ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لماذا يسقط حكم العسكر .

اذهب الى الأسفل

لماذا يسقط حكم العسكر . Empty لماذا يسقط حكم العسكر .

مُساهمة  ?????? الإثنين أكتوبر 14, 2013 6:36 am

يقول العلامة عبد الرحمن الكواكبي (توفي سنة 1902م) في كتابه القيّم "طبائع الإستبداد": "جهالة الأمة والجنود المنظمة [و] هما أكبر مصائب الأمم وأهم معائب الإنسانية، وقد تخلصت الأمم المتمدّنة – نوعاً – من الجهالة، ولكن بُليت بشدّة الجندية الجبرية العمومية، تلك الشدة التي جعلتها أشقى حياةً من الأمم الجاهلية، وألصق عاراً بالإنسانية من أقبح أشكال الإستبداد، حتى ربما يصح أن يقال: إنَّ مخترع هذه الجندية إذا كان هو الشيطان فقد انتقم من آدم وأولاده أعظم ما يمكنه أن ينتقم! نعم: إذا ما دامت هذه الجندية التي مضى عليها نحو قرنين إلى قرن آخر أيضاً تنهك تجلّد الأمم، وتجعلها تسقط دفعة واحدة، ومن يدري كيف يتعجّب رجال الاستقبال من ترقّي العلوم في هذا العصر ترقّياً مقروناً باشتداد هذه المصيبة التي لا تترك محلاً لاستغراب إطاعة المصريين للفراعنة في بناء الأهرامات سخرة، لأن تلك لا تتجاوز التعب وضياع الأوقات، وأما الجندية فتفسد أخلاق الأمة، حيث تُعلمها الشراسة والطاعة العمياء والاتّكال، وتُميت النشاط وفكرة الإستقلال، وتُكلّف الأمة الانفاق الذي لا يُطاق، وكل ذلك منصرف لتأييد الاستبداد المشؤوم، استبداد الحكومات القائدة لتلك القوة من جهة، واستبداد الأمم بعضها على بعض من جهة أخرى". هذه النظرة الثاقبة للكواكبي تعضدها الأدلة الواقعية والتاريخية، فالجندية - أو العسكرية - الحديثة دخلت حيز التنفيذ قبل ثلاثمائة سنة، ولو نظرنا إلى الدولة الإسلامية العثمانية لوجدنا أن الفتوحات الكبرى توقفت بعد أن دخلت الجندية حيز التنفيذ، وبعد أن تغيرت العقيدة العسكرية للجيش العثماني – الانكشاري - من الجهاد إلى النظرية العسكرية الحديثة التي أتت بها فرنسا للدولة العثمانية، عندها بدأت المشاكل الداخلية الكبرى في دولة الخلافة: حيث الولاء لم يعد للدين أو للخليفة، وإنما ولاء الجنود لقادتهم العسكريين مباشرة، فاستغل القادة العسكريون هذه العقيدة لينقضوا على الخلافة فيما بعد على يد ابن اليهودية الماسوني مصطفى كمال...لننظر إلى هذه الصورة الواقعية من السيرة النبويّة ونقارنها بالعقيدة العسكرية الحديثة: "بعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سريةً فاستعملَ عليها رجلاً من الأنصارِ، وأمرَهم أن يطيعوه، فغضبَ [الأمير الأنصاري]، فقال: أليس أمرَكم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجْمعوا لي حطبًا، فجمعوا، فقال: أوْقِدوا نارًا، فأوقدوها، فقال: ادخُلوها، فهمُّوا وجعلَ بعضُهم يُمسِكُ بعضًا، ويقولون: فررنا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم من النارِ، فما زالوا حتى خمدتِ النارُ ، فسكن غضبُه ، فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يومِ القيامةِ ، الطاعةُ في المعروفِ." (صحيح البخاري). تخيّل معي هذه الواقعة العجيبة: صحابي جليل من أمراء النبي صلى الله عليه وسلم، جاء الأمر الصارم من النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة أوامر هذا الأمير، ومع ذلك لمّا أمر الأمير أتباعه بمعصية لم يُطيعوه، وتعقيب النبي صلى الله عليه وسلم يؤصّل لقضيّة غاية في الخطورة: " الطاعة في المعروف". إذا كان أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُطاع إلا في المعروف، فكيف بأي أمير آخر! فكيف بمن سلب الإمارة وحكم الناس بغير رضاهم! فكيف بطاغية! فكيف بمن يأمر بقتل المسلمين وقد قال الله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سورة النساء: 93]، انظر إلى هذا الوعيد، أليست جهنّم كافية للقاتل! لم يأت النص بجهنّم فقط، بل معها الخلود فيها وغضب الله ولعْنته ووعيده بعذاب عظيم! كيف يقرأ مسلمٌ مثل هذه الآية ثم يُقدم على قتل مسلمٍ بأمر يهودي كافر!! إنها العقيدة العسكرية الحديثة الخبيثة التي تزجّ بأصحابها في النار طوعاً، والتي جعلت الجندي رهن إشارة مخلوق يأمره بمعصية الخالق! لم تتوقف الفتوحات الإسلامية إلا بعد أن تحوّلت العقيدة القتالية للمسلمين من الجهاد في سبيل الله إلى هذه الجندية الغربية العلمانية البعيدة عن الحس الإسلامي. كان سلاح وفرَس الرجل العامي البسيط في بيته، هذا الرجل البسيط يختار أي جهة فيها جيش إسلامي ينضم إليه لفتح البلدان ليلقى العلماء في الثغور يعلّمون الناس العلوم الشرعية ويتقدمون الصفوف لقتال الأعداء. لم تكن هناك رواتب مخصصة لهؤلاء المجاهدين، بل كانت الغنائم هي المردود المادي للجهاد، وأكثر الجيش الإسلامي لا يقاتل إلا للمردود الأخروي المتمثل في الثواب الجزيل على الجهاد في سبيل الله والإستشهاد. إذا قارنا ذلك الواقع العظيم للأمة الإسلامية بواقع جنديتها اليوم، نرى أن الجندي الآن يُدفع له راتب ليبقى تحت تصرف قيادة محددة، وفي بلد معيّن، وتحكمه قيم قومية وطنية لا تمت للدين بصلة، وولاؤه لقيادته العسكرية المباشرة، وطاعته عمياء لدرجة أنه يُلغي عقله ويدوس على عاطفته في سبيل تحقيق مآرب قيادته دون وعي منه وإدراك لمآلات عمله، ومثل هذه العبودية والسخرة لم تشهدها البشرية من قبل: فهي إهانة للكرامة الإنسانية، وسلب للإرادة الحرة، وتفريط بالحياة من أجل أهداف لا يؤمن بها من يبذل حياته ثمناً لها، فأي عقل بقي لأفراد هذه الجيوش، وأي غسيل للدماغ هذا! الجندية الحديثة عبارة عن حيْونة إنسان ومسْخه لكائن لا يعترف بالقيم والفضائل، ولا يشتغل بمعرفة الحق من الباطل، فكل ما يهمه أن ينفّذ الأوامر دون مراجعة أو تفكير، فأي إنسانية بقيت لهذا الكائن المسلوب الإرادة والعقل! كم عانت البشرية في عهدنا من هذه الجندية الخبيثة، وكم قتلت هذه الجندية من الأنفس في سبيل تحقيق مآرب ثلّة استطاعت استغلالها أبشع استغلال. عشرات ملايين الأنفس أُزهقت في الحروب العالمية وحروب الأمم في القرن المنصرم بلا سبب واقعي غير منافع بعض المتسلطين على هؤلاء الجنود الذين يُساقون إلى حتفهم كالأنعام بلا أهداف! الحكومة الأمريكية خاضت حرب العراق وأفغانستان والصومال دون رغبة حقيقية من جنودها الذي سيقوا إلى الموت في سبيل منفعة بعض شركات النفط والسلاح! لو نظرنا إلى حقيقة الأمر لوجدنا أن اليهود كانوا خلف أكثر هذه الحروب الدموية، ولا ندري إن كان اليهود هم من اخترعوا هذه العقيدة العسكرية الحديثة، ولكن الذي نعرفه يقيناً أنهم استغلوا هذه العقيدة أبشع استغلال

الفرق بين العقيدة العسكرية الحديثة والجندية الإسلامية كبير: فالجندية الإسلامية قائمة على الولاء للدين لا للدولة أو الحاكم أو القائد العسكري. الطاعة في الجندية الإسلامية مشروطة بكونها ليست معصية، بينما الجندية الحديثة لا تفرّق بين معصية وغيرها، فالطاعة فيها واجبة بغير شرط. الجندية الإسلامية ليست وظيفة، بل عبادة مفروضة لها شروط ثابتة وواجبات وسنن وآداب، بعكس الجندية الحديثة التي لا ثوابت تحكمها غير أوامر القيادة. الجندية الإسلامية لها أهداف سامية لخّصها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"، بينما الجندية العسكرية ليس لها هدف محدد، وقد تتغير الأهداف بتغيّر القيادات والحكومات، أما الجندية الإسلامية فأهدافها ثابتة. لا يمكن أن تكون القيادة في الجندية الإسلامية لغير المسلمين، بينما الجندية الحديثة تكون القيادة فيها لغير المسلمين في بلاد الإسلام كما هو الحال في لبنان حيث القيادة لنصراني، وفي مصر اليوم حيث القيادة ليهودي! لقد حاول الجيش الأمريكي مستميتاً تحويل عقيدة جنوده إلى النصرانية لإدراكه أهمية العقيدة الدينية للجنود، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً نظراً لابتعاد الشعب الأمريكي عن الدين، والساسة الأمريكان يشعرون بالخطر الكبير جراء تحوّل الكثير من الشباب المسلم إلى العقيدة القتالية الإسلامية في أفغانستان والعراق والشيشان والصومال وغرب أفريقيا والشام وجزيرة العرب وغيرها من البلاد، والتأريخ يخبرنا بأن العقيدة القتالية الدينية أنكأ في الحرب من أي سلاح، وساحات المعارك تشهد بأن العقيدة الإسلامية القتالية هي الأقوى على الإطلاق، والغرب يرتعد فَرقاً عندما تطأ أقدام المجاهدين أي بقعة يستطيعون فيها كسب الناس لهذه العقيدة التي لا يرهبهم شيء أكثر منها، ولذلك قالوا "إرهاب"، فهي ترهبهم فعلاً. الغرب يعلم أنه متفوّق علينا تقنياً، ولكنه يعلم أيضاً أن العقيدة الجهادية الإسلامية تقف عائقاً أمام هذا التفوّق التقني، ولذلك يسعون بكل قوة لتغيير عقيدة الجيوش الإسلامية وجعلها علمانية، وحين تتساوى العقيدتان، يبقى التفوق التقني الغربي حاضراً بقوّة. لكن تبقى الجماعات الجهادية العصيّة على التغيير. إن قيادة الجندية الحديثة لا تعرف معنى {وشاورهم في الأمر} أو {أمرهم شورى بينهم} أو {فبما رحمة من الله لنت لهم} أو {الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} أو {إن الحكم إلا لله} أو {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، فالقائد العسكري تعوّد أن يُؤمر فيطاع، وأن يُشير فيتسابق الجنود لإنفاذ إشارته، وأن يعبس ليبتسم الجنود في وجهه! لا يعرف معنى المراجعات، ولا مغزى المحادثات، ولا يدرك فائدة المشاورات، ولا يرضى أبداً أن يكون له معارض أو مناقش، مثل هذا لا يصلح لإدارة محل بقالة فضلاً عن بلد. هذه العقلية العسكرية إذا اختلطت بالنفسية اليهودية التي قال الله تعالى عنها {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة} والموقف اليهودي في قوله تعالى {لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} أنتجت ما نراه اليوم في مصر، فالموقف خليط من تسلّط عسكري غبي، وقسوة قلب، وعداء يهودي للإسلام والمسلمين. لا يعني هذا أننا لا نرضى بالحكم العسكري في البلاد الإسلامية، نحن في هذا الوقت بحاجة إلى حكم قوي يواجه التحديات، ولكن لا بد أن يكون هذا الحكم للعسكر الإسلامي ذي العقيدة الجهادية الذي يحمل على عاتقه مواجهة أعداء الأمة، أما إذا كان العسكر على عقيدة الجندية الحديثة فهذا هو الداء العضال الذي ينبغي أن يتعوّذ المسلمون من شرّه. سأحاول في المقالة القادمة الإجابة على سؤال: لماذا يسقط حكم العسكر في مصر؟

4\10\2013م

الكاتب متولي عطية الزهراني

??????
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى