ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المراكز والأطراف والعلم والعسكرة

اذهب الى الأسفل

المراكز والأطراف والعلم والعسكرة Empty المراكز والأطراف والعلم والعسكرة

مُساهمة  مصالح الشعوب والأمم الأحد أكتوبر 26, 2014 5:00 pm

تتعرض دول الأطراف والدول العربية منها بطبيعة الحال إلى غزو رأسمالي عنيف من دول المراكز، إنها معركة شمولية تمتد من الإقتصاد إلى السياسة والعلم والثقافة، الرأسمالية تواصل هجومها علينا كي تؤبد التبعية، لن ننتصر دون أن تنهض دول الأطراف وتغلق مجاري التدفق الإقتصادي والثقافي.
Issue12-Faraj
راديكال - محمد فرج
تحدثنا في عدد سابق من راديكال عن الغزو الثقافي الذي تواجهه دول الأطراف حيث تمكنت المنظومة الرأسمالية من دس مؤسساتها إنطلاقاً من مشروع مارشال إلى اليوم، مؤسسات تعمل على تزييف الوعي الإجتماعي ومعنى الصراع الإجتماعي، وتزييف أسس العمل السياسي بتهميش النقابي والإعلاء من الليبرالي “المدني”. يمكن قراءة هذا المقال على الرابط الحرب الثقافية على دول الأطراف .

في هذا العدد سنتحدث عن أشكال أخرى من الغزو، الغزو العلمي الذي يظهر بطريقة غير مباشرة، والغزو العسكري الذي يعتبر أحد خطوط الهجوم الذي تستخدمها الرأسمالية في حل فشل الخطوط الأخرى.

الغزو العلمي

يبحث رأس المال بشكل دائم عن مناطق جديدة لتوسيع مساحات حركته وحمايتها من الركود، وفي هذا السياق تولد المراكز والأطراف، الأماكن المنتجة والأخرى المستهلكة،التجمعات المستثمرة والأخرى المستغفلة والمستغلة.

وفي داخل بنية التجمعات الرأسمالية نفسها، تنشأ أيضاً مراكز وأطراف، ولكن بصيغتها الخاصة: وعلى قاعدة “المنتج \المسوق” بديلاً عن” المنتج \المستهلك”، ومن هنا تظهر صيغة التحالف المصلحي بين المراكز والأطراف في داخل بنية النظام الرأسمالي نفسه، ومن هنا تضاف حلقة أو حلقات جديدة بين المنتج والمستهلك الأخير، وتوظف هذه الحلقات قراءاتها لواقعها الخاص إبتداءً بالعادات والتقاليد وإنتهاءً بالدين في سبيل إنجاح العملية التسويقية برمتها، بمعنى أن السماسرة والوكالات ومراكز التوزيع في الدول العربية على سبيل المثال و التابعة للشركات الرئيسية تستنبط مما تعلمته في تراثها لصالح أرباح الشركات الأم، فنكهات دجاج كنتاكي على سبيل المثال تراعي الإختلاف بين ثقافة المغرب وثقافة الخليج! والدين في المملكة العربية السعودية يمكن تطويعه ليشتمل على أحكام جديدة تراعي الإحتكار الجديد وتراعي منطق رأس المال المالي.

تكمن خطورة هذا الشكل من العلاقات الإقتصادية في إتجاهين: الأول هو ضرب الثقافة الإنتاجية المتطورة في سياق تاريخي ما والتي باتت تشكل جزءاً من وعي المجاميع البشرية في تلبية إحتياجاتها الخاصة، وإستبدالها بمهمات التسويق والإدارة والمتابعة، وهذا ما حصل بالضبط عندما أقصت الشركات العالمية المشاريع الإنتاجية البسيطة من ساحة المنافسة في دول الأطراف ذاتها لعدم قدرة الأخيرة على المنافسة بمنطق السوق المطروح، ولم يقتصر ذلك على الصناعات البسيطة التي بدأت بعض دول الأطراف محاولاتها فيها وإنما طال الأمر كذلك حتى الأنماط الحرفية الخفيفة. أما على الصعيد التقني، فلم تخض دول الأطراف حتى اللحظة تجارب خاصة حقيقية ويعود السبب في ذلك إلى أسبقية منطق توغل المراكز على الثورة التكنولوجية ذاتها وإن كان قد تطور(توغل المراكز) معها بقفزات هائلة وملحوظة، فواصلت صيغ التبعية مشوارها جنباً إلى جنب مع التطور التكنولوجي نفسه.

أما العامل الثاني فتمثل في ضرب الثقافة الإنتاجية الجنينية على المستوى النظري، ويظهر ذلك واضحاً في تدخل الشركات العالمية في صياغة المناهج الأكاديمية الجامعية والمدرسية تحت غطاء متطلبات السوق، فتم إستبدال المناهج النظرية التحتية الأساسية والمتهمة بالتقليدية، تم إستبدالها بمناهج القشور، والتي تتمثل في ميثودولوجيا الإدارة وتصريف الأشياء بدلاً من إنتاجها. ما فعلته المراكز هو عزل العلم الإنتاجي الحقيقي عن الميثودولوجيا الفوقية لغايات التصدير والإستخدام في الأطراف في المؤسسات العاملة والتعليمية على حد سواء وبهذا ضمانة للحفاظ على صيغة التبعية وإبقاء الأطراف متخلفة وعاجزة.

يحمل هذا المشروع خطورة كبيرة، وعامل الوقت فيه حاسم إلى حد الضرورة في الإستعجال لإستفزاز آليات المقاومة، فتجذير ثقافة الإستهلاك على المستويين الإجتماعي والعلمي يعقد فرص النجاة مستقبلاً.

خطوة للوراء قد تكون مطلوبة

لن أطرح هنا العودة إلى مرحلة الإقطاع كي يتم إستيفاؤها ولا إنتظار إنتصار” البرجوازية” في الأطراف كي تفسح المجال أمام الثورة الإشتراكية القادمة، فكوننة المشروع الرأسمالي جعل من هذا المنطق منطقاً معزولاً وغير قابل للتطبيق إطلاقاً، فعولمة الإحتكار قادت حتماً لعولمة مواجهته، والآفاق الإشتراكية محكومة لمنطق العولمة في المواجهة ولمنطق المركز والأطراف لمشروع يستخدم ذات الأدوات بمنطق وغايات إنسانية متناقضة تماماً.

إحدى أهم المقدمات التي لا بد الإنطلاق منها هي أن الرأسمالية الآن متطورة على مستوى المنظومة التقنية والمنظومة المالية “وأتحدث هنا عن المخزون وليس القدرة في التدوير”، فكيف لنا تفكيك الشبكة وإعادة البناء من جديد؟

أولاً: إعادة الإعتبار للأنماط الإنتاجية الصناعية والزراعية والحرفية الطاردة لإنتاج الشركات العابرة للحدود وإن كان ذلك على حساب التصنيفات النخبوية أو الجودة في بعض الحالات.
ثانياً:التمترس خلف المناهج النظرية الأساسية “التقليدية” التي تمثل فرص النجاة المستقبلية من أوهام الميثودولوجيا المستوردة.
ثالثاً: بناء علاقات خاضعة لمنطق التطوير باتجاهين كالإعتماد على البرمجيات مفتوحة المصدر بديلاً عن البرمجيات المغلقة.
إن خطوة للوراء قد تكون مطلوبة لأن خروج الأطراف عن منطق التبعية يحتاج إلى وقت كافٍ للتحول الإنتاجي المطلوب، وفي هذه الخطوة لا بد من إستعدادية عالية لمواجهة ردات الفعل التي قد تمارسها المراكز.

لا أحد ينكر أن العالم العربي ودول الأطراف إجمالاً تعاني من تخلف علمي، بمعنى أنها ما زالت عاجزة أن تصبح دولاً صناعية وتكنولوجية. إن المراكز معنية بالإبقاء على هذه الحالة، كي تبقى هذه الدول جميعها أسواقاً، وإلا “سيتوقف التدفق”، لذلك ليس من الغريب تلمس المشاهدات التالية:

تراجع مكانة التخصصات العلمية المنتجة في العالم العربي لحساب التخصصات الإدارية والتطبيقية.
ظهور مجموعة من التخصصات “القشرية” وإستقطابها للعديد من الطلبة على أنها التخصصات الأكثر فاعلية في سوق العمل ومنها “إدارة نظم المعلومات، نظم معلومات محاسبية، إدارة المشاريع، إدارة الجودة،….إلخ”. فيتم التركيز على إدارة الجودة دون التركيز على الإنتاج أساساً، ويتم التركيز على إدارة نظم المعلومات دون إنتاجها كذلك..
التقسيم اللانهائي للتخصصات الإنسانية والإجتماعية ليتم تداولها على أنها مساحات مختلفة من العلم ولا يوجد رابط فلسفي بينها، ومن الأمثلة على ذلك: “حل نزاعات دولية، تنمية مجتمع، المنافسة والتنظيم، ….إلخ” ولقد تعمدت المنظومة الرأسمالية العالمية فصل هذه الإختصاصات عن العلم الأم، الفلسفة.
إنتشار واسع للدورات التدريبية الإستعراضية والتي تركز على المنحى الإستعراضي بديلاً عن المحتوى، ومن ذلك “مهارات الإتصال، مهارات العرض، مهارات التدريب،….إلخ”.
محارية التخصصات التقنية الأصيلة وإتهامها بالتقليدية مع الإحتفاظ بأهميتها في أوروبا وأمريكا واليابان والصين. ” بدأت في الجامعات حملة لتصفية المناهج التي يتمكن من خلالها الطالب بعد انجازه سنوات الدراسة، أن يبني جهاز حاسوب وتم استبدال هذه المناهج بأخرى تمكنه فقط من إجراء اللازم من عمليات الصيانة السطحية واستخدام التطبيقات المنتجة من الشركات الكبرى . في هذا السياق أسست العديد من الشركات مراكز تدريبية لها داخل الجامعات حتى تستفيد من خريجي هذه الجامعات كقوى عاملة، تطبيقية سطحية بعيدة كل البعد عن العمل المنتج”
التدخل المباشر لمؤسسات التمويل “USAID مثالاً” في صياغة المناهج الدراسية في الجامعات والمدارس، ويتم صياغة هذه المناهج بما يتناسب مع متطلبات العمل، العمل في الطرف التابع!!
وبناء على رغبة مؤسسات التمويل ومن خلفها في مخرجات تعليم تتناسق ومتطلبات العمل الذي يريدون، أصبح تعليم دول الأطراف يعتمد على التلقين والحشو الآلي، فهذا ما تحتاجه الرأسمالية العالمية لتحقيق المزيد من الأرباح، تحتاج جيشاً من رواد العمل المكرر ضمن آليات دقيقة لتقسيم العمل، تحتاج جيشاً من البشر يمضون حياتهم في دور واحد ووظيفة واحدة لا غير. وتجعل لأي محاولة في الوصول إلى الشخصية الجامعة ثمناً باهظاً عنوانه التخلي عن ال “Career Path”.
قاموس واحد للعلم والثقافة والسياسة والفلسفة ويغيب القاموس النقيض عن وعي الناس، بمعنى أن الرأسمالية تحاول الحفاظ على وجه واحد للعلم بشتى فروعه، وهذا الوجه هو وجهة نظر الرأسمالية في ذاك الشق من العلم.

“علم” الإقتصاد الذي يدرس في الجامعات حالياً بفروعه الإدارة، المحاسبة، العلوم المالية والمصرفية إنما هي فروع أساسية في النظام الاقتصادي الرأسمالي نفسه. الأمر الذي يحجب باقي النظم الاقتصادية وعلى رأسها الاشتراكية عن وعي الطلاب . إن معرفة سياسات العرض والطلب، أسعار العملات، البورصة، التضخم هي مسألة مهمة لفهم آلية حركة النظام الرأسمالي من الداخل ولكن يبقى العنصر الأهم هو القدرة على التنظير لبنية اقتصادية اجتماعية بديلة أكثر عدالة والتي تتمثل في الاشتراكية.

الغزو العسكري

هناك العديد من الأحداث التاريخية التي ألزمت الرأسمالية العالمية على التصرف بذات النهج الخاص بحقبة الإستعمار الإستيطاني والمباشر، الخيار العسكري اليوم خيار ليس بعيداً أبداً وما زال على قائمة الخيارات وإن كانت المؤجلة. في حال سقوط خطوط الهجوم الأولى “بنود خطة مارشال”، ستنطلق الطائرات والدبابات لتقصف معارضيها معبرة عن رغبتها في حماية “الديمقراطية” وإسقاط “الديكتاتورية” وإنقاذ الشعوب في تلك البلاد أو حمايتها من الإرهاب .

خاضت الإمبريالية العالمية العديد من الحروب من أجل بسط نفوذها، وتحكمها النهائي بموارد الثروة في بقاع الأرض كلها، قد يتم تسليط الضوء أكثر ما يمكن على الحروب التي شنتها الولايات المتخدة الأمريكية، لا لشيء سوى أنها تمثل فعلاً القائد لهذا المشروع عالمياَ، ولا ننسى أن الدول الأخرى بقيت محافظة على علاقتها بمركز الإمبريالية لتحفظ موقعها هي كذلك، ومن ذلك الإتحاد الأوروبي إجمالاً، والمملكة المتحدة على وجه الخصوص.

شنت البحرية الأمريكية حرباً على الدومينيكان عام 1916م، وإستمر إحتلالها لها ثمان سنوات. وفي عام 1946م إستولت الولايات المتحدة على غاز التابون الفتاك في منطقة جيورجيان في النمسا ونقلته إلى أراضيها، وفي عام 1952م دعمت الولايات المتحدة الأمريكية وصول باتيستا إلى السلطة، وحاولت حمايته ضد الثورة بقيادة كاسترو وجيفارا، وغزت كوبا لاحقاً في خليج الخنازير عام 1961م، وخططت الإنقلاب ضد حكومة مصدق في إيران عام 1953م المتجهة نحو نمط إقتصادي لا يروق لأمريكا وشركائها، وتدخلت في لبنان عسكرياً عام 1958م لدعم طرف دون آخر، وفي عام 1968م حضرت لإنقلاب عسكري في أندونيسيا بما يتناسب مع مصالح الإمبريالية العالمية، وفي عام 1969م تم إطلاق مشروع فينيكس (التصفية الجسدية) في فيتنام والذي كبد فيتنام الآلاف من القتلى، وفي عام 1973م دعمت الولايات المتحدة الأمريكية إنقلاباً ضد حكومة السلفادور الليندي في تشيلي حتى تتمكن من الإتيان بحكومة عميلة تدعم مصالحها، وفي عام 1989م غزت الولايات المتحدة الأمريكية بنما وأحرقتها لحماية مصالحها في القناة.

من الدومينيكان إلى كوبا إلى العراق وأفغانستان، تؤكد الولايات الأمريكية المتحدة كقائد للإمبريالية في العالم خيار الحرب والقتل والتدمير، وهذا الخيار ما زال قائماً حتى اللحظة على أجندتها.

الغزو العسكري دمر البنى التحتية للعديد من الدول الصاعدة أو تلك التي رفضت الإنصياع للنموذج الأمريكي، أو تلك التي تمتلك مزايا إستراتيجية على مستوى الموارد أو على المستوى الجيوسياسي.

خطوط الهجوم للمنظومة الإمبريالية واسعة ومتعددة، لا بد من التصدي لها بخطوط دفاع متعددة كذلك، من أين نبدأ إذن، البدء يكون في النظام السياسي القادم المستعد للمقاطعة والبناء الداخلي على كل المستويات التي تحدثنا عنها. من ذاك النظام السياسي؟ وكيف يأتي؟ تلك هي المهمة الراهنة..
مصالح الشعوب والأمم
مصالح الشعوب والأمم
موقوووووووف

عدد المساهمات : 127
تاريخ التسجيل : 26/10/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى