ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أهمية "مهنة وضيعة"

اذهب الى الأسفل

 أهمية "مهنة وضيعة" Empty أهمية "مهنة وضيعة"

مُساهمة  علاء الجمعة فبراير 14, 2014 2:12 pm


أهمية
"مهنة وضيعة"

عابدة المؤيد العظم


بكلمات قليلات مُعبِّرات وضَّح الحديثُ الشريف - الذي رواه البخاري - أهمية "التربية"، وبيَّن قيمتها الحقيقية في تشكيل الإنسان وفي تحديد سعادته من شقائه: ((فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه))، فالوالدان هما اللذان يُحدِّدان دين أبنائهما، وبالتالي يُحدِّدان مصيرهم الدنيوي والأخروي، و"التربية" - بذلك - عمل مُهمٌّ يُنتظَر منه مردود كبير، ويترتَّب عليه خير كثير.



وبسبب انشغال الآباء عن "التربية" بتأمين ضرورات الحياة؛ بقي العبء كله على الأم بمفردها، وتوجَّب عليها بالتالي أن تقوم بالتربية وحدها بالأصالة عن نفسِها، وبالنيابة عن والد الأولاد، واشتدَّ بسبب ذلك تأثير الأم على أبنائها، وتأصلت وتعمَّقت توجيهاتها في كيانهم، سواء كان ذلك بالقدوة الصامتة، أو بالإيحاء، أو بالتعليم المباشر، فاتَّبعَ الأبناء (قبل سنِّ المدرسة) أمَّهم؛ لأنهم لا يعرفون قدوة غيرها، ولا يسمعون أفكارًا غير أفكارها، ولا يرون رأيًا غير رأيها، ولا يعلمون من الخلُقِ إلا خُلُقَها، ولا من السلوك إلا سلوكها، فحرَصوا على السير على هداها، واعتنقوا مبادئها عن قناعة ورضا نفس.



وقد تنبَّه علماء النفس من قديم، ثم نبَّهوا المربِّين، إلى أهمية القدوة وإلى أهمية التربية في تكوين الإنسان وفي تشكيل مبادئه وقناعاته، فالطِّفل يولد على الفطرة، ثم تعمَل فيه المؤثِّرات وتطبع شخصيته وخُلُقه وميوله، وإنما يبقى أكثرها أثرًا وأدومها بقاء ما تكون في طفولته من جوِّ الأسرة التي نشأ فيها، فالصغير يكون شديد التأثر بمن حوله، يُقلِّدهم ويتطبع بطباعهم، ويحمل على الغالب دينَهم ومُثُلَهم وخُلُقهم، وإن نجاح الإنسان في الحياة أو فشله فيها سببه مؤثرات النشأة الأولى، وهذه بعض النصوص التي تحثُّ المربين على الاهتمام بتمثُّل القدوة الصالحة، وبإعطاء التربية حقها:

• "إنَّ تعهُّد العقل والعاطِفة بالتربية والتنمية، والذي هو أساس سَعادة الإنسان يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة، فمرحلة الطفولة أحسن مراحل تعلُّم الأسلوب الصحيح في الحياة، فقُدرة الاقتباس والتقليد وحاسة التقبُّل عند الطفل شديدة، فباستطاعتِه أن يتلقى جميع حرَكات المُربِّي وسكناته، وأقواله وأفعاله بدقة عجيبة أشبه بعدسة تصوير"[1].



• "الأطباء وعلماء النفس والمربُّون ما برحوا يؤكِّدون لنا أن ما يَحدث في هذه المرحلة المُبكِّرة يؤثر تأثيرًا بالغًا في نمو الإنسان الجسدي والعقلي والعاطفي، ويترُك في شخصيتِه طوابع قد يَصعُب تغييرها فيما بعد"[2].



• "كانت الأُسرة ولا تزال أقوى سلاح يَستخدِمه المجتمع في عملية التطبيع الاجتماعي ونقَل التُّراث الاجتماعي من جيل إلى جيل، وقد أجمعَت خبرات الناس ودلَّت تجارب العلماء على ما للتربية في الأسرة مِن أثر عميق خطير، يتضاءل دونه أثر أية منظَّمة اجتماعية أخرى في تعيين الشخصيات وتشكيلها، خاصة خلال مرحلة الطفولة المبكِّرة؛ أي: السنوات الخمس أو الست الأولى من حياة الفرد... وما يغرس في أثنائها من عادات وعواطف ومُعتقَدات يَصعُب أو يَستعصي تغييره أو اسئصاله فيما بعد"[3].



• وإليكم - أخيرًا - هذا النص الذي نقلتُه من الموسوعة العربية العالمية: "يتعلم أطفال ما قبل المرحلة المدرسية أحكام السلوك من خلال عملية قد تكون لا شعورية تُسمَّى التشبُّه أو التقمُّص، وهي عملية تبدأ غالبًا في مرحلة الطفل الذي يَحبو، ولكنها تكتمِل في مرحلة ما قبل المدرسة، فالأطفال يتشبَّهون بشخص آخر إذا شعر أحدهم أنه يَمتلِك نفس الصفات البدنية والنفسية لهذا الشخص، كما يتشبه معظم الأطفال بواحد أو أكثر من أفراد أسرِهم، وخصوصًا الوالدَين"[4].

••••


فالطفل بحاجة ملحَّة إلى قدوة صالحة ومَثل أعلى، وهو يَجد ذلك في والديه، فإن تنحَّت أمه وانشغلَت بعملها - كما انشغل أغلب الآباء بأعمالهم وتحصيلهم الرزق - عن تمثيل هذا الدور، وابتعدت عن طفلها روحًا وجسدًا، وانصرفت عن القيام بدورها التربوي المؤثِّر إلى غيره من الأعمال، افتقدها طِفلُها وافتقد معها "القدوة الصالحة"، ولما كان الطفل بحاجة مُلحَّة إلى قدوة يتمثَّلها ويَسير على هداها، فإنه يَستعيض عن أمه الغائبة بأي قدوة تثير إعجابه ولو كانت سيئة؛ فهو عاجز عن التمييز بين الخير والشر، وهنا الطامَّة.



والصغير بحاجة إلى توجيه وتربية ومراقبة ومتابعة على الدوام، فإن غفلت أمُّه عن توجيهه، اهتدى بتوجيه وسائل الإعلام ولو كان خاطئًا، وإن تقاعسَت عن تعديل سلوكه، اقتدى بأقرانه ولو كانوا فاسقين، والطفل بحاجة مُستمرَّة إلى عاطفة واهتمام ومحبَّة، فإن قصرت الأم في إشباع حاجات طفلها أورثته العُقَد النفسية، والأخلاق السيئة.



ولما كانت شخصيات الأمهات مُتفاوتة، وثقافتهنَّ مُتباينة؛ فقد اختلف - تبعًا لذلك - سلوكهن: فهنَّ يُربين أولادهن على الخير أو الشر، وهنَّ يُعلِّمنهم العقيدة المستقيمة أو المُنحرِفة، وهنَّ يُوجِّهنَهم إلى الصلاح أو الطلاح، وهن يُتابِعن معهم الدروس والواجبات بعلم أو بجهل... فكثير من الأمهات يتصرَّفن بفِطْرتهن فيُفسدْنَ أكثر مما يُصلِحن؛ لأنهن استخففْنَ بالتربية وأهملنها ولم يُعدِدْنَ لها عدتها... فأي جيل ستُقدِّمه لنا الأمهات المُهمِلات أولادَهنَّ المُتشاغِلات عنهم؟ وأي جيل ستَصنعه الأمهاتُ الجاهلاتُ أهميةَ التربية وعظم تأثيرها؟

••••


فيا أيها المسلمون، أتعرفون سببًا رئيسًا من أسباب تخلُّفنا وانحسار حضارتنا؟

إنه تحقير عملية التربية، والنظر إليها على أنها "مِهنة وضيعة"، والقول بأن جلوس المرأة في البيت تعطيل لنِصف المُجتمَع، وإن في هذا القول لإهانة لنا معشر الأمهات المُربيات، بل هو الإهانة بعينها؛ لأنه يُلغي أثر الأم ودورها في التربية، ويذهب بقيمتها الاجتماعية، ويوحي بأن عملنا بلا قيمة ولا وزن ولا فائدة... فلماذا نُرهق أنفسنا - إذًا - نحن الأمهات؟ ولماذا نَحرِم أنفسنا من متابعة الدراسة؟ أو نحدُّ مِن طموحاتنا وأحلامنا؟ أو نمتنع عن الخروج من بيوتنا بحثًا عن الترويح والتسلية؟



إننا - نحن الأمهات المهتمات بتربية أولادنا - ما اخترْنا الجلوس في البيت لنستجمَّ ونَستمتِع، ولا لنقضي وقتنا في النزهات وفي اللهو مع الصاحبات، ولا لنُضيِّع الوقت والمال في الأسواق، لقد ضحَّينا بأنفسنا وبأحلامنا وبمستقبلنا من أجل أطفالنا؛ لأننا - باختصار - فضَّلنا مصلحة أبنائنا ومستقبلهم على مصالحنا ومستقبلنا، وفضَّلنا أن نكون القائمات على الجيل الجديد نتحكم في جودته، ونعمل على توجيهه، ونُساهم في توعيته على أن نكون مجرد آلات؛ عاملات أو موظفات، وها نحن ندعو كل أم عاملة ذات أولاد صغار إلى ترك العمل خارج البيت والمساهمة معنا في مشروعنا الخيري المضمون هذا، فمَن منكنَّ ستُحبُّ أن تلبي هذا النداء؟

[1] الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب فاضل الحسيني الميلاني (ص: 197).

[2] سنية النقاش عثمان: طفلك حتى الخامسة (ص: 17).

[3] أحمد عزت راجح: أصول علم النفس (ص: 426).

[4] الموسوعة العربية العالمية (15: 595).


علاء
علاء
اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدجال

عدد المساهمات : 1603
تاريخ التسجيل : 31/07/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى