت / ١٤١٥ه ـ ترجمة الإمام الحسن 7 ، و ١٤ : ١٤١ ـ ١٤٢ ـ ترجمة الإمام الحسين 7.

٤ ـ أخرج أحمد بن حنبل بسنده إلى أُمّ سلمة تذكر : أن النبي 6 كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه ، فقال لها : « ادعي زوجك وابنيك » ، قالت : فجاء علي والحسين والحسن فدخلوا عليه ، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري ، قالت : وأنا أُصلّي في الحجرة ، فأنزل اللّه عزوجل هذه الآية : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قالت : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثمّ قال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت : وأنا معكم يا رسول اللّه؟ قال : « إنك إلى خير ، إنك إلى خير ». (١)

٥ ـ من حديث أبي سعيد الخدري عن أُمّ سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فقلت : يا رسول اللّه ، ألست من أهل البيت؟ قال : « أنت على خير ، إنك من أزواج النبي » وفي البيت علي وفاطمة والحسن

__________________

(١) المسند / أحمد بن حنبل ٧ : ٤١٥ ـ ٤١٦ / ٢٥٩٦٩ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط٢ / ١٤١٤ هـ.

والحسين. (١)

٦ ـ في حديث أنس بن مالك : إن رسول اللّه 6 كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : « الصلاة يا أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ». (٢)

وأورده السيوطي في (الدر المنثور) قائلاً : وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن أنس ، وأورد حديثين آخرين أحدهما عن أبي سعيد الخدري والآخر عن ابن عباس بمثل حديث أنس. (٣)
دلالة الأحاديث :

بعد التأمل في الروايات التي ذكرناها يمكننا الخروج بالنتائج التالية :

أولاً : تنوع الأساليب وتكثّر الأحاديث بهذا الشكل المتعدّد في كيفيته

__________________

(١) مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٤ ، تاريخ دمشق / ابن عساكر ١٣ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ـ ترجمة الإمام الحسن 7 ، الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ وأضاف إلى من في البيت جبرئيل وميكائيل : ، أخرجه عن ابن مردويه ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٥٢ ـ ٥٣ / ٢٦٦٢ ، تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ٩ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ترجمة سعد العوفي.

(٢) الجامع الصحيح / الترمذي ٥ : ٢٦٣ / ٣٢٠٦ ، المسند / أحمد بن حنبل ٤ : ٢٠٢ / ١٣٦٢٦ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٢ / ٤٧٤٨ ، شواهد التنزيل ٢ : ١٨ / ٦٣٧ ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٥٦ / ٢٦٧١ ، تفسير الطبري ١٢ : ٩ / ٢١٧٢٩.

(٣) الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

ومواقعه وأوقاته ، يعكس اهتمام الرسول البالغ وحرصه الشديد على تحديد المراد من أهل البيت بما لا يدع مجالاً للشكّ والالتباس ، لاعداد الأُمّة وتربيتها للتعامل مع هذه الثلّة الطاهرة تعاملاً خاصاً عَكَسَه سلوك الرسول الأعظم 6 معهم ليكون أسوة لهم فيقتدوا به.

ثانياً : أغلب ألفاظ الأحاديث صريحة في إرادة الحصر.

ثالثاً : الكيفية المتبعة لتشخيص المراد بأهل البيت كتغطيتهم بكساء ، والقول : « هؤلاء أهل بيتي » ، أو الوقوف على دارهم في كل صلاة والقول : « الصلاة يا أهل البيت » ، فإن هذه الكيفيات تؤكد بشكل واضح على حصر المراد من أهل البيت بهؤلاء حصراً عملياً ، وهو أبلغ بكثير من الحصر اللفظي ، ومما يؤكد هذا الحصر هو منعه 6 زوجاته من الدخول تحت الكساء مع طلبهن ذلك ، بل إن أم سلمة لم تكتفِ بالطلب فقط ، إنّما رفعت الكساء لتدخل فجذبه من يدها ـ كما مرّ في رواية أحمد بن حنبل ـ والجذب لغةً : أخذ الشيء بقوة ، وفيه إشارة بليغة إلى استحالة دخول غيرهم معهم ، وهو صريح في الحصر.
٢ ـ أحاديث أهل البيت :

وهي تتضمّن تصريحهم : بأنّ آية التطهير نزلت فيهم ، ومنها :

١ ـ في حديث الإمام الحسن بن علي ، في خطبةٍ أيام خلافته ، قال : « يا أهل العراق ، اتقوا اللّه فينا ، فإنّا أُمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذي قال اللّه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) » قال : فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلاّ وهو يحنّ

بكاءً. (١)

٢ ـ ما رواه الخوارزمي فيما قاله الإمام الحسين 7 لمروان بن الحكم حول بيعة يزيد لعنة اللّه عليه ، قال 7 : « إليك عني فإنك رجسٌ ، وإني من أهل بيت الطهارة ، قد أنزل اللّه فينا : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) » فنكس رأسه ولم ينطق. (٢)

٣ ـ أخرج الطبري بسنده إلى أبي الديلم ، قال : قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : « أما قرأت في الأحزاب : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )؟ » قال : ولأنتم هم؟ قال : « نعم ». (٣)
مع أدلة القول الثاني

ذكرنا أن أصحاب هذا القول يذهبون إلى أن المراد من أهل البيت هم أصحاب الكساء وأزواج النبي 6 ، وقد اعتمدوا على دليلين :

الدليل الأول : ما روي عن أم سلمة أنها قالت لرسول اللّه 6 : ألست من أهل البيت؟ فقال : « بلى إن شاء اللّه ». (٤)

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم / ابن أبي حاتم ٩ : ٣١٣٢ / ١٧٧٦ ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٩٣ / ٢٧٦١ ، أسد الغابة / ابن الأثير ٢ : ٢٠ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط١ ـ ١٤١٧ه ، شواهد التنزيل ٢ : ٣١ / ٦٥٠ ، تفسير ابن كثير ٦ : ٤١٦.

(٢) مقتل الحسين 7 / الخوارزمي : ٢٦٩ ـ نشر أنوار الهدى ، ط١ / ١٤١٨ هـ.

(٣) تفسير الطبري ١٢ : ١٢ / ٢١٧٣٧.

(٤) مناقب الخوارزمي : ٣٠٦ / ٣٥١ ، شواهد التنزيل / الحاكم الحسكاني ٢ : ٦٠ / ٧١٨ ، معالم التنزيل / البغوي ٤ : ٤٦٥.

وهذا الدليل مردود بما يلي :

١ ـ هذه الرواية ضعيفة الاسناد ، ففي طريقها عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار ، وقد ضعّفوه وطعنوا في حديثه. (١)

٢ ـ إنها مخالفة لما تواتر عن أُم سلمة مما هو صريح بعدم ادخالها في أهل البيت.

قال الآلوسي في تفسير آية التطهير : وأخبار إدخاله 6 علياً وفاطمة وابنيهما : تحت الكساء ، وقوله عليه الصلاة والسلام : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي » ودعائه لهم ، وعدم إدخاله أُمّ سلمة أكثر من أن تُحصى ، وهي مخصصة لعموم أهل البيت بأيّ معنى كان ، فالمراد بهم من شملهم الكساء ، ولا يدخل فيهم أزواجه (٢).

وقال الطحاوي : إن المراد بما فيها هم رسول اللّه 6 وعلي وفاطمة والحسن والحسين دون ما سواهم ، يدلّ على مراد رسول اللّه 6 بقوله لأم سلمة فيما روي في هذه الآثار من قوله لها : «أنت من أهلي».

وقال في الصفحة اللاحقة : قد أحطنا علماً أن رسول اللّه 6 لما دعا من أهله

__________________

(١) راجع : تهذيب التهذيب / ابن حجر ٦ : ١٨٧ / ٤٢٢ ، ميزان الاعتدال / الذهبي ٢ : ٥٧٢ / ٤٩٠١ ، الجرح والتعديل / ابن أبي حاتم ٥ : ٢٥٤ / ١٢٠٤ ، الضعفاء الكبير / العقيلي ٢ : ٣٣٩ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط٢ / ١٤١٨ هـ. وراجع تفصيل ذلك في هامش رسالة السحاب المطير في تفسير آية التطهير / القاضي نور اللّه التستري : ٤٣٨ ـ ٤٤١ من مجلة تراثنا ـ العدد (٣٨ ـ ٣٩) سنة ١٤١٥ هـ.

(٢) روح المعاني / الآلوسي البغدادي مج١٢ ، ٢٢ : ٢١ ، دارالفكر ـ بيروت / ١٤١٧ هـ.

عند نزولها لم يبقَ من أهلها المرادين فيها أحد سواهم ، وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أريد به سواهم. (١)

٣ ـ ممّا قدّمنا من الأحاديث النبوية المفسّرة لآية التطهير بالخمسة أهل الكساء ، يتضح أن طلب نساء النبي 6 للدخول تحت الكساء يعكس أن المرتكز في أذهانهنّ هو عدم شمولهنّ بأهل البيت ، وإلاّ لما أصبح لطلبهنّ معنى، حتى أن أم سلمة (رضي اللّه عنها) قالت : «فوددت أنه قال نعم، فكان أحبّ إليّمماتطلع عليه الشمس وتغرب» (٢). ولاكتفين بأنهنّ المخاطبات بصريح الآية المباركة ، ولا حاجة إلى هذا الطلب والرجاء والتمني للفوز بالدخول تحت الكساء.

وفي هذه النقطة ردٌ بليغ على أصحاب الرأي الثاني القائلين بأن المراد من أهل البيت هم أصحاب الكساء وأزواج النبي 6.

الدليل الثاني : وحدة السياق ، أي مجيء آية التطهير ضمن آيات تتحدّث عن نساء النبي 6 ، فالآيات السابقة والتالية لآية التطهير تتعلّق بهنّ ، ووحدة السياق تقتضي أن تكون هذه الآية فيهنّ أيضاً.

وهذا الأمر مدفوع بوجوه :

الأول : سياق الآية له أمثلة كثيرة في القرآن الكريم حيث ينتقل من مطلب إلى آخرلحكمة يقتضيها المقام، وفيهذا المعنى روي عن الإمام الباقر 7 قوله : «إنّ الآية من القرآن ينزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء» (٣).

ويقول الطبرسي في هذا أيضاً : من عادة العظماء في كلامهم أنهم يذهبون من

__________________

(١) مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٦.

(٢) مشكل الآثار / الطحاوي ١ : ٣٣٦، شواهد التنزيل / الحسكاني ٢ : ١٣٢ ـ ١٣٣ / ٧٦٤.

(٣) تفسير العياشي ١ : ١٧ / ١.

خطاب إلى غيره ويعودون إليه ، والقرآن من ذلك مملوء ، وكذلك كلام العرب وأشعارهم (١).

ومن أمثلة ما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى : ( إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) (٢) فنلاحظ أن الخطاب ابتدأ أولاً بالنساء ، ثم انتقل إلى يوسف 7 ، ثمّ عاد إلى النساء ولم يختلّ السياق.

الوجه الثاني : تذكير الضمائر حيث كان الخطاب السابق والتالي بضمير (هنّ) المؤنث ، أما آية التطهير فكانت بضمير (هم) المذكر ، وهذا صريح بأن المراد من آية التطهير غير ما أريد بالسابق والتالي من الآيات.

الوجه الثالث : دلالة الآية على طهارة وعصمة المشار لهم ، وهذا الأمر لا يوجد فيهنّ ولم تدَّعيه واحدة منهنّ.

الوجه الرابع : نزلت هذه الآية مستقلّة عن آيات السورة المتعلّقة بالنساء ، وعند مراجعة الروايات التي نقلناها ستجد ذلك واضحاً أنها نزلت في بيت أم سلمة.

الوجه الخامس : عند متابعة السيرة الذاتية لكلّ منهنّ لا تجد واحدة منهنّ ادّعت نزول آية التطهير فيها ، وهي منقبة ليس فوقها منقبة ، ولا يمكن لشخص أن يتناساها أو يغفل عنها مع مسيس الحاجة لها ، خصوصاً لعائشة التي أقحمت نفسها في معترك السياسة ، وخرجت تبغي حرب أمير المؤمنين 7.

ومن جملة ما تقدّم تبيّن أن المراد من أهل البيت الذين نزلت فيهم آية

__________________

(١) مجمع البيان / الطبرسي ٨ : ١٥٨ ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٥ هـ.

(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٢٨ ـ ٢٩.

التطهير ، هم الخمسة الذين لفّهم رسول اللّه 6 بكسائه ، وذكرهم بأسمائهم ، على ما صرّحت به الأحاديث الصحيحة التي قدّمناها ، دون غيرهم من أفراد الأمّة رجالاً ونساءً ، إلاّ ما نصّ الدليل الشرعي على دخوله في مصطلح أهل البيت ، وهم الأئمة التسعة المعصومون من ذرية الحسين :.

ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين 7 أنه سُئل عن معنى قول رسول اللّه 6 : « إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي » مَنْ العترة؟ فقال : « أنا والحسن والحسين ، والأئمة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللّه حوضه » (١).

وأحاديث كثيرة أُخرى حصرت أهل البيت بأصحاب الكساء والأئمة التسعة من ذريّة الحسين 7 وذكرتهم بأسمائهم الشريفة. (٢)
ثالثاً : معنى الآل

الآل في اللغة : الأهل ، قال ابن منظور : آل الرجل : أهله ، وآل اللّه وآل رسوله : أولياؤه، أصلها أهل، ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير : أأل، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً، كما قالوا : آدم وآخر، وفي الفعل : آمن وآزر (٣).

__________________

(١) معاني الأخبار / الصدوق : ٩٠ / ٤.

(٢) راجع : إكمال الدين / الصدوق ١ : ٢٣٠ / ٦٢ ، مختصر إثبات الرجعة / الفضل بن شاذان : ٢٠٨ / ٦ ـ مطبوع في مجلة تراثنا ـ إصدار مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث ، العدد ١٥ ، السنة الرابعة ، فرائد السمطين / الحمويني ١ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الكافي / الكليني ١ : ٢١ / ٩ ، دار الأضواء ـ بيروت ، ١٤٠٥ هـ.

(٣) لسان العرب / ابن منظور ١١ : ٢٨ مادة (أهل).

وجاء في القرآن الكريم استعمال كلا اللفظين في مراد واحد ، قال الشيخ الصدوق : الآل : الأهل ، قال اللّه تعالى في قصة لوط : ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ) (١) وقال : ( إِلاَّ آلَ لُوْطٍ نَّجّيْناهُمْ بِسَحَر ) (٢) فسمّى الآل أهلاً. (٣)

وقد ورد لفظ آل محمد 6 في حديث الكساء الذي أخرجه الحاكم النيسابوري بسنده إلى عبد اللّه بن جعفر : لما نظر رسول اللّه 6 إلى الرحمة هابطة قال : ادعوا إليّ ، ادعوا إليّ ، فقالت صفية : من يا رسول اللّه؟ قال : أهل بيتي ، علياً وفاطمة والحسن والحسين. فجيء بهم ، فألقى عليهم النبي 6 كساءه ، ثمّ رفع يديه ، ثمّ قال : « اللهمّ هؤلاء آلي ، فصلّ على محمد وعلى آل محمد » وأنزل اللّه عزّوجلّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ). (٤)

وكذلك في حديث التصلية المروي في الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية عن جمع كبير من الصحابة ، وفيه : قلنا : يا رسول اللّه ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإن اللّه قد علّمنا كيف نسلّم؟ قال : « قولوا : اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد » (٥).

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٨١.

(٢) سورة القمر : ٥٤ / ٣٤.

(٣) إكمال الدين ١ : ٢٣١ ـ معنى العترة والآل والأهل.

(٤) المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري ٣ : ١٦٠ / ٤٧٠٩.

(٥) صحيح البخاري ٤ : ٦٠٤ ـ ٦٠٥ / ١٥٢٦ كتاب بدأ الخلق ـ دار القلم ـ بيروت ، ط١ / ١٩٨٧م.

فالمراد بالآل الذين شملتهم الصلاة مع النبي 6 هم أهل بيته : ، وقد اتفقت كلمة أغلب اللغويين والمفسرين على ذلك.

قال ابن الأثير : قد اختلف مَنْ آل النبي 6 فالأكثر على أنهم أهل بيته. (١)

وقال الرازي : أقول : آل محمد 6 هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شكّ أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول اللّه 6 أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.

وأيضاً اختلف الناس في الآل ، فقيل : هم الأقارب ، وقيل : هم أُمّته ، فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الاُمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل ، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل ، وأمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه (٢).
رابعاً : التعريف بذي القربى

جاءت لفظة ذي القربى في القرآن الكريم أكثر من مرّة ، وكان المراد منها في كل مرّة يختلف عن الآخر ، وتحديد مدلولها يرتبط بسياق الكلام والقرائن المحتفّة به وماهية المضاف له ، ممّا يعكس عمومية هذا المفهوم.

وقد ورد هذ اللفظ في القرآن وأُريد به قربى النبي 6 ، كما في آية المودة : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٣).

__________________

(١) النهاية / ابن الأثير (مادة أهل).

(٢) تفسير الرازي ٩ : ٥٩٥ ـ تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى.

(٣) سورة الشورى : ٢١ / ٢٣.

وقد يفهم أن المراد من قرابة رسول اللّه 6 هو عموم أقربائه ، واللفظ ابتداءً يقبل ذلك لعمومه ، إلاّ أنّ المراد حقيقةً هم أصحاب الكساء : ليس إلاّ ، وقد جاءت السنّة المطهرة مصرحةً بأسمائهم ، ونقلها الفريقان ، وسنتعرض إلى ذكر هذه الأحاديث عندما نبحث آية المودة إن شاء اللّه تعالى ، حيث نجد الكثير من الروايات التي يسأل فيها الأصحاب عندما نزلت آية المودة : مَنْ قرابتك يا رسول اللّه الذين وجبت علينا مودتهم؟ فيقول 6 : « علي وفاطمة وابناهما » وهو نصّ على أنّهم أهل البيت المتقدّم ذكرهم في حديث الكساء.

إلى هنا تحصّل أن العترة وأهل البيت والآل وغيرها مفاهيم قد يثبت لها عموم ، إلاّ أن السنّة وقرائن أُخرى قد خصّصتها في ثلّة خاصّة وهم (علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومون من ذريّة الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين) حتى أصبحت أعلاماً لهم ، ينتقل الذهن لهم : بمجرّد سماعها ، ولا يشترك معهم فيها غيرهم ، وإن كان اللفظ يتحمّل ذلك.

وعليه عندما نتعرّض إلى هذه المفاهيم أثناء البحث لا نتكفّل مؤونة تحديد المراد منها إلاّ بما يتعلّق بالشّبهات المثارة حول الآية ، فإننا نعالج الشبهة ونوضّح المراد من المفهوم بما يرتبط بتلك الآية.

وهناك مفاهيم أُخرى تشير إلى العترة الطاهرة كمفهوم أُولي الأمر ، والذرية ، والرحم ، والسبب ، والحبل ، وكلّها قد ورد فيها ما يثبت أن المراد منها هم العترة الطاهرة :.

........................>>>يتــــــــبع
دولة الأدارسة
دولة الأدارسة
موقوووووووف

عدد المساهمات : 55
تاريخ التسجيل : 22/01/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

حقوق أهل البيت عليهم السلام  من 1 إلى 4 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت Empty حقوق أهل البيت عليهم السلام الجزء 2 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت

مُساهمة  دولة الأدارسة السبت فبراير 08, 2014 4:10 am

الفصل الثاني

حقوق أهل البيت المالية

وفيه مبحثان :
المبحث الأول : الأنفال

وهي أموال جعلها اللّه تعالى لنبيّه 6 ومن ثم للإمام الحق من أهل بيته 6 ، وقد وردت الأنفال مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الاْءَنْفَالِ قُلِ الاْءَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) (١).
المعنى اللغوي للأنفال :

الأنفال في الأصل مأخوذة من مادة (نَفَل) بمعنى الزيادة على الأصل ، وكل شيء كان زيادة على الأصل فهو نفل ونافلة ، ومنه يقال : نفلتك كذا إذا زدته ، ومنه قيل لولد الولد : نافلة ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ) (٢) لأنه زيادة على الأصل وهو الولد ، ومنه قيل لما زاد على فرائض الصلاة نافلة

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ١.

(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٧٢.

( وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ) (١) ، وهذا المعنى للنفل هو جماع معناه كما يقول ابن منظور (٢). لذا نجده يطلق على الموارد الطبيعية لأنها زيادة وهبة من اللّه تعالى على أصل ما يتملكه الإنسان بكدّه وسعيه ، وقد ورد ذلك صريحاً في كلام أهل البيت : ، ومنه : سئل الإمام الصادق 7 عن الأنفال ، فقال 7 : « بطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والآجام ، والمعادن ، ووو ... » (٣).

وكذلك تطلق على المال الذي ليس له مالك ، لأنه زيادة على أصل الماليّة ، مثل ميراث من لا وارث له ، وقد ورد أيضاً في كلمات أهل البيت :. وكذلك يطلق على الفيء ، وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أي لم يبذلوا في تحصيله أي جهد ، وهو على هذا زيادة ونافلة على الأصل في الغنيمة ، قال الإمام الصادق 7 : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم و ..... » (٤) وعلى هذا رأي الطائفة دون خلاف.

ومن الجمهور من قال بهذا المعنى ، قال الآلوسي : والنفل ما كان قبل الظفر ، أو ما كان بغير قتال ، وهو (الفيء) (٥). وقال الراغب الأصفهاني : هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال ، وهو الفيء (٦). وقال أحمد البدوي الشنقيطي في نظم

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٩.

(٢) لسان العرب / ابن منظور ١١ : ٦٧٠ مادة (نفل).

(٣) و (٤) وسائل الشيعة / الحر العاملي / أبواب الأنفال ـ الباب الأول.

(٥) روح المعاني / الآلوسي تفسير آية الأنفال ٩ : ١٦٠ ، التفسير الوسيط / سيد طنطاوي ٦ : ٢٥ ، نشر دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع / ١٩٩٧م.

(٦) المفردات / الراغب الأصفهاني وهامشه ـ مادة (نفل).

مغازي النبي 6 :

وفيؤهم ، والفيء في الأنفال




ما لم يكن أخذهُ عن قتالِ (١)

ويطلق النفل على الغنيمة أيضاً باعتبار أنها زيادة ، وهذه الزيادة بلحاظ أنهم لم يخرجوا من أجل الغنيمة ، إنما خرجوا من أجل إعلاء كلمة اللّه تعالى في الأرض ، أو بلحاظ أنّها زيادة فضل من اللّه تعالى على المسلمين دون الأُمم السابقة ، لأن الأمم السابقة لم تكن تحلّ لهم الغنائم ، أو باعتبار أنها منحة وهبة من اللّه تعالى من غير وجوب. وعلى أي لحاظ فإن الغنيمة يطلق عليها نفل ، والأنفال الواردة في الآية موضع البحث المراد منها الغنيمة.

ومما تقدم اتّضح أن معنى الأنفال ـ وهو الزيادة على أصل الشيء ـ ثابت في كل مورد أُصطلح عليه نفلٌ ، والاختلاف إنما بالمصاديق وليس بالمفهوم.
المراد من الأنفال في الآية :

لتحديد المراد من الأنفال هنا وبناءً على ما تقدم من معنى الأنفال ، لابدّ من تحديد ظروف الآية وأجوائها التأريخية والتشريعية :

إن آية الأنفال على الاتفاق نزلت في معركة بدر الكبرى عندما اختلف المسلمون فيما ظفروا به من عدوهم اختلافاً غير محمود ، كما جاءت به المصادر الناقلة لأخبار المعركة ، وظاهر الآية صريح بذلك ، وممن نقل ذلك الطبري في تأريخه بسنده إلى أبي أمامة الباهلي ، قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه

__________________

(١) المفردات / الراغب الأصفهاني وهامشه ـ مادة (نفل).

أخلاقنا ، فنزعه اللّه من أيدينا. (١)

وهذا الخلاف له اُصوله وأسبابه ، والتوفّر على أسبابه يفتح لنا الطريق لتشخيص الزيادة ، والتي أطلق عليها بالتالي نفلاً ، فإن الخلاف حول الغنائم له أسباب مرتبطة بحالة التفاوت الكبير بين واقع الحرب في العصر الجاهلي وبين واقعها في العصر الإسلامي ، ولكي نتوفر على حقيقة هذا التفاوت نحتاج إلى وقفة قصيرة عن طبيعة الحرب في العصر الجاهلي ، ضمن نقطتين :

الأولى : إن الدافع والمنطلق لهم في غزواتهم هو الظفر بالمال ، واتخاذ ذلك وسيلة للعيش ، وليس من أجل نشر عقيدة أو مبدأ أو فكر ، وهذا من المسلمات التأريخية التي لا تحتاج إلى توثيق.

الثانية : إن الثابت حسب المصادر التأريخية أنهم يطلقون على ما يظفرون به من العدو لفظة السلب والنهب والحَرَب ، ولكل منها معنى خاص ، فالسلب : هو ما يأخذه الرجل ممن قتله مما يكون عليه من لباس وسلاح ودابّة وغيرها ،والنهب : أخذ المال قهراً ، والحَرَب : هو سلب الناس أموالهم جميعها وكل ما يعيشون به ، ولم يعهد أنهم كانوا يسمون ذلك بالأنفال.

أما عن عائدية ذلك وملكيته ، فالتاريخ ينقل لنا أنه يكون لناهبه وسالبه وحاربه ، ويكون ملكاً صرفاً له لا يشاركه فيه أحد ، إلاّ ما تواطؤوا عليه من إعطاء ربع المظفور به للرئيس وسموه بالمرباع ، كما يحدّثنا التاريخ عن قضية عدي بن حاتم قبل أن يسلم حيث قال له رسول اللّه 6 : « إنك لتأكل المرباع ، وهو لا يحلّ في دينك » (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٨ ، سيرة ابن هشام / ٢ : ٥٦٦.

(٢) لسان العرب / ابن منظور ـ ربع ـ ٨ : ٩٩ ، النهاية / ابن الأثير ـ ربع ـ ٢ : ١٨٨.

وأما الحرب في واقعها الإسلامي فإنّ المسلم لا يحارب من أجل الظفر بالمال بل من أجل مبدأ وعقيدة ، ولا يستأثر بما يظفر به بل يتركه للقائد يتصرف به كيف يشاء ، ولا يسمون ما يظفرون به بالنهبة بل يسموه بالنفل والغنيمة ، بالاضافة إلى أن المعارك التي خاضها المسلمون كانت تتسم بالسعة والشدّة ، وقد أعدّ لها أطرافها العدّة ، وكانت العساكر تنظم على شكل مجاميع قد تقتضي طبيعة مهمة بعضها أن لا تشارك في القتال مباشرةً ، وهذه الحالة من القتال لم يعتادها العصر الجاهلي في معاركه التي كانت عبارة عن معارك مباغتة وسريعة يشارك الكل في القتال فيها من أجل الظفر أكثر ما يمكن بالمال.

وهذا التفاوت الشاسع بين النظرتين أثّر في بروز خلاف بين المسلمين في معركة بدر الكبرى ، وهي أول مواجهة عسكرية بين المسلمين والمشركين ، اختلفوا فيها حول ما ظفروا به من عدوهم بعد انتصارهم الساحق عليه حيث شاء الظافرون أن يستأثروا بالمال تحكيماً لتلك النظرة المتجذرة في النفوس والمتأصلة بالسلوك ، فاعترض عليهم من لم يشارك بالقتال مباشرة أو لم ينشغل بجمع الغنائم ، فحصل بينهم نزاع تصوره لنا رواية ابن هشام والطبري ، قالا : إن رسول اللّه 6 أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع ، فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه : هو لنا ، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه : واللّه لولا نحن ما أصبتموه ، لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول اللّه 6 مخافة أن يخالف إليه العدو : واللّه ما أنتم بأحق به منا ، لقد رأينا أن نقتل العدو إذ منحنا اللّه تعالى أكتافه ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ، ولكنّا خفنا على رسول اللّه 6 كرّة العدو ، فقمنا دونه ، فما أنتم بأحقّ به

منّا. (١)

وعندما وصل الأمر الى هذا الحدّ تدخّل النبيّ الأعظم 6 لفضّه بطريقة تربوية تنسجم مع طبيعة المجتمع الإسلامي آنذاك الذي يعيش طور الإعداد التربوي والفكري ولم تكتمل فيه قوانين السماء بعد ، فهو ينتظر أوامرها في كل واقعة جديدة.

لقد ذكّرهم النبي الأعظم 6 أنّ الإسلام لا يحارب إلاّ بإذن اللّه ورسوله من أجل إعلاء كلمة اللّه في الأرض وتطهيرها من الشرك والوثنية ، هذا هو الهدف الحقيقي من وراء المعارك التي يضطر لها الإسلام ، أمّا ما يتمّ الظفر به من أموال العدو فهو هبةٌ من اللّه تعالى وزيادة ونافلة على الأصل الذي خرجوا من أجله.

وفي إطلاق لفظة النفل ـ بمعنى الزيادة ـ على ما ظفر به المسلمون من عدوهم إشارة رائعة ودرس تربوي بليغ لمعالجة الخلفية الذهنية التي دخل بها المسلمون للمعركة ، والتي ادّت الى وقوع النزاع بينهم حول الأنفال. فكان الأجدر بالمؤمنين أن يتنازعوا ويتسابقوا في مجال التضحية من أجل الدين والتفاني في أداء المهمات الصعبة ، لا أن يتنافسوا من أجل المال.

جُمِعت تلك الأنفال بأمرٍ من المصطفى 6 ومنع أي شخص من التصرّف بها ، فنزعت نفوسهم إلى السؤال عن مصيرها ومن يتملكها؟ ومن له حقّ التصرف بها؟ وهو قوله تعالى : « ويسألونك عن الأنفال » فأمره المولى عزّوجلّ بأن يقول لهم بأن تلك الأنفال ملكاً للّه ولرسوله لا يشاركهما فيها أحد ،

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٥٦٦ ، تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٧.

وهو قوله تعالى : ( قل الأنفال للّه والرسول ).

واستعمال القرآن للأنفال ، وإرادته الغنائم ، فيه إشارة بليغة ودلالة عميقة أراد منها تركيز معنى أنّ الغنائم في حقيقة أمرها زيادة على الأصل الذي من أجله يحارب المسلمون ، أو بلحاظ أنها زيادة لا مالك لها.

وأمرهم اللّه تعالى بالطاعة لهذا الأمر والتسليم له وجعله من معالم الدين ، حيث قال عزّوجلّ : « وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين » ومن هذا المقطع من الآية نستشعر حال المسلمين حيال الوضع الجديد للأنفال وحالة الممانعة العفوية التي أبدوها ، تلك الممانعة النابعة من فهمهم الخاص للغنائم ، ولولا ذلك لما لزم الأمر بالطاعة وجعله من معالم الدين.

وفي رواية عبادة بن الصامت إشارة لما تقدّم ذكره حيث قال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه اللّه من أيدينا ، فجعله الى رسوله ، فقسمه رسول اللّه 6 بين المسلمين على السواء ، فكان في ذلك تقوى اللّه ، وطاعة رسوله ، وصلاح ذات البين. (١)

ثم تستمر الرواية فتقول : أقبل رسول اللّه 6 قافلاً الى المدينة ، فاحتمل معه النفل الذي اُصيب من المشركين ، حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية ـ يقال له سَيَر ـ الى سرحة به ، فقّسم هنالك النفل الذي أفاء اللّه على المسلمين من المشركين على السواء. (٢)

وهكذا تذكر لنا كتب التاريخ أنه 6 قسمها على الجميع بالتساوي حتى شملت من بقي بالمدينة ولم يصل أرض المعركة ، قسمها تفضلاً منه لا استحقاقاً

__________________

(١) و (٢) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٧ ، ٤٥٨ ، سيرة ابن هشام ٢ : ٥٦٦.

كما يقول إمامنا الصادق 7 : « إن غنائم بدر كانت للنبي خاصّة فقسمها بينهم تفضلاً منه » (١).

فكان في سلب ملكية الأنفال من المسلمين درساً تربوياً وروحياً كبيراً ، أيسره أن يخوضوا معاركهم القادمة دون التفكير مطلقاً بالغنائم ، وأن ينحصر همهم وسعيهم في إعلاء الدين وتطهير الأرض من المشركين ، فيخلص عملهم لوجهه تعالى لا يشوبه شيء من مغريات الدنيا.
مصاديق الأنفال في حديث أهل البيت :

قال الإمام الصادق 7 : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكل أرض خربة ، وبطون الأودية ، فهو لرسول اللّه 6 ، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء » (٢).

وفي جوابه لسؤال أحد الأصحاب عن الأنفال ، قال 7 : « بطون الأودية ، ورؤوس الجبال والآجام والمعادن ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكل أرض ميتة قد جلا أهلها ، وقطايع الملوك » (٣).

قال الشيخ الطوسي : وروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه 8 : « أنّ الأنفال كلما أخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها » ، ويسميه الفقهاء فيئاً ، وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب ، والآجام وبطون الأودية والموات ، وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه.

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ٢٥٤.

(٢) و (٣) وسائل الشيعة / الحر العاملي ، أبواب الأنفال الباب الأول ، منشورات المكتبة الإسلامية ـ طهران ، ط٦ / ١٤٠٣ هـ.

وقالا : « هو للّه وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه ومن يلزمه مؤونته ليس لأحدٍ فيه شيء ». (١)
قول آخر في الأنفال :

لجمهور العامّة آراء عديدة في معنى الأنفال هنا اصطلاحاً لا لغةً ، وإن كان العموم على رأي أشار له السيد البروجردي حيث قال : قالت الفقهاء من العامة : هي عبارة عن الزيادات التي كان يعطيها رسول اللّه 6 لبعض المجاهدين خاصّة (٢). وكذلك تجده في كلمات المفسّرين كالطبري والرازي والآلوسي وغيرهم ، إلاّ أنّ هذا الرأي لا يمكن قبوله لعدّة أمور منها :

١ ـ صريح الآية والرواية أن هناك خلافاً حول الأنفال حصل بين المقاتلين أنفسهم ، أما على هذا الرأي فلابد أن يكون الرسول 6 أحد طرفيه حيث هو الجاعل لهذه الزيادات ، وصريح الآية والرواية يخالفه مضافاً لما يلزمه من محاذير لا تناسب مقام النبي 6.

٢ ـ من جعل له النبي 6 جعلاً لا يحق لأحد معارضته ، ولو عورض لكان من المناسب أن يقول أنّه بأمرٍ من رسول اللّه 6 ، وهو أمر مهمٌ للغاية ، فلماذا لم يصلنا منه خبر يذكر؟

٣ ـ المتعارف أن القائد له حق جعل الجعول لمن قام بأمر يستحق ، ويطاع في ذلك دون اعتراض ، فلماذا اختلف الأمر هنا مع أن القائد كان رسول اللّه 6؟

__________________

(١) التبيان / الطوسي ٥ : ٧٢ ، نشر مكتب الاعلام الإسلامى ـ ط١ / ١٤٠٩ هـ.

(٢) زبدة المقال في خمس الرسول والآل للسيد البروجردي : ١٤٣ ، المطبعة العلمية ـ قم.

مضافاً إلى أن المعترضين يعلمون أنهم لن ينالوا مما جُعل شيئاً لعدم مشاركتهم فيما جعل له ، فلماذا لم يعترضوا على أصل الجعل ، وهو أولى بالاعتراض؟

الفيء

الفيء من مصاديق الأنفال التيوردذكرهافيالقرآن الكريم، وأكدّتها السنّة قولاً وعملاً، فغدامن ثوابت الشريعة بأنه من الأموال التيخصّ اللّه تعالى بها نبيه 6 وأهل بيته الأطهار : ، ونظراً لذلك أفردناه ببحث مستقل ، وكما يلي :
أولاً : في رحاب الآية الدالّة عليه :

الآية الدالّة على الفيء قوله تعالى من سورة الحشر : ( وَمَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلكِنَّ اللّه يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْءَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (١).

الآية الأولى بينت أن الفيء للّه وللرسول 6 فقط ، أما الثانية فقسمته في مواضع اُخرى بالاضافة للمسمّين في الآية الأولى ، ومنه قد يتصور أن الآية الثانية تريد أن توضح حكم فيءٍ غير الفيء الذي ذكرته الآية الأولى ، وهذا وإن تبنّاه بعض علماء العامّة ، إلاّ أنه بعيد عن ظاهر الآية ، والصحيح هو أنّها مبيّنة

__________________

(١) سورة الحشر : ٥٩ / ٦ ـ ٧.

للآية الأولى وكاشفة عن الموارد التي يصرف فيها الفيء ، وهذا ما عليه علماء أهل البيت : والكثير من علماء العامّة.

وفي هذا يقول الزمخشري : لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى ، فهي منها غير أجنبيّة عنها ، بيّن لرسول اللّه 6 ما يصنع بما أفاء اللّه عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوماً على الأقسام الخمسة (١) ، ونقل عنه هذا الكلام الرازي في تفسيره. (٢)

ونقل القرطبي قول جماعة منهم الشافعي : أن معنى الآيتين واحد. (٣)
ثانياً : معنى الفيء لغةً وشرعاً

قال المبرّد : يقال : فاء يفيء : إذا رجع ، وأفاءه اللّه : إذا ردّه.

وقال الأزهري : الفيء : ما ردّه اللّه على أهل دينه من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال ، إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلّوها للمسلمين ، أو يصالحوا على جزية يؤدّونها عن رؤوسهم ، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم. (٤)

والآية صريحة في بيان المراد من الفيء ، وهو كل ما تمّ الحصول عليه من

__________________

(١) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٥٠٢ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٧ هـ.

(٢) تفسير الرازي ١٠ : ٥٠٧.

(٣) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٨ : ١٢ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ ط١ / ١٤١٦ هـ.

(٤) على ما نقله الرازي في تفسيره ١٠ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦.

الكفار بدون جهد وعناء ، بل سلّط اللّه رسوله 6 إمّا بأن يجلوا الكفار عن ديارهم ، أو يصالحوا عليها ، أو يعطوا مالاً مقابل دمائهم ، وهذا المال الحاصل بهذه الكيفية جعله اللّه تعالى خالصاً لرسوله 6 ، يعمل فيه بما يراه مناسباً ، في وجوهٍ حصرتها الآية الثانية في ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل.

وفي ذلك يقول سيد قطب : حكم هذا الفيء أنه كلّه للّه والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، والرسول 6 هوالذي يتصرف فيه كلّه في هذه الوجوه. وذوو القربى المذكورون في الآيتين هم قرابة رسول اللّه 6 (١).

ويقول الطبرسي أيضاً : ذكر سبحانه حكم الفيء فقال : « مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى » أي من أموال كفار أهل القرى « فللّه » يأمركم فيه بما أحب « وللرسول » بتمليك اللّه إياه « ولذي القربى » يعني أهل بيت رسول اللّه ، وقرابته ، وهم بنو هاشم « واليتامى والمساكين وابن السبيل » منهم ، لأن التقدير ولذي قرباه ، ويتامى أهل بيته ، ومساكينهم ، وابن السبيل منهم.

وروى المنهال بن عمرو ، عن علي بن الحسين 7 ، قال : قلت قوله « ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل »؟ قال : « هم قربانا ، ومساكيننا ، وأبناء سبيلنا ». (٢)

__________________

(١) في ظلال القرآن / سيد قطب ٦ : ٣٥٢٣ ، دار الشروق ـ ط ٢٤ / ١٤١٥ هـ.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٤٣١.

ثالثاً : بين الغنيمة والفيء

ممّا تقدم اتّضح أنّ حكم الفيء غير حكم الغنيمة ، فالغنيمة هي ما يحصل عليه المسلمون من المشركين والكفار المحاربين بالقتال فيأخذونه عنوةً وبحدّ السيف ، وهي تُقسّم إلى خمسة أسهم : أربعة للمحاربين ، وواحد يقسم على ستة أسهم ، أما الفيء فإنّه كلّه لرسول اللّه 6 خالصاً دون المسلمين يصرفه في موارده كيف يشاء ، لأن الفيء يسلّط اللّه تعالى رسوله عليه دون أن يكون للمسلمين يدٌ في تحصيله.

وفي ذلك يقول الشيخ الطوسي رحمه اللّه تعالى : والذي نذهب إليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة ، فالغنيمة : كل ما أخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله الى دار الإسلام ، وما لا يمكن نقله إلى دار الإسلام فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين. والفيء : كل ما أُخذ من الكفار بغير قتال ... وكان ذلك للنبي 6 خاصّة ، يضعه في المذكورين في هذه الآية ، وهو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين. (١)

وذكر الرازي في معنى الآية أن الصحابة طلبوا من الرسول 6 أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم ، فذكر اللّه الفرق بين الأمرين ، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها ، وأوجفتم عليها الخيل والركاب ، بخلاف الفيء فإنكم ما تحمّلتم في تحصيله تعباً ، فكان الأمر فيه مفوضاً إلى الرسول 6 يضعه حيث يشاء. (٢)

__________________

(١) تفسير التبيان / الطوسي ٩ : ٥٦٣ ـ ٥٦٤.

(٢) تفسير الرازي ١٠ : ٥٠٦.

ولقد ورد : أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول اللّه ، ألا تخمّس ما أصبت من بني النضير كما خمّست ما أصبت من بدر؟

فقال رسول اللّه 6 : « لا أجعل شيئاً جعله اللّه عزّوجلّ لي دون المؤمنين بقوله تعالى : ( مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ..... ) الآية ، كهيئة ما وقع فيه السّهمان للمسلمين ». (١)

والفيء يكون للإمام الحق بعد رسول اللّه 6 يعمل به كما كان يعمل به رسول اللّه 6 ، لكن هذا الحقّ غصب من أهله بعد رسول اللّه 6 وجرى عليه ما جرى على غيره من الأموال التي خصّها اللّه تعالى لنبيه 6 ولأهل بيته من بعده.

وقد تعدّى ذلك إلى ما وهبه رسول اللّه 6 لأهل بيته من أموال الفيء ، ومن مصاديقه فدك ، وهي قرية بناحية الحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وأرضها كانت لليهود ، فأفاءها اللّه تعالى على رسوله 6 صلحاً سنة ٧ هـ دون أن يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.

وقد ورد أن رسول اللّه 6 منح فدك إلى ابنته الزهراء 3 في حياته حينما نزلت الآية « وآت ذا القربى حقّه » (٢) على ما رواه المحدّثون والمفسرون عن أمير المؤمنين علي 7 وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري. (٣)

__________________

(١) المغازي / الواقدي ١ : ٣٧٧ ، منشورات مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، ط٣ / ١٤٠٩ هـ.

(٢) الإسراء : ١٧ / ٢٦.

(٣) راجع : تفسير الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٢٧٢ ، مجمع الزوائد / الهيثمي ٧ : ٤٩ ، كنز العمال / المتقي الهندي ٣ : ٧٦٧ / ٨٦٩٦ ، مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٦٣٤ ، الشافي / المرتضى ٤ : ٩٠ و ٩٨ وغيرها كثير.

وحينما توفّي رسول اللّه 6 وضعت سلطة الخلافة يدها على نحلة الزهراء 3 في فدك ، وأخرجت وكيلها منها ، وجعلتها من مصادر بيت المال وموارد ثروة الدولة كما زعمت.
المبحث الثاني : الخمس

اتفقت كلمة المسلمين على ثبوت الخمس كحق مالي يجب أداؤه على المسلمين كافة ، فان اللّه تعالى أمرهم به ، وجعل أداءه من علائم الايمان حيث يقول تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّه وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّه عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١).
مفهوم الغنيمة عام لا خاص

المعروف أن الآية نزلت في واقعة خاصّة يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ، وهذا مما لا خلاف فيه ، ومن هنا قيل بأن المراد من قوله تعالى : « أَنَّمَا غَنِمْتُم » ما يغنم من المشركين في دار الحرب ، ولكن الأصل في الغنيمة هو عموم ما يغنمه الإنسان ويكسبه سواء كان في الحرب أم في غيرها ، وورودها في هذا المورد الخاص لا يخصّص معناها ، على ما سنبينه من موارد استعمالها في

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.

اللغة والكتاب والسنة وفتاوى بعض الفقهاء.
١ ـ في اللغة :

قال اللغويون في كلمة الغنيمة : إنّ الأصل فيها أعمّ مما يظفر به في دار الحرب ، بل هي تطلق في اللغة على كلّ ما يكسبه الإنسان ويدخل في حوزته ، وفي ذلك يقول الراغب الأصفهاني : الغُنم : إصابته ـ أي الغَنَم ـ والظفر به ، ثم استعمل في كل مظفورٍ به من جهة العدى وغيرهم ، قال تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم مِن شيء ) ، ( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً ) (١) ، والمغنم : ما يُغنَمُ ، وجمعهُ مغانِمُ. قال : « فعند اللّه مغانم كثيرة » (٢).

وقال الفراهيدي : الغنم الفوز بالشيء في غير مشقة. (٣)

وقال ابن الأثير : في الحديث : « الرهن لمن رهنه ، له غنمه وعليه غرمه » غنمه : زيادته ونماؤه وفاضل قيمته. (٤)
٢ ـ في الكتاب والسنّة :

أما في الكتاب فقد جاءت في بعض الموارد في معنى أعمّ من مكاسب الحرب ، كما في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّه فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٦٩.

(٢) المفردات للراغب مادة (غنم). والآية من سورة النساء : ٤ / ٩٤.

(٣) كتاب العين / الفراهيدي مادة (غنم) ، انتشارات أسوة ، ط١ / ١٤١٤ هـ.

(٤) النهاية / ابن الأثير ، مادة (غنم).

الْدُّنْيَا فَعِندَ اللّه مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) (١) والمراد من المغانم هنا أجر الآخرة.

وأما ما ورد في السنّة فكثير جداً ، وحسبك شاهداً على ذلك قول علي 7 : « من أخذ بها لحق وغنم » و « يرى الغنم مغرماً ، والغرم مغنماً » و « اغتنم من استقرضك » و « الطاعة غنيمة الأكياس » و « الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ».

وفي الدعاء عند إعطاء الزكاة : « اللهم اجعله مغنماً ، ولا تجعله مغرماً » و « غنيمة مجالس الذكر الجنّة » وفي وصف الصوم : « هو غنم المؤمن » إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره واستقصاؤه ... وعليه فالغنم هو مطلق الحصول على الشيء ... (٢)

وكذلك جاء في السنّة المطهرة بأن الرسول الأعظم 6 قد فرض الخمس في غير غنائم الحرب ، كفرضه ذلك في الركاز والكنوز والسيوب وغيرها. (٣)
٣ ـ في مكاتيب الرسول وعهوده

بيّن رسول اللّه 6 في عهوده مع القبائل الداخلة إلى الإسلام وفي بعض مكاتيبه فرائض الدين ومنها الخمس ، كعهده مع وفد عبد القيس عندما وفدوا على رسول اللّه 6 فقالوا : إنّ بيننا وبينك المشركين من مضر ، وإنّا لا نصل

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٩٤.

(٢) الصحيح من سيرة النبي الأعظم 6 / جعفر مرتضى العاملي ٥ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ الفصل الخامس ، دار الهادي ، دار السيرة ، ط٤ / ١٤١٥ هـ.

(٣) راجع : صحيح البخاري ٢ : ٦٣٠ ـ ٦٣١ ـ كتاب الزكاة ـ باب ٩٤٩ ـ ٩٥٠ ، سنن الترمذي ٤٨١ / ٣٠٨٥ ـ كتاب الخراج والامارة.

إليك إلاّ في أشهر حرم ، فمرنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنّة ، وندعو إليها من ورائنا : فقال 6 : « آمركم بأربع ، وأنهاكم عن أربع ، آمركم بالإيمان باللّه ، وهل تدرون ما الإيمان باللّه؟ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وتعطوا من المغنم الخمس ... » (١).

ومنها ما ذكره ابن سعد قال : كتب رسول اللّه 6 للفجيع كتاباً : « من محمد النبي للفجيع ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وأطاع اللّه ورسوله ، وأعطى من المغانم خُمس اللّه ، و .... » (٢).

وعند التأمل في المراد من المغنم هنا يُقطع بأن المراد منه خمس الأرباح وليس خمس غنائم الحرب ، ذلك لأنّ هذه القبائل غير قادرة على شنّ الحروب ، وذلك واضح من كلام وفد عبد القيس ، فإنهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى رسول اللّه 6 إلاّ في الأشهر الحرم مخافة من المشركين ، ثمّ إنّ أمر الحرب لا يعود لقبيلة ، بل يعود لرسول اللّه 6 دون غيره ، فلو جاز لكل قبيلة أن تشنّ حرباً لأصبحت البلاد فوضى لا يمكن السيطرة عليها ، وكذلك فإن قبول الخمس من مغانم حروبهم معناه إقرارهم على تلك الحروب العدوانية ، وهذا ممتنع. (٣)
٣ ـ في فتاوي بعض الفقهاء :

أفتى بعض فقهاء العامّة بوجوب الخمس في غير غنائم الحرب ، منهم

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ : ٨٣٩ ـ ٨٤٠ ، كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى ( واللّه خلقكم وما تعملون ).

(٢) طبقات ابن سعد ١ : ٢٣٢.

(٣) من أراد المزيد في هذا الموضوع فليراجع مقدمة مرآة العقول / السيد العسكري : ١٠١ ـ ١١٠.

أبو يوسف حيث قال : في كل ما أصيب من المعادن قليل أو كثير الخمس ، ولو أن رجلاً أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضّة أو أقل من وزن عشرين مثقالاً ذهباً ، فإن فيه الخمس. (١)

ومما تقدّم يتّضح بشكل جلي أن المراد من الغنيمة هو كلّ ما يكسبه الإنسان في حياته صغيراً كان أو كبيراً ، وعليه فتخصيص الغنيمة بما يغتنم في الحرب اعتماداً على ورودها في واقعة خاصّة لا يصحّ ، فإن مجيئها في هذا المورد الخاص لا يخصص معناها ، ولا يضيّق من مفهومها ، وإنما يكون من باب استعمال المعنى العام في أحد مصاديقه ، وقد اعترف القرطبي بأن اللغة لا تقتضي تخصيص الآية بغنائم الحرب. (٢)
تحديد مواضع الخمس

تكفلت الآية الكريمة بيان مواضع الخمس بشكل صريح وواضح لا يقبل الشبهة ولا التأويل ، وفي ذلك جاءت الروايات الكثيرة المصرّحة بمواضع الخمس بما ينطبق ومفاد الآية الشريفة.

فقد ذكرت الآية الخمس وقسمته إلى ستة أسهم ، وهي : سهم اللّه تعالى ، سهم الرسول 6 ، سهم ذوي القربى ، سهم اليتامى ، سهم المساكين ،سهم أبناء السبيل.

وجميع الروايات الواردة في ذلك تدلّ على أن رسول اللّه 6 كان يحرص على إعطاء الخمس إلى مستحقيه بما ينطبق ومفاد الآية المباركة ، وأنه 6

__________________

(١) كتاب الخراج / أبو يوسف : ٢٢.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١.

كان يختصّ بسهمٍ من الخمس ، ويخصّ ذوي قرباه بسهمٍ آخر منه ، ولم يعهد منه أن غيّر أو بدّل في ذلك منذ نزول الآية المباركة حتى قبضه اللّه تعالى إليه.

منها ما أخرجه الطبري بسنده إلى أبي العالية الرياحي ، قال : كان رسول اللّه 6 يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة ، تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس ، فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة ، وهو سهم اللّه ، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل. (١)

وروى الزمخشري عن ابن عباس قوله : إنه كان على ستة أسهم : للّه وللرسول سهمان ، وسهم لأقاربه حتى قُبض. (٢)

وأخرج البخاري وغيره عن جبير بن مطعم ، قال : لما كان يوم خيبر ـ وفي رواية : حنين ـ وضع الرسول 6 سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس (٣) ، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي 6 فقلنا : يا رسول اللّه ، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع

__________________

(١) تفسير جامع البيان / ابن جرير الطبري مج ٦ ، ١٠ : ١٢٤٩٥ ، دار الفكر ـ بيروت / ١٤١٥ه ، الدر المنثور / السيوطي ٣ : ٣٣٦ ، تفسير الرازي ٥ : ٤٨٥ ،تفسير ابن كثير ٤ : ٥٩.

(٢) الكشاف / الزمخشري ٢ : ٢١١ ، تفسير غرائب القرآن / النيسابوري ٣ : ٤٠٢ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٦ هـ.

(٣) هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل ، كلّهم إخوة ، أولاد عبد مناف بن قصي ، وأمهم عاتكة إلاّ نوفل فأمه واقدة. وجبير بن مطعم من أولاد نوفل ، وعثمان بن عفّان من أولاد عبد شمس ، وعندما أعطى رسول اللّه 6 بني المطلب دونهم ،قالوا مقالتهم تلك. راجع طبقات ابن سعد ١ : ٧٥.

الذي وضعك اللّه به منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال رسول اللّه 6 : « إنّا وبني المطلب لا نفترق » وفي رواية النسائي : « إن بني المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد » وشبّك بين أصابعه. (١)

وأخرج الطبري بسنده إلى ابن الديلمي ، قال : قال علي بن الحسين 2 لرجل من أهل الشام : « أما قرأت في الأنفال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) ... الآية؟ » قال : نعم ، قال : فإنكم لأنتم هم؟ قال : « نعم » (٢).

وجاء في الأثر الصحيح أن المراد من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل في الآية ، هم يتامى آل محمد 6 ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وليس عموم المسلمين ، فقد أخرج الطبري بسنده إلى المنهال بن عمرو ، قال : سألت عبد اللّه بن محمد بن علي وعلي بن الحسين فقالا : هو لنا : فقلت لعليّ : إن اللّه يقول : « واليتامى والمساكين وابن السبيل » فقال : « يتامانا ومساكيننا ». (٣)

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٢٤٩ / ٦٩٦ باب غزوة خيبر ، سنن أبي داود / السجستاني ، كتاب الخراج والإمارة : ٤٦٣ / ٢٩٨٠ ، دار ابن حزم ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٩ه مجلد واحد ، سنن ابن ماجه ، ٣٠ : ٤٠١ / ٢٨٨١ باب قسمة الخمس ، دار المعرفة ـ بيروت ، ط٢ / ١٤١٨ه ، تفسير الطبري ١٠ : ٩ ـ ١٠.

(٢) تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠.

(٣) تفسير ابن كثير ٤ : ٦٣ ، تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠ ، تفسير الكشاف / الزمخشري ٢ : ٢١١.

علّة تخصيص الخمس لأهل البيت :

ورد في الآثار والروايات ما يدلّ على أن اللّه تعالى جعل الخمس لآل محمد 6 تعويضاً عن الصدقات التي حرّمها عليهم ، فقد أخرج الطبري بسنده عن مجاهد قوله : كان آل محمد 6 لا تحلّ لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس. وعنه أيضاً : كان النبي وأهل بيته لا يأكلون الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. وعنه أيضاً : قد علم اللّه أن في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة. (١)

وأخرج ثقة الإسلام الكليني بسنده إلى سليم بن قيس في حديث لأمير المؤمنين 7 ، قال : « ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً ، أكرم اللّه رسوله 6 وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس ». (٢)

إلى هنا تحصّل أن الخمس كلّه لآل محمد 6 فسهم اللّه تعالى وسهم النبيّ وسهم ذي القربى لأئمة أهل البيت : بعد رسول اللّه 6 ، وأما الأسهم الثلاثة الباقية فهي لأيتام ومساكين وأبناء سبيل آل محمد 6 ، وهذا ماعليه الشيعة أخذوه عن أئمتهم : ، وهم أخذوه عن جدّهم 6.
قسمة الخمس بعد رسول اللّه 6

يقول السيد شرف الدين : قد أجمع أهل القبلة كافة على أن رسول اللّه 6 كان يختصّ بسهمٍ من الخمس ، ويختص أقاربه بسهم آخر منه ، وأنه لم يعهد

__________________

(١) تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠.

(٢) الكافي ٨ : ٦٣ / ٢١.

بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه اللّه إليه ، واختاره اللّه إلى الرفيق الأعلى.

فلما ولي أبو بكر 2 تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموته 6 ومنع ـ كما في الكشاف وغيره ـ بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.

وقد أرسلت فاطمة 3 تسأله ميراثها من رسول اللّه 6 مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة 3 منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي 6 ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي 8 ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر. (١)

وهذه القضية من الحقائق المشهورة التي لا تحتاج إلى دليل ، ومع ذلك سنشير إلى بعض ما ورد فيها :

أخرج الطبري بسنده عن ابن عباس ، قوله : فلما قبض اللّه رسوله 6 ردّ أبو بكر نصيب القرابة في المسلمين ، فجعل يحمل به في سبيل اللّه ، لأنّ رسول اللّه 6 قال : « لا نورث ، ما تركنا صدقة ». (٢)

أقول : لا أدري ما علاقة خمس ذي القربى بإرث الرسول 6؟ وهل أصبح إرث الميت يشمل ما يملكه أقاربه؟!

وقال الطبري : ثم اختلف الناس في هذين السهمين [سهم الرسول وسهم ذي القربى] بعد وفاة رسول اللّه 6 فقال قائلون : سهم النبي 6 لقرابة

__________________

(١) النصّ والاجتهاد / شرف الدين : ١٠١ المورد ٦ ، منشورات ـ قسم الدراسات الإسلامية ـ ط٢ / ١٤٠٨ هـ.

(٢) تفسير جامع البيان / الطبري ١٠ : ١١.

النبي 6 ، وقال قائلون : سهم القرابة لقرابة الخليفة ، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل اللّه ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر. (١)

وروى الزمخشري عن ابن عباس 2 أنه كان على ستة أسهم : للّه وللرسول سهمان ، وسهم لأقاربه حتى قبض ، فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة. وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء.

وروي أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس وقال : إنما لكم أن يعطى فقيركم ، ويزوّج أيمكم ، ويخدم من لا خادم له منكم ، فأما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنيّ ، لا يُعطى من الصدقة شيئاً ، ولا يتيم موسر. (٢)

وأخرج أبو داود عن جبير بن مطعم قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قَسْم رسول اللّه 6 ، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه 6 ما كان النبي يعطيهم. (٣)

أقول : إذا لم يعطِ القربى كما كان الرسول 6 يعطيهم ، فكيف يقول كان يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه 6؟! أم يقصد بـ (نحو) أي قريب منه ، فهذا يعني أن مخالفة النبي 6 بمقدار ما جائزة عنده!

وعلى هذا النهج في توزيع الخمس سار الخليفة الثاني مقتفياً أثر أبي بكر ، وحاول أن يسترضي بني هاشم فيعيد إليهم بعض ما سُلِب منهم ، فأبوا إلاّ

__________________

(١) جامع البيان / الطبري ١٠ : ١٠.

(٢) الكشاف / الزمخشري ٢ : ٢١١.

(٣) سنن أبي داود : ٤٦٣ / ٢٩٧٨ ، كتاب الخراج والإمارة والفيء ـ باب بيان مواضع قسم الخمس.

إرجاع كامل حقّهم.

وفي ذلك روي عن ابن عباس أن نجدة الحروري الخارجي أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذين ذكر اللّه ، فكتب إليه : إنّا كنّا نرى أنّا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا .. وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا ، فرددناه عليه وأبينا أن نقبله. وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم ، وأن يقضي عن غارمهم ، وأن يعطي فقيرهم ، وأبى أن يزيدهم على ذلك. (١)

وعلى هذا سار بقية القوم حتى أصبح منهجاً ثابتاً لا تطاله يدُ التغيير متسالمين سنّة الخليفتين حتى وصلت إلى أئمة الجمهور ، فأفتوا وفق ذلك مشرعين إسقاط حق آل محمد 6 من الخمس.
موقف المذاهب الأربعة من الخمس :

لم يختلف موقف المذاهب الأربعة كثيراً عن موقف الخليفتين ، بل جاء في أغلبه مقلداً ومشرعاً له ، وإن أقرّ بعضهم بسهم ذي القربى إلاّ أنّه حرمهم من سهم اللّه تعالى وسهم رسوله 6. وجعل الأسهم الثلاثة الأخيرة في عموم المسلمين ، خلاف الثابت عن رسول اللّه 6 بأنّها في آل محمد 6 خاصّة.

وإليك مجمل أقوالهم :

١ ـ قالت الشافعية والحنابلة : تقسّم الغنيمة ـ وهي الخمس ـ إلى خمسة أسهم : واحد منها سهم الرسول 6 ويُصرف على مصالح المسلمين ، وواحد يعطى لذوي القربى ـ وهم من انتسب إلى هاشم بالأُبوة من غير فرق بين

__________________

(١) سنن أبي داود ٤٦٣ / ٢٩٨٢ ، الدر المنثور / السيوطي ٣ : ٣٣٧.

الأغنياء والفقراء ـ والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أم من غيرهم.

٢ ـ وقالت الحنفية : إن سهم الرسول سقط بموته ، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.

٣ ـ وقالت المالكية : يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة. (١)

ومن الواضح أنّ هذه الفتاوى مخالفة لصريح الآية وللثابت من سيرة النبي الأكرم 6 ، وقد صرّح بهذا بعض علمائهم في معرض تعليقهم على هذه الفتاوى ، بل إنّ منهم من لم يكتفِ باتهامهم بالمخالفة ، بل صرّح بخروج بعضهم عن الإيمان في فتواه هذه ، مستنكراً مخالفتهم الصريحة للكتاب والسنّة.

وفي ذلك يقول الرازي : واعلم أن ظاهر الآية مطابق لقول الشافعي ; وصريح فيه ، فلا يجوز العدول عنه إلاّ لدليل منفصل أقوى منها ، وكيف وقد قال في آخر الآية : « إن كنتم آمنتم باللّه » يعني : إن كنتم آمنتم باللّه فاحكموا بهذه القسمة ، وهو يدلّ على أنه متى لم يحصل الحكم بهذه القسمة ، لم يحصل الإيمان باللّه. (٢)

وهذا تعريض صريح بأبي حنيفة ومالك ، واتهامهما بعدم الإيمان لمخالفتهما باجتهادهما هذا صريح الآية والثابت من فعل الرسول 6 وقوله ، حيث إنهم أسقطوا حق آل محمد 6 من الخمس ، مقتفين أثر الخليفتين الأول والثاني.

__________________

(١) الفقه على المذاهب الخمسة / محمد جواد مغنية : ١٨٨ ، نشر مؤسسة الصادق ـ طهران ، ط٣ / ١٤١٦ هـ.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ٤٨٥.

وقال الطبري : والصواب من القول عندنا أنّ سهم رسول اللّه مردود في الخمس ، .... لأن اللّه أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات ، كما أوجب الأربعة أخماس الآخرين ، وقد أجمعوا أن حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم ، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم ، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم. (١)

أمّا ابن قدامة المقدسي فقد صرّح بمخالفة اجتهاد أبي بكر وعمر في الخمس لنصّ الكتاب. وفاقاً لما ذهب إليه أحمد بن حنبل. وإليك نصّ ما قاله : وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية ، فإن اللّه تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئاً ، وجعل لهما في الخمس حقاً ، كما سمى الثلاثة الأصناف الباقية ، فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب ، وأما حمل أبي بكر وعمر على سهم ذي القربى في سبيل اللّه ،فقد ذكر لأحمد فسكت ، وحرك رأسه ولم يذهب إليه ، ورأى أن قول ابن عبّاس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب اللّه وسنّة رسوله 6. (٢)

إلى هنا اتضح كيف تمالأ القوم على إغماط حقّ آل محمد خلافاً لصريح الكتاب والسنّة ، وقد صرّح آل البيت : بهذا الظلم والمنع لحقوقهم بلوعةٍ وتحسّرٍ في كثير من الأخبار.

منها خطبة الإمام الحسن 7 يوم بايع معاوية ، إذ قال 7 : « إنّا لم نزل أهل البيت مخيفين ، مظلومين ، مضطهدين ، منذ قبض رسول اللّه 6 ، فاللّه بيننا وبين من ظلمنا حقنا ، ونزل على رقابنا ، وحمل الناس على

__________________

(١) تفسير جامع البيان ١٠ : ١٢.

(٢) المغني / ابن قدامة المقدسي ٦ : ٢٨٤ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٤ هـ.

أكتافنا ، ومنعنا سهمنا في كتاب اللّه في الفيء والغنائم ، ومنع أُمّنا فاطمة 3 إرثها من أبيها ». (١)

ومحصّل الكلام فإن رأي الإمامية في الخمس ـ اعتماداً على صريح الآية وفعل رسول اللّه 6 وقوله ـ هو أنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوَّض أمرها إلى الإمام أو نائبه ، يضعها في مصالح المسلمين ، والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ولا يشاركهم فيها غيرهم. (٢)

__________________

(١) البرهان / السيد البحراني ٣ : ٤٥٧.

(٢) الفقه على المذاهب الخمسة / مغنية : ١٨٨.

.........................>>> يتـــــــــــبع
دولة الأدارسة
دولة الأدارسة
موقوووووووف

عدد المساهمات : 55
تاريخ التسجيل : 22/01/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

حقوق أهل البيت عليهم السلام  من 1 إلى 4 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت Empty حقوق أهل البيت عليهم السلام الجزء 3 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت

مُساهمة  دولة الأدارسة السبت فبراير 08, 2014 4:14 am

الفصل الثالث

حقوق أهل البيت المعنويّة

وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : حقّ المودّة لهم

لقد فرض اللّه تعالى على المسلمين مودة أهل بيت النبي 6 في محكم كتابه الكريم ، وجعلها أجراً لرسالته في قوله تعالى : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللّه غَفُورٌ شَكُورٌ ) (١) يدلّ على ذلك الآثار الواردة في تفسير الآية ؛ وأقوال جملة من المفسرين ، ومعطيات الآية ودلالاتها.
الآثار الواردة في تفسير الآية :

صرّحت جملة من الروايات الواردة عن النبي 6 وأهل البيت : والصحابة والتابعين بأنّ المراد من القربى في الآية هم أهل البيت : ومنها :

١ ـ أخرج أحمد بن حنبل وغيره عن ابن عباس ، قال : لما نزلت ( قُلْ لاَ

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٢٣.

أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالوا : يا رسول اللّه ، مَنْ قرابتنا هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : « علي وفاطمة وابناهما ». (١)

٢ ـ وأخرج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني بسنده إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد أعرض علي الإسلام ،فقال : « تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله » ، قال : تسألني عليه أجراً ، قال : « لا ، إلاّ المودّة في القربى » قال : قرباي أو قرباك؟ قال : « قرباي » قال : هات أُبايعك ، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة اللّه ، قال صلى الله عليه وسلم : « آمين » (٢).

٣ ـ أخرج الطبري باسناده إلى سعيد بن جبير ، في قوله تعالى : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال : « هي قربى رسول اللّه ».

وفي إسنادٍ آخر إلى عمرو بن شعيب ، قال : قربى النبي 6 (٣).

٤ ـ أخرج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني وغيره عن زاذان ، عن الإمام أمير المؤمنين 7 قال : « وفينا (ال حم) إنه لا يحفظ مودّتنا إلاّ كل مؤمن » ثمّ

__________________

(١) فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٢ : ٦٦٩ / ١١٤١ ، المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٤٧ / ٢٦٤١ ، مجمع الزوائد / الهيثمي ٧ : ٣ و ٩ : ١٦٨ ، تفسير ابن أبي حاتم ٨ : ٣٢٧٧ / ١٨٤٧٧ ، تفسير ابن كثير ٧ : ٢٠١ ، الكشاف / الزمخشري ٤ : ٢٢٣ ، تفسير الرازي ٩ : ٥٩٥ ، الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٦ : ٢١ ـ ٢٢ ،الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٧٠١ ، الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٨٧.

(٢) حلية الأولياء / أبو نعيم الأصفهاني ٣ : ٢٠١ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٣) تفسير جامع البيان / الطبري ١٣ : ٣٤ ، الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٧٠١.

قرأ 7 ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ). (١)

٥ ـ في حديث علي بن الحسين 7 قال : «خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي 7 ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : « وإنا من أهل البيت الذي أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وإنا من أهل البيت الذي افترض اللّه مودتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيه 6 : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ». (٢)

٦ ـ أخرج الطبري وابن عطية بالاسناد إلى أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين رضي اللّه عنهما أسيراً ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد للّه الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة ، فقال له علي بن الحسين 2 : « أقرأت القرآن؟ » قال : نعم ، قال : « أقرأت ال حمآ؟ » قال : قرأت القرآن ولم أقرأ ال حمآ ، قال : « ما قرأت ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )؟ » قال : وإنكم لأنتم هم؟ قال : « نعم ». (٣)

__________________

(١) تاريخ أصفهان / أبونعيم الأصفهاني ٢ : ١٣٤ ـ دار الكتب العلمية ـ ط١ ، ١٤١٠ه ، شواهد التنزيل / الحاكم الحسكاني ٢ : ٢٠٥ / ٨٣٨ ، الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٨٧ ، روح المعاني / الآلوسي ٢٥ : ٣١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٨٨ ـ ١٨٩ / ٤٨٠٢ ، مقاتل الطالبيين / أبوالفرج الأصفهاني : ٦١ ـ ٦٢ ، شرح النهج / ابن أبي الحديد ١٦ : ١٨ ، مجمع الزوائد / الهيثمي ٩ : ١٤٦.

(٣) تفسير جامع البيان / الطبري ١٣ : ٣٣ / ٢٣٦٩٨ ، تفسير المحرر الوجيز / ابن عطية الأندلسي ٥ : ٣٤ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط١ / ١٤١٣ه ، الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٧٠١ ، الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٨٨.

أقوال بعض المفسرين في الآية :

قال الرازي في المسألة الثالثة من مسائله حول هذه الآية : آل محمد 6 هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شكّ أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول اللّه 6 أشدّ التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل ، ...

وروى صاحب الكشاف : أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول اللّه ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال : « علي وفاطمة وابناهما » (١) فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي 6 وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، ويدلّ عليه وجوه :

الأول : قوله تعالى : « إلاّ المودة في القربى » ووجه الاستدلال به ما سبق.

الثاني : لا شكّ أن النبي 6 كان يحبّ فاطمة 3 ، قال 6 : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها » وثبت بالنقل المتواتر عن رسول اللّه 6 أنه كان يحبّ علياً والحسن والحسين ، وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأُمّة مثله لقوله : ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (٢).

الثالث : أن الدعاء للآل منصبٌ عظيمٌ ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله : « اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وارحم محمد وآل محمد » وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ

__________________

(١) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٢٢٣.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٨.

ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمد واجبٌ.

وقال الشافعي 2 :

يا راكباً قف بالمحصب من منى




واهتف بساكن خيفها والناهض

سَحَراً إذا فاض الحجيج إلى منى




فيضاً كما نظم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبّ آل محمد




فليشهد الثقلان أنّي رافضي (١)

وفي قوله تعالى : ( ومَن يَقتَرِفْ حَسَنَةً ) قال القرطبي : أي يكتسب. وأصل القرف الكسب يقال : فلان يقرف لعياله ، أي يكسب ، والاقتراف الاكتساب ، وهو مأخوذ من قولهم : رجل قرفة ، إذا كان محتالاً. وقال ابن عباس : ( ومَن يَقتَرِفْ حَسَنَةً ) قال : المودة لآل محمد 6 ( نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) أي نضاعف له الحسنة بعشر فصاعداً. ( إنّ اللّه غفورٌ شَكُورٌ ) قال قتادة : ( غَفُورٌ ) للذنوب ، ( شَكُورٌ ) للحسنات ، وقال السدّي : ( غَفُورٌ ) لذنوب آل محمد 6 ، ( شَكُورٌ ) لحسناتهم. (٢)

وقال الزمخشري : ( ومَن يَقتَرِفْ ) عن السدّي : أنّها المودة في آل رسول اللّه 6 (٣) ، وتبعه في ذلك النيسابوري (٤).

وأخرج الثعلبي وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ( ومَن يَقتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) قال : المودة لآل محمد 6 (٥).

__________________

(١) تفسير الرازي ٩ : ٥٩٥.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٦ : ٢٤.

(٣) تفسير الكشاف ٤ : ٢٢٥.

(٤) تفسير غرائب القرآن / النيسابوري ٦ : ٧٤.

(٥) الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٧٠١ ، الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٨٨.

معطيات الآية ودلالاتها

إنّ الآية في ظاهرها تريد المودة ، وهي الثبوت على المحبّة ، فإنّ مَن ثبت على المحبّة استصحب المودة في كل حال ، وعند التأمّل المنصف المتأنّي نجد أنّها لا تقف عند حدّ المودة والحبّ ، بل تتعداه لتجعل من هذه المودّة طريقاً إلى اتّباع نهج المودود ، وهذا ما نستشعره من جهات ثلاث :

الاُولى : من الواضح أن المودة وضعت على كفتي ميزان مع الرسالة ، حيث جُعلت أجراً لها ، وهو أمرٌ عظيم لا نراه بحكم الوجدان يتوقف على إرادة المحبّة وحدها ، وإن كانت مطلوبة لذاتها ، فالمحبّة المجردة لا تكون عدلاً لتبليغ الرسالة إلاّ إذا كانت كاشفةً عن سبيل قويم إلى مرضاة اللّه تعالى ، تتجسّد فيه كل أهداف وغايات الدعوة.

الثانية : إن طلب المحبّة المجرّدة لا يكشف عن حالة من الاندكاك والذوبان الكامل في اللّه تعالى الذي يناسب مقام الرسول 6 لأنه قد يلوح منها جانب ذاتي ، أما إذا قلنا بأن المراد من طلب المحبّة هو طريق للاقتداء بسلوك المحبوب الذي من خلاله نضع أقدامنا على الصراط المستقيم ، فإن ذلك يشكل جزءاً من الدعوة ، عندها نكون قد ارتفعنا بطلب المودّة إلى مستوى من الهدفية والحكمة بما ينسجم وروح وغاية رسالة السماء.

الثالثة : حكم الطبيعة بأن الإنسان إذا أحبّ شيئاً أحبّ جميع شؤونه ، فتراه يتتبعها ويتوددها ويتمناها ، ويتّخذ ممن أحبّ قدوةً وأُسوةً ، يطيعه ولا يعصيه ، وفي هذا يقول الإمام الصادق 7 : « ما أحبّ اللّه عزّوجلّ مَن عصاه » ثمّ تمثّل فقال :

«تعصي الإله وأنت تُظهر حبّه




هذا محال في الفعال بديعُ

لو كان حبّك صادقاً لأطعته




إنّ المحبّ لمَن أحبَ مُطيعُ» (١)

فتحصّل من الجهات الثلاث المتقدمة أنّ مَنْ اُمرنا بمودّتهم يلزمنا اتباعهم والاقتداء بهم ، فلابدّ أن يكون ذلك الإتباع آخذاً بنا إلى كلّ فضيلة وبرّ وهدى ، وهذا شأن رسالة السماء ، فهي لا تدعو إلى أمرٍ إلاّ وفيه هدى ، قال تعالى : ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدىً وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ) (٢).

ومنه يلزم أن يكون مَنْ أُمِرنا بمودتهم قد حازوا كلّ فضيلةٍ ، وتسنّموا في ذرى الإيمان أعلى درجاته ، وتحلّوا بكل صفةٍ جميلةٍ ، لكي تهفو لهم النفوس وتحبّهم وتتشبّه بهم ، وتتمنى خصالهم ، وتسعى لتحصيلها ، فتكون في سعيها هذا سائرةً في الطريق الصحيح والمنهج القويم ، ولابدّ أن يكونوا أيضاً خالين من كلّ ما ينفّر النفوس منهم قلّ أو كثر عمداً أو سهواً ، حتى لا يوقع الناس في حرج المخالفة ، فانّ من يصدر منه ذلك ينفر منه الإنسان بطبيعته ، فلا يصحّ الأمر بمودته ، لأنّه تكليف بما لا يطاق ، ومنه نقول : إنّ من البعيد أن يأمرنا الباري عزّوجلّ بمودّة من ليسوا كذلك للطفه وحكمته.

ومنه يتّضح أن هؤلاء المشار لهم يمتلكون درجة عالية من العدالة والتقوى ، يصعب تشخيصها من خلال الظاهر ، لذا نحتاج إلى نصّ في تشخيصهم والإشارة لهم.

وإنك إذا رجعت إلى السنّة المطهرة لا تجد ممن تتوفر فيهم المواصفات والخصال المتقدّمة غير العترة الطاهرة : ، لتواتر ما قيل في فضائلهم ومناقبهم

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥٧٨ / ٧٩٠ ـ المجلس ٧٤ ـ مؤسسة البعثة ـ قم.

(٢) سورة لقمان : ٣١ / ٢ ـ ٣.

التي لم يدركهم فيها أحد ، وفي محبتهم واتباعهم والردّ إليهم واتخاذهم قدوة وأُسوة ، وكذلك واقعهم الذي عاشوه كان كاشفاً بالمطابقة عن أهليتهم لهذا المقام السامي.

نقل صاحب الكشاف عن النبي 6 أنه قال : « من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد بشّره ملك الموت بالجنّة ثم منكر ونكير ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد يزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة اللّه ، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشمّ رائحة الجنّة ». (١)

وجاء في كثير من الروايات أن حبّ علي بن أبي طالب 7 هو الحدّ الفاصل بين الإيمان والنفاق ، ومنها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن علي قال : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأُمّي إليّ أنه لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق ». (٢)

__________________

(١) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٢٢٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٨٤ / ١٣١ ـ باب حبّ الأنصار وعليّ من الإيمان ـ كتاب الإيمان.

وأخرج الترمذي بسنده عن أُمّ سلمة قالت : كان رسول اللّه 6 يقول : « لا يحبّ علياً منافقٌ ، ولا يبغضه مؤمن ». (١)

وعن أبي سعيد الخدري ، قال : « إنّا كنّا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب ». (٢)

وأخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أنس بن مالك يقول : واللّه الذي لا إله إلاّ هو لسمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « عنوان صحيفة المؤمن حبُّ علي بن أبي طالب » (٣) وغيرها كثير.

فحبّ علي 7 هو الإيمان ، وهو ميزان لتمييز المنافق من المؤمن ، وهل يميزهما إلاّ الإيمان ، فالمنافق يبغض الإيمان فيبغض عليّاً ، والمؤمن يحبّ الإيمان فيحبّ عليّاً ، لأنّ عليّاً كلّه إيمان ، فمَن أحبّ عليّاً أحبّ كلّ فضيلةٍ وكلّ خيرٍ ، فكان حبّ عليّ طريق هداية للبشرية ، ومن هنا أوجب اللّه تعالى مودّته على المسلمين.

إثارات حول الآية
الأولى : حول معنى الأجر في الآية

الظاهر من سياق الآية أنها جعلت من مودة القربى أجراً على الرسالة ،

__________________

(١) سنن الترمذي ٦ : ٩٤ / ٣٧٣٦ ـ باب مناقب علي بن أبي طالب ـ وقال : حسن صحيح.

(٢) سنن الترمذي ٦ : ٨٢ / ٣٧١٧ ـ باب مناقب علي بن أبي طالب ـ.

(٣) تاريخ بغداد ٤ : ٤١٠ / ٢٣١٤.

والالتزام بهذا الظاهر قد يولّد شبهة في الأذهان مفادها : أن طلب الأجر على الرسالة يلزم منه محاذير ، منها :

أولاً : تعارضه مع آيات وردت على لسان النبي الأعظم 6 بنفي الأجر مطلقاً ، كما في قوله تعالى : ( قُل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين ) (١).

ثانياً : تعارضه مع آيات وردت على لسان الأنبياء (٢) نوح وهود وصالح ولوط وشعيب : بنفي الأجر مطلقاً ، كما في قوله تعالى : ( وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلاّ على ربّ العالمين ) (٣) ، ونبينا 6 أفضل الأنبياء وإمامهم ، فهو أولى بعدم طلب الأجر.

ثالثاً : إن تبليغ الرسالة تكليف إلهي شرعي ، والتكاليف لا يؤخذ عليها الأجر.

رابعاً : إنه لا يناسب شأن النبوة ، لما فيه من التهمة ، فإنّ أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم.

ولدفع هذه الشبهة وما يلزمها من محاذير ، لابدّ من تحديد المراد من الأجر وعلاقته بالرسالة ، وهذا بدوره يتوقف على تحديد طبيعة الاستثناء الوارد في الآية ( إِلاَّ المَوَّدَّةَ فِي القُرْبَى ) هل هو استثناء منقطع أو متصل؟ وبحسبه تختلف الإجابة ، فإذا قلنا إنّ الاستثناء منقطع فمعنى ذلك أن الآية مكوّنة من جملتين منفصلتين : الأولى ( قُلْ لاَ أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) ثم يستأنف القول

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩٠.

(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / الآيات (١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠).

(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٠٩.

بجملة جديدة ( إِلاَّ المَوَّدَّةَ فِي القُرْبَى ) أي لكن أسألكم المودّة في القربى ، وهي جملة لا علاقة لها بالجملة السابقة ، وله في الكتاب الكريم نظائر ، كما في قوله تعالى : ( فَسَجَدَ المَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أجْمَعُونَ * إلاّ إبْلِيْس ) (١) ومعناه لكن إبليس لم يسجد ، وهي جملة جديدة كما ترى لا علاقة لها بالسابقة ، لأن إبليس ليس من الملائكة ، فعليه تكون الشبهة قد انتفت من الأصل ، لانتفاء موضوعها ، وهذا ما ذهب إليه معلم الطائفة الشيخ المفيد رحمه اللّه تعالى ، وجمع من المفسّرين منهم : الطبري والزمخشري وابن عطية الأندلسي والقرطبي وأبو حيان الأندلسي والرازي في أحد قوليه والآلوسي (٢) وغيرهم.

وإذا قلنا : بأن الاستثناء في الآية استثناء متصل ، عندها يكون طلب المودّة أجراً على الرسالة ، ولكن لا كما تصوّره الشبهة ، فيلزمه تلك المحاذير ، بل بتفسير آخر ، وهو أنّ الأجر بطلب المودة ، وإن كان أجراً بحسب الظاهر ، ولكنه بحسب الحقيقة ليس بأجر ، لأن طلب المودة لا يخرج عن كونه جزءاً من الدعوة ، وليس بخارج عنها ، وإن صُوِّر بصورة الأجر ، وذلك لأنّ نفعه عائد إلى من وجبت عليهم المودّة ، كما في قوله تعالى : ( مَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) (٣) وقريب منه قوله تعالى : ( مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن

__________________

(١) سورة الحجر : ١٥ / ٣٠ ـ ٣١.

(٢) تصحيح الاعتقاد / الشيخ المفيد : ١١٩ ، منشورات الرضي ـ قم / ١٣٦٣ هـ. ش ، تفسير الطبري ١٣ : ٣٥ ، الكشاف ٤ : ٢٢٣ ، المحرر الوجيز ٥ : ٣٤ ،تفسير جامع الأحكام ١٦ : ٢١ ، تفسير البحر المحيط ٧ : ٤٩٤ ، تفسير مفاتيح الغيب ٩ : ٥٩٤ ، تفسير روح المعاني ٢٥ : ٣١.

(٣) سورة سبأ : ٣٤ / ٤٧.

يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (١) بمعنى أنّ الأجر الذي احتسبه لي هو اتخاذكم إلى اللّه سبيلاً ، أي أن الإيمان بالدعوة نفعه لكم ، حتى لا تشكّوا في نصيحتي لكم بأني أرجو أجراً دنيوياً من وراء تبليغ الرسالة ، وفيه مبالغة في نفي الأجر.

وممّن ذهب إلى هذا الرأي السيد العلامة الطباطبائي ، قال : ومن المتيقن من مضامين سائر الآيات التي في هذا المعنى أنّ هذه المودة أمر يرجع إلى استجابة الدعوة ، إما استجابة كلّها ، وإما استجابة بعضها الذي يُهْتَمّ به ، وظاهر الاستثناء على أيّ حال أنّه متصلٌ بدعوى كون المودّة من الأجر ، ولا حاجة إلى ما تمحّله بعضهم بتقريب الانقطاع فيه. (٢)

وممّن قال من المفسّرين بالاستثناء المتصل الزمخشري والرازي في أحد قوليهما ، وابن حجر الهيتمي (٣) في صواعقه.
الثانية : في تحديد مصداق القربى

وقد اختلف المفسرون فيه إلى آراء عدة ، منها :

الأول : المراد من القربى ، هو القرب أو التقرّب ، ويكون معنى الآية أن أجر الرسالة هو أن تودّوا كل عمل من شأنه أن يقرّبكم إلى اللّه تعالى ، وأن تودّوا طاعته.

ويرد عليه أنه لا يوجد ممّن خُوطب بهذه الآية وهو لا يرى عليه السعي

__________________

(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٥٧.

(٢) الميزان / الطباطبائي ١٨ : ٤٣.

(٣) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٢٢٣ ، مفاتيح الغيب / الرازي ٩ : ٥٩٤ ، الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٩١.

للتقرب إلى اللّه تعالى كلٌّ حسب طريقته ، فحتى المشركون يرون شركهم وعبادتهم للأصنام يقرّبهم إلى اللّه تعالى ، فطلب التودّد في التقرّب إلى اللّه تعالى بدون تقييده بعبادته وحده يكون أمراً مبهماً لا يمكن قبوله.

وإذا كان المراد هو التقرّب إلى اللّه تعالى بالتودّد إلى طاعته ، فانّ الأنسب أن يأمر بطاعته ، لا التودّد لطاعته ، فما معنى التالي إذا تحقّق الأول؟!

الثاني : المراد من القربى هي القرابة ، التي هي بمعنى الرحم ، ومعناه أنّ أجر الرسالة أن تصلوا أرحامكم وتودّوهم وتحسنوا إليهم ، فيكون المراد هو المودّة في قرباكم.

ولمناقشة هذا الرأي نحتاج إلى توضيح هوية القربى المأمور بمودّتهم ، فهذه اللفظة وردت في الآيات بمعانٍ مختلفة ، تتوقف على القرائن المحتفّة بها من سياق الكلام ودلالة ألفاظه ، وتحديد ماهية الإضافة ، ففي قوله تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) (١) المراد قرابة المخاطبين بقلتم ، أما قوله تعالى : ( مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (٢) فإنّ المراد منها قرابة الرسول 6 بقرينة قوله : ( على رسوله ) وكذلك في قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) المراد قربى الرسول 6 بقرينة قوله : ( لا أسألكم ) فإنها تشير إلى أن المراد هم أقرباء السائل ، والسائل هو الرسول 6.

هذا من جانب ومن جانب آخر ليس ثمّة فائدة ، يجنيها الرسول 6 من ودّ المسلمين لأقاربهم حتى يجعلها أجراً لرسالته ، فإنّ هذا كلام لا معنى له.

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٢.

(٢) سورة الحشر : ٥٩ / ٧.

مضافاً إلى أن ديننا لم يأمرنا بودّ أقاربنا بشكل مطلق ، وشاهده قوله تعالى : ( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ ..... ) (١) نعم أمرنا بصلة الرحم ، وليس بودّهم ، وثمة فرق بين الاثنين.

الثالث : المراد من القربى هي القرابة التي بمعنى الرحم ، ومعناه أن أجر الرسالة هو أن تصلوا رحمي وتحفظوني لقرابتي منكم ، فحيث إنكم لم تحفظوني وتتجنّبوا أذيّتي لنبوتي ، فاحفظوني لما يربطني بكم من قرابة نسبية وسببيّة ، فيكون المراد إلاّ المودّة في قرابتي منكم. ونسب هذا القول إلى الجمهور ، وذهب إليه أغلب مفسّري العامّة ، وذكروا له أخباراً يرويها الطبري في تفسيره (٢).

وهذا القول لا يمكن تعقّله على مستوى التصوّر فضلاً عن التصديق به ، وذلك لأن الخطاب بطلب المودّة بلحاظ القرابة لا بلحاظ النبوّة ، إنْ كان موجّهاً إلى المؤمنين ، فإنهم كيف آمنوا بالرسالة ولا يرون مودّة وحفظ الرسول لنبوّته لازماً لا ينفك عن الإيمان؟! وإن كان موجّهاً إلى الكفّار فإنه لا يعقل أن كون طلب المودّة منهم يقع أجراً للرسالة ، فإنه كلام لا معنى له ، لأنها قضية سالبة لانتفاء موضوعها ، فأي رسالة هذه ، وهم لم يؤمنوا بها ، ولم يحصلوا على شيء منها ، بل كفروا بها وجحدوها؟

ثمّ إنّ ملاك القرابة وحده غير كافٍ لأن يكون مبرراً لمودة شخص جاء ليقضي على كيانهم بكامله ، فإنه من غير المعقول طلب المودة من عدوٍّ لعدوّه لأنّ له معه قرابة ، ونحن نرى الابن يقتل أباه والأخ يقتل أخاه من أجل مصلحة

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.

(٢) تفسير جامع البيان / الطبري ١٣ : ٣٠ ـ ٣٣.

دنيوية تافهة ، فكيف بمن جاء مزيفاً لمعتقداتهم نابذاً لأوثانهم مزعزعاً لكياناتهم؟

الرابع : المراد من القربى هي القرابة بمعنى الأقارب ، أي أقارب الرسول 6 ، قال الزمخشري : القربى مصدر كالزلفى والبشرى ، بمعنى القرابة ، والمراد في الآية «أهل القربى» (١).

وقد جاءت القربى في الذكر الحكيم في أكثر من عشرة موارد كلها بمعنى القرابة ، وفي جميعها جاءت مضافة إلى (ذي) أو (ذو) أو (أولي) إلاّ في هذا الموضع ، فاحتاجت إلى تقدير مضاف كذي أو أهل أو غيرهما ، وكذلك جاءت بلفظة القربى لا القرابة ، لأن القربى بمعنى القرابة القريبة الخاصّة. (٢)

ومن هنا يتضح أن القرابة المرادة هنا هي ثلّة خاصّة من أقارب الرسول المصطفى 6 ، وهم عترته الطاهرة : ، قد أوجب اللّه تعالى مودّتهم وجعلها أجراً لرسالته ، وقد أكّد النبي الأعظم 6 على مودّتهم ومحبّتهم ، وجاء فيه الأثرالمتواتر على ما بيّناه.
الثالثة : كون السورة مكية

قيل : إنّ هذه السورة مكية ، والحسن والحسين 8 ولدا في المدينة ، فكيف تكون شاملة لهما؟

وللجواب عن هذه الإثارة نذكر النقطتين التاليتين :

١ ـ إن المتخصّصين في دراسة علوم القرآن اتفقوا على أنّ هناك آيات مكية

__________________

(١) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٢٢٣.

(٢) راجع : تفسير ابن عربي ٤ : ٨٣.

في سور مدنية وبالعكس ، وذكروا لهذا أمثلة كثيرة ، فانك لو راجعت إتقان السيوطي لوجدت الكثير مما يؤيد ذلك من أقوال العلماء ، ومنها : قال البيهقي في (الدلائل) : في بعض السور التي نزلت بمكة آيات نزلت بالمدينة ، فألحقت بها ،وكذا قال ابن الحصار (١) ، ونفس الكلام تجده عند الزركشي في (البرهان) ،وقد أفرد لها عنواناً رئيسياً : الآيات المدنيات في السور المكية ، والآيات المكيات في السور المدنية (٢).

أما في الآيات مورد البحث فقد صرّح العلماء بأنها آيات مدنية في سورة مكيّة ، من هؤلاء القرطبي حيث قال : سورة الشورى مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، وقال ابن عباس وقتادة : إلاّ أربع آيات منها أُنزلت بالمدينة : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) إلى آخرها. (٣)

ومنهم أيضاً الطاهر بن عاشور ، والنيسابوري ، ونور الدين الهيثمي (٤) وغيرهم.

٢ ـ إنّ جوّ الآيات وأغراضها لا يناسب أهل مكة ، حيث كانوا مشركين ، فلا معنى لطلب المودّة منهم على ما بيّناه.

__________________

(١) الاتقان في علوم القرآن / السيوطي : ٤٢ ، دار ابن كثير ـ ط٣ ـ ١٤١٦ هـ.

(٢) البرهان في علوم القرآن / الزركشي : ٢٨٧ ، دار المعرفة ـ بيروت ، ط٢ / ١٤١٥ هـ.

(٣) تفسير القرطبي ١٦ : ١.

(٤) التحرير والتنوير / الطاهر بن عاشور ٢٥ : ٢٣ ، الدار التونسية للنشر ، غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٦ : ٦٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨.

المبحث الثاني : حق ترفيع بيوتهم

من الحقوق التي جعلها اللّه تعالى لأهل بيت نبيه 6 هو ترفيع بيوتهم ، كما في قوله تعالى : ( في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويُذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار ) (١).

فقد روت كتب الخاصّة والعامّة أخباراً تصرّح بأنّ البيوت الواردة في الآية هي بيوت الأنبياء ، وبيت علي وفاطمة 8 من أفضلها ، منها : ما أخرجه الحاكم الحسكاني بطرقٍ ثلاثة تنتهي إلى أبي برزة ، وأنس بن مالك ، وبُريدة ، قالوا : قرأ رسول اللّه 6 هذه الآية : ( في بيوت أذن اللّه أن تُرفعَ ) إلى قوله : ( والأبصار ) فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول اللّه ، هذا البيت منها؟ ـ لبيت علي وفاطمة ـ قال : « نعم من أفضلها » (٢).

وأخرج ابن أبي حاتم والقرطبي عن مجاهد ، قال : هي بيوت النبي 6 (٣).

وقيل : هي بيوت الأنبياء. (٤)

وأمّا طرق الإمامية فمنها : ما رواه ثقة الإسلام الكليني بسنده إلى أبي حمزة

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ / ٣٦ ـ ٣٧.

(٢) شواهد التنزيل ١ : ٥٣٢ ـ ٥٣٤ / ٥٦٦ ، ٥٦٧ ، ٥٦٨ ، الدرّ المنثور / السيوطي ٥ : ٩١ ، روح المعاني / الآلوسي ١٠ : ٢٥٥ ، البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٧٦ ، كشف الغمة / الإربلي ١ : ٣١٩ ، دار الأضواء ـ بيروت ، ط٢ / ١٤٠٥ هـ.

(٣) تفسير ابن أبي حاتم ٨ : ٢٦٠٤ / ١٤٦٢٩ ، جامع أحكام القرآن / القرطبي ١٢ : ٢٦٥.

(٤) البحر المحيط / أبو حيان ٦ : ٤٢١.

الثمالي عن الإمام الباقر 7 ـ في حواره مع قتادة ـ قال : فقال له أبو جعفر 7 : « أنت فقيه أهل البصرة؟ ». قال : نعم ، قال قتادة : أصلحك اللّه ، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك!

فقال أبو جعفر 7 : « ما تدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بيوت أذن اللّه أن ترفع ويُذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال * رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) ونحن أُولئك ».

فقال قتادة : صدقت واللّه ، جعلنياللّه فداك، واللّه ماهيبيوت حجارة ولاطين. (١)

وعنه بسنده إلى أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه 7 عن قوله عزّوجلّ : ( في بيوت أذن اللّه أن تُرفَع ) قال : « هي بيوت النبي 6 ». (٢)

قال الطبرسي تعقيباً على القول بأنّ المراد هو بيوت الأنبياء : ويعضد هذا القول قوله : ( إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، وقوله : ( ورحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت ) فالإذن برفع بيوت الأنبياء والأوصياء مطلق. (٣)

ويؤيده أيضاً ما أخرجه الصدوق عن النبي 6 : « إنّ اللّه اختار من البيوتات أربعة » ثمّ قرأ هذه الآية : ( إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض ) (٤).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٢) الكافي ٨ : ٢٧٢ / ٥٨٠.

(٣) مجمع البيان / الطبرسي ٧ : ٢٥٣.

(٤) الخصال / الصدوق ١ : ٢٤٩ / ٥٨ ، والآية من سورة آل عمران : ٣ / ٣٣ ـ ٣٤.

أقوال المفسرين في الآية
١ ـ في معنى الرفع

اختلف المفسرون في معنى الرفع المراد في الآية على أقوال منها :

الأول : الرفع المعنوي ، بمعنى تعظيمها وتطهيرها من كل ذكر لا يليق بها ، فتعظم في النفوس ، وتكون موضعاً للاقتداء والهداية.

الثاني : الرفع المادي ، بمعنى بنائها وصيانتها ورعايتها مما يتلفها لتبقى أثراً لروادها ومعمريها ، تحيي ذكراهم في نفوسنا ، لنحتذي بهم سيراً إلى اللّه تعالى.

يقول الرازي : اختلفوا في المراد من قوله : ( أن تُرفَع ) على أقوال ، أحدها : المراد من رفعها بناؤها لقوله : ( بناها * رفع سمكها فسوّاها ) (١) وقوله : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ) (٢) ، وثانيها : ترفع : أي تعظم وتطهر عن الأنجاس وعن اللغو من الأقوال ، عن الزجاج. وثالثها : المراد مجموع الأمرين. (٣)
٢ ـ في معنى البيوت

وردت تفاسير متعددة لبيان معنى البيوت الواردة في الآية ، يحظى تفسيران منها بالقبول لدى المفسرين ، وهما : المساجد ، وبيوت الأنبياء.

والملاحظ على تفسيرها بالمساجد ما يلي :

أولاً : إن الأصل في لفظة بيت أنها وضعت لهذا البيت المتعارف المعدُّ للسكن ، سواء كان للإنسان أم لغيره ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ / ٢٧.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٢٧.

(٣) تفسير الرازي ٨ : ٣٩٦.

غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ) (١) ، وقال تعالى : ( وأوحى ربّك إلى النحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ) (٢) وعليه يكون استعماله في غير هذا المعنى مجازاً يحتاج إلى قرينة ، كقولك (بيت اللّه ) يعني المسجد ، أو قولك (بيت الشِّعْر) من القصيدة ، وكما ترى فبقرينة الإضافة صُرِف معنى البيت إلى غير معناه الأصلي ، والشاهد على ذلك أنك إذا أردت الذهاب إلى المسجد لا تقول : أنا ذاهب إلى البيت ، بل أنا ذاهب إلى بيت اللّه ، أو تنصب قرينة أخرى لفظية كانت أو مقامية.

فلو قلت : إنّ في الآية قرينةً تدلّ على المساجد ، وهي قوله تعالى : ( يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال )؟ قلتُ : إنّ هذه القرينة كما تنطبق على المساجد ، فإنها تنطبق على بيوت الأنبياء ، بل هي في بيوت الأنبياء أولى لتجسّد هذه الصفة عندهم على نحو الحقيقة التامّة.

ثانياً : لم ترد لفظة (بيت) في القرآن الكريم بمعنى مسجد ، وعليه ما لم تنصب قرينة على أنّ المراد من البيوت هي المساجد ، لا يصحّ القول به ، ولابدّ من المصير إلى مراد القرآن الثابت بغلبة الاستعمال.

ومما تقدم تحصّل أن المراد من البيوت في هذه الآية هي بيوت الأنبياء ، وبيت علي وفاطمة وبقية العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم أجمعين من أفضلها ، وقد أمرنا اللّه تعالى بترفيعها ، فنسأله عزوجل أن يجعلنا من المطيعين لأوامره والمؤدّين لهذه البيوت حقّها ، إنه سميع الدعاء.

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ / ٢٧.

(٢) سورة النحل : ١٦ / ٦٨.

المبحث الثالث : حق الصلاة عليهم
أولاً : تشريع هذا الحق

حق آخر من حقوق أهل البيت : صدح به القرآن الكريم في سورة الأحزاب بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّه وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) وقد ثبت من طرق الفريقين وبصورة متواترة عن جملة من الصحابة ككعب بن عجرة وأبي هريرة وجابر بن عبد اللّه وابن مسعود وغيرهم ، أنّهم سألوا رسول اللّه 6 عن كيفية أداء هذا التكليف الإلهي ، جاء البيان النبوي الشريف صريحاً بضمّ الآل إلى النبي 6 في الصلاة فقال لهم : « قولوا اللهم صلّ على محمد وآل محمد ».

وهذه الصيغة للصلاة قد تواترت عن النبي 6 فلا تكاد تخلو رواية ولا استدلال اعتمدوه في آرائهم وفتاواهم منها وكأنها مسلمة لا تقبل النقاش ، وهو كما ترى حق صريح لأهل البيت : أمر به رسول اللّه 6 بأمر اللّه تعالى وأكده مراراً وحثّ عليه ورغب فيه ونهى عن تركه ، إلاّ أن هذا الحق ، وكما جرى على غيره ، تعرض إلى التغييب والإهمال والتأويل وحتى الافتاء على خلافه ، بل والنهي عن أدائه ، وخلق التبريرات لكل ذلك.

وها أنت تجد أغلب المسلمين لا يذكرون الآل عندما يصلون على النبي 6 معتمدين الصلاة البتراء التي تقتصر على النبي 6 دون آله الأطيبين الأطهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥٦.

ونحن هنا نحاول تقصّي هذا الحق المضيع بتتبع ما ورد فيه من الأثر الصحيح وما صدر حوله من تصريحات وفتاوى سلباً أو ايجاباً.
ثانياً : البيان النبوي لصيغة الصلاة
طرق الحديث :

نقل أصحاب الصحاح الستة كلهم سؤال كعب بن عجرة لرسول اللّه 6 عنه كيفية الصلاة المأمور بها في هذه الآية ، واللفظ للبخاري في صحيحه ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت : بلى ، فاهدها لي ، فقال : سألنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلنا : يارسول اللّه ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإن اللّه قد علّمنا كيف نسلِّم؟ قال : « قولوا : اللهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهمّ بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد » (١).

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٤٢ / ٣٣٧ ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب ١٠ بلا عنوان ، و ٦ : ٣١ ـ ٣٢ / ٤٧٩٧ و ٤٧٩٨ ، كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : «إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبي ...» ، و ٧ : ٢٠٢ / ٦٣٥٧ و ٦٣٥٨ ، كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي 6 ، وصحيح مسلم ١ : ٢٥٥ / ٤٠٥ و ٤٠٦ باب الصلاة على النبي 6 بعد التشهّد ، وسنن الترمذي ٥ : ٣٥٩ / ٣٢٣٤ ، باب ٣٣ من كتاب التفسير ، وسنن ابن ماجة ١ : ٤٨٨ ، باب الصلاة على النبي 6 / ٩٠٤ و ٩٠٦ ، وسنن النسائي ٣ : ٤٥ ، باب الأمر بالصلاة على النبي 6 ، و ٣ : ٤٧ ـ ٤٩ ، باب كيف الصلاة على النبي 6 ، وسنن أبي داود ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ / ٩٧٦ و ٩٧٧ و ٩٧٨ و ٩٨٠ و ٩٨١ ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي 6 بعد التشهّد.

كما أخرج غيرهم هذا الحديث عن كعب بن عجرة أيضاً (١).

وكذلك ذكر السيوطي هذا الحديث مصرحاً بمن أخرجه ، وهم كما يقول : سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وأحمد والبخاري ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي وابن ماجة ، وابن جرير ، كلهم ، عن كعب بن عجرة ، عن رسول اللّه 6.

وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن أبي عاصم ، والهيثم بن كليب الشاشي ، وابن مردويه ، وابن جرير ، عن طلحة بن عبيد اللّه ، عن رسول اللّه 6.

وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، عن رسول اللّه 6.

ومالك ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ،

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١١٨ و ٢٤٣ ، و ٥ : ٣٥٣ و ٣٧٤ ، ومسند الشافعي : ٤٢ ، وسنن الدارقطني ١ : ٣٥٤ ، ومشكل الآثار / الطحاوي ٣ : ٧١ ـ ٧٣ ، والمعجم الكبير / الطبراني ١٠ : ٦٦ ، والمعجم الصغير / الطبراني أيضاً ١ : ١٨٠ ، وسنن البيهقي ٢ : ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٣٧٩ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٠ / ٤٧١٠ ، وتفسير الطبري ٢ : ٥٣ ـ ٥٤ / ٢١٨٤٨ و ٢١٨٤٩ و ٢١٨٥٠ و ٢١٨٥١ و ٢١٨٥٣ ، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٤ : ٢٣٣ ، وتفسير الثعالبي ٣ : ٢٣٦ ، وفتح الباري / ابن حجر ١٢ : ٤٤٢ في شرح الحديثين ٦٣٥٧ و ٦٣٥٨ ، كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي 6.

والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن أبي مسعود الأنصاري ، عن رسول اللّه 6.

وابن مردويه ، عن أمير المؤمنين علي 7 عن رسول اللّه 6.

وابن خزيمة ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، عن رسول اللّه 6.

وابن مردويه ، عن أنس ، عن رسول اللّه 6.

وأحمد وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، عن بريدة ، عن رسول اللّه 6.

وابن مردويه ، عن عبد اللّه بن مسعود ، عن رسول اللّه 6.

كما أورده عن ابن عباس عن رسول اللّه 6 (١).

وكذلك فإن ابن قيم الجوزية في كتابه (جلاء الأفهام) قد استقصى ألفاظ هذا الحديث وطرقه ومن رواه من الصحابة فبلغوا حسب إحصائه أربعة عشر صحابياً. (٢) وله طرق ومصادر اُخرى غيرها نكتفي منها بهذا القدر.
ثالثاً ـ تصريحات مؤيّدة

لعلماء الجمهور وفقهائهم تأييد صريح للصيغة الواردة في الروايات المتقدمة ، ومنهم ابن القيم الجوزية ، حيث قال : ثمّ عقّب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أُمته ، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم ، مستفتحاً ذلك الأمر بإخباره بأنّه هو وملائكته يصلّون عليه ، فسأل الصحابة رسول اللّه 6 : على أيّ صفة يؤدّون هذا الحق؟ فقال : « قولوا اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل

__________________

(١) الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤٠٩ ، ٤١٢.

(٢) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ٣٠ وما بعدها.

محمد » فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها ، لأنّ ذلك مما تقرُّ به عينه ، ويزيده شرفاً وعلوّاً. صلى اللّه عليه وعلى آله وسلّم تسليماً (١).

وقال ابن حجر العسقلاني : والحق أن ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابت في أصل الخبر ، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر (٢).

ونقل عن ابن قيم الجوزية أيضاً قوله : إنّ أكثر الأحاديث بل كلّها مصرّحة بذكر محمد وآل محمد (٣).

نكتفي هنا بهذا القدر ، طلباً للاختصار ، وفي الموضوع عشرات النصوص المؤيدة ، سنأتي على ما يوافقها في الفقرة اللاحقة.
رابعاً : حكم الصلاة

اجتمعت كلمة المسلمين على وجوب الصلاة على النبي 6 لورود الأمر الصريح كتاباً وسنة والأمر ظاهر بالوجوب ، ولا خلاف بينهم في ذلك ، إلاّ أنهم اختلفوا في طبيعة الوجوب ومواضعه ، وبما إنّا لسنا بصدد دراسة فقهية مقارنة لآراءهم لذا سنقتصر على ذكر آرائهم بما يتعلق بغرضنا من هذا البحث وهو التوفر على مواقفهم من جمع الآل مع النبي 6 في الصلاة من خلال أدلتهم وما يعتمدونه من روايات في ذلك ، وكما يلي :

__________________

(١) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ١٧٥.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٢ : ٤٤٦ كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي 6.

(٣) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٢ : ٤٤٦ كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي 6.

١ ـ قول الشيعة

أجمع علماء الشيعة وفقهاؤهم وتبعاً لأئمتهم صلوات اللّه عليهم على وجوب جمع الآل مع النبي 6 في الصلاة ، ولا تجد فيهم مخالف لا سابقاً ولا حاضراً ،وهم يعملون على هذا في كل ما يكتبونه وما يلفظونه وفي كل حين من زمن التشريع وإلى هذه الساعة ، فهي عندهم من ضرورات الدين ومسلماته.
موضع الصلاة :

أجمع علماء الإمامية وفقهاؤهم على أن موضع وجوب الصلاة على النبي وآله 6 هو التشهّد في الصلاة. قال العلامة الحلي : تجب الصلاة على النبي 6 في التشهّد عند جميع علماء الإمامية (١) ، وفي الخلاف ، والذكرى ، والمنتهى ، والغنية : الإجماع على وجوبها في التشهّد (٢) ، وقال المحقق الكركي بعدم وجود الخلاف في ذلك بينهم (٣) ، وصرّح في المدارك بأن هذا هو المشهور بين الأصحاب (٤).

وقال صاحب مفتاح الكرامة : المقام الثالث : هل تجب الصلاة على الآل عليهم الصلاة والسلام في التشهّدين؟ ففي الغنية والمنتهى وكنز العرفان والحبل المتين الإجماع على وجوبها فيهما ، وهو ظاهر المعتبر حيث نسبه فيه إلى

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٣٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣٦٥ ، والذكرى : ٢٠٤ ، والمنتهى ١ : ٢٩٣ ، والغنية : ٥٥٨ (ضمن الجوامع الفقهية).

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣١٩.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٤٢٦.

علمائنا ، وفي جامع المقاصد نفي الخلاف فيه ، وفي الخلاف والتذكرة والذكرى الإجماع على وجوبها في التشهّد (١).

وبالجملة فأن فقهاء الإمامية ما بين مفتٍ بالوجوب ، وما بين مفتٍ به مع التصريح بالإجماع عليه (٢) ، ولم ينسب لأحدٍ منهم غير القول بالوجوب ، مع عدم الفصل بين النبي والآل صلى اللّه عليه وعليهم أجمعين.

واستدلّوا لذلك بالأمر الوارد في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وهو ظاهرٌ في الوجوب ، وانصرف للتشهد دون غيره من خلال الروايات الكثيرة الدالة على الانصراف.

منها ما رواه جابر الجعفي عن أبي عبد اللّه 7 قال : «سمعت أبا عبد اللّه 7 يقول : ... ولا تُقبل صلاة إلاّ أن يذكر فيها محمد وآل محمد » (٣).

ومنها ما رواه عبد الملك بن عمرو وأبو بصير عن الإمام الصادق 7 في كيفية التشهّد فذكر 7 الشهادتين ثم قال : « اللّهم صلِّ على محمد وآل محمد وتقبّل شفاعته ـ وفي رواية أبي بصير : في أُمته ـ وارفع درجته » (٤).

أما خارج الصلاة فاختلفوا في ذلك ؛ فمنهم من أوجبها اعتماداً على ظاهر الأمر الوارد في الآية الشريفة وبعض الروايات (٥) الدالة على الوجوب مطلقاً ،

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٢ : ٤٦٢.

(٢) اُنظر : مفتاح الكرامة ٢ : ٤٦٣ ، ومستند الشيعة ٥ : ٣٢٩ ، والعروة الوثقى ١ : ٥٣٤ ـ ٥٣٥ ، والمستمسك ٦ : ٤٣٦ ، ومهذب الأحكام ٧ : ١٢٢.

(٣) كتاب جعفر بن محمد بن شريح : ١٧ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٥ : ١٤ / ١.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٢ / ٣٤٤ ، و ٢ : ٩٩ / ٣٧٣.

(٥) تجدها في : المحاسن / البرقي ١ : ١٧٩ / ٢٨٠ ، أمالي الشيخ الصدوق : ٦٧٦

كما ينقل لنا ذلك صاحب مفتاح الكرامة حيث قال : وذهب صاحب كنز العرفان وصاحب رياض السالكين وصاحب الحدائق إلى الوجوب ... وإليه ذهب الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح (١).

ومنهم من قال بالاستحباب ، قال العلامة الحلي : ولا يجب في غير الصلاة إجماعاً (٢). وقال النراقي : هل تجب الصلاة على النبي 6 حيث ما ذكر ، أم تستحب؟ المشهور : الثاني بل في الناصريات ، والخلاف ، والمعتبر ، والمنتهى ،والتذكرة : الإجماع على عدم الوجوب (٣).
٢ ـ قول أهل السنّة :

أجمع علماء أهل السنّة وفقهاؤهم على وجوبها ، إلاّ أنهم اختلفوا في طبيعة الوجوب وموضعه ، قال ابن عبد البر : وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي فرض واجب على كل مسلم لقول اللّه عزّوجلّ : ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) ثم اختلفوا متى تجب ، ومتى وقتها وموضعهما؟ فمذهب مالك عند أصحابه ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه : إن الصلاة على النبي 6 فرض في الجملة بعقد الايمان ، ولا يتعين ذلك في الصلاة ، ومن مذهبهم أن من صلى على النبي 6 في التشهد مرة واحدة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه.

__________________

٩١٨ ، مجلس / ٨٥ ، معاني الأخبار / الصدوق ٢٤٦ / ٩ ، فروع الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٧ ، الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٥.

(١) مفتاح الكرامة ٢ : ٤٦٢.

(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٣٢.

(٣) مستند الشيعة ٥ : ٣٣٦ ، وانظر : الناصريات : ١٩٨ (ضمن الجوامع الفقهية) ، والخلاف ١ : ٣٦٥ ، والمنتهى : ١٩٨ ، والمعتبر ٢ : ٣٦٦.

وروي عن مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي أنهم قالوا : الصلاة على النبي 6 في التشهد جائزة ويستحبونها ، وتاركها مسيء عندهم ، ولا يوجبونها فيه. وقال الشافعي : إذا لم يصلّ المصلي على النبي 6 في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة (١).

وقال ابن قيم الجوزية : وقد اختلف في وجوبها كلّما ذكر اسمه 6 فقال أبو جعفر الطحاوي ، وأبو عبيد الحليمي : تجب الصلاة عليه 6 كلما ذكر اسمه ، وقال غيرهما : إن ذلك مستحب ، وليس بفرض يأثم تاركه ، ثم اختلفوا ، فقالت فرقة : تجب الصلاة عليه في العمر مرة واحدة ، لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكراراً ، والماهية تحصل بمرّة ، وهذا محكي عن أبي حنيفة ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، قال عياض وابن عبد البر : وهو قول جمهور الأُمة.

وقالت فرقة : بل تجب في كل صلاة في تشهّدها الأخير كما تقدم ، وهو قول الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه ، وغيرهما.

وقالت فرقة : الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب لا أمر إيجاب ، وهذا قول ابن جرير وطائفة (٢).

والاجمال المتقدم أعطانا صورة عن آراء القوم على نحو العموم ، وهو كافٍ في المقام ، لأننا لسنا بصدد استعراض آرائهم وبيان أدلتها ومناقشتها ، فلسنا بصدد دراسة فقهية مقارنة ، وإنما الذي يعنينا في هذا البحث هو إثبات حق الآل في الصلاة عليهم مع النبي 6 بغض النظر عن قولهم بوجوبها أو استحبابها ، وسواء أوجبوها في التشهد أم لا ، فعلى كل الأحوال نحن نريد أن نقول إن من

__________________

(١) التمهيد / ابن عبد البرّ ٥ : ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) جلاء الأفهام : ٢٩٤.

يعتمد تلك الروايات عليه أن يثبت للآل ما يثبته للنبي 6 بلا فرق لأن الأمر واحد ، ومن فرّق فبلا حجّة.
من قال بوجوبها في التشهّد :

قال بذلك جملة من الصحابة والتابعين وبعض أئمتهم وفقهائهم وأعلامهم المتأخرين ، فمن الصحابة : أبو مسعود البدري الأنصاري ، وعبد اللّه بن مسعود ، وعبد اللّه بن عمر. ومن التابعين : الإمام الباقر 7 والشعبي ، ومقاتل بن حيان (١).

وقال ابن حجر : ولم أرَ لأحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلاّ ما نقل عن إبراهيم النخعي ، ومع ذلك فاللفظ المنقول عنه يشعر بأن غيره كان قائلاً بالوجوب ، فإنه عبّر بالأجزاء (٢).

ومن أئمتهم المشهورين : الشافعي (٣) وتلامذته (٤) ، وإسحاق بن راهويه ، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه. (٥)

__________________

(١) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ٢٥٣ ـ ٢٥٥.

(٢) فتح الباري / ابن حجر العسقلاني ١٢ : ٤٥٦.

(٣) الأم / الشافعي ٢ : ١٩٢ / ١٤٥١ ، ٢ : ١٩٣ / ١٤٥٤.

(٤) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٤ : ٢٣٥.

(٥) المهذّب في فقه الإمام الشافعي ١ : ٧٩ ، والمجموع شرح المهذب ٣ : ٤٦٥ و ٤٦٧ ،والمغني ١ : ٤ ـ ٦ ، ومغني المحتاج ١ : ١٧٣ ، والشرح الكبير ١ : ٦١٣ ـ ٦١٤ ، والفتاوى الهندية ١ : ٧٩.

ومن فقهائهم وأعلامهم : أبو إسحاق المروزي (١) ، وابن خزيمة (٢) ، والبيهقي (٣) ، وابن العربي المالكي ، ومحمد بن المواز المالكي (٤) ، وابن القيم (٥) ، والفخر الرازي (٦) ، وابن حجر الهيتمي (٧).
الروايات المعتمدة

اعتمد القائلون بوجوب الصلاة على النبي 6 في التشهد على روايات لا يكاد يخلو منها استدلال تقريباً ، وهي لا تخلو من الآل : ، منها رواية كعب بن عجرة المتقدمة ، ومنها رواية أبي مسعود الأنصاري قال : أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول اللّه 6 ونحن عنده فقال : يا رسول اللّه ، أمّا السلام عل
دولة الأدارسة
دولة الأدارسة
موقوووووووف

عدد المساهمات : 55
تاريخ التسجيل : 22/01/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

حقوق أهل البيت عليهم السلام  من 1 إلى 4 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت Empty حقوق أهل البيت عليهم السلام الجزء 4 من اصدار مركز الرسالة..أرجو التثبيت

مُساهمة  دولة الأدارسة السبت فبراير 08, 2014 4:15 am

الفصل الرابع

حقوق أهل البيت السياسية

وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : حقّ الولاية

ونعني بهذا الحقّ أنّ العترة الطاهرة هم ولاة الأمر بعد رسول اللّه 6 ، وهم الخلفاء الشرعيون الذين لهم حقّ التصرف في شؤون الأمة الإسلامية ، مثلهم في ذلك مثل رسول اللّه 6 قال تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) (١).

وفي هذا المعنى جاء الكتاب العزيز صريحاً ، قال تعالى : ( إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (٢). وكذلك جاءت السنّة المطهرة بوافر من الأحاديث ، وفي مقدمتها حديث الغدير المتواتر نقلاً الصريح دلالةً.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٥٥.

سبب نزول الآية

تضافرت الروايات في أن المراد من (الذين آمنوا) هو مولى الموحدين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 الذي تصدّق بخاتمه وهو في حال الصلاة ، فنزلت الآية تأكيداً لولايته بعد ولاية اللّه ورسوله 6.

أخرج الحاكم الحسكاني الحنفي في كتابه (شواهد التنزيل) روايات كثيرة عن جمع من الصحابة والتابعين منهم : عبد اللّه بن عباس ، وأنس بن مالك ، ومحمد بن الحنفية ، وعبد الملك بن جريج المكي ، وعمار بن ياسر ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، وكلّها تؤكّد المعنى الذي ذكرناه.

وفيما يلي نذكر رواية أبي ذر الغفاري 2 في هذا الموضوع ، قال : أما إني صليت مع رسول اللّه 6 يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول اللّه فلم يعطني أحد شيئاً. وكان علي راكعاً ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى ـ وكان يتختم فيها ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبي 6 ، فلما فرغ النبي 6 من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهم إنّ أخي موسى سألك فقال : ربّ اشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اُشدد به أزري وأشركه في أمري ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ) (١) اللهمّ وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهمّ فاشرح

__________________

(١) سورة القصص : ٢٨ / ٣٥.

لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي أشدد به أزري ».

قال أبو ذرّ : فواللّه ما استتم رسول اللّه 6 الكلام حتى هبط عليه جبرئيل من عند اللّه وقال : يا محمد ، هنيئاً لك ما وهب اللّه لك في أخيك. قال : « وما ذاك يا جبرئيل؟ » قال : أمر اللّه أمتك بموالاته إلى يوم القيامة ، وأنزل قرآناً عليك ( إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (١).

وأخرج خبراً آخر بسنده إلى عبد اللّه بن عباس قال : أقبل عبد اللّه بن سلام ومعه نفرٌ من قومه ممن قد آمنوا بالنبي 6 فقالوا : يا رسول اللّه ، إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا مُتحدَّث دون هذا المجلس ، وإن قومنا لما رأونا آمنّا باللّه وبرسوله وصدقناه رفضونا ، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا ، فشقّ ذلك علينا. فقال لهم النبي 6 : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢).

ثمّ إنّ النبي خرج إلى المسجد ، والناس بين قائم وراكع ، فبصر بسائل فقال

__________________

(١) شواهد التنزيل / الحسكاني ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣١ / ٢٣٥ ، وعنه رواه الطبرسي في مجمع البيان ٣ : ٣٦١ـ٣٦٢ / تفسير الآية ، وقال معلقاً عليه : (وروى هذا الخبر أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الاسناد بعينه). وعن أبي إسحاق الثعلبي رواه الحمويني الشافعي في فرائده ١ : ١٩١ / ١٥١ الباب (٣٩) ، ورواه أيضاً سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ١٨ ، منشورات الشريف الرضي ـ قم / ١٤١٨ه ،والشبلنجي في نور الأبصار : ١٧٠ ، دار الفكر ـ بيروت.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٥٥.

له النبي 6 : « هل أعطاك أحد شيئاً؟ ». قال : نعم ، خاتم ... وأومأ بيده إلى عليّ. فقال له النبي 6 : « على أي حال أعطاك؟ » قال : أعطاني وهو راكع. فكبّر النبي 6 ، ثمّ قرأ « ومن يتولَّ اللّه ورسوله والذين آمنوا فان حزب اللّه هم الغالبون » (١).

فأنشأ حسان بن ثابت يقول في ذلك :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي




وكل بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحي والمحبّر ضائعاً




وما المدح في جنب الإله بضائع

وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً




زكاةً فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك اللّه خير ولاية




فبيّنها في نيرات الشرائع (٢)

وأخرج الطبري عن السدي ، وأبي جعفر ، وعتيبة بن أبي حكيم ، ومجاهد : أنّ المعنيّ بالآية : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) هو علي بن أبي طالب 7 ، لمرور السائل بعلي 7 وهو راكع في المسجد ، وأعطاه خاتمه في حال الركوع. (٣)

وذكر الشيخ الأميني في (الغدير) المصادر والمراجع من كتب الحديث والتفسير والسيرة الناقلة للحديث ، وعدّ منها ستّاً وستين مصدراً ابتداءً من

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٦.

(٢) شواهد التنزيل ١ : ٢٣٤ / ٢٣٧ ، المناقب / الخوارزمي : ١٨٦ الفصل (١٧) ، فرائد السمطين ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠ / ١٥٠ الباب (٣٩) ، أسباب النزول / الواحدي : ١٤٨.

(٣) تفسير الطبري مج٤ ، ٦ : ٣٨٩ ـ ٤٠٠ / ٩٥٢١ ، ٩٥٢٢ ، ٩٥٢٣ ، ٩٥٢٤. الدر المنثور / السيوطي : ٥١٩ ـ ٥٢٠ أخرجه عن ابن عباس ، وسلمة بن كهيل ، ومجاهد وغيره.

القاضي أبي عبد اللّه محمد بن عمر المدني الواقدي المتوفّى سنة ٢٠٧ ، وانتهاءً بالشيخ عبد القادر بن محمد السعيد الكردستاني المتوفّى سنة ١٣٠٤. (١)
معنى الولي

إنّ لفظة (وليكم) يراد بها في الآية معنى الأولى في التصرف وتدبير الأُمور ، وذلك ظاهر من استعمالات هذه اللفظة في اللغة ، ومن القرائن التي تساعد على هذا المعنى في الآية.
١ ـ الاستعمالات اللغوية

قال ابن منظور : الوليّ : وليّ اليتيم : الذي يلي أمره ويقوم بكفايته. وولي المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبدَّ بعقد النكاح دونه. وفي الحديث : « أيّما امرأة نُكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل » وفي رواية : « وليّها » أي متولِّي أمرها. (٢) وهنا يأتي الولي بمعنى الأولى ، فما يليه من أمر اليتيم والمرأة أولى مما يليانه من أنفسهما. وقال الراغب في مادة ولي : الولاء والتوالي : حقيقته تولي الأمر ، والولي والمولى يستعملان في ذلك. (٣)

وَنِعْمَ وليُّ الأمْرِ بَعْدَ وليِّهِ




ومنتجَعُ التّقوى ونِعْمَ المقرّبُ (٤)

__________________

(١) الغدير / الأميني ٣ : ٢٢٠ ، تحقيق ونشر مركز الغدير ، ط١ / ١٤١٦ هـ.

(٢) لسان العرب ١٥ : ٤٠٧ مادة (ولي).

(٣) المفردات / الراغب الأصفهاني : ٨٨٥ مادة (ولي).

(٤) مجمع البحرين / الطريحي ٣ : ١٩٧٦ / (ولّى) ، مؤسسة البعثة ـ قم ـ ط١ / ١٤١٤ هـ.

ومن استعمالات ولي في القرآن قوله تعالى : ( وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير ) (١) وهنا فسّر الطبري الولي بأنه القائم بالأمر ، قال : ومن ذلك : قيل : فلان وليّ عهد المسلمين ، يعني به القائم بما عهد إليه من أمر المسلمين ، أمّا النصير ، فقد فسّره بمعنى المؤيد والمقوي (٢) ، وهناك آيات أخرى فُسِّرت بهذا المعنى أيضاً.
٢ ـ القرائن المحتفّة بالآية

بعد أن تبين أنّ استعمالات لفظة ولي في اللغة وغيرها بمعنى الأولى والمتصرّف ، نذكر هنا بعض ما اكتنف الآية من قرائن منتزعة من ألفاظها وسياقها وتركيبها الدلالي ، يؤكد ويعضّد القول بأنها بمعنى الأولى والمتصرف ، لا بمعنى النصرة أو الناصر ، كما قيل.

١ ـ لو كانت بمعنى النصرة والمعونة لما حصرت بالثلاثة المشار إليهم ، لأن النصرة عامّة ومطلوبة من الكلّ ، كما في آية ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) (٣).

٢ ـ إن المخاطبين بـ ( إنما وليكم ) هم بين اثنين ؛ إما مؤمن ، وإما غير مؤمن ، فإذا قلنا إن الولاية بمعنى النصرة ، فنصرة ( الذين آمنوا ) لغير المؤمن ممتنعة ، وللمؤمن لا معنى لها ، لأن كلّ المؤمنين يلزمهم النصرة لبعضهم البعض ، فلا يبقى مائز بين الطرفين. وعليه لابدّ من القول بأن الولي بمعنى الأولى

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٠٧.

(٢) تفسير الطبري ٢ : ٦٧٦.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ٧١.

والمتصرف ، لا بمعنى الناصر.

٣ ـ الآية التي بعدها ( ومن يتولّ اللّه ورسوله والذين آمنوا فان حزب اللّه هم الغالبون ) والتي تشترك معها في ( الذين آمنوا ) لا تتجه إلاّ إذا حمل معنى الولي على المتصرّف والمدبّر للأمر ، لأنه حزب اللّه المشار له في الآية يحتاج إلى ولي يدبّر الأمر لا محبّ وناصر.

٤ ـ لتصحيح وجود وصف ( وهم راكعون ) لابدّ من حمل الولي على معنى الأولى والمتصرف ، وإلاّ يصبح زائداً لا معنى له (تنزّه كلام اللّه تعالى عن ذلك) ، لأن أداء الزكاة ممن وُصِف بالنصرة لا يحتاج إلى أن يكون في حال الركوع.
الشبهات المثارة حول الآية

على الرغم من صراحة ووضوح دلالة الآية على ولاية أمير المؤمنين 7 لاكتنافها بقرائن عدة تنبئ عن مقاصدها ، وكونها مشفوعة بالأثر الصحيح المثبت لدلالتها ، فقد تلمّس البعض شبهات واهية لا تساعد على صرف دلالة الآية عن المراد ، وفيما يلي أهم ما عوّلوا عليه من هذه الشبهات :
١ ـ حمل صيغة العموم على المفرد

قالوا : إنّ الآية جاءت بصيغة الجمع ( الذين آمنوا ) ، والمراد حسب المدّعى واحد ، واستخدام لفظ الجمع وإرادة الواحد خلاف الظاهر ، أو هو مجاز ، وحمل اللفظ على الحقيقة هو الأصل. (١)

__________________

(١) تفسير الرازي ١٢ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ الحجّة الثالثة بتصرف.

نقول : إنّ استعمال الجمع وإرادة الواحد كثير في لغة العرب على سبيل التعظيم ، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : ( يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ) (١) قال المفسرون : إن القائل هو عبد اللّه ابن أُبي ، وقوله تعالى : ( يقولون لأن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل ) (٢) والقائل هو عبد اللّه بن أبي أيضاً ، وقوله تعالى : ( تلقون إليهم بالمودّة ) (٣) المقصود هو طالب بن أبي بلتعة ، وغيرها كثير.

فعليه إذا وردت القرينة الصارفة عن الظاهر يؤخذ بالمعنى المجازي ، وأي قرينة أكبر من تخصيص المورد بصفات لا تحصل إلاّ في فرد فضلاً عن الروايات الكثيرة المعينة لمصداق « الذين آمنوا » في الآية؟

أما في سبب مجيء الآية بصيغة الجمع ، فقد قال الزمخشري : جيء به على لفظ الجمع ، وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ، ليرغّب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل ثوابه ، ولينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء. (٤)
٢ ـ وحدة السياق

قالوا : إن آية ( إنما وليكم ) وقعت بين آيات فيها الولاية بمعنى النصرة والمحبّة ، فالقول بأنّ الولاية هنا بمعنى التصرف والإمرة يترتّب عليه وقوع معنى

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٢.

(٢) سورة المنافقون : ٦٣ / ٨.

(٣) سورة الممتحنة : ٦٠ / ١.

(٤) الكشاف / الزمخشري ١ : ٦٨٢ / تفسير سورة المائدة : ٥ / ٥٥.

مغاير بين معنيين متحدين ، وهذا مخلٌّ ببلاغة وإعجاز القرآن. (١)

أقول : إن الأُمة الإسلامية أجمعت على أن ترتيب الآيات داخل السور توقيفي بأمر رسول اللّه 6 (٢) ، فقد تجتمع آيتان لكل منها سبب نزول يختلف عن الآخر ووقت نزول يختلف عن الآخر ، ولكن لحكمة ما يأمر رسول اللّه 6 بوضعهما في مكان واحد ، وإنّك تجد في القرآن هذا الأمر جليّاً ، حيث إن الثابت أن أول سورة نزلت من القرآن تجدها في أواخر القرآن ، وآخر سورة تجدها في وسط القرآن وهكذا الآيات ، وخير شاهد على ذلك الآيات المدنية في السور المكية وبالعكس.
٣ ـ الصدقة المستحبّة هل هي زكاة؟

قالوا : إن الخاتم الذي تصدّق به أمير المؤمنين 7 كان صدقة مستحبة ، والزكاة تطلق على الصدقة الواجبة ، ولم يكن عليّ 7 يتوفّر على المال الذي يصل إلى نصاب الزكاة ، لذا لا يستقيم المعنى على ما تذهبون إليه. (٣)

نقول : أولاً : القول بأنّها صدقة مستحبّة مجرّد دعوى بدون دليل ، فأمير المؤمنين 7 له من المال ما يمكن تحقّق الزكاة الواجبة فيه ، فيكفي في ذلك ما يغنمه من الحروب الكثيرة التي شارك بها ، وكذلك ما يحصل عليه من كدّه وعمله ، وأُعطياته للفقراء والمساكين تدلل على ذلك ، وأما ما عليه من الزهد

__________________

(١) تفسير الرازي ١٢ : ٣٨٤ / الحجّة الأُولى ، بتصرف.

(٢) راجع : الاتقان في علوم القرآن / السيوطي ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠ / النوع الثامن عشر : في جمعه وترتيبه.

(٣) تفسير الرازي ١٢ : ٣٨٦ / الوجه الأول ، بتصرّف.

والتقشف وضيق المأكل والملبس فهو يعكس حالة الزهد والإعراض عن الدنيا مع التمكن منها ، وهو أعظم وأبلغ من حالة الزهد مع عدم التمكّن ، وهذا ما يليق بشأن سيد الموحّدين أمير المؤمنين 7 ، وليس بالضرورة يدلّل على عدم التوفر على المال كما اشتبه ذلك على صاحب الشبهة.

وثانياً : لو تنزلنا وقبلنا إنها صدقة مستحبة ، فلا يمنع من تسميتها بالزكاة ، لأن القرآن الكريم استعملها في معناها اللغوي العام جرياً على ما يقتضيه الفهم العرفي ، وليس كما عليه عرف الفقهاء حسب الاصطلاح الجاري من اطلاقها على الصدقة الواجبة فقط ، كما نجد ذلك في استعمالها في آيات مكيّة مع أن الزكاة الواجبة شُرّعت في المدينة المنورة بعد هجرة سيد المرسلين 7 ، ومثاله قوله تعالى : ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) وغيرها (٢) من الآيات المباركة.
٤ ـ الفعل الكثير أثناء الصلاة :

قالوا : إن الثابت عن أمير المؤمنين 7 كونه تامّ الانقطاع إلى اللّه تعالى أثناء الصلاة ، والالتفات لكلام السائل والاستجابة له خلاف ما أشرنا إليه ، وكذلك فإن الإيماء للسائل لأخذ الخاتم من الفعل الكثير المنافي للصلاة. (٣)

أقول : نعم ، إنّ أمير المؤمنين 7 تام الانقطاع إلى اللّه تعالى سواء كان في الصلاة أو في غيرها ، فهو لا يعرف في كل أمرٍ يقدم عليه إلاّ وجهه عزّوجلّ ،

__________________

(١) سورة مريم : ١٩ / ٣١.

(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٧٣ ، سورة لقمان : ٣١ / ٤ ، سورة النمل : ٢٧ / ٣.

(٣) تفسير الرازي ١٢ : ٣٨٦ / الوجه الثاني بتصرّف.

وسماعه للسائل واستجابته له لم يخرجه 7 عن هذا الانقطاع ، لأنه داخل في كبرى العبادة والانقطاع إلى اللّه تعالى ، وهو يعكس شدّة انقطاعه 7 حيث الاختلاف في موارد العبادة لا يشغله عن الانقطاع ولا يزيله عن التوجّه إلى اللّه تعالى.

أما قولهم : إن الإيماءة للسائل تعتبر من الفعل الكثير ، فانه من الواضح أن الإيماءة ليست من الفعل الكثير ، بل هي حركة واحدة لا تخلّ بالصلاة ، وقد اتفقت كلمة فقهائهم وأئمتهم بأن الفعل غير الموجب لفوات الموالاة في الصلاة لا ينافي صحتها ، سواء كان سهواً أو عمداً.
٥ ـ عدم احتجاج أمير المؤمنين 7 بهذه الآية الشريفة :

قالوا : لو كان معنى الآية ما ذهبتم إليه لما غاب عن أمير المؤمنين 7 أن يذكرها في موارد احتجاجه أمام القوم. (١)

أقول : ليس كلّ ما يعلم به أمير المؤمنين 7 يحتجّ به بالضرورة ، ورغم ذلك فقد نقلت لنا المصادر أنّه صلوات اللّه عليه احتجّ بها على أبي بكر حين ولي الخلافة ، على ما أخرجه ابن بابويه عن الإمام زين العابدين 7 أنّ عليّاً 7 قال لأبي بكر : « فأنشدك باللّه ، ألي الولاية من اللّه بولاية رسول اللّه في آية زكاة الخاتم أم لك؟ قال : بل لك » (٢).

واحتج بها يوم الشورى ، على ما أخرجه الشيخ الطوسي عن أبي ذر قال : قال علي 7 : « فهل فيكم أحدٌ آتى الزكاة وهو راكع ، فنزلت فيه ( إنّما

__________________

(١) تفسير الرازي ١٢ : ٣٨٥ / الحجّة الخامسة بتصرف.

(٢) غاية المرام : ١٠٨ / ١٦ ـ الطبعة الحجرية.

وَلِيُّكُم اللّه وَرَسُولُهُ ) غيري؟ » قالوا : لا. (١)

واحتجّ بها في صفّين (٢) حيث جمع عسكره وأصحابه وخطب فيهم مذكراً إياهم منزلته 7 وحقّه عليهم وما نزل من الذكر الحكيم ووصايا رسول اللّه 6 فيه ومنها الآية الشريفة موضع البحث.

وقد ثبت النقل في أسباب النزول أن هناك روايات وردت عن أمير المؤمنين 7 نفسه في أنّ هذه الآية نزلت فيه 7 (٣) وهذا بحدّ ذاته بمثابة احتجاج بهذه الآية.

وتواتر النقل عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات اللّه تعالى عليهم بنزول هذه الآية بأمير المؤمنين 7 (٤) ، وهم عنه ينقلون وبقوله يأخذون خلفاً عن سلف.
المبحث الثاني : حق الطاعة

بعد أن اتضح أنّ القرآن الكريم جعل حق الولاية للعترة الطاهرة : ، جاء مرة أُخرى ليؤكد لهم حقاً آخر من مستلزمات تلك الولاية ، وهو حق الطاعة ،فبالطاعة تتحقق فعلية الولاية ، وبالولاية تتحق سعادة البشرية في الدنيا والآخرة ، وقد صدع الذكر الكريم بهذا الحق العظيم في قوله تعالى :

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٥٤٩ / ١١٦٨ مجلس ٢٠ ـ مؤسسة البعثة ـ قم.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٧٥٨ / ٢٥ ، وأخرجه عنه النعماني في الغيبة : ٦٨ / ٨.

(٣) شواهد التنزيل / الحسكاني ١ : ٢٢٦ ، الدر المنثور / السيوطي ٢ : ٥١٨ ، أسباب النزول / السيوطي : ١٤٨.

(٤) راجع : البرهان / السيد البحراني ٣ : ٤١٨ ـ ٤٣٤.

( أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَومِ الآخِرِ ) (١) وسنحاول إن شاء اللّه تعالى من خلال هذه الآية المباركة التعرف على هوية أُولي الأمر ، وعلى طبيعة الطاعة التي فرضها اللّه تعالى لهم.
مصداق أُولي الأمر

يمكننا تحديد ذلك من خلال طريقين :
الأول : الحديث الشريف

صرّحت الكثير من الأحاديث الواردة في كتب الفريقين بأنّ المراد من أُولي الأمر الذين أوجب اللّه تعالى طاعتهم في هذه الآية هم أهل البيت المعصومون : ومنها :

١ ـ أخرج الحاكم الحسكاني بسنده إلى أمير المؤمنين 7 قال : « قال رسول اللّه 6 : شركائي الذين قرنهم اللّه بنفسي وبي وأنزل اللّه فيهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) الآية ، فإن خفتم تنازعاً في أمرٍ فارجعوه إلى اللّه والرسول وأُولي الأمر. قلت : يا نبي اللّه ، من هم؟ قال : أنت أولهم ». (٢)

٢ ـ وأخرج أيضاً بسنده إلى مجاهد قال : .... ( وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) قال : نزلت في أمير المؤمنين 7 حين خلّفه رسول اللّه 6 في المدينة فقال :

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

(٢) شواهد التنزيل ١ : ١٨٩ / ٢٠٢.

« أتخلفني على النساء والصبيان؟ » فقال : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى. حين قال له : اخلفني في قومي وأصلح؟ ». فقال اللّه : ( وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) قال : هو علي بن أبي طالب ، ولاّه اللّه الأمر بعد محمد 6 في حياته حين خلّفه رسول اللّه 6 بالمدينة ، فأمر اللّه العباد بطاعته وترك خلافه. (١)

ونقله ابن شهرآشوب عن مجاهد أيضاً ، وتلاه بأبياتٍ من الشعر للسيد الحميري ; تبيّن المراد ، وهي :

وقال اللّه في القرآن قولاً




يردّ عليكم ما تدّعونا

أطيعوا اللّه ربّ الناس ربّاً




وأحمد والاُولى المتأمّرينا

فذلكم أبو حسن علي




وسبطاه الولاة الفاضلونا (٢)

٣ ـ وأخرج أيضاً بسنده إلى أبي بصير عن الإمام الباقر 7 أنه سأله عن قول اللّه تعالى : ( أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) قال : « نزلت في علي بن أبي طالب ».

قلت : إن الناس يقولون : فما منعه أن يسمّي علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر : « قولوا لهم : إنّ اللّه أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول اللّه هو الذي فسّر ذلك ، وأنزل الحجّ فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسّر ذلك لهم رسول اللّه ، وأنزل : ( أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول اللّه 6 : أُوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي ، إني سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتى

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ : ١٨٩ / ٢٠٣.

(٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٢ : ٢١٩ ، دار الأضواء ـ بيروت ، ط٢ / ١٤١٣ هـ.

يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك ». (١)

٤ ـ روى سليم بن قيس عن أمير المؤمنين 7 ـ في حديث طويل منه قوله 7 ـ : « قلت : يا نبيّ اللّه ، ومن شركائي؟ قال : الّذين قَرنهم اللّه بنفسه وبي معه ، الذين قال في حقهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) فإن خفتم التنازع في شيء فأرجعوه إلى اللّه وإلى الرسول وإلى أُولي الأمر منكم.

قلت : يا نبي اللّه ، ومن هم؟ قال : الأوصياء إلى أن يردوا عليّ حوضي ، كلّهم هادٍ مهتدٍ ، لا يضرّهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم ، بهم ينصر اللّه أُمتي وبهم يمطرون ، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم » (٢).

٥ ـ وأخرج الفضل بن شاذان بسنده إلى أبي خالد الكابلي ، قال : دخلت على سيدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : ، فقلت : يا بن رسول اللّه ، أخبرني بالذين فرض اللّه طاعتهم ومودتهم ، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول اللّه 6.

فقال : « يا كابلي ، إن أُولي الأمر الذين جعلهم اللّه عزوجلّ أئمة الناس ، وأوجب عليهم طاعتهم : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، ثم الحسن

__________________

(١) شواهد التنزيل / الحسكاني ١ : ١٨٩ / ٢٠٣. أصول الكافي ١ : ٢٨٦ / ١.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٦٢٦ ـ ٦٣٠ / ١٠ نشر الهادي ـ قم ، ط١ / ١٤١٥ه ،وعنه : مختصر إثبات الرجعة / ابن شاذان : ٢٠١ ، إكمال الدين ١ : ٢٧٠ / ٣٧ ، الغيبة / النعماني : ٧٥ ـ ٨١ / ١ ، مكتبة الصدوق ـ طهران.

عمي ، ثم الحسين أبي ، ثمّ انتهى الأمر إلينا » وسكت. (١)

٦ ـ أخرج الشيخ الصدوق بسنده إلى الإمام الباقر 7 ـ في تفسير هذه الآية ـ قال 7 : « الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة ». (٢)

٧ ـ أخرج الشيخ المفيد بسنده عن الإمام الحسن السبط 7 في خطبة له يوم بويع صلوات اللّه عليه ، فقال : « نحن حزب اللّه الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين الذين خلفهما رسول اللّه 6 في أُمته ، والثاني كتاب اللّه ، فيه تفصيل كل شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعول علينا في تفسيره ، ولا نتظنّن تأويله بل نتيقّن حقائقه ، فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة اللّه عزّوجلّ ورسوله مقرونة ، قال اللّه عزّوجلّ : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ... ) ( ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ». (٣)
الثاني : دلالة الآية

الآية تثبت عصمة أُولي الأمر ، بدليلين :

__________________

(١) مختصر إثبات الرجعة / الفضل بن شاذان : ٢٠٩ / ٨.

(٢) إكمال الدين ١ : ٢٢٢ / ٨.

(٣) الأمالي / الشيخ المفيد : ٣٩٨ / المجلس ٤١ ، وعنه الشيخ الطوسي في أماليه ١ : ١٢١ / ١٨٨ المجلس ٥ ، تحقيق ـ مؤسسة البعثة ، نشر دار الثقافة ـ قم ـ ١٤١٤ هـ.

الأول : أنّ الآية قد أمرت المؤمنين بالطاعة بشكل مطلق وجازم ، ولازم هذا الأمر المطلق أن جميع ما يأمر به المشار لهم بالطاعة لابدّ من تنفيذه. وهذا يدلّ على عدم إمكان أن يأمروا بمعصية ، أو بما يخالف مراد الخالق عزوجلّ ، وإلاّ يلزم التناقض عند أمرهم بالمعصية ، لأنّ اللّه تعالى نهانا عن ارتكاب المعصية ، فلا يمكن أن يأمرنا بارتكابها طاعةً لهم ، لأنّه يؤدي إلى اجتماع الأمر والنهي في مورد واحد وهو محال ، وعليه تثبت عصمة من أمرنا اللّه تعالى بطاعتهم ، فيكون أولو الأمر معصومين قطعاً بنصّ الآية ، وهذا ما أجمعت عليه الإمامية ، أمّا علماء الجمهور فقد قطعوا أيضاً بعصمة أُولي الأمر المشار إليهم في الآية ، وصرّح بذلك الرازي والنيسابوري ومحمد عبده على ما نقله عنه تلميذه محمد رشيد رضا وغيرهم (١) ، لكنّهم اعتبروا المعصوم أهل الحلّ والعقد أو إجماع الأمّة ، أما الإمامية فحصروا مصداق أُولي الأمر بالأئمة الإثني عشر : لقيام الدليل على عصمتهم بنص آية التطهير على ما بيناه في الفصل الأول.

الثاني : أن الجو العام للآية يكشف عن منزلة خاصّة لأُولي الأمر حيث جعل اللّه تعالى طاعتهم مطلقة كطاعته عزّوجل وطاعة رسوله 6 ، ولذا لا يصحّ القول بطاعتهم فيما لا يعصون فيه فقط ، لأنّ طاعة من يأمر بمعروف وعدم طاعة من يأمر بمعصية لا تختص بأُولي الأمر ، وإذا كان كذلك فلا تبقى لهم مزيّة حتى يخصّهم اللّه تعالى بتلك المنزلة ويجعل طاعتهم مطلقة كطاعته عزّوجلّ ، كما لا يمكن تصور هذا التعظيم الذي تكشف عنه الآية في حقّ من ارتكب معصية

__________________

(١) راجع : تفسير الرازي ٤ : ١١٢ المسألة الثالثة ، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان / نظام الدين النيسابوري ٢ : ٤٣٤ ، تفسير المنار / محمد رشيد رضا ٥ : ١٨١ ، دار العرفة ـ بيروت / ١٤١٤ هـ.

لقبح ذلك.

وللسيد الطباطبائي في المقام كلام متين ، قال رحمه اللّه تعالى : «فالآية تدلّ على افتراض طاعة أُولي الأمر هؤلاء ، ولم تقيّده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيّد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله : ( وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) إلى مثل قولنا : وأطيعوا أُولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية ، أو لم تعلموا بخطئهم ، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة ، فليس هذا معنى قوله : ( وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ).

مع أن اللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة ، كقوله في الوالدين : ( وَوَصَّيْنَا الاْءِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ) (١) ، فما باله لم يظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية؟ (٢)

إلى هنا تحصّل من الدليلين المتقدمين ثبوت العصمة لأُولي الأمر ، وبما أنه لم يقم الدليل على عصمة أحد بعد الرسول 6 غير الأئمة الاثني عشر : ، والتي ثبتت من خلال آية التطهير وآية المودة وحديث الثقلين وغيرها ، فهم إذن أُولو الأمر الذين أمر اللّه تعالى بطاعتهم دون غيرهم من أفراد الأمّة ، ويساعد على ذلك سبب نزول الآية على ما قدّمناه.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٨.

(٢) الميزان / الطباطبائي ٤ : ٤٠١.

مناقشة في المصداق

اختلف جمهور المسلمين في تحديد مصداق أُولي الأمر اختلافاً شديداً ، وظهرت آراء واجتهادات عديدة في ذلك منذ صدر الإسلام ولحدّ الآن ، ولم يستقرّوا على رأيٍ واحدٍ فيه إلى هذه الساعة ، فلهم في كلّ عصر رأي جديد تفرضه عليهم معطيات ذلك العصر وظروفه الفكرية والسياسية والمذهبية ، حتى إنّ بعض تلك الآراء هجرها أصحابها لعدم واقعيتها أو لكونها وليدة الاجتهاد الشخصي والظروف الخاصّة بها ، فلم تصمد أمام البحث والنقد العلمي.

هذا في الوقت الذي نجد فيه الشيعة وتبعاً لأئمتهم : وهم : تبعاً لجدّهم رسول اللّه 6 قد شخّصوا المصداق من لحظة نزول الآية ولهذه الساعة ، لم يغيّروا ولم يبدّلوا ، ثابتين لثبات القرآن في مراده ، وكونه صالحاً لكلّ عصر ، ممّا يعكس حقّانية قولهم وانطباقه على الآية بحكم النقل والعقل والوجدان.

أمّا آراء الجمهور في تحديد مصداق أُولي الأمر في الآية ، فيمكن حصرها في أربعة آراء غير معتبرة ، وهي : ١ ـ الخلفاء الراشدون ٢ ـ الصحابة ٣ ـ أمراء السرايا والحكام ٤ ـ العلماء ، ورأي واحد معتبر عندهم ، وهو كونهم أهل الحلّ والعقد ، أو إجماع الأُمّة.

أمّا الآراء الأربعة الأُولى فهي آراء ظاهرة الوهن لا نطيل الحديث عنها ، ويكفي في دفعها إيرادان :

الأول : إنّ أصحاب هذه الآراء اشترطوا في طاعة من قالوا بأنهم أُولي الأمر أن تكون أوامرهم مطابقة للكتاب والسنّة ، وهذا الاشتراط مخالفٌ لإطلاق

الآية في طاعة أُولي الأمر.

الثاني : إنّ الآية أثبتت العصمة لأُولي الأمر ، والذين أُشير لهم بالأقوال الأربعة لم يدّعِ أحدٌ منهم العصمة ، ولم يرد نصّ على ذلك ، بل ورد ما يعارض ذلك.

أمّا الرأي القائل بأن أُولي الأمر هم أهل الحلّ والعقد ، فقد ذهب إليه جملة من المفسّرين منهم : الرازي في تفسيره ، ومحمد عبده في تفسير المنار لتلميذه محمد رشيد رضا ، ونظام الدين النيسابوري في تفسيره وآخرون تأثروا بأقوالهم. ويرد على هذا الرأي كثير من الإشكالات التي تسقطه من الاعتبار منها :

١ ـ تحقق اجتماع أهل الحل والعقد بالصورة المدعاة لم يحدث في التاريخ ، ولا يعقل أنّ الآية تأمر بطاعة مصداق لا وجود له.

٢ ـ على فرض تحقق الاجتماع بالكيفية المذكورة ، فإن العادة والوجدان والتجربة قضت بأن اتفاقهم حول الأمور السياسية والاجتماعية قليل الوقوع ، والآية بصدد بيان مصداق دائم التحقق.

٣ ـ لا توجد لدينا أدلّة تثبت عصمة إجماع الأمّة ، بل هناك أدلة على حجيّة الإجماع سواء ما يسمى بإجماع الأُمة أو الإجماع الاصطلاحي في علم الأصول ، وكلّها موهونة مدفوعة سواء الآيات أو الروايات. (١)

٤ ـ بعد أن ثبت أن أُولي الأمر المشار إليهم في الآية معصومون ، نسأل من هم

__________________

(١) راجع : الأصول العامّة للفقه المقارن / محمد تقي الحكيم : ٢٥٥ وما بعدها تقف على حال الاجماع بشكل أوضح ، مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر ، ط٢ ـ ١٩٧٩م.

المعصومون على هذا القول؟ هل هم أفراد الحلّ والعقد فرداً فرداً ، أم الهيئة الحاصلة منهم؟ والأول لا يقولُ به أحدٌ منهم ، والثاني لا يجوز ، لأنّ صفة العصمة حقيقيّة ، والهيئة أمرٌ اعتباري ، ولا يتلبس الأمر الاعتباري بالأمر الحقيقي.

ولو قيل : إنّ الصواب في رأي إجماع الأُمة ناشيءٌ من أمرٍ خارجي ، وهو تسديد اللّه تعالى لهم ، وإلهامهم الصواب تكريماً لهم.

لقلنا : لو كان هذا ثابتاً لكان إعجازاً كالقرآن ، ولجرى التأكيد عليه وتوضيحه بما يتناسب ودوره في بناء الأُمة الإسلامية ، ولسأل عنه الصحابة لِعِظَمِهِ وأهميته ، فهم سألوا عن الأقلّ منه شأناً كما يذكر لنا القرآن ذلك ، ولاحتُجّ به في الاختلافات والنزاعات ، ولتناقلته الأجيال ووصل إلينا بنحو القطع والتواتر وغدا من الوضوح بما لا يحتاج إلى بيان ولا يختلف فيه اثنان ، لكن اقتصر ذكره على بعض المفسّرين ، فإن أول من قال به الرازي المتوفّى سنة ٦٠٤ هـ ، وتبعه في ذلك نظام الدين النيسابوري المتوفى سنة ٧٢٨ هـ في تفسيره وبعض المتأخرين.

ومما يؤكد هذا التحديد في تبني هذا الرأي ، هو ما ذكره محمد عبده على ما نقله عنه تلميذه محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) حيث قال : ذكر الأستاذ الإمام في الدرس أنّ ما اهتدى إليه في تفسير أُولي الأمر من كونهم جماعة أهل الحل والعقد ، لم يكن يظنّ أن أحداً من المفسرّين سبقه إليه حتى رآه في تفسير النيسابوري (١).

__________________

(١) تفسير المنار ٥ : ١٨٢.

وعلى هذا لا يبقى لتحديد المراد من أُولي الأمر إلاّ الرأي الذي قدّمناه ، وهو قول الشيعة بأنهم الأئمة الاثنا عشر المعصومون : ، وهو التفسير الصحيح المنسجم مع روح القرآن والواقع الإسلامي والمدعوم بالأثر المتواتر الصحيح.
شبهات حول القول بأنهم الأئمة الاثنا عشر

أُثيرت حول هذا القول شبهات عديدة ، كان أهمها ما ذكره الرازي في تفسيره ، حيث قال : وأما حمل الآية على الأئمة المعصومين ، كما تقوله الروافض ، ففي غاية البعد لوجوه :

أحدها : ما ذكرناه أن طاعتهم مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم ، فلو أوجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم ، كان هذا تكليف ما لا يطاق ، ولو أوجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم ، صار هذا الايجاب مشروطاً ، وظاهر قوله : ( أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) يقتضي الإطلاق.

وأيضاً ففي الآية ما يدفع هذا الاحتمال ، وذلك أنه أمر بطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر في لفظةٍ واحدةٍ ، وهي قوله : ( وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) واللفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطلقة ومشروطة معاً ، فلما كانت هذه اللفظة مطلقة في حق الرسول ، وجب أن تكون مطلقة في حق أولي الأمر.

الثاني : إنه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر ، وأُولو الأمر جمع ، وعندهم لا يكون في الزمان إلاّ إمام واحد ، وحمل الجمع على المفرد خلاف الظاهر.

وثالثها : إنه قال : ( فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرسول ) ولو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم ، لوجب أن يقال : فإن تنازعتم في شيء

فردّوه إلى الإمام. (١)
جواب الوجه الأول

١ ـ إنّ معرفة الإمام المعصوم والوصول إليه ، إذا كانت الأمة غير قادرة عليها ، فهي في عدم قدرتها على معرفة أهل الحلّ والعقد والوصول إليهم بالكيفية والكمية المدعاة آكد وأشدّ.

٢ ـ إنّ اللّه تعالى ورسوله المصطفى 6 قد تكفلاّ تعريف الإمام المعصوم بشكل واضح ، ولو جئت إلى الكتاب والسنّة لوجدت أنهما شخّصاه بما لا ريب فيه ، وإن آيات الولاية والتطهير والإكمال وغيرها ، وأحاديث الغدير والثقلين والسفينة والدار ، وغيرها كثير ، ليست بعيدة على من سعى لمعرفة الحق ، لذا فان صعوبة معرفة الإمام المعصوم والوصول إليه ، لم تحصل بالأصالة ، بل بالعرض ، نظراً لكثرة أعدائهم من الحاكمين وغيرهم ممَن يحجب الناس عن سماع حديث أهل البيت : وما قاله فيهم جدّهم رسول اللّه 6 ، فلهذا تعذّر على الأُمة معرفتهم والوصول إليهم ، كما كانت تفعل قريش في منع الناس من الوصول إلى رسول اللّه 6 ومعرفته ، ومع ذلك فلم يسقط عنهم التكليف بلزوم معرفته والوصول إليه للدخول في الإسلام.

٣ ـ إنّ المعرفة التي جعلها شرطاً في طاعة الإمام المعصوم ، كذلك ترد على قولكم بأهل الحل والعقد ، فتكون طاعتهم مشروطة بمعرفتهم أيضاً بلا فرق ، فالشرط هو الشرط ، والاختلاف فقط في المصداق.

__________________

(١) تفسير الرازي ٤ : ١١٤.

والطريف في المقام أنّ محمد رشيد رضا الذي يتبنى رأي الرازي ويستشهد بأقواله عندما وصل إلى قوله : إننا في زماننا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم. علّق على قوله هذا بتعليقة جعلها بين قوسين قال : (أقول : ومثله المجتهدون في الفقه) (١) أي كذلك عاجزون عن معرفة المجتهدين في الفقه.

٤ ـ إنّ المعرفة التي يعدّها شرطاً في الطاعة ليست شرطاً في أصل التكليف ، بل هي شرط في متعلق التكليف ، وإن ثبوت التكليف لا يتوقف على امتثال متعلّقه ، بمعنى أنّ الذي يتوقف على المعرفة هو امتثال التكليف لا أصل التكليف.

وعلى هذا تكون طاعة الإمام المعصوم ثابتة في ذمة المكلف ، وعليه أنه يسعى لمعرفته وأداء حق الطاعة له ، وهذا ما يسمى في عرف أُصول الفقه بأن المكلف مسؤول عن مقدمة الواجب وغير مسؤول عن مقدمة الوجوب. (٢)
جواب الوجه الثاني

إنّ ما يخالف الظاهر هو استعمال صيغة الجمع وإرادة الفرد الواحد فقط ، أما إذا أردنا منه استغراقه لجميع الأفراد واحداً بعد واحد ، وهو ما يسمى حسب الاصطلاح بالعموم الاستغراقي ، فهو ليس بخلاف الظاهر ، إنما الذي خلاف الظاهر هو العموم المجموعي ، وهو نادر الاستعمال في القرآن ، أما العموم الاستغراقي فهو الغالب فيكون هو الظاهر ، ومنه قوله تعالى : ( إنّا أطعنا ساداتنا وكبراءنا ) (٣) ، وقوله تعالى : ( فلا تطع

__________________

(١) تفسير المنار ٥ : ١٨٣.

(٢) راجع : الأصول العامة للفقه المقارن / محمد تقي الحكيم : ١٦١.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٧.

المكذبين ) (١) ، وقوله تعالى : ( حافِظُوا على الصلوات ) (٢) ، وقوله تعالى : ( واخفض جناحك للمؤمنين ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات.

هذا مضافاً إلى أنّ الآية لم تأتِ لتحديد مسؤولية الناس في زمان واحد ، بل جاءت لجميع الأزمنة ، فمجموع الأئمة لهذه الأزمنة يشكل جماعة يصحّ استعمال اللفظ فيهم.
جواب الوجه الثالث

للجواب على هذه الشبهة يقتضي التأمل في النقاط التالية :

١ ـ إن المشرّع الوحيد هو اللّه تعالى ، وقد شرّع تشريعاً كاملاً في كل شيء ، قال تعالى : ( ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء ) (٤) وكل ما شرعه عزوجلّ فهو في كتابه العزيز ، ولا يوجد تشريع غيره.

٢ ـ دور الرسول الأعظم 6 هو تبليغ التشريع وتبيينه للناس وهدايتهم له ، قال تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (٥).

٣ ـ دور أُولي الأمر هو نقل سنّة رسول اللّه 6 وبياناته إلى الناس وهدايتهم لها والمحافظة على استمرار هذه السنّة كما هي بدون تغيير أو تبديل.

وهذه الحلقات الثلاث تشكل نظام التشريع المتكامل حتى قيام الساعة ،

__________________

(١) سورة القلم : ٦٨ / ٨.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٨.

(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٨٨.

(٤) سورة النحل : ١٦ / ٨٩.

(٥) سورة النحل : ١٦ / ٤٤.

ولكي تحقق هذه الحلقات الثلاث أدوارها بشكل كامل لابدّ من فرض طاعتها بلا فرق ، لأنّها حلقات تكمل بعضها بعضاً ، فتخلّف إحداهنّ يُفقد النظام توازنه ودوره الكامل والصحيح في أداء مهمته في إسعاد البشرية ، ومن هنا أكّد القرآن الكريم على وجوب طاعتهم بلا فرق.

أمّا الردّ فالكل تردُّ إلى كتاب اللّه تعالى بلا فرق ، فلا شرع إلاّ شرعه تعالى ، ولا دستور إلاّ كتابه عزّوجل ، لذلك أمرنا بالردّ إلى اللّه تعالى ، أي إلى كتابه عزّوجلّ ، أمّا الردّ إلى الرسول 6 فبلحاظ بياناته 6 ، فان التشريع لا ينفكّ عنها ، وبدونها لا يستطيع الناس إدراك المراد الواقعي للّه تعالى ، وعليه يكون الردّ إلى الرسول 6 وجهاً آخر للردّ إلى اللّه تعالى ، وإنما ذكره تعالى لإلفات نظر الناس إلى أنّ الشخص الوحيد الذي له حقّ تبيين مراد اللّه تعالى هو الرسول 6 ، قال تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١).

أمّا أُولي الأمر فليس لهم إلاّ نقل بيانات رسول اللّه 6 ، فالردّ إليهم يكون تحصيل حاصل ، لذا لم يذكرهم في الردّ ، ومنه اتّضح السبب في ذكر أُولي الأمر في الطاعة وعدم ذكرهم في الردّ.
المبحث الثالث : حق الإتّباع

أكدّ رسول اللّه 6 على إتباع أهل بيته وملازمتهم والتمسك بهم والسير على هديهم بأحاديث متواترة وصريحة في هذا المعنى ، منها : حديث

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ / ٤٤.

الثقلين ،فقد أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم قالا : قال رسول اللّه 6 : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضِلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (١).

ومنها : حديث السفينة ، فقد أخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول اللّه 6 يقول : « إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غفر له » (٢).

وهذان الحديثان كافيان في إثبات وجوب الرجوع لأهل البيت : واتباعهم والالتزام بهديهم ، فحديث الثقلين يصرّح بلزوم التمسك بالكتاب والعترة على حدّ واحد ، بمعنى أن التمسك بالعترة على حدّ التمسك بالكتاب ، فكما أن التمسك بالكتاب معناه السير على هديه والائتمار بأوامره في كل شيء ، فكذلك العترة ، وعدم التمسك بالكتاب معناه الضلال ، حيث لا هدي إلاّ هدي كتاب اللّه تعالى ، فكذلك عدم التمسك بالعترة.

ودلالة أُخرى من الحديث صريحة واضحة ، وهي حصر الهداية بهذين الثقلين ولا ثالث لهما ، وهذا ظاهر بأدنى تأملٍ بسياق الحديث ودلالة ألفاظه.

يقول عبد العزيز الدهلوي : إنّ الكتاب معدن العلوم الدينية ، والأسرار

__________________

(١) الجامع الصحيح / الترمذي ٦ : ١٢٥ / ٣٧٨٨.

(٢) المعجم الأوسط / الطبراني ٦ : ٤٠٦ / ٥٨٦٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٣ / ٤٧٢٠.

اللدنية ، والحكم الشرعية ، وكنوز الحقائق ، وخفايا الدقائق ، فالتمسك به إنما يكون بالعمل بما فيه ، وهو الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه ، ولأنّ العترة معدن النزاهة والطهارة وحسن الأخلاق لطيب عنصرهم ، فالتمسك بهم إنما يكون بمحبتهم والاهتداء بهديهم ، والاتصاف بسيرهم ، وفي قوله 6 : « إني تارك فيكم ... الى آخره » إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخليفتين عن رسول اللّه 6 وأنه يوصي الأُمة بحسن السيرة معهما وإيثار حقهما على أنفسهم ... إلى أن قال : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » أي تأمّلوا في استخلافي إياكم هل تكونون خَلَف صدق أو خَلَف سوء. (١)

أما حديث السفينة فتشبيهه 6 لأهل البيت : بسفينة نوح ، يعني كما أنّ سفينة نوح كانت السبيل الوحيد الذي ينجي المؤمنين من العذاب ، ويأخذهم إلى برّ الأمان والهدى ، ومن لم يركب فأنه لا يجد غير الغرق في الدنيا وجهنم في الآخرة ، فكذلك أهل البيت : لا يوجد سبيل غير سبيلهم يمكن اتباعه ينجي من الهلكة والضلال ويوصل إلى الهدى والأمان ، فمن تركهم فمصيره مصير من ترك سفينة نوح.

وفي ذلك يقول ابن حجر : ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرّفهم وأخذ بهدي علمائهم ، نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان. (٢)

__________________

(١) سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين / عبد العزيز الدهلوي ، ترجمة وتعليق محمود الآلوسي : ٥١٢ منشور في مجلة الحكمة العدد ٢٠ شوال ١٤٢٠ه (بريطانيا ـ ليدز).

(٢) الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٤٦ـ٤٤٧.

ومما تقدم يتحصل لنا أن اتباع أهل البيت : قد أمرنا به رسول اللّه 6 كما أمرنا باتباع كتاب اللّه تعالى ، وجعل الاعتصام بهم أماناً من الضلال كالاعتصام بالكتاب الكريم ، ومنه يتّضح بشكل صريح أنه لا يوجد طريق يمكنه أن يحقق لنا الهداية سوى الكتاب والعترة الطاهرة :.

ومن هنا لابدّ إذن من وجوب اتباع أهل البيت : واقتفاء أثرهم ، والتعبّد بقولهم ، والتخلق بأخلاقهم ، فنقبل ما يقبلون ونرفض ما يرفضون ، ونحب من يحبّون ونبغض من يبغضون ، ونتولى من يتولون ونتبرأ ممن يتبرؤون.

ولأمير المؤمنين 7 خطبة في هذا المعنى يقول فيها 7 : « انظروا أهل بيت نبيكم ، فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا » (١).

وأخرج الطبراني بسنده إلى ابن عباس قال : قال رسول اللّه 6 : « من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويلٌ للمكذبين بفضلهم من أُمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي » (٢).
الاتباع في الكتاب الكريم

وهذا المعنى قد جاء به القرآن الكريم ، وأكّد عليه في العديد من الآيات

__________________

(١) شرح نهج البلاغة / الخطبة ٩٣.

(٢) المعجم الكبير / الطبراني ، حلية الأولياء / أبي نعيم الأصفهاني ١ : ٨٦ / ٤ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٨ ، ترجمة الإمام علي 7.

البينات ، وجاء الأثر في تفسير وتأييد معنى هذه الآيات.

وفيما يلي نذكر بعضها :

أولاً : قوله تعالى : ( إهْدِنا الْصِّراطَ الْمُستَقِيمَ ) (١).

ورد في تفسير هذه الآية عدّة روايات وأخبار تؤكّد أن المراد من الصراط المستقيم هم أهل البيت : ، أي صراط أهل البيت وهديهم ، ومنها :

١ ـ أخرج الحاكم الحسكاني بسنده إلى أبي بريدة في تفسير قوله تعالى : ( إهْدِنا الْصِّراطَ الْمُستَقِيمَ ) ، أي صراط محمد وآل محمد. (٢)

وأورده ابن شهرآشوب نقلاً عن تفسير الثعلبي ، وكتاب ابن شاهين ، وهما أخرجاه بسندهما إلى بريدة. (٣)

وأورده أيضاً الإربلي قائلاً : ونقلت مما خرّجه صديقنا العزّ المحدث الحنبلي الموصلي في قوله تعالى : ( إهْدِنا الْصِّراطَ الْمُستَقِيمَ ) قال بريدة : هو صراط محمد وآله : (٤).

٢ ـ أخرج الحاكم الحسكاني بسنده إلى ابن عباس في قوله تعالى : ( إهْدِنا الْصِّراطَ الْمُستَقِيمَ ) قال : يقول معاشر العباد : اهدنا إلى حبِّ النبي وأهل بيته. (٥)

__________________

(١) سورة الفاتحة : ١ / ٦.

(٢) شواهد التنزيل / الحاكم ١ : ٧٤ / ٨٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب / ابن شهرآشوب المازندراني ٣ : ٨٩.

(٤) كشف الغمّة ١ : ٣١٠.

(٥) شواهد التنزيل ١ : ٧٥ / ٨٧ ، مناقب آل أبي طالب / ابن شهرآشوب ٢ : ٨٩ نقلاً عن تفسير وكيع بن الجراح بسنده إلى ابن عباس.

٣ ـ أخرج الشيخ الصدوق عدّة روايات بأسانيد متصلة إلى أئمّة العترة الطاهرة : ، بأن الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين أو العترة الطاهرة :. منها ما ذكره بسندٍ صحيح إلى حماد بن عيسى عن الإمام الصادق 7 في قول اللّه عزوجل : ( إهْدِنا الْصِّراطَ الْمُستَقِيمَ ) قال : هو أمير المؤمنين 7 ومعرفته. (١)

ثانياً : قوله تعالى : ( وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَتَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) (٢).

هذه الآية تدعونا صراحة إلى اتباع الصراط المستقيم ، والذي بيّنا في الآية الأولى أنّ المراد منه هدي أئمة العترة الطاهرة : ، وتنهانا عن اتباع السبل التي هي غير سبيل العترة الطاهرة فتفرقنا وتشتتنا وتحرفنا عن سبيله ، وهنا وردت روايات تصرّح بأن الصراط المستقيم في هذه الآية أيضاً هم أئمة العترة الطاهرة : ، منها :

١ ـ أورد القندوزي الحنفي عن محمد الباقر وجعفر الصادق : أنّهما قالا : « الصراط المستقيم الإمام ، ( ولا تَتَّبِعُوا السُّبْلَ ) يعني غير الإمام ( فتفرّق بكم عن سبيله ) ونحن سبيله » (٣).

٢ ـ روى ابن شهرآشوب عن إبراهيم الثقفي بإسناده عن أبي برزة الأسلمي ، قا
دولة الأدارسة
دولة الأدارسة
موقوووووووف

عدد المساهمات : 55
تاريخ التسجيل : 22/01/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى