ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أبعِدوا الرجال عن النساء تروهن حرائر

اذهب الى الأسفل

أبعِدوا الرجال عن النساء تروهن حرائر Empty أبعِدوا الرجال عن النساء تروهن حرائر

مُساهمة  علاء الإثنين فبراير 17, 2014 12:31 pm


أبعِدوا الرجال عن النساء تروهن حرائر

السيد محمد فرجي


على مقعد في شارع فؤاد الأول وتحت شجرة وارفة الظل جلست بعد عصر يوم من أيام رمضان المبارك حيث كانت السماء صافية والنسيم العليل يداعب أغصان الأشجار والشمس ترسل أشعتها الذهبية اللطيفة مصافحة الرياض والربى مودعة وقد آذنت بالغروب، جلست أطالع صحيفة ذلك النهار فبينما أنا غارق في مطالعة أحد مواضيعها إذ بضابط فرنسي برتبة ملازم أول جلس بجانبي بعد ما أدى التحية فرددتها له بأحسن منها، وكأن لهجتي في رد التحية له نبهته إلى أني أتقن اللغة الفرنسية فأخذ يسألني أسئلة متعددة تدور حول استطاعة الأجنبي تعلم اللغة العربية وصعوبة ذلك وسهولته، حتى إذا وفيته بعض ما طلب جلبت انتباهه فتاة مسلمة ترتدي ملاءة سوداء فاحمة استرسلت أذيالها حتى أوشكت أن تكنس الأرض، فقاطعني قائلاً:



انظر إلى هذه الفتاة التي حجبت جسمها ووجها بهذا البرقع وهذا الرداء الفاحم الذي حاكى دجنة الليل البهيم، وإنكم يا معشر المسلمين تفتكون بأرواح نسائكم بإيداعها غياهب هذه السجون المظلمة مقيدينهن بسلاسل أشد عليها من جوامع الحديد، حتى إذا ما ضاقت بها الأرض ذرعاً وملت هذه الحياة وعيل صبرها حطمت هذه الأغلال وخرجت من أعماق سجنها تعبث بأغصان الشباب اليانعة من وراء هذا الستار الأسود الذي تحسبونه حصناً لها. وبعد ذلك كله تحملون على الغربيات حملات شعواء وترمونهن بكل نقيصة تزري بهن وتقولون: إنهن لا خلاق ولا حياء لهن، خليعات عاهرات يجذبن النفوس البريئة إلى أعماق الجحيم، هذا إن لم تفلت أحداهن من زعمكم الباطل وسهامكم الطائشة، وسألني مستشهداً «أحقاً ما أقوله أم لا؟» فأجبته: أما وقد كنت الطارق لهذا الباب فأرجو أن لا تتأبى عن سماع الجواب بملء الحرية والصراحة. وإن كنت تود أن تعرف الحقيقة الراهنة وتتضح لك غوامض الأمور فدعني أتحدث إليك كما لو كنت أتحدث إلى أحد رفاقي أو أصدقائي لا يحول دون ظهور الحق كونك افرنسياً مسيحياً وكوني سورياً مسلماً. فما كان منه إلا أن قال لي ذلك ما أحب أن يكون فتكلم بصراحة تامة وها أنذا أحطم قيود الفروق التي بيننا وتحدث إلي كما تتحدث إلى أخيك أو رفيقك فكلي آذان صاغية إليك.



فقلت في نفسي لقد شاء الرجل أن يعرف شيئاً عن الدين الإٍسلامي فلأنتهز الفرصة وأبين له الحقيقة الراهنة بأدلة حسية عقلية، لأن أمثال هذا الرجل لا يقنعون بألف دليل ودليل آتي لهم بها من القرآن أو الأحاديث لأنهم لا يعتقدون بذلك، فقلت له: سأدلي إليك بحجة أقامها عليكم أطباؤكم برهاناً داحضاً للأباطيل ومحققاً لما جاء به الدين الحنيف دين الإسلام وأمر به، وسأقص عليك بعدئذ قصة صغيرة أبين لك فيها أن الحجاب درع المرأة المسلمة تتقي بها العوادي وبه تصان من آفات الزمان وغدره ونكباته وشباك القناصين الأشرار وتبقى درة مصونة في خدرها لا تشوبها شائبة، فأعرني قلباً واعياً وأذناً صاغية.



لقد ظهر للأطباء الغربيين والفحول منهم بعد التجارب العديدة والتحليل الطيفي أن أشعة الشمس الراتنجية إذا ما لامست المساحيق التي تطلي بها النساء وجوههن بقصد التجمل أحدثت ضرراً بسيطاً في بشرة الوجه بادئ ذي بدء يتعاظم كلما تكرر استعمال هذه المجملات، فما تبلغ المرأة الثلاثين أو الأربعين من سنها حتى تحسبها ابنة ستين لتجعد وجهها ونضوب مائه وذهاب رونقه واختفاء بهجته مع أنها لا تزال في مقتبل العمر وريعان الشباب، وعلى عكسها ترى المرأة المسلمة التي تسبل الحجاب على وجهها دون أشعة الشمس قد حفظت برقعها وحجابها ونضارة وجهها وبهاءه الذي يرافقها حتى الشيخوخة رغم طعنها بالسن وتقدمها من حافة قبرها، وأنا لا أنكر عليك أن بعض نسائنا يستعملن - مع نهي شرعنا عن ذلك - هذه المساحيق التي جئتمونا بها بقصد التمدن لتزيدوا جمال المسلمة جمالاً وتعوضوا على التي قل نصيبها من الجمال ما نقصها، ولكن الحجاب يحافظ على تلك الوجوه ورونقها بمنعه أشعة الشمس من الوصول إلى هذه المساحيق التي تسلب الوجه جماله الطبيعي ولا تزيده كما تزعم الجاهلات جمالاً هذا من ناحية المحافظة على بهاء الوجه وبشرته، أما من الناحية الأخلاقية التي يخوض بها الكثيرون من الأشرار ويرمون المحصنات الغافلات بما ليس بهن وبعدم السير على النهج القويم أقول لك: إن هذا زعم باطل وإن كان فيه واحد من مئة من الحق، وما هذا الشيء النادر إلا من اختلاط الرجال بالنساء ومغادرة هؤلاء بيوتهن منفردات متبرجات في وقت كوقتنا هذا أعني به [عصر النور والحرية!]، كما يقولون ورؤيتهن تأنق الشباب وجمالهم ومغازلتهم لهن، أما إذا قرَّ النساء في بيوتهن ولم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى بتن في كنف أمين وحصن حصين من هذه الشوائب والمفاسد والسهام الطائشة، وبقين درراً مصونة لا تصل إليها الأيدي وإن ارتفعت وطالت وعلت حتى ناطحت السحاب بالعزة ووفرة الثروة.



وقد حدث أنه كان لملك ابنة كأن الله لم يخلق أجمل منها خلقاً وخلقاً، وقد تهافتت على أبيها وفود أعيان الملوك والوزراء يخطبون وده ويطلبون يد ابنته، فكان يرجع بالخيبة كلما فاتحها في هذا الأمر حتى أعيته الأساليب التي أراد إقناع ابنته بها وإنـزالها عند مشيئته، ففي ذات يوم جلس في ديوانه مقطب الجبين مكفهر الوجه ساهماً تعتلج في صدره الهموم والأحزان، فما زال كذلك حتى خلا بأقرب ندمائه إليه وأعزهم لديه بعد انصراف المجلس، فقال له النديم: مالي أرى مولاي الملك غارقاً في بحر من الأحزان والآلام؟ ألا يفضي إلي بما انتابه وأنا حافظ سره الأمين كما يعهدني؟ لعلي أسري عنه ما أحاط به وما اعتراه فقال مليكه: لقد أخجلتني تلك الحمقاء أمام الراغبين بها، ليتني ما رزقتها ولم ينتابني من جراءها ما ترى لقد فاتحها مراراً في أمر قرانها من أبناء الملوك أو الوزراء فلم ترض، وقد أعيتني الحيلة ولم أجد إلى ذلك سبيلاً، فقال النديم: رفه عليك يا مولاي فالأمر يسير جداً وأنا أقول لك أن تشتري لها عبداً جميل الطلعة يقوم بكل ما تحتاج إليه ولا يفارقها البتة وانظر ماذا ترى، فأرسل الملك إلى سمسار العبيد وأمره بشراء عبد له جميل الخلق والخلق، فلم تمض بضع ساعات حتى كان ذلك الشاب بحضرة مولاه، فأوفده الملك إلى قصر ابنته ليقوم بخدمتها ولا يفارقها قط، فما زال ذلك الشاب يؤدي واجبه نحو مولاته حتى حلق فوق رأسيهما طائر الأرواح الخفية العلوية التي تتفاهم بلغات القلوب بينما الألسنة خرساء، فأحبها وأحبته حتى أصبح كل واحد لا يطيق بعد صاحبه عنه لحظة واحدة، فسأل النديم الملك ذات يوم: «كيف رأى مولاي ابنته» فقال على ما هي عليه وأشد من ذي قبل، فقال النديم: ليأمر مولاي كل من في الدار بالذهاب إلى النـزهة ولا يجبر ابنته والخادم إن لم يريدا الذهاب ولينظر ماذا يكون من أمرهما وفي اليوم التالي أمر الملك كل من في منـزله بمغادرة القصر إلى النـزهة فأطاع الكل أمره وبقيت ابنته فتركها وشأنها حسب إشارة النديم، ثم أمر بإحضاره، فلما مثل بين يديه قال له: خلا المنـزل إلا من تلك الشرسة وخادمها، فقال له النديم: هون عليك يا مولاي وسترى الأمر واضحاً فلنتظاهر بمغادرة القصر ولنختبئ في مكان نستطيع أن نرى ابنتك وخادمها من حيث لا يشعران بنا، فقال وافقتك أولاً وسأوفقك حتى النهاية. فتسلقا شجرة تدلت أغصانها على نافذة غرفة ابنة الملك من أعلى الجدار، وصار الملك ونديمه يرقبان حركات الابنة التي لا تدري من الأمر شيئاً. فقامت وأصلحت هندامها وتزينت كأنها ذاهبة إلى حفلة زفاف ودعت خادمها إليها، فلما لباها جلست تحادثه ويحادثها وتداعبه ويداعبها حتى أفضى بهما الأمر إلى السرير فلما همت به وهم بها رأيا برهان ربهما بأن طرق الملك بشدة زجاج النافذة وترك النديم يرقب الاثنين من مكانه ونـزل إلى غرفة ابنته ومن ثم دعا النديم إليه ثم قال لابنته بحدة شديدة: أيتها العاهر! لقد تقدم إليكِ الملوك والوزراء والأمراء خاطبين يدك فأبيت وأوشكت أن تقعي بين ذراعي عبد اشتريته لك بمالي وما هو خليق بك ولا بمصاهرتي فقالت: مهلاً يا أبتاه فاكبح جماح غضبك وأمسك عليك نفسك قليلاً حتى أستطيع محادثتك بالأمر الواقع وأفضي إليك بكلمتين ومن ثم افعل بي ما تشاء، فهدأ الملك حدته وكبح جماح نفسه وقال لها هات ما بدا لك، فقالت ابنته: أبعدوا الرجال عن النساء تروا النساء حرائر وأدنوهم منهن تروهن عواهر. عندئذ أطرق الملك برهة يتفكر بمعنى قول ابنته ولما رأى أن لا سبيل إلى فصلها عمن أحبته أجرى عقدها عليه وتركها ومن اصطفته نفسها دون إرادة وليها وكتم ما في نفسه وعلم أن المرأة لا ترجع عن أمر أمضته كان الجاني عليها به ذووها.



عندئذ ابتسم مجالسي وقال: هذه قصة جئت بها على سبيل التسلية فقلت له كلا! إنما هي حجة داحضة وبرهان واضح على أن التجاذب النوعي لا بد أن يؤدي إلى هذه النتيجة إثر اختلاط الرجال بالنساء وقد خلعن جلابيبهن وظهورهن بحللهن البهية أمام الرجال وما أظنك ناكراً الجرائم التي تقع كل يوم في البلاد الأجنبية التي هي بغاية من الفظاعة والهمجية، ما ذلك إلا لاتصال هذه الأسلاك الكهربائية وحدوث شرارة هذه الجرائم التي نسمع بها كل حين إثر اصطدام القطب المثبت بالقطب المنفي. فقال لي ما أراك قلت إلا حقاً غير أني لا أستطيع إجبار امرأتي على الحجاب إلا إذا تركت ديني واعتنقت الدين الإسلامي وهذا ما لا أستطيعه، فأجبته أنا لا أجبرك على اعتناق دين لا ترغب به لأني أعلم يقيناً أنه لازال يجري في عروقك دم الدين النصراني إلا أنك إذا تأملت فيما سردته على مسامعك رأيت أن الحق هو كذلك وأن الدين الإسلامي هو دين العزة والإباء والرفعة والشمم والأخلاق الفاضلة والمزايا الحميدة ومتى ظهر الحق للمرء فما أظنه يحيد عنه بل يتبعه، فقام حينئذ جليسي وصافحني مودعاً على أمل اللقاء في عصر اليوم الثاني للبحث في مواضيع أخرى يحب الاطلاع عليها والاستفسار عنها، ومن ثم ذهب كل منا إلى عمله حتى اللقاء حسب الموعد المضروب.



المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد الرابع، 1356هـ - 1937م


علاء
علاء
اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدجال

عدد المساهمات : 1603
تاريخ التسجيل : 31/07/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى