هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الأول
3 مشترك
ملتقى صائد الرؤى :: ملتقيات الفتن والنبوءات وأشراط الساعة :: بدء الملاحم واستمرارها إلى " آخر الزمان "
صفحة 1 من اصل 1
هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الأول
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإنني للإجابة على سؤال : هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى
كتبتُ رسالة يجد القارئ في ثناياها الجواب عنه، إضافة إلى فوائد أخرى، وقد أسميتها:
( نفائس العلوم المُستفادة من حديث ستصالحون الروم )
ونظرًا لطولها؛ فقد قسمتها إلى ثلاثة أقسام، وسأعرض كل قسم منها في موضوع مستقل.
هذا وأسأل الله- سبحانه وتعالى- أن ينفع بها.
أهم ما تشتمل عليه الرسالة:
1- المقدِّمة: تحوي ذكر سبب التأليف.
2- ذكر نص حديث " ستصالحون الروم "، وتخريجه والحكم عليه.
3- عبارة " ستصالحون الروم " ، وما فيها من إشارات لوجود
الملاحم بين المسلمين والروم.
4- معنى الصلح الآمن الوارد في الحديث، ومناقشة من يرى أننا
نعيشه من خلال ميثاق هيأة الأمم المتحدة.
5- الحرب التحالفية مع الروم ضد عدو آخر، وما استنبطه
أهل العلم من أحكام الاستعانة بالكفار في القتال.
6- العدو الذي يتحالف المسلمون والروم لقتاله، وذكر الاختلاف
فيه، وبيان الراجح.
7- التنبيه على أن مسألة الاستعانة بالكفار في القتال ليست من
مسائل العقيدة، وبيان الفرق بينها وبين مسألة ( مظاهرة ومناصرة
المشركين على المسلمين )، وكلام العلماء في ذلك.
8- التنبيه على خطأ تنزيل الحديث على الواقع اليوم على الحرب
التحالفية التي تقودها أمريكا ضد بعض الجماعات المقاتلة على أرض الشام والعراق.
9- المرج ذي تلول المذكور في الحديث، وهل يُقصَد به لبنان.
10- حادثة رفع الصليب وما يُستنبط منها من أحكام.
11- الكلام على الملحمة الكبرى، وذكر دلالات كون الجيش
الصليبي كبيرًا وضخمًا فيها.
12- ذكر أمارات وعلامات الملحمة الكُبرى التي نعرف من
خلالها هل يصح تنزيل ( الملحمة الكبرى ) على الواقع اليوم.
13- العلامة الأولى: خراب يثرب.
14- العلامة الثانية : جيش المدينة.
15- العلامة الثالثة: القتال في الملحمة يتوقف عند قدوم الليل،
والرد على من استدل بالحديث على أنه في هذه الملحمة
ستستعمل بعض أسلحة الدمار الشامل.
16- الخاتمة.
.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*..*.*.*.*.*..*.*.*.*.*.*.*.
( مقدمة الرسالة )
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
فإن مما دعاني للكتابة في هذا الموضوع أن أبين للقارئ الدلالات الصحيحة التي اشتمل عليها هذا الحديث الشريف؛
وذلك لأن هناك من حاول تنزيل هذا الحديث على الواقع في أحداثمرّت بها الأمة الإسلامية- أو تمرُّ بها في هذا الوقت-،
ولكني أرى أن هذا التنزيل ليس في محله.
ومنذ أن حصل الغزو العراقي للكويت كان هناك من يحاول أن يربط ما حصل من تحالف مع الغرب لتحرير الكويت
بهذا الحديث، والآن يوجد من يحاول ربطه بهذه الحرب التي يشنّها التحالف الذي تقوده أمريكا على المجاهدين في أرض
الشام والعراق[1]، وسوف أعرض في هذه الرسالة القصيرة التي أسميتها " نفائس العلوم المُستفادة من حديث ستصالحون
الروم" ما يتعلق بهذا الحديث من علامات وأشراط الساعة، وأناقش بعض التنزيلات لهذا الحديث على الواقع، بالإضافة إلى
ذكربعض ما قد يدل عليه الحديث من نواحٍ عقدية وفقهية قد تُسهِم في كبح جماح موجة التكفير الحاصلة من قبل بعض
الجماعات ضد جماعات أخرى تجاهد في أرض الشام والعراق، فنسأله- سبحانه وتعالى- التوفيق والسداد وأن يلهمنا رشدنا
ويوفقنا للصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( حديث ستصالحون الروم )
قال الإمام أبو داود في سننه: حدثنا النُّفَيْلِيُّ، حدثنا عيسى بن يونس، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قال: مَالَ مَكْحُولٌ وَابْنُ
أَبِي زَكَرِيَّا إِلَى خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَمِلْتُ مَعَهُمْ فَحَدَّثَنَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ الْهُدْنَةِ قَالَ: قَالَ جُبَيْرٌ : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ذِي مِخْبَر(ٍ رَجُلٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فَأَتَيْنَاهُ، فَسَأَلَهُ جُبَيْرٌ عَنْ الْهُدْنَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
" ستصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ
ذِي تُلُولٍ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فيقول: غَلَبَ الصَّلِيبُ؛ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ
وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ ".[2].
وهذا الحديث رواه أبو داود وغيره وإسناده صحيح[3].
وقد ذكره المتقي الهندي في كنز العمال[4] بلفظ:
"ستصالحون الروم صلحًا آمنًا فتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائهم فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل
من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب! فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فيغدر القوم ويكون الملاحم،
فيجتمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف ." [5]
ففي هذا الحديث إخبار عن شرط من أشراط الساعة وعلامة من علاماتها؛ حيث أخبر فيه النبي- صلى الله عليه وسلم- عن صلح
يكون بين المسلمين وبين الروم، ووصف هذا الصلح بكونه ( آمنًا )، وأنه سيكون في فترة الصلح حربٌ يشترك فيها المسلمون
والروم ضد عدو آخر، وسيكتب الله للمسلمين في هذه الحرب النصروالسلامة والحصول على الغنائم.
ثم يحصل بعد ذلك حدث يعقبه حصول الغدر من الروم، ونقضهم للصلح المبرم مع المسلمين، ومن ثم يقومون بتجييش الجيوش
لغزو المسلمين، وتقع ملحمةٌ عظمى بين الروم الذين يصل عددهم إلى ما يقارب المليون وبين المسلمين، وتكون المواجهة بينهم
على أرض الشام المباركة، ويكتب الله فيها النصر للمسلمين.
هذا- باختصار- ما يدل عليه هذا الحديث المبارك، وفي الفقرات التالية سيأتي الكلام على ما ورد فيه من عبارات مع شيء من البسط
والتفصيل، والتوضيح والنقد لما قد وقع من محاولات لتنزيل هذا الحديث على بعض الوقائع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( الصُّلح مع الروم )
ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- في أولى عبارات هذا الخبر عبارة " ستصالحون الروم "، وهذا الخبر قد ورد مختصرًا فيما
رواه الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- في صحيحه من حديث عوف بن مالك- رضي الله عنه- أنه قَالَ:
" أتَيْتُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍفَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ
الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ".[6]
والهدنة المذكورة في هذا الحديث بمعنى الصلح، وبنو الأصفر هم الروم، فالحديث هنا يذكر شأن الصلح والغدرباختصار، والحديث
الذي معنا يذكر الأمر بشيء من التفصيل والتوضيح.
وفي قوله- عليه الصلاة والسلام- : " ستصالحون الروم"- مع الأخذ في الاعتبار أن الصلح بمعنى الهدنة- دلالة على أن هناك
ملاحم ( أي: معارك وحروبًا ) ستدور رحاها بين المسلمين وبين الروم النصارى، وبعد ذلك يحصل الاتفاق على وضع الحرب عن
طريق الصلح والهدنة.
وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام أبو داود حينما ترجم لهذا الحديث بقوله: " باب ما يُذكَر من ملاحم الروم"، وهذه الترجمة تُفيد أن
هناك ملاحم تكون مع الروم، ولا يخفى أن صيغة كلمة ( ملاحم ) صيغة جمع، وأنت إذا تأملت ما أورده- رحمه الله - تحت هذا
الباب من أحاديث لا تجد غير هذا الحديث الذي معنا- وإن كان أورده بأسانيد مختلفة اشتملت على بعض الزيادات-.
والحديث- إذا تأملت- ليس فيه ذكر لملاحم تكون مع الروم ( أي ضدّهم ) إلا ما جاء في آخر الحديث من قوله- عليه الصلاة
والسلام-: " فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ" ، وهي الملحمة الكبرى التي هي أعظم الملاحم، وفيها تنكسر الروم ويكون
بعدها فتح القسطنطينية، ثم خروج الدجال.
وهذا المعنى يدل عليه لفظ " الهدنة" الذي هو مرادف للصلح، والهدنة لا تكون إلا بعد حرب، قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله- في
شرحه على حديث عوف بن مالك:
" ( هُدْنة)- بضم الهاء وسكون المهملة بعدها نون- هيالصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه"[7]، فهذا الكلام يفيد أن الهدنة إنما
تكون بعد قتال، وهذا قد يدل على وجود حرب أو عدة حروب يحصل في آخرها الصلح والهدنة.
وقوله- عليه الصلاة والسلام-: " ستصالحون الروم" ظاهره أن المسلمين هم الذين يبادرون بالصلح مع الروم، ولكن هذا
الظاهر غير مراد- والله أعلم-؛ وذلك أن الحديث رواه ابن ماجة بلفظ: " ستصالحكم الروم"[8]، وهذا اللفظ يُفيد بأن الروم هم
من سيبادرون بالصلح، وقد تكون الرواية الأولى التي معنا قد رُوِيَت بالمعنى، ومع ذلك فإنه لا حرج على المسلمين في أن يهادنوا
ويصالحوا عدوّهم من الكفار ، وقد فعل ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- كما في صلح الحديبية الذي وضع فيه الحرب مع قريش
لمدة عشر سنين.
إنه لا بد لمن أراد تنزيل هذا الحديث على الواقع ملاحظة ما دلت عليه هذه العبارة " ستصالحون الروم" من وجود معارك
وحروب تسبق هذا الصلح، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل وقعت هذه المعارك والحروب مع الروم؟ وهل تلا ذلك وأعقبه
حصول صلح بين المسلمين وبين الروم يمكن وصفه بأنه صلح آمن؟
إن الناظر في التاريخ الحديث يجد أن هناك حروبًا شنها الغرب على المسلمين فيما يسمى بالاستعمار الذي حقيقته أنه احتلال
للبلاد العربية المسلمة، ثم قام الجهاد ضد هؤلاء المحتلين حتى تم إجلاء هذا العدو عن بلاد المسلمين، ولكن: هل حصل صلح آمن
بين المسلمين وبين الروم المتمثلين في أوروبا وأمريكا؟
إن ما يقوله البعض" فنحن والروم في صلح آمن اليوم"[9] معتبرًا أن هذا الصلح تمثله الأمم المتحدة عبرمواثيقها الدولية هو في
الحقيقة مما يبعث على الاستغراب والدهشة؛ فأين الأمن في فلسطين المحتلة؟ وأين الصلح الآمن في استخدام دول الغرب
( الروم ) لحق النقض " الفيتو" في دعم الكيان الصهيوني المحتل لبلد عربي مسلم هو مسرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-،
وله من المكانة في قلوب المسلمين ما لا يخفى؟
وأين هذا الصلح الآمن من الحروب التي شنها الغرب على العراق وعلى أفغانستان ومن قبلهما الصومال؟ هل يمكن أن يسمى هذا
كله صلحًا آمنًا؟ وهل يمكن أن يتجزّأ الصلح فيكون آمنا في بلدان دون أخرى؟
إن المسلمين لا يزالون يعيشون مرحلة الصراع مع الغرب، وصد هجماته الصليبية عليهم، ولم يصلوا حتى الآن إلى أن يكون هناك
صلح بينهم وبين الروم.
وإن الخطاب الموجه إلى المسلمين في قوله- صلى الله عليه وسلم- " ستصالحون الروم" ليس موجّهًا إلى بلد دون بلد، أو إلى
حاكم دون آخر، بل هو موجّه إلى عموم المسلمين، فإما أن يُراد بالخطاب كلهم،- أو على الأقل أكثرهم- ؛ وذلك بناء على
ما يقتضيه هذا اللفظ" ستصالحون" حسب قواعد الاستنباط والاستدلال في أصول الفقه؛ ولهذا فإنه لا مجال لتنزيل هذا الحديث
على الواقع والأمة مقّطعة مفرّقة، وإنما يصحّ الخطاب إذا أصبح للأمة قيادة تمثلها بأن يكرمها الله- سبحانه وتعالى- بعودة
الخلافة الراشدة، ويكون لها إمام تجاهد معه أعداء الله من الروم وغيرهم حتى يحصل بعد ذلك عقد الهدنة والصلح مع الروم، وقد
أصبحت في حالة من القوة تهابها الأعداء فيطلبون الهدنة والصلح معها، وأما وضع الأمة اليوم، فهو وضع لا يخفى على أحد من
الضعف والذلة، والغرب هو الذي يملي عليها شروطه ويفرض عليها إرادته، ومتى ما أراد أن ينقض معاهدة أبرمها مع
بعض حكامها لم يرده أحد، وهذه أمريكا تشن الحروب على بلاد المسلمين - بدون موافقة مما يسمى مجلس الأمن الدولي-، وقد
يشاركها غيرها من دول الغرب؛ فليس هناك أي اعتبار أو احترام لميثاق هيئة الأمم المتحدة، أو لرفض مجلسها الأمني،
والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
( الحرب التحالفيّة مع الروم )
ثم قال- عليه الصلاة والسلام-: "فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ " وفي هذه العبارة إخبار منه- صلى الله عليه وسلم- أن
المسلمين سيشتركون مع الروم في غزوعدو، وهذا العدو قد يكون عدوًّا للمسلمين، وقد يكون عدوًّا للنصارى الروم، وقد يكون
عدوًّا مشتركًا يشكل خطرًا على المسلمين والروم، وهذا العدو قد يكون له من القوة التي ربما لا يمكن القضاء عليها فيما لو هاجمه
المسلمون على انفراد، أو هاجمه الروم على انفراد؛ فيحصل التعاون بين المسلمين والروم في القتال ضد هذا العدو،
وهذا التعاون في القتال هو ما يُعرَف في مصطلحات العصربالتحالف العسكري.
والنبي- صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بوقوع هذا التحالف بين المسلمين وبين الروم النصارى، ولم يذمهم على ذلك [10] ،
الأمر الذي جعل بعض العلماء يستنبطون من هذه الجزئية حكمًا شرعيًّا، ألا وهو جواز استعانة المسلمين بغيرهم من الكفار
والمشركين في قتال الكفار.[11]
وهذا الاستدلال قد ينازع فيه البعض ويقول: " هذا الحديث لا يدل على جواز الاستعانة بالكفار في القتال؛ لأنه إخبار عن أمر
سيكون، وليس كل ما يخبر عن حصوله في المستقبل يكون مأذونًا فيه أو مشروعًا، وإنما هذا إخبار بالواقع"[12].
وليس المقصود هنا هو تحقيق المسألة ومناقشة صحة الاستدلال من عدمه، وإنما المقصود بيان أن هؤلاء المسلمين الذين فعلوا
هذا الفعل لم يخرجوا عن دائرة الإسلام، ولم يرتكبوا ناقضًا من نواقضه؛ فإن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصفهم بأنهم
مسلمون، حيث قال في ضمن الحديث: " فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ:غَلَبَ الصَّلِيبُ؛ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ"،
وهذه الفائدة التي دلّ عليها الحديث متى ما رجع إليها المسلم الذي يرد النزاعات التي تحصل بينه وبين غيره من الخصوم إلى كتاب الله وسنة
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يقع في تكفير إخوانه من المجاهدين المسلمين الذين قد يتحالفون مع بعض الجماعات التي تقاتل على
أرض الشام- وهو يرى أنها جماعات مرتدة خارجة عن الإسلام- ؛ فإن غاية ما فعله هؤلاء أنهم استعانوا بكافر على قتال النظام النصيري
البعثي الكافر المرتد، وهي مسألة تطابق تمامًا ما دل عليه الحديث من تعاون المسلمين مع الروم الكافرين في قتال عدوٍ كافر، والذي يقول بتكفير
هذه الجماعات الجهادية التي اشتركت مع غيرها من الجماعات المرتدة- لو قُدِّر أنها كانت كذلك فعلاً- في قتال النظام النصيري
المرتد هو في الحقيقة قد وقع في الغلو في التكفير؛ إذ كفّر من دلت السنة الصريحة الواضحة على عدم تكفيره؛ فأين يذهب من الله
يوم القيامة؟ وماذا يصنع بالدماء التي سفكها بناءً على هذا الاعتقاد الذي ضلّ وغلا فيه بتكفير إخوانه؟
نعم قد يُقال إن هذا الفعل لا يجوز؛ بناء على قول من يرى عدم جواز الاستعانة بالكفار في قتال الكفار، لكن عدم الجواز شيء،
والحكم بالكفر والردة شيء آخر، والمسألة يسع فيها الخلاف والاجتهاد، ولو رأت جماعة من الجماعات جواز التحالف أو الاستعانة
بالكفار في قتال الكفار- بناء على ما يراه بعض أهل العلم- فإنه لا يُنكَرعليها- فضلاً عن أن يُحكَم عليها بالكفر والردة-!
ومن هنا نعلم أن هناك غلوًّا في التكفير حدث ونشأ في ساحات الجهاد، والحكم على مسائل وقع الخلاف والنزاع فيها بين السلف
بأنها من مسائل الاعتقاد والولاء والبراء التي يترتب عليها الحكم بالتكفير والردة ليس من منهج أهل السنة والجماعة، بل هو
أقرب إلى منهج الخوارج الأوائل الذين اعتقدوا في أمور أنها من الكفر، وكفّروا عليًّا- و بعض الصحابة- رضي الله عنهم - على
أساس ذلك، وهي ليست من الكفر في شيء.
وليعلم أن الخوارج الأوائل الذين قاتلهم علي- رضي الله عنه- لم يكونوا يكفّرون كل مرتكب للكبيرة[13]، وإنما نشأ ذلك الاعتقاد
في مراحل تطور فكر الخوارج فيما بعد؛" ليصبح موضوعه مرتكب الكبيرة الحقيقي من الأمة، بعد أن كان عثمان وعليًّا وسائر
الصحابة زمن الفتنة"[14] والذي كان عليه الخوارج الذين خرجوا على علي وقاتلوه أنهم يُكفِّرون عليًّا وبعض الصحابة- رضوان
الله على الجميع- وهذا هو أصل اعتقادهم، وما جاء عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الخوارج يتنزّل بالدرجة الأولى على
هؤلاء الذين كفّروا عليًّا- رضي الله عنه- وقاتلوه.
وكل من اعتقد ما ليس بكفرٍ كفرًا وكفّر على أساسه الناس فهو قد غلا في التكفير، وأشبه الخوارج، وشملته الأحاديث التي ذكرها
النبي- صلى الله عليه وسلم- فيهم - وإن لم يعتقد ويقل بكفر مرتكب الكبيرة -، مع أخذ بقية ما ورد من صفاتهم وأنهم يقتلون أهل
الإسلام ويدعون أهل الأوثان في الاعتبار ، وإنما كان الحامل لهم على قتلهم لأهل الإسلام هو اعتقادهم أنهم كُفّار مرتدون، ولو
كانوا يعتقدون أنهم مسلمون لم يُقاتلوهم ويقتلوهم ؛ فليُتنبّه إلى ذلك.
انتهى القسم الأول، يُتبع =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كنتُ قد فرغتُ من كتابة هذه الرسالة قبل بضعة أشهر، والآن حينما أردت نشر هذه الرسالة ظهر على الساحة عنصر جديد، ألا وهو تدخل روسيا في سوريا، وبدأ البعض يتحدث عن هذا التدخل وما قد يترتب عليه من تحالفات وتوسع في الحرب، ويربط ذلك بهذا الحديث، ويحاول تنزيله على هذا الواقع وتطوُّراته المتوقعة، والحقيقة أن هذا لا يُغيِّر شيئًا مما قررته في هذه الرسالة؛ ولذلك أحببتُ الإشارة إليه هنا حتى لا يُقال: إن هذه الرسالة كانت قبل التدخل الروسي في الشام . وسيجد القارئ في ثنايا هذه الرسالة من البراهين والأدلة الواضحة ما يبين هذا الأمر، أعني: تنزيل هذا الحديث على واقع الأمة اليوم، والأحداث الجارية على أرض الشام.
[2] سنن أبي داود، ج 4 ص 109-110.
[3] أخرجه أحمد في مسنده: ج28، ص33-34 برقم ( 16826 )، وابن ماجة: ص 680 ، برقم: (4089) ، وابن حبان : ج15، ص 102- 103 ، برقم: ( 6709 )، والطبراني في المعجم الكبير: ج 4 ، ص235- 236، برقم: ( 4230 )، والحاكم في مستدركه: ج4، ص467، برقم: ( 8298 )، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وأخرجه أيضًا ابن أبى شيبة: ج10، ص310-311، برقم: ( 19796 ).، وقد صحح القرطبي هذا الحديث في التذكرة: ج3، ص1154، وصححه كذلك الألباني في عدد من كتبه، انظر: صحيح سنن أبي داود ج3،ص23-24، حديث رقم: ( 4292 )، وصحيح ابن ماجة : ج3، ص340-341، برقم: ( 3318 ) وصحيح الجامع ص676، برقم: ( 3612 ) ، وصححه الوادعي أيضًا في الجامع الصحيح ، ج5، ص112 .
[4] كنز العمال ج14، ص 216، حديث رقم: ( 38451 ).
[5] انظر صحيح الجامع ص676، برقم: ( 3612 ).
[6] انظر موسوعة الحديث الشريف ( الكتب الستة ) : صحيح البخاري، ص257، حديث رقم: ( 3176 ).
[7] فتح الباري ج 6، ص321، حديث رقم: ( 3176 ).
[8] انظر: سنن ابن ماجة ص 680 ، وانظر: صحيح سنن ابن ماجة للألباني ج3، ص 340- 341 ( 3318 ).
[9] انظر: أمين محمد جمال الدين في كتابه عمر أمة الإسلام ، ص61.
[10] حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار للشيخ عبد العزيز بن باز، مجلة البحوث الإسلامية، العدد السابع والثلاثون، ص356 حيث قال: " واحتج القائلون بالجواز أيضًا بما رواه أحمد وأبو داود عن ذي مخمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ستصالحون الروم صلحًا آمنًا وتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم فتنصرون وتغنمون ..الحديث" ولم يذمهم على ذلك ؛ فدل على الجواز وهو محمول على الحاجة أو الضرورة كما تقدم ".
[11] ذكر هذا الشيخ عبد العزيز الطريفي في دروسه عن: أشراط الساعة رواية ودراية ، الدرس الخامس، حيث قال:" وفي هذا إشارة إلى أن المسلمين يتصالحون ويتعاملون مع بني الأصفر فيقاتلون عدوًّا دونهم- يعني غير بني الأصفر-، وقد جاء هذا في صحيح الإمام مسلم من حديث عبدالله بن مسعود، مما يدل على جواز المصالحة مع المشركين لقتال عدو ولو كان مشتركاً من جهة العداوة بين المسلمين وبين الروم، وهذا أمر جائز يشير إلى هذه المسألة التي سبق الإشارة إليها ".
[12] ذكر هذا الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لحديث " ستصالحون الروم" في التفريغ النصي للشرح على موقع إسلام ويب ( www.islamweb.net ).
[13] راجع ما كتبه د. سفر الحوالي في كتابه ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي تحت عنوان: الخوارج( الظاهرة المضادة )، ج1، ص289 وما بعدها.
[14] المصدر السابق، ص 306.
مجالي البوق- ضيف كريم
- عدد المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 14/04/2015
رد: هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الأول
أهلاً ومرحباً بالشيخ أبي عبد الله مجالي البوق
بارك الله فيك
ترددت في المشاركة حتى لا أقطع التسلسل
أما وقد فتحت موضوعاً مستقلاً للجزء الثاني
فأردت فقط أن أسجل المتابعة باهتمام
جزاك الله خيراً ونفع بك.
بارك الله فيك
ترددت في المشاركة حتى لا أقطع التسلسل
أما وقد فتحت موضوعاً مستقلاً للجزء الثاني
فأردت فقط أن أسجل المتابعة باهتمام
جزاك الله خيراً ونفع بك.
عبد اللطيف- ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا
- عدد المساهمات : 204
تاريخ التسجيل : 27/01/2014
رد: هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الأول
حياك الله بيننا أخونا الفاضل مجالي البوق .. نسأل الله أن ينفع بك وبعلمك !!!
هناك العديد من المسجلين في الملتقى بمعرفات نقدرها وندرك فائدتها للأمة ولا زلنا ننتظر بصمتها .. فحياهم الله جميعاً في دارهم !!!
هناك العديد من المسجلين في الملتقى بمعرفات نقدرها وندرك فائدتها للأمة ولا زلنا ننتظر بصمتها .. فحياهم الله جميعاً في دارهم !!!
جعبة الأسهم- الفقير إلى عفو ربه
- عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013
رد: هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الأول
الأخوان الكريمان، عبد اللطيف، وجعبة الأسهم،
أشكركما ، وجزاكما الله خيرًا على هذه الدعوات الطيبة.
مجالي البوق- ضيف كريم
- عدد المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 14/04/2015
مواضيع مماثلة
» هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الثاني
» هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الثالث والأخير
» حديث الملحمة الكبرى آخر معركة
» الملحمة الكبرى التي تسبق يوم القيامة أرمجدون بقيادة المهدي
» بيان حول الفتنة في الشام للأمير مسلم الشيشاني - الجزء الأول والثاني والثالث
» هل ما يجري على أرض الشام هو إرهاصات الملحمة الكبرى؟ القسم الثالث والأخير
» حديث الملحمة الكبرى آخر معركة
» الملحمة الكبرى التي تسبق يوم القيامة أرمجدون بقيادة المهدي
» بيان حول الفتنة في الشام للأمير مسلم الشيشاني - الجزء الأول والثاني والثالث
ملتقى صائد الرؤى :: ملتقيات الفتن والنبوءات وأشراط الساعة :: بدء الملاحم واستمرارها إلى " آخر الزمان "
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى