ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التقديم والتأخير - إن كنت تدري فتلك مصيبة:

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

التقديم والتأخير - إن كنت تدري فتلك مصيبة: Empty التقديم والتأخير - إن كنت تدري فتلك مصيبة:

مُساهمة  الحالم الأحد أبريل 13, 2014 1:46 pm


من خلال ملاحقتنا ومحاصرتنا للإفتراءات الهزيلة التي أطلقها ويطلقها ساخي الذيب على القرآن، مدعياً أنه قد إكتشف أخطاء لغوية وإنشائية فيه ثم ما لبث أن خرج على الناس بفرية أخرى هي التقديم والتأخير ما بين المسند إليه والمسند، ظناً منه أن اللغة العربية ليس فيها هذا التقديم والتأخير، وقد جرب هذا الإدعاء في مواضيعه بعنوان (أخطاء لغوية وإنشائية في القرآن)، فوجد بعض الرعاع والجهلاء قد صفقوا له وشجعوه وغرروا به في الواقع، فبدأ يمارس هذه الفكرة الغبية التي إعتبرها أخطاء في القرآن وأطلق عليها كلمة (خربطة)، وقد رددنا على كل هذه الإفتراءات علمياً وتحليلياً فجعلها الله له هباءاً منثوراً فإنقلب السحر على الساحر ففقد مصداقيته، وكشف عن جوانب منظمة في شخصيته علمياً وأدبياً وفكريا، وأكدنا للناس بالدليل المادي مدى كذبه وتدليسه وأن الذي يحركه – بجانب الجهل والتذوير – الحقد والكراهية والإعتداءات السافرة على الغير،، لذا وجدنا أن نضع أمام القراء حقائق علمية موثقة حتى لا يتمكن أمثال هؤلاء المغرضين فرض أجندتهم عليهم، خاصة أولئك الذين ليسوا متخصصين في فقه اللغة والبيان. ولسوء حظه وغفلته أنه لم يضع في إعتباره أن الغالبية العظمى من القراء هم أهل فكر وعلم وتخصص من الأدباء والكتاب والشعراء والإعلاميين وطلاب العلم،،، الخ. فمثل هذه الإدعاءات تجعلهم يشمئذون من صاحبها، خاصة إذا خلى إدعائه من الدليل والمرجعية والموضوعية والمنطق، التي تبعث الطمئنينة في النفس وتجعل من القاريء مشاركاً أصيلاً في إثراء الموضوعات المطروحة.

بناءاً على ذلك،، ولأنني قد لاحظت أن هناك من صدق هذه الإفتراءات خاصة فيما يتعلق بفقه اللغة والبلاغة والمحسنات البديعية، ومحاولته تجريد اللغة العربية من هذا الفن والتضحية بذلك من أجل أن يمرر أجندته العدوانية ضد الإسلام والمسلمين والقرآن، وصمم بأن ينفي التقديم والتأخير في اللغة رأيت أن من حق كثير من القراء الكرام معرفة بعض الحقائق عن هذا الفن فكانت أفضل وسيلة لحسم هذا الموضوع نهائياً هو شهادة الشعر الجاهلي على أصالته وأهميته وروعته، وهذا يؤكد بأنه ليس فنا مبتكراً من قبل الإسلام والمسلمين وإنما هو أصل في أصالة اللغة العربية، وفي نفس الوقت يمكن من خلال النماذج الشعرية التي سنعرضها فيما يلي يستطيع القاريء الوقوف على مدى تفرد القرآن الكريم وتميزه في هذا المجال.

الدراسات والبحوث العلمية كثيرة في هذا الباب فالكل مجمع على القيمة العالية لهذا الفن وأهميته الكبيرة في البلاغة والبيان ولكن الإختلاف يمكن فقط في التناول ما بين النحويين والبلاغيين وغيرهم كل حسب تخصصه وأهدافه وزاوية تناوله له. فنالت هذه الدراسة حظاً وفيرا من الإهتمام باللغة العربية وتراكيبها المتميزة.

معلوم أن الجمل تتكون من ثلاث كلمات إسم يدل على مسمى، وفعل يدل على وقوع حدث في زمن ما، وما دون ذلك يكون حرفاً وهو كل كلمة لا يظهر منعاها إلا مع غيرها. فتتكون من هذه الكلمات نوعان من الجمل (إسمية) و (فعلية)، وكل جملة تتكون من ركنين أساسيين هما مسند إليه، ومسند.

الجملة البسيطة عادة يأتي المسند إليه أولا ثم يتبعه المسند. ولكنها بهذا الترتيب في كثير من التعابير لا توصل المعنى البلاغي والبياني المطلوب وحتى لو أدت هذا الدور فسيكون البيان جافاً خالياً من الروح الجمالية والخيال والتمثيل التصويري الممتع الشيق، فإعتاد العرب على فن التقديم والتأخير ما بين الركنين الأساسيين من جهة وما بين الجمل وأشاه الجمل من جهة أخرى.

الترتيب بالنسبة للجملة الفعلية أكثر وضوحاً – في الحالة الأصلية – من الجملة الإسمية، حيث يكون الفعل فيها هو المتقدم على المسند، بينما الحال مختلف بالنسبة للجملة الإسمية حيث يستوي فيها الطرفان في التركيب (إذا كانا مُعَرَّفَيْنِ معاً)، مع إختلاف في أيهما أحق له بالصدارة في الجملة وأيهما يُخبر عن الآخر.
النحويون تركوا الأمر لخيار المتكلم بدون تحديد من قبلهم، بينما البلاغيون تناولوا الموضوع بالبحث الدقيق من حيث الفكر والمنطق والتصوير البلاغي والبياني، آخذين في الإعتبار حال المخاطب، وما هو (الأعرف لديه) من ركني الجملة إسناداً إن كانا معاً من المعارف.

من الناحية العملية للتركيب الأساسي،، يعتبر التقديم والتأخير (مخالفة عناصر التركيب وترتيبها الأصلي في السياق)، بمعنى آخر، خروج عن القيود دون إخلال بالقواعد أو البيان. فيُقدم المتأخر ويُؤخر المتقدم، والذي يحكم ذلك هو حال الترتيب من حيث كونه (لازماً أم غير لازمٍ)، هناك من الأسباب العامة التي تفسر ذلك لأن الترتيب في الأصل غير محدد.

قد يظن بعض العامة والجهلاء أن التقديم والتأخير أمرٌ غير ضروري أو لازم، بل البعض منهم أنكر قيمته البيانية والبلاغية، بل قال عنه إنه (خربطة)، ورغم أن أمثال هؤلاء لا يعتد بمفاهيمهم إلَّا أنَّ من حق الناس علينا وضع الصورة الصحيحة أمامهم ولهم الخيار في مفاهيمهم ومعتقداتهم. الواقع والتراث والعلم أثبت أن لهذا الفن فوائد كثيرة ومتنوعة وضرورية، بل لازمة في كثير من الأحيان بجانب تحقيق جمال الصياغة في التعبير، لأن الأصل في اللغة ليس مجرد التقيد بالترتيب البسيط والطبيعي للمفردات المكونة للجملة، بل هناك ما هو أهم وأدعى وأنفع.

أولاً: التقديم قسمان:
1. تقديم بنية التأخير، كتقديم الخبر على المبتدأ، كما في قولك، (مجتهدةٌ سعادُ)، والمفعول به على فاعله كقولك: (إلْتَهَمَ الطَّعَامَ الضَّيْفُ)، وهكذا حال كل شئ تقره مع التقديم على حكمه الذي كان عليه وفي جنسه الذي كان فيه.
2. تقديم بنية التأخير ولكن (على أن يتم بنقل الشيء من حكم إلى حكم، ويجعل له باباً وإعرابا غير بابه وإعرابه) كما في قولك: (خَالدٌ المُهَنْدِسُ)، حيث جُعِلَ "خالد" مسنداً إليه و "المهندس" هو المسند، أو قولك (المُهَنْدِسُ خَالدٌ), هنا جعل "المهندس" هذه المرة هو المسند إليه و "خالد" صار المسند، فتغير الحكم والباب معاً. فواضح هنا أن كل من الإسمين يحتمل ويقبل أن يكون أحد الركنين بلا حرج. وفي الجملة الفعلية تقول (أكَلْتُ العِنَبَ)، وتقول (العِنَبُ أكَلتُهُ)،،، هنا جعلت المفعول به مبتدأ والفعل شغلته بضمير يعود على المبتدأ ليكون جملة تعرب خبراً.

فالسؤال المنطقي والبديهي،،، لماذا هذا التقديم والتأخير؟ ... الجواب عليه – من حيث الضرورة والفائدة – معروف لكل الناس بغض النظر عن مستوياتهم العمية والأكاديمية، لأنه مستخدم في التعاملات العامة بينهم حتى في الأسواق والمقاهي وعلى الأرصفة، بالإضافة إلى الأُمِيِّنَ من خلال كثير من الأقوال المأثورة والحكم والأمثال،، مثلاً (الْمَا بْشُوْفْ مِنْ خُرْمَ الغُرْبَالْ أعْمَىْ). ولكن للفقهاء والباحثين اللغويين معاييرهم، فهم يرون أن هناك العديد من الدواعي والأسباب التي تقتضي هذا التقديم والتأخير، ليس ترفاً وإنما ضرورة لا يمكن تفاديها في كثير من الأحيان، خاصة عندما يكون المُقَدَّمُ أهم من غيره في التعبير. أنظر مثلا (خَالِدَاً أكْرَمْتُ)، ففي هذه الحالة يستوي الركنان في التقديم والتأخير من حيث الإهتمام والعناية فيهما، تماما ً مثل قولك (أكْرَمَ عَليٌّ خَالِداً) و (أكْرَمَ خَالِدٌ عَلِيَّاً).

قال الإمام جلال الدين القزويني إنَّ أسباب تقديم المسند إليه، هو لأن ذكره في التعبير يكون أهم من ذكر غيره فيه، وذلك للآتي:
1. لأنه الأصل،، ولا مقتضى للعدول عنه، مثلاً (خالدٌ مُسافرٌ) و (سافر خالدٌ),
2. لتمكين الخبر في ذهن السامع، لأن المبتدأ فيه تشويقٌ إليه،
3. لتعجيل المسرة (البشارة) وألتفاؤل، أو المساءة، (النذارة) أو التطير.
4. للإيهام بأنه "لا يزول عن الخاطر"، أو أنه يستلذ به. وقد يقوم المسند إليه بأغراض ما نحو ذلك.
5. قد يقوم المسند إليه بغرض تخصيصه بالخبر الفعلي، وقصر هذا الخبر عليه.
وعلى هذه الأسباب مدار التقديم والتأخير، وقد تكون هنالك أغراض أخرى تدعو إلى التقديم أو التأخير ، قد نعرج عليها فيما يلي من عناصر، ضاربين لذلك أمثلة توضيحية .

بجانب الأغراض النحوية، هناك أغراض أخرى بلاغية عديدة تستدعي تقديم (المسند)، منها:
1. التخصيص والقصر،، مثلاً قوله تعالى («لله الأمر » من قبل ومن بعد)، فهذه أفادت قيمة بلاغية هامة وهي تخصيص («الأمر » من قبل ومن بعد) « لله » وحده وقصره عليه بحيث لا يتعداه لغيره. أما قولك (الأمر من قبل ومن بعد لله)، فلن يكون ذلك مقصوراً ومحصوراً في الله وحده. وكقول الشاعر: (عذبة أنت كالطفولة ...)، فكان لها التخصيص والحصر.
2. التفاؤل بما يسر المخاطب (البشرى)،، مثلاً قولك: "متفوقون أنتم على الآخرين)،
3. إثارة الذهن وتشويق السامع،، مثلا قوله تعالى في سورة آل عمران: (إن « في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار » لآيات لأولي الألباب190 )
4. التعجب،، كقولك لأحدهم،، (لله درك)،
5. المدح،، كقولك (نعم البديل من الزلة الإعتذار).
6. الذم،، في قولك، (بئس الطعام الوليمة، فإنه يدعى لها من لا يستحقه)ا،
7. التعظيم،، كقولك، (عظيم أنت يا وطني)،
8. مراعاة توازن الجملة والسجع، كما في سورة الحاقة: (خذوه فغلوه 30)، (ثم « الجحيم صلوه » 31),

أما الأغراض البلاغية التي تستدعي تقديم (المسند إليه) على المسند، عندما يكون ذكر ذلك المسند إليه أهم من المسند، حيث يقع لإعتبارات مختلفة هي:
(أ): إما لأن أصله التقديم، ولا مقتضى للعدول عنه،
(ب): أو لأنه متضمن للإستفهام،
(ج): أو لأن في تقديمه تشويقاً للسامع إلى الخبر ليتمكن في ذهنه إذا أورده.

هناك من ذكر غير ذلك، مثالاً:
1. التشويق إلى الكلام المتأخر،، كقول الشاعر (ثلاثة ليس لها إيابُ *** الوقت والجمال والشباب)،
2. تعجيل المسرة،، كقوله تعالى في بعض السور، منها سورة فاطر: (جنات عدن يدخلونها).
3. تعجيل المساءة،، كقولك (وقعت أقصى العقوبة للقاتل),
4. التبرك،، كقولك، (الرسول أسوتي وقدوتي)،
5. تقوية الحكم وتقريره،، كقوله تعالى في سورة المؤمنون: (والذين « هم » بربهم لا يشركون).

وهناك ضوابط وأحكام للتقديم والتأخير ولها مواضع تكون فيها وجوباً وجوازاً ... مثال للحالات التي لا يجوز فيها التقديم والتأخير كما يلي:
أنظر إلى المقارنة بين الآيتين التاليتين الأولى من سورة يونس، جاءت فيها عبارة (...وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ « فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ » ...)، والثانية من سورة سبأ جاءت بها عبارة (...لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ « فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ» ...)، فيستحيل فيهما التقديم أو التأخير.

قد يظن الجهلة أو المدعين العلم أنه لا يوجد مبرر لهذا القول،، لذا سنخضع الآيتين للتدبر والتحليل عندها سيتضح الفرق الشاسع الذي بينهما، ليعرف الناس مدى دقة وإحكام القرآن في التعبير والبيان،، كما يلي:

قال تعالى في سورة يونس: (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰ-;-كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ 60)، فالكذب حدث منهم في الأرض، فعلمه الله منهم هناك في الأرض أيضاً، ولكن تبعته وعقابه ستكون في السماء يوم القيامة ، لذا قال: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ ...), في الأرض، إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ...), في الأرض، (... وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ « فِي الْأَرْضِ » وَ « لَا فِي السَّمَاءِ » - وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰ-;-لِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ 61)، واضح جداً أن الترتيب الصحيح هو علم الله بالأعمال والأحداث وهي في الأرض، قبل أن ترفع إلى السماء جزاءاً على هذه الأعمال وبالتالي تكون الأرض - في الترتيب - أولاً ثم تليها السماء. فلننظر الأن إلى سورة سبأ لتتضح الرؤيا أكثر فأكثر.

قال تعالى في سورة سبأ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ...), بدأ في هذه الآية بالسماوات أولاً قبل الأرض، قال: (... وَلَهُ الْحَمْدُ « فِي الآخِرَةِ » - وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ 1)، فحدد هنا الآخرة دون الأولى، ثم تفادى الحديث عن ظهر الأرض بل تناول ما يلج في جوفها، وما يخرج من باطنها إلى سطحها، (يَعْلَمُ « مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ » وَ « مَا يَخْرُجُ مِنْهَا » ...), ثم تحدث عن كل ما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، فقال: (... وَ « مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء » وَ « مَا يَعْرُجُ فِيهَا » وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ 2)، واضح من السياق أن الحديث متمحور حول الغيبيات التي لا يعرفها ويحصيها الإنسان سواءً أكانت في باطن الأرض أو في السماوات، ومن ضمن هذه الغيبيات علم الساعة التي يكذب بها الذين كفروا،، لذا قال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ « فِي السَّمَاوَاتِ » وَلا « فِي الأَرْضِ » وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ 3)، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ 4). إذاً، يستحيل في هذه الحالة تقديم الأرض على السماوات بأي حال. هذه صورة بسيطة من صور إحكام القرآن ثم تفصيله من لدن حكيم خبير.

ثانياً: التقديم الواجب الذي إذا أخر فسد المعنى:
1. تقديم المفعول به على فعله،، فقولك (ناجحاً هنأته)، يفيد بتخصيص الناجح بالتهنئة دون سواه. (هذا مذهب أغلب علماء البيان).
2. تقديم الخبر على المبتدأ،، كقولك (مجتهدٌ أخوك)، تفيذ بذلك معانٍ بليغة إضافية وليس فقط مجرد الإخبار بإجتهاد أخيك.
3. تقديم الظرف على الفاعل، وقوله تعالى في سورة الغاشية (إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم). وبهذا يدلل غالباً على الإختصاص.
4. تقديم الحال على صاحبها، كقولك (حضر غاضباً المدير)، تفيد الإختصاص بهذه الصفة.
5. تقديم الإستثناء لغرض الحصر، كقولك (ما قابلت إلَّا خالداً أحداً)،

ثالثاً: هناك حالات يجوز فيها التقديم،، ولكن إذا أخر لم يؤد ذلك التأخير إلى إفساد المعنى. فكل كلام ذكر فيه شيئان أو أكثر، وجاءت هذه المذكورات متتالية، فإن ترتيبها هذا يكون لغاية معينة، وفي الغالب يكون الترتيب لتقديم ألأشرف منها، فالأشرف، مثلاً (عثمانُ فاضلٌ كريمٌ شجاعٌ بر)، ولكن إذا قدم المتأخر هكذ مثلاً (عثمان بَرٌ فاضلُ كريمٌ شجاع) لم يسبب ذلك التقديم عيباً في الكلام المعروض .... ويكون التقديم في مواضع منها:
أولا: الإستفهام،، يتقدم معه الفعل أو الإسم، ففي كل حالة يعطي مفهوماً مختلفاً عن الآخر مثلا:
1. تقديم الفعل مع الإستفهام: إما أن تقول (أقُلْتَ للنَّاسِ إتَّخِذُوْنِي...؟) أو (هل قُلْتَ للنَّاسِ إتَّخِذُوْنِي ؟), المتكلم هنا يطلب من المخاطب إزالة شكين إثنين، أولاً "هل القول وقع أم لم يقع"، وثانياً "هل المخاطب هو الذي وقع منه القول أم لا".
2. تقديم الإسم مع الإستفهام: إما أن تقول: (أأنت قُلْتَ للنَّاسِ إتَّخِذُوْنِي...؟) أو (هل أنت قُلْتَ للنَّاسِ إتَّخِذُوْنِي ؟)، في هذه الحالة لا يشك المتكلم في صدق وقوع القول في الأساس، ولكن الذي يرير إقرار المخاطب به أو نفيه هو "إن كان هو الذي وقع منه القول أم لا".

لذا كانت الآيات في غاية الدقة والإعجاز حيث قال تعالى في سورة المائدة: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ « أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي » وَأُمِّيَ إِلَٰ-;-هَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ...)؟؟ لأن القول قد وقع من النصارى من بعده، وإتهموا عيسى عليه السلام به،، وهم الآن يتعبدون بهذا القول ديناً من عند أنفسهم ما أنزل الله تعالى به من سلطان،، فكان السؤال ليس لتأكيد القول، فهو مؤكد وليس لمعرفة إن كان المسيح قد قاله أم لا،، ولكن لإقراره وتبرؤه من هذا القول الذي يعلم الله إنه بريء منه، وهكذا جاء رد عبد الله ورسوله عيسى عليه السلام: (... قَالَ سُبْحَانَكَ ..... « مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ » ..... « إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ » - تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ - « إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ » 166).

ثانياً: النفي،، فإذا قلت مثلاً (ما عاتبت أخاك)، تكون قد قصدت رفع الشك عن وقوع الفعل نفسه "المعاتبة" و التأكد إن كان "أخوك" قد وقع منه العتاب. أما قولك: (ما أخاك عاتبتُ)، فالعتاب قد وقع فعلاً من المخاطب، ولكن المطلوب للمتكلم معرفة إن كان المعاتب هو "الأخ" أم شخص آخر.

ثالثاً: تقديم كلمتي "مثل" و "غير"،، في البلاغة التين تلازمان التقديم في التعابير البلاغية وذلك عندما يراد بهما الكناية عن الشخص المتحدث عنه. مثال ذلك كما في قول إبي فراس الحمدني (بلى أنا مشتاق وعندي لوعة *** ولكن « مثلي » لا يزاع له سر)،، أما كلمة "غير" كما في قول أبي تمام: (و « غيري » يأكل المعروف سحتا ***وتشحب عنده بيض الأيادي).

التقديم في التعبير البشري موجود في كل اللغات الأخر بصفة عامة وفي اللغة العربية بصفة خاصة لأنه يعتبر من أهم وأوثق الملكات التي تميزها في علم البيان والبلاغة والبديع أكبر،، وسنبين فيما بعد بعضاً من أسرارها التي جعلتها تتفرد بسحر البيان ليس بعد الإسلام (الذي له فضل توثيقها) فحسب، بل نجد ذلك في التراث العربي الأدبي قبل الإسلام موثقاً في الشعر الجاهلي والتراث الأدبي الجاهلي.

أما الإسلام ممثلاً في القرآن والحديث، قد أثرى هذا الفن الرفيع فبلور فيه علوماً كثيرا وضع لها المعايير والضوابط منها (قواعد النحو، والصرف، والعروض، والتفعليلة، والتجدويد، والترتيل, والتدبر، وأخيراً علم التوثيق الممنهج ممثلاً في علم الحديث والتراجم)... الخ فالقرآن الكريم هو الحاكم لكل هذه العلوم والضابط لها بلا منازع. وسيكون لنا معه وقفات ووقفات بعد أن نفرغ من الإفتراءات المغرضة الهشة بإذن الله تعالى. الآن فلنستفتِ بعض الشعراء الجاهليين عن فن التقديم والتأخير الذي وثقوه في تراثهم الأدبي فيما يلي:

التقديم والتأخير عند الاعشى:

أوْصَلتَ صَرمَ الحَبلِ مِنْ *** سَلْمَىْ لِطُولِ جِنَابِهَا

ما تعيفُ اليومَ في الطّيرِ الرَّوحْ، *** منْ غرابِ البينِ أوْ تيسٍ برحْ
جالساً في نفرٍ قدْ يئسوا مِنْ مُحيلِ *** القِدّ من صَحبِ قُزَحْ

أرَىْ سَفَهَاً بالمَرءِ تَعْلِيْقَ لُبِّهِ *** بِغَانِيَة ٍ خُوْدٍ، مَتَىْ تَدْنُ تَبْعُدِ

أجُبَيْرُ هَلْ لأسِيْرِكُمْ مِنْ فَادِيْ *** أمْ هَلْ لِطَالِبِ شِقّة ٍ مِنْ زَادِ

ودع هريرة إن الركب مرتحل *** وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها **** تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

وقَد أرَاهَـا وَســطَ أتْـرابـِهَـا *** فِي الحَيِّ ذِي البَهْجَةِ والسَّامِرِ
كَدُمْـيَةٍ صَــوَّرَ مِحْــرَابَـهَـا *** بـِـمُـذَهَّـبٍ فِـــي مَــرْمَـرٍ مَــائِـرِ

التقديم والتأخير عند عنترة بن شداد:

كَم يُبعِدُ الدَهرُ مَن أَرْجُو أُقَارِبُهُ *** عَنّي وَيَبعَثُ شَيْطَانَاً أُحَارِبُهُ
فَيا لَهُ مِن زَمَانٍ كُلَّمَا اِنصَرَفَتْ *** صُرُوْفُهُ فَتَكَتْ فِيْنِا عَوَاقِبُهُ

لِغَيرِ العُلَا مِنّيْ القِلَىْ وَالتَجَنُّبِ *** وَلَولَا العُلَا مَا كُنتُ فِي العَيْشِ أَرْغَبُ
مَلَكْتُ بِسَيْفِي فُرْصَةً مَا اسْتَفادَهَا *** مِنَ الدَهْرِ مَفْتُوْلُ الذِّرَاعَيْنِ أَغْلَبُ


دَعْنِيْ أُجِدُّ إِلى العَلْيَاءِ فِي الطَّلَبِ *** وَأَبلُغُ الغَايَةَ القُصْوَىْ مِنَ الرُّتَبِ
لَعَلَّ عَبْلَةَ تُضْحِيَ وَهْيَ رَاضِيَةٌ *** عَلَىْ سَوَادِي وَتَمْحُو صُورَةَ الغَضَبِ


أَلا يا عَبْلَ قَد زَادَ التَّصَابِي *** وَلَجَّ اليَومَ قَوْمُكِ فِي عَذَابِي
وَظَلَّ هَوَاكِ يَنمُو كُلَّ يَوْمٍ **** كَمَا يَنمُو مَشِيْبِي فِي شَبابِي


حَسَناتِي عِنْدَ الزَّمَانِ ذُنوبُ *** وَفِعَالِي مَذَمَّةٌ وَعُيُوبُ
وَنَصِيْبِي مِنَ الحَبِيْبِ بُعُادٌ *** وَلِغَيْرِي الدُّنُوُّ مِنهُ نَصِيْبُ

سَلَا القَلبَ عَمَّا كَانَ يَهْوَى وَيَطْلُبُ *** وَأَصْبَحَ لا يَشْكُو وَلا يَتَعَتَّبُ
صَحَا بَعْدَ سُكْرٍ وَاِنْتَخَى بَعْدَ ذِلَّةٍ *** وَقَلْبُ الَّذِي يَهْوَى العُلَا يَتَقَلَّبُ

رَمَتِ الفُؤَادَ مَلِيْحَةٌ عَذرَاءُ *** بِسِهَامِ لَحْظٍ مَا لَهُنَّ دَوَاءُ
مَرَّتْ أَوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ *** مِثْلِ الشُمُوْسِ لِحَاظُهُنَّ ظُباءُ

لَئِنْ أَكُ أَسْوَداً فَالمِسْكُ لَونِيْ *** وَمَا لِسَوادِ جِلْدِي مِنْ دَوَاءِ
وَلَكِنْ تَبعُدُ الفَحْشَاءُ عَنِّيْ *** كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جَوِّ السَّمًاءِ

طَرِبْتَ وَهَاجَتْكَ الظِّبَاءُ السَّوَارِحُ *** غَدَاةَ غَدَتْ مِنْهَا سَنِيْحٌ وَبَارِحُ
تَغالَتْ بِيَ الأَشْوَاقُ حَتّى كَأَنَّما *** بِزَنْدَيْنِ فِي جَوْفِي مِنَ الوَجْدِ قَادِحُ

صَحَا مِنْ بَعْدِ سَكْرَتِهِ فُؤَادِي *** وَعَاوَدَ مُقلَتِي طِيْبُ الرُّقَادِ
وَأَصْبَحَ مَنْ يُعَانِدُنِي ذَلِيْلَاً *** كَثِيرَ الهَمِّ لا يَفْدِيْهِ فَادِيْ

إِذا فَاضَ دَمْعِي وَاِسْتَهَلَّ عَلَى خَدِّيْ *** وَجَاذَبَنِي شَوْقِي إِلَى العَلَمِ السَعْدِي
أُذَكِّرُ قَوْمِي ظُلمَهُمُ لِي وَبَغيَهُمُ *** وَقِلَّةَ إِنصَافِي عَلَى القُرْبِ وَالبُعْدِ

لَعُوبٌ بِأَلبَابِ الرِّجَالِ كَأَنَّهَا *** إِذَا أَسْفَرَت بَدْرٌ بَدَا فِي المَحَاشِدِ
شَكَتْ سَقَمَاً كَيْمَا تُعَادُ وَمَا بِهَا *** سِوَىْ فَتْرَةِ العَيْنَيْنِ سُقْمٌ لِعَائِدِ

التقديم والتأخير عند النابغة الزبياني:

يَـا دَارَ مَيَّـةَ بالعَليْـاءِ ، فالسَّنَـدِ *** أَقْوَتْ وطَالَ عَلَيْهَا سَالِـفُ الأَبَـدِ
وقَفـْتُ فِيـْهَا أُصَيْلا كي أُسَائِلُهَـا *** عَيَّتْ جَوَابَاً ، ومَا بالرَّبـْعِ مِنْ أَحَـدِ

أتَانِي أبَيْتَ اللَّعْنَ أنَّكَ لُمْتَنِي *** وتِلْكَ الَّتِي أهْتَمُّ مِنْهَا وأنْصَبُ
فَبِتُّ كَأنَّ العَائِدَاتِ فَرَشْنَ لِيْ *** هَرَاسَاً، بِهِ يُعْلَىْ فِرَاشِيْ ويُقْشَبُ

مَنْ يَطْلُبِ الدَّهْرُ تُدْرِكْهُ مَخالبُهُ، *** والدَّهْرُ بِالوِتْرِ نَاجٍ غيرُ مَطْلُوْبِ
مَا مِنْ أُنَاسٍ ذَوِيْ مَجْدٍ وَمَكْرُمَة ٍ*** إلاَّ يَشُدّ عَلَيْهِمْ شَدة َ الذِّيْبِ

واستبقِ وُدَّكَ للصديقِ ولا تكن *** قتباً يعضّ بغاربٍ مِلْحَاحَا
فالرفقُ يمنٌ والأناة ُسعادةٌ *** فتأنَّ فِي رِفْقٍ تَنَالُ نَجَاحَاَ

يقولون حِصنٌ، ثُمَّ تَأبَىْ نُفُوسُهُمْ *** وكَيْفَ بِحِصْنٍ والجِبَالُ جُمُوْحُ
ولم تَلفُظِ المَوتَى القُبورُو لم تَزلْ *** نُجُومُ السَّمَاءِ والأدِيْمُ صَحِيْحُ

اهاجَكَ، مِنُ سُعْداك مَغنى المعاهدِ *** بروضَة ِ نُعْمِيٍّ فذاتِ الأساوِدِ
تعاورها الأرواحُ ينسفنَ تربها *** وكلُّ مثلثٍ ذي أهاضيبَ راعدِ


ألا مَنْ مُبْلِغٌ عني خُزَيماً *** وزبّانَ الذي لم يَرْعَ صِهْرِي
فإيّاكُمْ وَعُوراً دامياتٍ *** كَأنَّ صِلَاءَهُنَّ صِلَاءُ جَمْرِ

لقد قلتُ للنّعمانِ يوْمَ لَقيتُهُ *** يُريدُ بني حُنّ ببُرقَة ِ صادِرِ
تجنبْ بني حنّ فإنّ لقاءهمْ *** كريهٌ وإنْ لم تَلقَ إلاّ بصابِرِ

ألا أبلغا ذبيانَ عني رسالة ً*** فقد أصبْحتْ عن منَهجِ الحقّ جائرهْ
أجِدَّكُمُ لن تَزْجُرُوا عن ظُلامَة ٍ *** سفيهاً ولن ترعوا لذي الودّ آصرهْ

ودّعْ أُمامة والتّوديعُ تَعْذيرُ *** وما وداعكَ منْ قفتْ به العيرُ
وما رأيتكَ إلاّ نظرة ً عرضتْ *** يوْمَ النِّمارة ِوالمأمورُ مأمورُ

أخْلَاقُ مَجْدِكَ جَلَّتْ مَا لَهَا خَطَرٌ *** فِي البَأسِ والجُودِ بَيْنَ العِلمِ والخَبَرِ
مُتَوَّجٌ بِالمَعَالِي فَوْقَ مِفْرَقِهِ *** وفِي الوَغَيْ ضَيْغَمٌ فِي صُوْرَة ِ القَمَرِ


التقديم والتأخير عند الحارس بن حلزة:

أَلَاْ بَانَ بِالرَّهْنِ الغَدَاةَ الحَبَائِبُ *** كَأَنَّكَ مَعْتُوْبٌ عَلَيكَ وَعَاتِبُ
لَعَمرُ أَبِيْكَ الخَيْرِ لَوْ ذَاْ أَطَاعَنِيْ *** لَغُدِّيَ مِنْهُ بِالرَحِيْلِ الرَّكَائِبُ

آَذِنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ *** رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَواءُ
آَذِنَتْنَا بِبَيْنِهَا ثُمَّ وَلَّتْ *** لَيْتَ شِعْرِيْ مَتَىْ يَكُوْنُ اللِّقَاءُ

لِمَنِ الدِيارُ عَفونَ بِالحَبسِ *** آياتُها كَمَهارِقِ الفُرسِ
لا شَيءَ فيها غَيرُ أَصوِرَةٍ *** سُفعِ الخُدودِ يَلُحنَ في الشَمسِ

لَمّا جَفاني أَخِلّائي وَأَسلَمَني *** دَهري وَلحمُ عِظامي اليَومَ يُعتَرَقُ
أَقبَلتُ نَحوَ أَبي قابوسَ أَمدَحُهُ *** إِنَّ الثَناءَ لَهُ وَالحَمدُ يَتَّفِقُ

التقديم والتأخير عند زهير ابن أبي سلمى:

إنّ الخليطَ أجدَّ البينَ، فانفرقا *** وَعُلّقَ القلبُ مِنْ أسماءَ ما عَلِقَا
وفارَقَتْكَ برَهْنٍ لا فَكاكَ لَهُ *** يوْمَ الوداعِ فأمسَى الرّهنُ قد غَلِقَا

عَفَا مِنْ آلِ فاطِمة َ الجِواءُ *** فَيُمْنٌ فالقَوَادِمُ فالحِسَاءُ
فذُوهاشِ، فميثُ عريتناتٍ *** عفتها الريحُ، بعدكَ، والسماءُ

رَأتُ رَجُلاً لاقى منَ العيشِ غِبْطَةً *** وَأخْطَأهُ فِيها الأمُورُ العَظائِمُ
وَشَبَّ لهُ فيها بَنُونُ وتُوبِعَتْ *** سَلامَة ُ أعْوامٍ لَهُ وغَنَائِمُ

التقديم والتأخير عند طرفة بن العبد:

لِخَوْلَةَ أطْلَالٌ بِبَرْقَةَ ثَهْمدِ *** تَلُوحُ كَبَاقِي الوشْمِ فِي ظَاهَرَ اليَدِ
بِرَوْضَةِ دَعْميٍ فأكْنَافِ حَائِلٍ *** ظَلَلْتُ بِهَا أبْكِيْ وأبْكِيْ إلَى الغَدِ

ولاأغِيْرُ عَلَى الاشْعَارِ أسْرِقُهَا *** عَنْهَا غَنِيْتُ، وشَرُّ النَّاسِ مَنْ سَرَقَا
وإنَّ أحْسَنَ بَيْتٍ أنْتَ قَائِلُهُ *** بَيْتٌ يُقَالُ، إذَا إنْشَدْتَهُ صَدَقَا


أتعْرِفُ رسمَ الدارِ قَفْراً مَنازِلُهْ *** كَجفْنِ اليَّمَانِ زَخْرَفَ الوَشْيَ مَاثِلُهْ
بِتَثلِيْثَ أو نَجْرَانَ أو حَيْثُ تَلْتَقِي *** منَ النَّجْدِ فِي قِيْعَانِ جَأشٍ مُسَائِلُه

التقديم والتأخير عند الأسود بن يعفر النهشلي:

هَل لِشبابٍ فات من مَطلب *** أم ما بُكاءُ البائسِ الأَشيب
إلا الأضاليل ومن لا يَزَل *** يُوفي على مهلكه يَعصَب

أتاني عن أبي أنَسٍ وَعيدٌ *** ومَعصوبٌ تخبُّ به الركابُ
وعِيدٌ تُخدجُ الآرامُ منهُ *** وتكرهُ بَنَّةَ الغنمِ الذئابُ


إنَّ امرأً مَولاهُ أدنى داره *** فيما ألمّ وشَرهُّ لكَ بادِي
إنْ قُلتَ خَيْرَاً قَالَ شَرَّاً غَيْرَهُ *** أو قُلتَ شَرَّاً مَدَّهُ بِمِدِاْدِ

نامَ الخليُّ ومَا أَحَسَّ رُقاديْ *** والهَمُّ مُحْتَضَرٌ لَدَيَّ وِبَادِيْ
مِنْ غَيْرِ مَاْ سَقَمٍ ولَكِنْ شَفَّنِيْ *** هَمٌّ أرَاْهُ قَدْ أصَابَ فُؤَادِيْ

هَل بالمنازِل إن كلّمتها خَرسُ *** أم ما بيانُ أثاف بينَها قَبَسُ
كالكُحل أسودَ لأياً ما تكلمنا *** مما عفاه سحابُ الصَيّف الرجسُ

سَمَا بَصَري لما عَرفتُ مكانَهُ *** وأطّت إليَّ الواشجاتُ أطيطا
علوتُ بذي الحياتِ مَفرقَ رأسِه *** فخرَّ كما خرَّ النساءُ عَبيطا

التقديم والتأخير عند الأخنس بن شهاب التغلبي:

فَمَن يَكُ أَمسى في بِلادِ مُقامَةٍ *** يُسائِلُ أَطلالاً بِها لا تُجاوِب
فَلَاِبنَةِ حِطّانَ بنِ قَيسٍ مَنازِلٌ *** كَما نَمَّقَ العُنوانَ في الرَقِّ كاتِبُ

التقديم والتأخير عند الأفوه الأودي:

وَبِرَوضَةِ السُلّانِ مِنّا مَشهَدٌ *** وَالخَيلُ شاحِيَةٌ وَقد عَظُمَ الثُبَىْ
تَحمِي الجَماجِمَ وَالأَكُفَّ سُيوفُنا *** وَرِمَاحُنا بِالطَّعْنِ تَنتَظِمُ الكُلَىْ

فينا مَعاشِرُ لَم يَبنوا لِقِومِهِمُ *** وَإِنَّ بَني قَومِهِم ما أَفسَدوا عادوا
لا يَرشُدون وَلَن يَرعوا لِمُرشِدِهم *** فَالغَيُّ مِنهُم مَعاً وَالجَهلُ ميعادُ

لَمّا رَأَتْ بُشْرَىْ تَغَيَّر لَوْنُهَا *** مِنْ بَعْدِ بَهْجَتِهِ فَأَقبَلَ أَحْمَرَا
أَلْوَتْ بِأُصْبُعِهَا وَقَالَت إِنَّمَا *** يَكْفِيْكَ مِمَّا قَدْ أَرَىْ مَاْ قُدِّرَا

التقديم والتأخير عند الأعسر الضبي:

هَلَّا سَأَلْتِ هَدَاكِ اللَهُ مَا حَسبِي *** عِندَ الطِّعَانِ إِذا مَا احْمَرَّتِ الحُدُقُ
وَجَالتِ الخَيْلُ بالأَبْطَالِ مُعْلَمَةً *** شُعْثَ النَّواصِيْ عَلَيْهَا البِيْضُ تَأتَلِقُ

التقديم والتأخير عند الحارث الحضرمي:

أَتَهجُرُ أَم لا اليَومَ مَن أَنتَ عاشَقُهْ *** وَمَن أَنتَ مُشتاقٌ إِلَيهِ وَشائِقُه
هْوَ مَن أَنتَ طولَ الدَهرِ ذِكرُ فُؤادِهِ *** وَمَن أَنتَ في صُرمِ الخَلائِقِ وامِقُهْ

التقديم والتأخير عند الشنفري:

إِذا هَمَّ لم يحذَر من اللَّيلِ غُمَّةً *** تُهابُ ولم تَصعُب عَلَيه المَراكِبُ
قَرى الهَمَّ إِذ ضاف الزَّماعَ فَأَصبحت *** منازِلُهُ تَعتَسُّ فيها الثعَّالِبُ

التقديم والتأخير عند الحارث بن ظالم المري:

تعلم أبيت اللعن أني فاتك *** من اليوم أو من بعده بابن جعفر
أخالد قد نبهتني غير نائم *** فلا تأمنن فتكي يد الدهر واحذر

بالله قد نبهته فوجدته *** رخو اليدين مواكلا عسقالا
فعلوته بالسيف أضرب رأسه *** حتى أضل بسلحه السربالا


قفا فاسمعا أخبركما إذا سألتما *** محارب مولاه وثكلان نادم
فأقسم لولا من تعرض دونه *** لخالطه صافي الحديدة صارم

التقديم والتأخير عند الطفيل الغنوي:
بِالعُفرِ دارٌ مِن جَميلَةَ هَيَّجَت *** سَوالِفَ حُبٍّ في فُؤادِكَ مُنصِبِ
وَكُنتَ إِذا بانَت بِها غِربَةُ النَوى *** شَديدَ القُوى لَم تَدرِ ما قَولُ مُشغِبِ

هَل حَبلُ شَمّاءَ قَبلَ البَينِ مَوصولُ *** أَم لَيسَ لِلصُرمِ عَن شَمّاءَ مَعدولُ
أَم ما تُسائِلُ عَن شَمّاءَ ما فَعَلَت *** وَما تُحاذِرُ مِن شَمّاءَ مَفعولُ

التقديم والتأخير عند مالك بن فهم الأزدي:

تَحِنُّ إِلى أَوطانِها إِبلُ مالِكٍ *** ومن دونها عرضُ الفلا والدكادِكِ
وَفي كُلِّ أَرضٍ لِلفَتى مُتَقَلَّبٌ *** وَلَستُ بدار الذلِّ وعاً برامِكِ

التقديم والتأخير عند قيس بن الخطيم:

أَتَت عُصبَةٌ لِلأَوسِ تَخطُرُ بِالقَنا *** كَمَشيِ الأُسودِ في رَشاشِ الأَهاضِبِ
فَإِن غِبتُ لَم أُغفِل وَإِن كُنتُ شاهِداً *** تَجِدني شَديداً في الكَريهَةِ جانِبي

وَبَعضُ القَولِ لَيسَ لَهُ عِياجٌ *** كَمَخضِ الماءِ لَيسَ لَهُ إِتاءُ
يَصوغُ لَكَ اللِسانُ عَلى هَواهُ *** وَيَفضَحُ أَكثَرَ القيلِ البَلاءُ

وَلَيسَ بِنافِعٍ ذا البُخلِ مالٌ *** وَلا مُزرٍ بِصاحِبِهِ السَخاءُ
وَبَعضُ الداءِ مُلتَمَسٌ شِفاهُ *** وَداءُ النوكِ لَيسَ لَهُ شِفاءُ

مَن يَكُ غافِلاً لَم يَلقَ بُؤساً *** يُنِخ يَوماً بِساحَتِهِ القَضاءُ
تَناوَلُهُ بَناتُ الدَهرِ حَتّى *** تُثَلِّمَهُ كَما اِنثَلَمَ الإِناءُ

تَذَكَّرَ لَيلى حُسنَها وَصَفاءَها *** وَبانَت فَأَمسى ما يَنالُ لِقاءَها
وَمِثلِكِ قَد أَصبَيتُ لَيسَت بِكَنَّةٍ *** وَلا جارَةٍ أَفضَت إِلَيَّ حَياءَها

تَروحُ مِنَ الحَسناءِ أَم أَنتَ مُغتَدي *** وَكَيفَ اِنطِلاقُ عاشِقٍ لَم يُزَوَّدِ
تَراءَت لَنا يَومَ الرَحيلِ بِمُقلَتي *** غَريرٍ بِمُلتَفٍّ مِنَ السِدرِ مُفرَدِ

كَتومٌ لِأَسرارِ الخَليلِ أَمينُها *** يَرى أَنَّ بَثَّ السِرِّ قاصِمَةُ الظَهرِ
وَقَد ضَمَرَت حَتّى كَأَنَّ وَضينَها *** وِشاحُ عَروسٍ جالَ مِنها عَلى خَصرِ

أَلَمَّ خَيالُ لَيلى أُمِّ عَمروِ *** وَلَم يُلمِم بِنا إِلّا لِأَمرِ
تَقولُ ظَعينَتي لَمّا اِستَقَلَّت *** أَتَترُكُ ما جَمَعتَ صَريمَ سَحرِ

نَحنُ بِغَرسِ الوَدِيِّ أَعلَمُنا *** مِنّا بِرَكضِ الجِيادِ في السَدَفِ
يا لَهفَ نَفسي وَكَيفَ أَطعَنُهُ *** مُستَمسِكاً وَاليَدانِ في العُرُفِ

التقديم والتأخير عند عروة بن الورد:

إِن تَأخُذوا أَسماءَ مَوقِفَ ساعَةٍ *** فَمَأخَذُ لَيلى وَهيَ عَذراءُ أَعجَبُ
لَبِسنا زَماناً حُسنَها وَشَبابَها *** وَرُدَّت إِلى شَعواءِ وَالرَأسُ أَشيَبُ

هَلّا سَأَلتَ بَني عَيلانَ كُلَّهُمُ *** عِندَ السِنينَ إِذا ما هَبَّتِ الريحُ
قَد حانَ قِدحُ عِيالِ الحَيِّ إِذ شَبِعوا *** وَآخَرٌ لِذَوي الجِيرانِ مَمنوحُ

قالَت تُماضِرُ إِذ رَأَت مالي خَوى *** وَجَفا الأَقارِبُ فَالفُؤادُ قَريحُ
ما لي رَأَيتُكِ في النَدِيِّ مُنَكِّساً *** وَصِباً كَأَنَّكَ في النَدِيِّ نَطيحُ

جَزى اللَهُ خَيراً كُلَّما ذُكِرَ اِسمُهُ *** أَبا مالِكٍ إِن ذالِكَ الحَيُّ أَصعَدوا
وَزَوَّدَ خَيراً مالِكاً إِنَّ مالِكاً *** لَهُ رِدَّةٌ فينا إِذا القَومُ زُهَّدُ

إِنّي اِمرُؤٌ عافي إِنائِيَ شِرَكَةٌ *** وَأَنتَ اِمرُؤٌ عافي إِنائِكَ واحِدُ
أَتَهزَأُ مِنّي أَنْ سَمِنتَ وَأَنْ تَرَىْ *** بِوَجْهِي شُحُوْبَ الحَقِّ وَالحَقُّ جَاهِدُ

ما بِالثَراءِ يَسودُ كُلُّ مُسَوَّدٍ *** مُثْرٍ وَلَكِن بِالفِعالِ يَسودُ
بَل لا أُكَاثِرُ صَاحِبِي فِي يُسْرِهِ *** وَأَصُدُّ إِذْ فِي عَيْشِهِ تَصْرِيْدُ

دَعيني لِلغِنى أَسعى فَإِنّي *** رَأَيتُ الناسَ شَرُّهُمُ الفَقيرُ
وَأَبعَدُهُم وَأَهوَنُهُم عَلَيهِم *** وَإِن أَمسى لَهُ حَسَبٌ وَخيرُ

إِذا المَرءُ لَم يَطلُب مَعاشاً لِنَفسِهِ *** شَكا الفَقرَ أَو لامَ الصَديقَ فَأَكثَرا
وَصارَ عَلى الأَدنَينَ كَلّاً وَأَوشَكَت *** صِلاتُ ذَوي القُربى لَهُ أَن تَنَكَّرا

التقديم والتأخير عند المثقب العبدي:

وسارٍ تعنَّاهُ المبيتُ فلمْ يدعْ *** لهُ طامسُ الظَّلماءِ واللَّيلِ مذهباً
رأى ضوءَ نارٍ منْ بعيدٍ فخالها *** لقدْ أكذبتهُ النَّفسُ، بلْ راءَ، كوكباً

ولَلمَوتُ خيرٌ للفتى من حياتِه *** إذا لم يَثِبْ للأمرِ إلاّ بقائدِ
فعالجْ جسيماتِ الأمورِ، ولا تكنْ *** هبيتَ الفؤادِ همهُ للوسائدِ

هذا فقط مجرد غيض من فيض،، أوردناه هنا لغرضين إثنين،، الأول هو حسم مسألة التقديم والتأخير في اللغة العربية "عملياً" بشهادة عدد لا يستهان به من الشعراء الجاهليين الذين سبقوا الإسلام مما يؤكد أن هذا الفن أصيل لدى العرب، ويكاد لا تخلوا قصيدة أو عمل فني شعر أو نثر وغيره. حتى نخرص هذه الأصوات النشاذ إلى الأبد. الغرض الثاني أردت أن أخرج القراء من النصوص العلمية الثقيلة إلى شيء من الترويح بشيء من هذا الأدب الرفيع الممتع.

أتمنى أن يكون الموضوع مقبولاً لوجدانهم الذي يهمنا كثيرا.

تحياتنا للقراء والقارءات

بشاراه أحمد

الحالم
موقوووووووف

عدد المساهمات : 1116
تاريخ التسجيل : 27/01/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقديم والتأخير - إن كنت تدري فتلك مصيبة: Empty رد: التقديم والتأخير - إن كنت تدري فتلك مصيبة:

مُساهمة  الحالم الثلاثاء أبريل 15, 2014 4:56 am

استغفر الله العلي العظيم واتوب اليه

الحالم
موقوووووووف

عدد المساهمات : 1116
تاريخ التسجيل : 27/01/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقديم والتأخير - إن كنت تدري فتلك مصيبة: Empty رد: التقديم والتأخير - إن كنت تدري فتلك مصيبة:

مُساهمة  yahya3 الثلاثاء أبريل 15, 2014 6:16 am

وفقك الله وسدد خطاك
yahya3
yahya3
نعوذ بالله من الفتن

عدد المساهمات : 1450
تاريخ التسجيل : 31/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى