ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty بين منهجين.. الجحود والاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء الخميس أكتوبر 10, 2013 5:21 pm

الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني

قد سأل بعض الإخوة قائلين: هل الجحود هو الاستحلال؟ وهل عبارة الإمام الطّحاوي في متن عقيدته: "ولا يخرج العبد من الإيمان إلاّ بجحود ما أدخله فيه"، هل هي عبارة صحيحة أم لا؟

فنقول وبالله التّوفيق: بعض أهل العلم يسوّي بين الجحود والاستحلال، ويجعلها بمعنىً واحد، وهذا القول مقبول من وجه جعل الاستحلال جحوداً، إذ أنّ المستحلّ (أي اعتقاد الحلّ لما هو محرّم) هو جحود لحكم الله تعالى، وردّ له، أمّا أن يكون الجحود هو عين الاستحلال فلا يستقيم من جهة اللغة والحال، فالجحود هو الرّد لعدم الإقرار وهذا يدخل فيه تحليل الحرام كما فيه تحريم الحلال، كما فيه كذلك ردّ الأخبار وعدم تصديقها، وعلى هذا فالجحود هو أشمل من الاستحلال، والجحود في عبارات السّلف لا يتقيّد بالعمل القلبيّ فقط كما هو أمر الاستحلال، بل هو شامل للعمل مطلقاً، ظاهراً وباطنا، فقد يجحد الرّجل بقلبه، وقد يجحد بعمله، وقد يجحد بلسانه، وقد يجحد باجتماع اثنين منهما أو بهم جميعا، قال ابن حزم في تعريف الكفر: وهو في الدّين صفة من جحد شيئاً ممّا افترض الله تعالى الإيمان به، بعد قيام الحجّة عليه ببلوغ الحقّ إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاً، أو عمل عملاً جاء النّصّ بأنّه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان. ا. هـ. انظر الأحكام (1/45) وأمّا قول الرّاغب الأصفهاني في مفرداته (ص122) في تعريف الجحد لغة: "إنكارك بلسانك ما تستيقنه نفسك"، فهو تعريف قاصر. فالتّكذيب المنافي للتّصديق، والامتناع والإباء المنافي للانقياد كلاهما في لفظ الأوائل يدخلان في مسمّى الجحد.

أمّا الجواب في تحقيق عبارة: "ولا يخرج العبد من الإيمان إلاّ بجحود ما أدخله فيه" فهو:

(أ)
إنّ كثيراً من المسلمين يخلط بين سبب الكفر ونوع الكفر، فسبب الكفر هو العلّة التي يناط بها التّكفير، أمّا نوع الكفر فهو الدّافع لحصول هذا الكفر، فالواجب على المسلم أن يعلّق حكم التّكفير - وهو حكم شرعيّ، مورده الشّرع، ولا مجال للعقل فيه - على سببه لا على نوعه وشرح هذا الكلام كالتّالي:

ذكر أهل العلم أنواع الكفر فقالوا: إنّ الكفر أنواع، فمنه كفر الإباء ومنه كفر الإعراض، ومنه كفر الجحود، ومنه كفر التّكذيب، ومنه كفر الاستهزاء... وهكذا، فهذه وأمثالها ممّا ذكرها أهل السنّة تبيّن سبب حصول الكفر من فاعله، ولا تبيّن لنا الفعل والعمل الذي كفر به فاعله، فقاتل النّبيّ كافر بإجماع أهل الملّة، وهذا سبب الكفر، ولكن لو أردنا أن نعرف ما هو الدّافع للقتل لاختلفت من إنسان لآخر، فهذا قتله لتكذيبه أنّه نبيّ، وهذا قتله حسداً له مع تصديقه له، وهذا قتله لاستكباره عن قول الحقّ الّذي بعث به، فكما نرى أنّ الأنواع تختلف، ولكنّ السّبب متّحد، فهل نكفّر الرّجل بالنّوع أم للسّبب؟ الجواب هو أنّ حكم التّكفير يعلّق على السّبب المكفّر بغضّ النّظر عن بحثنا عن النّوع الدّافع لهذا السّبب.

ومثال آخر: رجل داس المصحف برجله، فهذا سبب الكفر، ولو ذهبنا نبحث عن نوع الكفر لاختلفت في النّاس كما هو حال قتل النّبيّ، فالمسلم مطلوب منه أن يعلّق حكم التّكفير على السبب لا على النّوع، وإن كانت الأسباب المكفّرة مهما تعدّدت وتشعّبت وعجز المرء عن حصرها، فإنّها داخلة جميعها في أنواع الكفر، ولكنّ الحكم بالتّكفير راجع إلى السّبب لا النّوع .

(ب) أنواع الكفر عند أهل السنّة والجماعة متعدّدة كما هو معلوم، وليست قاصرة على نوع واحد، لأنّ الإيمان عندهم هو التّصديق الملازم للإقرار والمتابعة، والكفر هو ضدّ التّصديق وضدّ الإقرار، فضدّ التّصديق هو الكذب والجحود والاستحلال والشّكّ، وضدّ الإقرار والمتابعة يدخل الإعراض والاستهزاء، والإباء والاستكبار وغيرها. ولمّا كانت بعض الفرق البدعيّة وهم المرجئة يقصرون الإيمان على معنى التّصديق فإنّهم يقيّدون الكفر بضده، وهو التّكذيب والجحود القلبيّ والاستحلال والشّكّ، فإنّهم يشترطون في العمل المكفّر (الذي سمّاه الله كفراً) أن يكون مصاحبا لهذه الأنواع المذكورة (وهي الجحود والاستحلال والشّكّ)، ولذلك عندهم لا بدّ من تحقق وجود التّكذيب أو الجحود القلبي أو الاستحلال أو الشّكّ المصاحب للفعل، وشرح ذلك: لو أنّ رجلاً قتل نبيّاً فإنّه عند أهل السنّة كافر بغضّ النّظر عن أمر قلبه، فقتل النّبيّ كفر، سواء قتله لعدم تصديقه أو لعدم متابعته مع تصديقه، وأمّا المرجئة، فإنّ قتل النّبيّ ليس عملاً مكفّراً بذاته، فلا بدّ من النّظر إلى الدّافع، فإن قتله لتكذيبه أو لجحده أو لشكّه بنبوّته فهو كافر، وأمّا إن قتله وهو معتقد بنبوّته، مصدّق لما جاء به، فالأمر عندهم حينئذٍ مختلف، فبعضهم لا يحكم بكفره مطلقاً (وهؤلاء كفّرهم أهل السنّة) وبعضهم يحكم بكفره ظاهراً، مع اعتقاده إيمانه في الباطن والآخرة، وبعضهم سمّاه كفراً لقوله: أنّه لا يتصوّر قاتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ مكذّباً لنبوّته، إذ يمتنع تصديقه بنبوّته وقتله إيّاه، فهؤلاء هم فرق المرجئة، وطبقاتهم في الأعمال المكفّرة (انظر أقوالهم في "شرح العقائد النّسفيّة" لسعد الدّين التفتازاني، وفي "شرح جوهرة التوحيد" لإبراهيم الباجوري)، و أمّا أهل السنّة فيقول إمامهم أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: ومما أُجمع على تكفيره وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، المؤمن الذي آمن بالله تعالى، وبما جاء من عنده، ثمّ قتل نبيّا، أو أعان على قتله، ويقولُ قَتْل الأنبياء محرّم، فهو كافر. ا. هـ. تعظيم قدر الصّلاة للمروزيّ (2/930).

ومن الأمثلة كذلك الموالاة فقد سمّى الله موالاة الكفّار كفراً، قال تعالى: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}، وقد ذكر ابن حزم أنّ الإجماع منعقد على إجراء الآية على ظاهرها، أي أنّ من تولّى الكفّار هو كافر مثلهم.

ومن الأمثلة على ذلك من دعا غير الله تعالى من الأموات والشّياطين فإنّ هذا الفعل كفر وشرك، وأهل السنّة يحكمون على فاعله بالشّرك بغضّ النّظر عن اعتقاده، أي الدّافع لهذا الفعل، وأمّا المرجئة فإنّهم يشترطون الاعتقاد بربوبيّة المدعو من قبل الدّاعي ليحكم بكفره وشركه، ولهذا ردّ عليهم ابن الوزير في كتابه "إيثار الحق على الخلق" (ص419) قائلاً: وعلى هذا لا يكون شيء من الأفعال والأقوال كفراً إلاّ مع الاعتقاد، حتّى قتل الأنبياء، والاعتقاد من السّرائر المحجوبة، فلا يتحقّق كفر كافر قطّ إلاّ بالنّص الخاصّ في شخص شخص. ا. هـ.

(ج) كلامنا المتقدّم هو في الأعمال والأقوال المكفّرة، وهي الّتي سمّاها الله كفراً، أو أجمع العلماء على تكفير صاحبها، أمّا الأعمال غير المكفّرة بذاتها، فإنّها لا بدّ لها من مصاحب يحكم على صاحبها بالكفر والمصاحب هو الذي يسمّى بالاعتقاد، سواء كان جحوداً أو استحلالاً. فالبحث عن الجحود القلبيّ ليحكم على صاحبه بالكفر هو في الأعمال التي لا يكفر صاحبها بها، أي بمجرّد عملها أو قولها.

وعلى هذا فإنّنا نخلص إلى النتيجة التّالية، أنّ قول القائل: لا يخرج العبد من الإيمان إلاّ بجحود ما أدخله فيه هي على معنىً صحيح في وجه، وخطأ على معنيين آخرين:

أولاً: المعنى الصّحيح: أنّ شرط الجحود القلبيّ للتّكفير هو للأعمال والأقوال التي لم يحكم الله تعالى بكفر صاحبها بمجرّد اقترافها، بل هي الأعمال والأقوال النّازلة عن درجة الكفر الأكبر.

ثانياً: أمّا الخطأ فحملها على معنيين اثنين:

(أ) أولاهما:
تفسير الأعمال المكفّرة، وأنّها لا تقع أبداً من صاحبها إلاّ بجحود، فصاحب الفعل المكفّر هو كافر لأنّ عمله يدلّ على الجحود لزوماً، وهذه الفرقة كما تقدّم أنّها من فرق الإرجاء، ولكنّه يسمّى عند العلماء بإرجاء الفقهاء فهم يسمّون ما سمّه الله كفراً، ولكنّهم يقولون عنه كفر لدلالته على الجحود لزوماً، وهؤلاء هم الذين قال عنهم أهل السنّة أنّ الخلاف معهم لفظيّ، ويقصدون أنّهم يلتقون مع أهل السنّة في تسمية الكفر كفراً، ولكنّهم يختلفون معهم في تفسيرهم له.

(ب) ثانيهما: في التّحقّق من وجود شرط الجحود القلبيّ لتسمية الكفر كفراً، فإذا وجد الجحود فهو كفر، وإن لم يوجد فلا يحكم عليه بالكفر، ولا يسمّى صاحبه كافراً، وهؤلاء من غلاة المرجئة، وهم الذين ملئوا الآن الأرض شرقاً وغرباً.

ومن أصرح الأمثلة على ذلك هو موالاة أعداء الله تعالى، فقد سمّى الله موالاة الكفّار كفراً، قال تعالى: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}، وقد ذكر ابن حزم أن الإجماع منعقد على إجراء الآية على ظاهرها كما تقدّم، أي أنّ من تولّى الكفّار هو كافر مثلهم، فهذا فعل كفر - أي الموالاة الظّاهرة بالقتال معهم أو نصرتهم - وهو سبب من أسباب الكفر، سواء فعله المرء باعتقاد أو بغيره، سواء كان الدّافع له هو حبّ المال أو السلطان أو مجرّد النّصرة والتأييد، وأمّا المرجئة فهم كما تقدّم:

فرقة تكفّر من تولّى الكفّار لأنّه يدلّ على جحد الحقّ لزوماً، وهؤلاء مرجئة الفقهاء، وفرقة تشترط العمل القلبي للتكفير. والعمل القلبي عندهم بتفسيرات متعددة، حيث يقولون أن الموالاة المكفّرة هي موالاة الكفّار على عقيدتهم ودينهم فقط، وبعضهم يفسّرها بشرط المحبّة القلبيّة.

وقد تبيّن لنا أنّ أمر الفرقة الأولى يهون أمرها، لأنّها تلتقي مع أهل السنّة بتسمية الكفر كفراً. ولكنّ المصيبة تكون مع الفرقة الثّانية. التي لا تكفّر حتى يتحقّق أمر الموالاة الباطنة. وهي قضيّة غيبيّة تتعلّق بأمر لا يطلع عليه البشر، فحينئذٍ لن يكفّر أحد عندهم بموالاة الكفّار أبداً حتّى يعلن بلسانه ما أضمر في قلبه ولن يكون.

ولكن هاهنا أمر ينبغي التّنبّه له في موضوع الموالاة، وهو أنّ بعض الأعمال تدخل في الموالاة تبعا لا أصالة، فهي تحتاج إلى القرينة المكفرة، وشرح ذلك في مواطن أخرى والله الموفّق.
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty شبهات في مسألة اشتراط الاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء الخميس أكتوبر 10, 2013 5:34 pm



مقتطفات من ردود للشيخ أبو المنذر الشنقيطي

أولاً: الفرق بين الاستحلال، الاستبدل والترك

الاستحلال المكفر :
هو أن يستحل الشخص بعض الأمور المحرمة بالنصوص القطعية أو يستحل ما كانت حرمته معلومة من الدين بالضرورة .

مثال ذالك: استحلال الزنا واستحلال الخمر ولحم الخنزير .

ومعنى الاستحلال هو اعتقاد حليته وجحد حرمته .

الاستبدال والتبديل : شيء واحد وهو تعطيل شرع الله واستبداله بغيره من الشرائع أو القوانين مثال ذالك الياسق الذي كان يحكم به التتار ‘ والقوانين الوضعية التي يحكم بها حكام اليوم .

وأما الترك أو التعطيل
: فهو أن يقوم الحاكم بتعطيل حد من حدود الله دون أن يستبدله بغيره من العقوبة ‘ ولا يكون ترك إقامة الحد تعطيلا إلا إذا كان مرة دون مرة أما حين يعطل بشكل مستمر فذالك بمنزلة التشريع. أبو المنذر الشنقيطي".


ثانياً: شبهات في أقوال بعض أهل العلم

قول شيخ الإسلام ابن تيمية:
" والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله) اهـ. "

كثير من أهل العلم الذين نحسبهم أنهم على الجادة في سردهم للأدلة الدالة على كفر المبدل لشرع الله يستدلون بقول شيخ الإسلام: " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء " والحال أن لهذا القول بقية في كلام بن تيمية.

فهل يُعد هذا النقل عن شيخ الإسلام بترا للنص أم لا ؟

و ما هو الرد على من استدل بهذا القول من مخالفينا في مسألة التشريع على أن شيخ الإسلام رحمه الله يشترط الاستحلال؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين .


الجواب:


أولا:
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه لا يشترط الاستحلال للتكفير بالحكم بما انزل الله , وله في ذالك عبارات كثيرة, ومما وقفت عليه منها :

1- قوله: "الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله، فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر" مجموع الفتاوي : [11/262.]

2- قوله: " ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى" مجموع الفتاوي : 8/106.

3- قوله: "ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر" منهاج السنة النبوية (5/ 84).

ثانيا :

كلام شيخ الإسلام ابن تيمية دال على انه يفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله على وجه الاستبدال والحكم بغير ما أنزل الله في المسألة الواحدة , حيث يعتبر الأول تبديلا مكفرا والثاني مجرد معصية .

ومن كلامه الدال على ذالك:

1- قوله:
"فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة" منهاج السنة النبوية (5/ 84).

2- (فإن الحاكم إذا كان دينا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار . وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص . وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله : فهذا لون آخر . يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين..) مجموع الفتاوى (35/ 388).

إذا علمت ذالك: فإن كلام شيخ الإسلام المذكور في السؤال ورد في سياق الحديث عن التبديل لا في سياق الحديث عن التعطيل كما هو واضح من قوله: "أو بدل الشرع المجمع عليه" .

وما دام شيخ الإسلام لا يشترط الاستحلال للتكفير بتبديل الشرع فمعنى ذالك أن قوله في النص المذكور: "أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله" ليس المراد منه اشتراط الاستحلال وإنما المراد منه بيان أن هذا التبديل الذي وقع منه علامة على وجود الاستحلال.

ففي الغالب لا يقع هذا النوع من التبديل إلا من الشخص المستحل الذي يرى أنه يسعه الخروج على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما من يرى وجوب الحكم بما أنزل الله فلا يمكن أن يقع منه هذا النوع من التبديل, وهذا هو ما أراد شيخ الإسلام التنبيه عليه.

وقد نبهت على هذا الأمر في إجابة سابقة بعنوان :

(ما هو الفرق بين التشريع و الحكم بغير ما انزل الله في قضية معينة مع التزام الشريعة الاسلامية؟).

فقلت فيها :

(واعلم أن السبب في التفريق بين ترك الحكم بما أنزل الله جملة وترك الحكم بما أنزل الله في المسألة الواحدة راجع إلى اعتبار الحد الذي يخرج الحاكم عن كونه حاكما بما أنزل الله ..ولا علاقة لهذا الأمر بالاعتقاد القلبي .

لكن لما كان الغالب أن الحاكم المبدل لشرع الله إنما يفعل ذلك عند عدم انقياده المطلق لشرع الله وعدم اعتقاد الخضوع له ..

و كان الغالب على الحاكم الذي يخالف حكم الله في المسألة الواحدة إنه يفعل ذلك وهو معتقد وجوب الخضوع لشرع الله ومستشعر ذنبه, فإن الكثير من العلماء اعتبر في التفريق بين الحالتين وجود "اعتقاد وجوب الحكم بما أنزل الله" اعتبارا للغالب..

وهذا مثل قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيما سبق: "فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة".
وكقول الشيخ محمد بن إبراهيم: (وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق).

فورد في كلامهم ما يفهم منه أنهم يشترطون في تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أن يكون جاحدا لوجوب الحكم بما أنزل الله, وليس هذا هو مقصودهم ..بل مقصودهم هو ما ذكرنا ..فتنبه.

ومن ذلك أيضا قول العلامة ابن القيم :

(والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه بأنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطئ له حكم المخطئين) مدارج السالكين (1/337).

قلت: وليس من شرط تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أن يكون مستحلا للحكم بغير ما أنزل ولا جاحدا لوجوبه بل المناط في ذالك هو مجرد الترك ولا عبرة بالاعتقاد.

لكن من أهل العلم من قال بأن الترك يتحقق بترك الحكم ولو في مسألة واحدة، ومنهم من قال بأن ترك الحكم في مسألة واحدة على سبيل الجور لا تنسحب عليه أحكام العدول عن شرع الله والتحاكم إلى غيره.

أما القول باشتراط الجحد والاستحلال لتكفير الحاكم لغير شرع الله , فهو متفرع عن أصول المرجئة لا أصول أهل السنة.

ولا ينبغي تفسير كلام علماء أهل السنة إلا بما يتوافق مع أصول أهل السنة .)اهـ الاستشهاد.

وعليه فإن حذف الجملة التفسيرية التي ذكر شيخ الإسلام لا تعتبر بترا للنص بل هي زيادة بيان وتنبيه على أمر آخر, والمعنى الذي قصد إليه شيخ الإسلام تام دون ذكرها وغير منقوض بوجودها .انتهى الرد على السؤال الأول.

السؤال الثاني: عند الاستدلال بآية سورة النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً} مع الاستشهاد ببعض كلام المفسرين في هذه الآية و منهم الشيخ السعدي رحمه الله تعالى "فمن لم يرد ... فليس بمؤمن حقيقة وإنما هو مؤمن بالطاغوت" يسأل مخالفونا عن حكم من اتبع هواه كأن لم يعدل بين أبنائه إذ هو داخل في عموم الآية،

فما هو الحد الذي يفصل بين الردّ المكفر و غير المكفر؟

الجواب :

سبق أن رددت على هذه الشبهة في إجابة بعنوان :

(شبهة أن الوالد في بيته إن خالف الشرع يكون قد حكم بغير ما أنزل الله ؟) رقم السؤال : 3935


فقلت فيها :

(إن هؤلاء المخادعين عندما عجزوا عن إثبات باطلهم بأدلة شرعية واضحة لجئوا إلى قلب المفاهيم واللعب بالمصطلحات وهم بهذه الشبهة الباطلة يحاولون توسيع مفهوم( الحكم) حتى يشمل كل (الأعمال) فلا يكون هناك فرق بين الحكم والعمل!

وحينها يكون كل من عمل بمعصية فهو كافر لأنه حكم بغير ما أنزل الله وهذا هو نفسه مذهب الخوارج !

وقد كان الخوارج لجهلهم أو لضلالهم لا يميزون بين مفهوم الحكم ومفهوم العمل فيكفرون كل صاحب معصية استدلالا بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}!

ولما كان هؤلاء القوم متفقين مع الخوارج في عدم التمييز بين مفهوم (الحكم) ومفهوم (العمل) فقد استنتج كل منهم استنتاجا خاطئا ..

فاستنتج الخوارج كفر كل صاحب معصية لأنه حكم بغير ما أنزل الله !

واستنتج هؤلاء عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله لأنه عاص وأهل السنة لا يكفرون بالمعصية !

ولتفنيد شبهة أتباع الخوارج المعاصرين نقول:


هناك فرق بين الحكم بغير ما أنزل الله وسائر المعاصي التي لم يرد دليل بأنها مكفرة ..

فالأول كفر مخرج من الملة لثبوت الأدلة في ذالك..

والثاني لا يعتبر كفرا لعدم قيام الأدلة على أنه مكفر .

وللتمييز بين الحكم والعمل فلا بد من تحديد مفهوم الحكم:

إن الحكم:
يعني الحكم بين الناس في القضاء والفصل بينهم في مسائل النزاع وسياسة أمور الرعية من طرف الحكام .

فمفهوم الحكم محصور في ما يصدر من القاضي والحاكم على وجه الإلزام لعموم الرعية .

والحكم في النصوص الشرعية لا يرد إلا على هذا المعنى وقد ورد ذلك في أكثر من مئة موضع في كتاب الله .

والخطاب بوجوب الحكم بما أنزل الله موجه إلى القاضي والإمام الحاكم، وبقية الناس غير داخلين فيه .)اهـ .

والله أعلم
والحمد لله رب العالمين .

انتهي كلام الشيخ أبو المنذر الشنقيطي –أكرمه الله في الدارين-

وللفائدة نورد هذا الرد للشيخ علي بن خضير الخضير –فك الله أسره-، على سؤال:

هل شرك الطاعة يكون بمجرد العمل أم بالاستحلال؟


الجواب:

أما شرك الطاعة؛ فيكون بمجرد العمل، وهو الطاعة، دون النظر إلى الاعتقاد أو الاستحلال، قال تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}، وقال تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر}، وقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}.

وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ بالطاعة في التحليل والتحريم.
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء السبت أكتوبر 12, 2013 1:31 am

بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه وسلم وبعد :
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.


قال عز وجل :

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. ( المائدة 50)

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل}. ( النساء 58) .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59)

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً} (النساء : 60)

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} (النساء : 61 )

{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْط}. ( المائد42) .

{إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}. ( الأنعام 57) .

{أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}. ( الأنعام 63) .

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَاب} . ( الأنعام 114) .

{إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. ( يوسف40 ) .

{إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ} . ( يوسف67) .

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ}. ( الرعد37) .

{وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَاب}. ( الرعد41) .

{وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}. ( الكهف 26) .

{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون}. ( القصص 70) .

وقال : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}. ( المائدة44) .

وقال : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُون}.َ( المائدة 45) .

وقال : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}. ( المائدة47) .
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء السبت أكتوبر 12, 2013 1:55 am

ما هو حكم من حكم غير شرع الله؟

يدعي مرجئة العصر أن تحكيم غير شرع الله ليس كفرا اكبر مخرج من الملة بل هو كفر دون كفر أي معصية لا تخرج صاحبها من الملة وقد زل بعض المتأخرة في هذا الخطأ المخالف لاجماع المسلمين.

لكن ماذا يقول أئمة المسلمين؟ :


قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فدل ذلك على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنّة ولا يرجع إليهما فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر).(تفسير ابن كثير : 1/519 ) .

قال ابن كثير رحمه الله في كلامه عن الياسق (قوانين التتار التي اختلط فيها ما يوافق الشرع وما يخالفه):


( فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين …) [ البداية والنهاية 13 / 119]

ويؤكد هذا الإجماع إجماع آخر نقله ابن عبد البر رحمه الله أيضا عن إمام السنة إسحاق بن راهويه رحمه الله قال فيه:

( وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبيا من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ) ا.هـ [ التمهيد لابن عبد البر ج: 4 ص: 226 ]

يقول الامام الجصاص رحمه الله في قوله تعالى:
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما} (النساء:65)

( في هذه الآية دلالة على أن من يرد شيئاً من أوامر الله أو أوامر رسوله ? أنه خارج عن دائرة الإسلام سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة " ترك القبول والامتناع عن التسليم" )أ.هـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين ، وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا … وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة …)

قال الشيخ محمد بن إبراهيم في رسالة تحكيم القوانين : ( وتأمل ما في الآية كيف ذكر النكرة وهي قوله (شيء) في سياق الشرط وهو قوله جلَّ شأنه {فإن تنازعتم} المفيد للعموم ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطاً في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر بقوله: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}). (رسالة تحكيم القوانين ص: 6-7) .

قال ابن القيم في أعلام الموقِّعين (1/85): ( ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه , والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع , فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة له ) .

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله النجدي في تيسير العزيز الحميد(ص554) : ( فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول في موارد النزاع فقد كذب في شهادته ) .

ويقول الإمام ابن كثير في تفسيره (1/521): ( يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد إليه ظاهراً و باطناً ) .

وقال الإمام ابن القيم : ( أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يُحكِّموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلِّموا تسليماً وينقادوا انقياداً ).( إعلام الموقعين 1/86 )

قال الشيخ محمد بن إبراهيم : ( فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلَّت على أن قسمة الحكم ثنائية وأنه ليس بعد حكم الله تعالى إلا حكم الجاهلية الموضح أن القانونيين في زمرة أهل الجاهلية شاءوا أم أبوا بل هم أسوأ منهم حالاً وأكذب منهم مقالاً , ذلك أن أهل الجاهلية لا تناقض لديهم حول هذا الصدد وأما القانونيين فمتناقضون حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول ( ويناقضون ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا وقد قال تعالى في أمثال هؤلاء { أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } ) . ( رسالة تحكيم القوانين ص: 11-12 ) .

ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية من تفسيره (2/68): (فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في كثير ولا قليل).

فتح المجيد (ص79 ): ( فظهر بهذا أن الآية دلت على أن من أطاع غير الله ورسوله وأعرض عن الأخذ بالكتاب والسنة في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله الله وأطاعه في معصية الله واتبعه في ما لم يأذن به الله فقد اتخذه رباً ومعبوداً وجعله لله شريكاً ) .

الشيخ الشنقيطي في أضواء ال بيان (4/91) عند حديثه عن قوله تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}: "ويفهم من هذه الآيات كقوله {ولا يشرك في حكمه أحداً} أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرع الله أنهم مشركون بالله ) .

ابن كثير في البداية والنهاية (13/128) بعد أن نقل عن الجويني نتفاً من الياسق أو الياسا التي كان يتحاكم إليها التتار : ( فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر , فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ) .

شيخ الإسلام ابن تيمية: ( ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض كما قال تعالى {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً} . ( مجموع الفتاوى 28/524 ).

وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (3/267): ( والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال -المجم ع عليه - أو بد ل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء ) .

قال عبد القادر عودة رحمه الله: ( ولا خلاف بينهم ( أي الأئمة المجتهدين ) قولاً واعتقاداً في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , وأن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود وتعطيل أحكام الإسلام وشرع ما لم يأذن به الله إنما هو كفر وردة وأن الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتد واجب على المسلمين) . ( الإسلام وأوضاعنا القانونية ص:60 ) .

الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال في رسالة تحكيم القوانين: ( إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً }) . (رسالة تحكيم القوانين ص: 5).

وقال الشيخ محمد ابن ابراهيم رحمه الله:
(وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ) أ. هـ فتاوى محمد بن إبراهيم 12/280

العلامة المحدث أحمد شاكر رحمه الله تعليقاً على ما سبق نقله من كلام ابن كثير حول الياسق الذي كان يتحاكم إليه التتار: (أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان ؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر ؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمان سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت , ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً منهم لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ حسيب نفسه ). (عمدة التفسير 4/ 173-174 ).

يقول إمام أهل السنة محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: (إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب طاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام, كيف لا وهم يحلون ما حرم الله, ويحرمون ما أحل الله, ويسعون في الأرض فسادا بقولهم وفعلهم وتأييدهم, ومن جادل عنهم, أو أنكر على من كفرهم, أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلا لا ين قلهم إلى الكفر , فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق, لأنه لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم ) . ( الرسائل الشخصية,188 ).
فإذا كان مجرد عدم التكفير جريمة كبرى عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب, فكيف بمن يصفهم بأحسن أوصاف الإسلام يزكي دولتهم ونظامهم, ويحمل على من أنكر عليهم ؟!! .

الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى
قال: «...فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلي الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه وإن زعم أنه مؤمن، فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك، وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله {يزعمون} من نفي إيمانهم، فإنّ {يزعمون} إنما يقال غالباً لمن ادّعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لِمُوجبها وعمله بما يُنافيها، يحقّق هذا قوله تعالى {وقد أمروا أن يكفروا به} لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد، كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً، والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسُد بعدَمِه، كما أنّ ذلك بيِّنٌ في قوله تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256] وذلك أن التَّحاكم إلى الطاغوت إيمانٌ به».

الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى
قال وهو يفسر قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله} أن في: «الجملة تزييلٌ مقررٌ لمضمونِ ما قبلها أبلغ تقرير، وتحذيرٌ عن الإخلال به أشدّ تحذير، حيث علّقَ فيه الحكم بالكفر بمجرد ترك الحكم بما أنزل الله فكيف وقد انضم إليه الحكم بخلافه، لا سيما مع مباشرة ما نهوا عنه...».

الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد
بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى

سُئل الشيخ عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد هل يُطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف؟ فأجاب: «مَن تحاكَم إلى غير كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم بعد التعريف فهو كافر، قال الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُلئك هُمُ الكافرون}».

الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب
رحمه الله تعالى

قال: «وقد جنح الخوارج إلى العموم لظاهر الآية وقالوا أنّها نصّ في أنّ كلّ من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وكلّ من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله فوجب أن يكون كافراً. وقد انعقد إجماع أهل السنة والجماعة على خلافهم. ونحن لم نكفّر إلاّ من لم يحكم بما أنزل الله من التوحيد بل حكم بضدّه وفعل الشرك ووالى أهله وظاهرهم على الموحّدين».
وقال: «سبب النزول وإن كان خاصّاً فعموم اللفظ إذا لم يكن منسوخاً معتبر، ولأنّ قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} كلام داخل فيه كلمة {من} في معرض الشرط فتكون للعموم».

الشيخ حَمَد بن علي بن عتيق النجدي رحمه الله تعالى
قال عندما ذكر قول ابن كثير في حكم من تحاكم إلى غير شرع الله تعالى وذكر فتواه في تكفيره للتتار: «قلت: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم، وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يُسمونها شرع الرفاقة يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم».

الشيخ عبد الله بن حَميد رحمه الله تعالى
قال: «ومَن أصدر تشريعاً عاماً مُلزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يَخرج من الملة [ويكون] كافراً» فمناط التكفير هو التشريع من دون الله تعالى.

الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى قال في تفسير قوله تعالى {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله} أن: «الآية ناطقة بأن من صدّ وأعرض عن حكم الله ورسوله صلي الله عليه وسلم عمداً ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقاً لا يُعتدُّ بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام».
ويقول كذلك في تفسير قوله تعالى {إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات...}: «هذه الآية جارية على الرؤساء الذين يحرّمون على الناس ما لم يحرّمه الله، ويشرّعون لهم ما لم يشرّعه من حيث يكتمون ما شرعه بالتأويل أو الترك، فيدخل فيه اليهود والنصارى ومن حذا حذوهم في شرع ما لم يأذن به الله وإظهار خلافه، سواء كان ذلك في أمر العقائد ككتمان اليهود أوصاف النبيّ صلي الله عليه وسلم، أو الأكل والتقشّف وغير ذلك من الأحكام التي كانوا يكتمونها إذا كان لهم منفعة في ذلك، كما قال تعالى: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً} [الأنعام: 91]. وفي حكمهم كلّ من يبدي بعض العلم ويكتم بعضه لمنفعة لا لإظهار الحقّ وتأييده».

الشيخ العلامة المحدث أحمد شاكر رحمه الله
قال معلقاً على كلام الحافظ ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون}:«أقول: أَفَيَجُوز في شرع الله تعالى أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة؟ بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيّرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه أَوَافق شِرعة الإسلام أم خالفها؟ إن المسلمين لم يُبلوا بهذا قط -فيما نعلم من تاريخهم- إلاّ في ذلك العهد عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شِرعته، وزال أثر ما صنعوا بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم، وبما أن الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلّموه ولم يعلّموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره، أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير -في القرن الثامن- [الهجري] لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر الهجري؟ إلاّ في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمن سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً، وأشد ظلماً وظلاماً منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بذاك "الياسق" الذي اصطنعه رجلٌ كافرٌ ظاهرُ الكفر، هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلّمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباءً وأبناء، ثم يجعلون مردّ أمرهم إلى معتنقي هذا "الياسق العصري" ويُحَقِّرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم "رجعياً" و "جامداً" إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة، بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقي في الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى "ياسقهم" الجديد بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات، ويصرّحون ولا يستحيون بأنهم يعملون على فصل الدولة من الدين! أفيجوز إذن -مع هذا- لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد؟ أَوَيَجوز لرجل مسلم أن يليَ القضاء في ظل هذا "الياسق العصري" وأن يعمل به ويُعرِض عن شريعته البيّنة؟ ما أظنّ أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويُؤمن به جملة وتفصيلا ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله تعالى على رسوله صلي الله عليه وسلم كتاباً مُحكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول صلي الله عليه وسلم الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلاّ أن يجزم غير متردد ولا متأول، بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة، إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كُفرٌ بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عُذر لأحد ممن ينتسب للإسلام -كائناً من كان- في العمل بها، أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤٌ لنفسه، وكل امرئٍ حسيبُ نفسه».

الشيخ العلامة محمود شاكر رحمه الله تعالى قال: «اللهم إني ابرأ إليك من الضلالة وبعد: فإن أهل الريب والفتن ممن تصدّروا الكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله تعالى وفي القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير شريعة الله تعالى التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام... فهذا الفعل إعراض عن حكم الله تعالى ورغبة عن دينه، وإيثارٌ لأحكام أهل الكفر على حكمه سبحانه وتعالى، فهذا كفرٌ لا يشكُّ فيه أحد من أهل القبلة -على اختلافهم- في تكفير القائل به والداعي إليه، والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله تعالى عامّة بلا استثناء، وإيثارُ أحكامٍ غيرُ حكمه في كتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم وتعطيلٌ لكل ما في شريعة الله تعالى، بل بلغ مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله تعالى المنزلة... فمن احتجّ بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصرّ على كفره معروف لأهل هذا الدين».

فتوى الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك} أن: (الرد إلى الكتاب والسنة شرط في الإيمان، فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائلَ النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت ... فإن الإيمان يقتضي الإنقياد لشرع الله وتحكيمه، في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن، واختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك)

شيخ جامع الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى
قال أن: «فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين ولا يقدم عليه المسلمون إلاّ بعد أن يكونوا غير مسلمين».

الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي
قال: «...فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلاّ بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدة وعبادة وأحكاماً وأخلاقا وسلوكاً ونظاماً، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله، هو حكم بأحكام طاغوتية... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة، فمن فرّق بينها في الحكم فهو ملحدٌ زنديقٌ كافرٌ بالله العظيم».

الإمام العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى
قال مقسّماً الحكم بغير ما أنزل الله تعالى إلى ستة أقسام كلها مكّفرة: «أحدها: أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله تعالى أحقيَّةَ حُكمِ الله تعالى وحكم رسوله صلي الله عليه وسلم... الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى كونَ حكم الله ورسوله صلي الله عليه وسلم حقاً، لكن اعتقد أن حكمَ غير الرسول صلي الله عليه وسلم أحسنُ من حكمه وأتم وأشمل... الثالث: أن لا يعتقد كونَه أحسنَ لكن اعتقد أنه مثله... الرابع: أنْ لا يعتقد كون حُكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أنْ يعتقدَ كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحُكم بما يخالف حُكم الله ورسوله ... الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله تعالى ولرسوله صلي الله عليه وسلم ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً... فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحةُ الأبواب، والناسُ إليها أسرابٌ إثر أسراب، يحكم حكّامها بينهم بما يخالف حُكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرّهم عليه، وتُحتِّمُهُ عليهم، فأيُّ كُفرٍ فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً صلي الله عليه وسلم رسولُ الله بعد هذه المناقضة.... فيجب على العقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط، والأخطاء، فضلاً عن كونه كفراً بنص قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. السادس: ما يحكم به كثيرٌ من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها "سلومهم" يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به ويحضون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاءً على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبةً عن حكم الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم فلا حول ولا قوة إلاّ بالله تعالى».

الشيخ العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى
إن قال وهو يعرّف معنى الطاغوت أن: «الذي يُستخلص من كلام السلف: الطاغوت هو: كل ما صرف العبد وصدّه عن عبادة الله تعالى وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم... ويدخل في ذلك بلا شك: الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله تعالى، من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذّيها، والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت...» وقال أيضاً وهو يعلق على قول ابن كثير رحمه الله تعالى في التتار: «ومثل هذا وشرٌّ منه مَنِ اتّخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال، ويقدّمها على ما عَلِم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه أي اسم تسمّى به، ولا أيّ عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام ونحوها».

الشيخ العلامة عبد القادر بن عبد العزيز حفظه الله تعالى
قال بعد أن سرد أقوال العلماء في تكفير من لم يحكم بما أنزل الله تعالى: «...والذي يخرج به أن كفر الحكام الحاكمين بالقوانين الوضعية هو محل اتفاق بين أهل العلم، وقد تعاضدت النصوص مع الإجماع على بيان كفرهم ولا يخالف في هذا إلاّ أحد رجلين: جاهلٌ، أو صاحب هوى، وإن كان من المنتسبين إلى العلم الشرعي».
وقال أيضاً: «والحاصل أنّه ينبغي التنبّه على أنّ الحكم بالقوانين الوضعيّة -كما هو الحال اليوم- ينطوي على ثلاث مناطات مكفّرة وهي:
1-
ترك الحكم بما أنزل الله: لأنّ الحكم بالقوانين الوضعيّة في مسألة ما يلازمه ترك الحكم بما أنزل الله فيها.
2- إختراع شرع مخالف لشرع الله وهي القوانين الوضعيّة نفسها.
3- الحكم بغير ما أنزل الله أي الحكم بهذا الشرع المخالف لشرع الله.
[وهذه المناطات المكفّرة] لم يقع شيء منها في زمن ابن عبّاس (توفّي سنة 68هـ)، ولا فيما بعده بعدّة قرون... غاية ما كان يقع من الحكّام والقضاة هو الجور في الحكم في بعض الأمور بحيلة أو تأويل يصعب معه تأثيمه قضاءً وإن كان يأثم ديانةً...».

الشيخ أبو عبدالرحمن السبيعي
قال: «ونحن نقول، بل هو [أي الحاكم المبدّل للشريعة] من أكفر الكافرين ومَن شكّ في كفره فهو على شفا جرف هار، والأمر كما قال الشنقيطيّ في أضواء البيان 4/84 أنّه "لا يشكّ في كفرهم وشركهم إلاّ من طمس الله على بصيرته وأعماه من نور الوحي مثلهم"».

الشيخ محمد محمود أبو رحيم حفظه الله تعالى

قال في رده على صاحب كتاب "التحذير من فتنة التكفير" وهو علي الحلبي المعروف بولائه لكلّ طاغوت مبدّل للشريعة وعدائه لكلّ من عاداهم: «...أن من اعتقد عدم وجوب الحكم بما أنزل الله مع علمه، كافٍ للدلالة على كفره، ولو لم يستحلّ الحكم بغير ما أنزل الله بل ولو حكم بما أنزل الله، [وأن] من استحل الحكم بغير ما أنزل الله مع علمه كاف للدلالة على كفره ولو اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله ولأن منتهى هذه البدعة، [بدعة مرجئة هذا العصر وهي] "معرفة واعتقاد ثم استحلال= كفر وإلا فلا" [هذا الحكم فيه] إلغاء للتكفير المشروع من سجل المسلمين وإذا لم يكن هذا إرجاءً فماذا يكون؟».

الشيخ محمّد مصطفى المقرئ (أبو إيثار) حفظه الله تعالى
قال: «...فمقتضى شهادة التوحيد: أن يُسلم المسلم بالحاكميّة لله وحده وبمرجعيّة شريعته دون غيرها أيّاً كانت... والذي نحن فيه ها هنا: حاكم تارك لحكم الله داخل في غيره، يبتغي الحكم عند أرباب الجاهلية وقد انعقدت إراداته، وتواطأت سلطته، تصريحاً وتنفيذاً على التحاكم إلى طواغيت الحكم، وليس وراء ترك حكم الله سوى التحاكم إلى الطاغوت، وابتغاء حكم الجاهليّة كما قال تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يُوقِنُونَ} [سورة المائدة: 50]... هذا التارك: نابذٌ للحق فاعل للباطل، خارج من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله داخل في تأليه الطاغوت... فإن هو بدّل ولو في حكم واحد، مع كون الأصل عنده حكم الله فقد كفر وأشرك. وكفره وشركه هو من جهة تشريعه من دون الله، ومنح نفسه خصيصة هي من أخصّ خصائص الإلاهيّة، ولأنّه -بتبديله هذا- دلّل على عدم رضاه بحكم الله، وأنّه لا يسلم بصحّته وأحقّيته. وكذا إن استحلّ ترك حكم الله ولو في واقعة، أو جحد حكم الله ولو في مسألة...» وفي ردّه على مرجئة العصر الذين يردّون كفر الحكّام ببعض الشبه يقول الشيخ: «أولم يكفهم تنحية هؤلاءّ الحكّام لشريعة الله وإحلالهم قوانين الضلال محلّها، وهذه الحرب المعلنة والخفيّة -على الشريعة ودعاتها- التي لا تتوقّف رحاها، أليس ذلك أشنع من الجحد المحض الذي هو مجرّد اعتقاد قلبي لا يتبعه عمل ولا غيره؟؟ وكذلك استحلال الحكم بغير ما أنزل الله: كما أنّه يكون صريحاً، كذلك يكون ضمنيّاً، إذ يعتبرون شرائع أخرى غير الشريعة الإسلامية من المصادر الشرعية التي يستقون منها قوانينهم. فأقلّ ما يقال: إنّهم أباحوا الأخذ عن مصادر أخرى وأحلّوا التشريع والحكم لغير الله والرسول صلي الله عليه وسلم، وقد يكون استحلالهم للحكم بغير ما أنزل الله بغير لفظ الحلّ أو الإباحة ولكن يرون أنّ هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنّة... وإذا تبّين لك هذا، فإنّ الحاكم المستبدل كافر كفراً أكبر مخرجاً له من الملّة غير مأسيّ عليه ولا كرامة، وذلك لوجوه من التكفير على قواعد أهل السنّة ذكرتها في مواضع من كتبي، واقتصرت هنا على خمسة منها فقط وإنّي مذكّرك بها مجموعةً ها هنا:
- الوجه الأوّل:
أنّ التشريع هو من أخصّ خصائص الإلاهيّة، فمن منح نفسه أو غيره هذا الحقّ فقد جعل نفسه أو ذلك الغير ندّاً لله ربّ العالمين.
- الوجه الثاني: تحليل ما حرّم الله وتحريم ما أحلّ، وهذا وجه في التكفير لا ينكره إلا جاهل أو مكابر.
- الوجه الثالث: أنّ المبدّل شاكّ في أفضليّة حكم الله، مستحسن حكم غيره مقدّم لآرائه أو لآراء ذلك الغير بين يدي الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم، مستقبل تشريع المخلوقين، مستدبر تشريع أحسن الخالقين.
- الوجه الرابع: أنّ الشرك في التشريع مناقض للتوحيد كلّه، لأنّه يقتضي جحد ربوبيّة الله، ومنازعته سبحانه في ألوهيّته، ومضاهاة بعض خلقه به في أسمائه وصفاته.
- الوجه الخامس: أنّه لا يسع المخلوق -وإن ملكاً مقرّباً، أو نبيّاً مرسلاً- أن يخالف وحي الله... وبهذا البيان يتمّ المراد، والحمد لله ربّ العالمين.»
إختصرتُ هذه الفتوى من رسالة خاصّة بعنوان: «الحكم بغير ما أنزل الله بين الترك والتبديل»

الشيخ محمد بوالنيت (المغربي) رحمه الله تعالى قال: «إنّ مجرّد تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، أو تسويغ التحاكم إلى غير شرع الله تعالى أو عدم الالتزام بالتحاكم إلى شرع الله تعالى، أو تبديله بغيره كفر، لأنّ التبديل استحلالٌ بنفسه، فاحفظ هذا تنجُ من شبه الإرجاء والمرجئة».

الشيخ سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان حفظه الله تعالى قال: «إنّ كفر الحاكم بغير ما أنزل الله أخفّ من كفر من كفر بالله وملائكته.. ولا يعني هذا أنّ الحاكم مسلم وأنّ كفره كفر أصغر، كلاّ بل هو خارج عن الدين لتنحيته الشرع، وقد نقل ابن كثير الإجماع على هذا، فانظر البداية والنهاية 13/119».

قال الشيخ علي الخضير في خاتمة رسالته الممتعة الوجازة في شرح الأصول الثلاثة : "- من حكم بغير ما أنزل الله وهذا هو الطاغوت الخامس وهو على أقسام :
أ- أن يحكم بغير ما أنزل الله وهذا هو الطاغوت الخامس مع اعتقاد أن هذا الذي حكم به مثل حكم الله أو أحسن من حكم الله أوأنه يجوز أن يحكم به فهذا كفر أكبر والدليل قوله تعالى : {أفحكم الجاهلية يبغون} وقوله:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وهذه مرت بالنواقض العشر.
ب- أن يحكم بغير ما أنزل الله أحياناً في قضايا معينة قليلة ليس عن قانون ولا تعميم ولا لائحة ولا نظام ولا عرف أو تقليد وهو يعرف أن هذا الذي حكم به باطل ولا يجوز ، ولكنه في باب الشهوة والهوى أو الرشوة ، فهذا كفر دون كفر مثاله كأن يكون هنا قاض يحكم بين الناس بالشرع وهو دائماً يحكم على السارق إذا ثبتت عليه السرقة بالقطع وعلى من شرب الخمر بالحد هذا فعله دائماً لكن في بعض الأحيان القليلة إذا جاءه سارق قريب له أو أعطاه شيئاً من المال وقد ثبتت عليه السرقة لم يحكم بقطع يده وإنما حكم عليه بالسجن والتعزير هوى لا عن قانون ولا تعميم ولا لائحة ولا نظام ولا عرف ونحو ذلك ، وهو يعرف في قرارة نفسه أنه مخطئ لكن الهوى والمجاملة دفعه لذلك ، فهذا يعتبر من الكفر الأصغر والدليل يحمل عليه قول ابن عباس أنه كفر دون كفر إن صح ، ويحمل عليه ما صح عن التابعين أنه كفر دون كفر وهو قول أبي مجلز التابعي لما ناقش الخوارج حول آية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
ج- من يعرف أنه مخطئ ولكن كثيراً ما يحكم بغير ما أنزل الله وهو نفس المثال السابق لكن بدل القول ( في قليل من القضايا ) يكون في كثير من قضاياه يحكم بغير ما أنزل الله . فالقاضي الذي يحكم على السارق بالقطع أحياناً وإلاّ فأكثر السراق يحكم عليهم بغير حكم الله فهذا حكمه كفر أكبر وأدلته أدلة القسم الأول . وأشد منه الذي يحكم في كل القضايا بغير ما أنزل الله حتى ولو كان يعرف أنه مخطئ وأن حكم الله سبحانه أحسن ، وهذا التقسيم في حكم من حكم بغير ما أنزل الله .
د- القاضي الذي يحكم بما أنزل الله لكن في بعض القضايا يحكم بالقانون وباللائحة وبالتعميم وبالنظام أو العرف والتقليد والسلوم ولو مرة واحدة وهو يعرف أنه مخطئ فهذا يكفر ولو كان كل عمره يحكم بما أنزل الله لكن في قضية واحدة حكم من أجل قانون أو تعميم ونحو ذلك يخالف شرع الله فهذا يكفر.
والفرق بين هذا وبين القاضي الذي يحكم بما أنزل الله لكن في قليل من القضايا يحكم بها شهوة :- أن الذي يحكم بالقانون أو التعميم يتضمن الرضى بالقوانين الوضعية .
مسألة: وهو المشرع وليس بقاض يسن القوانيين وهو لا يحكم بها فهذا طاغوت ، ولو سموا أنفسهم هيئة استشارية ونحو ذلك فالعبرة بالمعاني والحقائق لا بالألفاظ
مسألة: وشروط تسمية الشيء تشريعا سواءً أكان قانونا أو غيره :
أ ـ
أن يعين من ذي سلطة كالملك والرئيس والأمير والمدير العام ورئس اللجنة .
ب ـ أن يعين إلى أناس من شأنهم أن ينفذون كالشرطة والموظفين والقضاة.
ج ـ أن يكون بألفاظ عامة مثل إذا جاءكم سارق فيؤخذ منه غرامة، أما إذا كان بلفظ خاص كأن يقول إذا جاءكم محمد وقد سرق فاتركوه فهذا من الظلم وليس من التشريع العام.
* وإذا اجتمعت هذه الثلاثة الشروط سُمى تشريعا ولا يشترط أن يكون تحريريا بل ولو كان شفويا أو عرفا جاريا أو عادة متبعة.
مسألة: عرفنا حكم من حكم بغير ما أنزل الله بقي حكم من تحاكم إلى غير ما أنزل الله كالذي يتحاكم إلى المحاكم غير الشرعية ؟ على نفس التقسيم السابق كالتالي :
أ- إن ذهب إلى المحاكم الوضعية وهو يعتقد أنها أفضل أو مثل ما أنزل الله أو أنه يجوز الذهاب إليها فهذا كفر أكبر:{أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} وقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}
ب- يذهب إلى المحاكم الشرعية سواء أغلب ذهابه أو أقل ذهابه (فلا فرق) بمعنى كل من ذهب إلى المحاكم الوضعية باختياره ورغبة منع عالما بأنها وضعية فهو يكفر كفرا مخرجا من الملة ، قال تعالى : {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}.
6- هذا الصنف السادس لم يذكره المصنف في هذا الكتاب لكنه ذكره في رسالته عن الطواغيت ورؤوسهم وهو الحاكم الجائر المغير لأحكام الله ويقصد به من يُشَرع وهذا القسم كافر بإطلاق وليس فيه تفصيل ولو شرع حكماً واحداً يضاد به حكم الله حتى ولو كان يعتقد في قرارة نفسه أن ما شرعه لا يجوز أن يحكم به أو أن حكم الله أفضل فلا عبرة باعتقاده ، فالكفر مناط بفعله وهو التشريع بغض النظر عن ما في قلبه ويدل عليه قوله تعلى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} قال تعالى {فلا تجعلوا لله أنداداً}.
ثم ذكر المصنف الدليل على وجوب الكفر بالطاغوت قوله تعلى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .. } والآية فيها معنى لا إله إلا الله وهو معنى الكفر بالطاغوت ثم ختم الشيخ – رحمه الله تعالى – هذه الرسالة برد العلم إلى الله – عز وجل – والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ..
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء السبت أكتوبر 12, 2013 2:06 am


الجلسات اليومية للشيخ المحدث سليمان بن ناصرالعلوان من 1 - 15
فضيلة الشيخ ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة؟ وما هي نواقضه؟


الجواب: الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح يزيد وينقص وهذا الذي اتفق عليه الصحابة والتابعون وأهل السنة.

والمقصود من قول القلب هو اعتقاده، وعمل القلب هو نيته وإخلاصه.

وقد حكى الإمام الشافعي إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر.

وقال البغوي رحمه الله. اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة وجاء في الحديث بالنقصان في وصف النساء.

وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن تارك جنس العمل مطلقاً كافر والمراد بجنس العمل أعمال الجوارح فلا يجزئ التصديق بالقلب والنطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح.

وقال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة. اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ولا يجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين.

وقال رحمه الله. فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه للعمل تكذيباً لإيمانه وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه .. ).

وقد حكى إسحاق بن راهويه. إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة قال تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال صلى الله عليه وسم "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، رواه مسلم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ومن طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر.

وقال سفيان بن عينية: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنـزلة ركوب المحارم، وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية.

وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر وبيان ذلك في أمر آدم و إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.

وقال إسحاق. غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم أنهم مرجئة.

وذكر الخلال في السنة عن الإمام الحميدي عبد الله بن الزبير أنه قال. أخبرت أن قوماً يقولون. إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر بالفروض واستقبال القبلة . فقلت هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين قال الله عز وجل {حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. قال حنبل قال أبو عبد الله أحمد أو سمعته يقول من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به.

وهذا قول كل أهل السنة والجماعة فهم متفقون على ما جاء في الكتاب والسنة أن تارك أعمال الجوارح مطلقاً كافر بالله خارج عن الإسلام . قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آخر رسالته كشف الشبهات : ولا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً .. ) .

وخالف في ذلك غلاة الجهمية والمرجئة فزعموا أنه لا يكفر تارك جنس العمل مطلقاً وقد تقدم بيان فساده ومخالفته للكتاب والسنة والإجماع .

وزعموا أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح لا يكفر حتى يجحد أو يستحل . و هذا باطل ليس عليه أثارة من علم .

فمناط الكفر هو مجرد القول الذي تكلموا به وقال تعالى {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} وقد دل الكتاب والسنة على فساد هذا القول فقال تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمَ}.

وقد أجمع أهل العلم على أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر دون اشتراط البغض أو الاستحلال.

وأجمع العلماء أن السجود للأصنام أو الطواف على القبور كفر دون ربط ذلك بالاستحلال .

وأجمع العلماء على أن تعمد إلقاء المصحف بالقاذورات كفر دون اشتراط الاستحلال .

وهذا كله ينقض أصول الجهمية والمرجئة ويبطل قولهم في مسألة الإيمان .

وقد جاء في سؤال الأخ طلب بيان نواقض أصل الإيمان وهي كثيرة وقد تقدمت الإشارة إلى شيء منها :-

كترك جنس العمل مطلقاً
وترك الصلاة بالكلية
و الطواف على القبور والسجود للأصنام
و إلقاء المصحف في القاذورات
و دعاء غير الله
و التقرب بالذبح لغير الله
و النذر للأولياء.
و سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم
و الاستهزاء بالدين .
و تبديل شرع الله ووضع القوانين الوضعية وإقامتها مقام حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
فمناط الكفر في هذه الآية هو ترك حكم الله والإعراض عنه وسبب نزول الآية يقضي بكفر من ترك حكم الله واعتاض عنه بغيره من أحكام البشر .

والكفر إذا عرف باللام فيراد به الكفر الأكبر. وما روي عن ابن عباس من كونه كفراً دون كفر فلا يثبت عنه وقد بينت نكارته في غير موضع وأبنت أن المحفوظ عنه إطلاق الكفر على من حكم بغير مـا أنزل الله ، وقد سئل ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت فقيل لـه أفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا هـذه الآية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وهذا أثر صحيح رواه ابن جرير في تفسيره ورواه أبو يعلى في مسنده و البيهقي و وكيع في أخبار القضاة .

فمن حكم بهذه القوانين الوضعية والتشريعات الجاهلية أو قننها أو شارك في تشريعها أو فرضها على العباد وألزم بالتحاكم إليها وأعرض عن شرع الله والتحاكم إليه أو استخف بمن ينادي بتحكيم الكتاب والسنة فإنه كافر بالله العظيم وأي كفر أكبر من الإعراض عن شرع الله والصد عنه ومحاكمة من دعا إليه ولمزه بالرجعية والتخلف عن الحضارة والمناداة عليه بالجهل وسوء الفهم.

ومن عظيم نفاق هؤلاء المشرّعين أنهم إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن ذلك وصدّوا واستكبروا استكباراً وقد صرح أحدهم بأن حكم الله غير مناسب لمثل عصرنا فنحن في عصر التطور والحضارة ومجاراة الدول الأوروبية بينما تحكيمُ الشريعة يعود بنا إلى الوراء والتخلف ، وهذا لسان حال الجميع من محكمي القوانين وإن لم يتكلم به أكثرهم والأفعال شاهدة على القلوب والأقوال ولا أدل من ذلك محاربتهم للناصحين وإقصاؤهم شرع رب العالمين .

وإعطاؤهم المخلوق حق التشريع بحيث تعرض الأحكام الشرعية القطعية على البرلمان فما أجازه فهو نظام الدولة وما حضره فهو ممنوع.

وهذا الصنيع إعتداء كبير على التشريع الإلهي وتطاول على الأحكام القطعية ولا ريب أن هذا منازعة لله في حكمه وحكمته وإلاهيته.

وتقييد الكفر بالجحود أو الاستحلال لا أصل لـه فإن الجحود أو الاستحلال كفر ولو لم يكن معه تحكيم القوانين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى: متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان . من ترك الشرع المحكم المنـزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين .

قال تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}.

فإن قيل إن الحاكم بغير ما انزل الله لا يفضل القانون على حكم الله بل يعتقد أنه باطل ، فيقال:
هذا ليس بشيء ولا يغير من الحكم شيئاً فان عابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن زعم أنه يعتقد أن الشرك باطل ولكنه يفعله من أجل مصالح دنيوية قال تعالى {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}.

والاعتذار عن هؤلاء المشرعين المعرضين عن الدين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
يقال عنه: بأنّ المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون الشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون وليس هذا بنافع لهم.

والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون ويذبحون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد قال تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه ونزل القرآن ببيان كفرهم . كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون.
والرافضة الإثنا عشرية الذين يسبون الصحابة ويزعمون ردة أبي بكر وعمر وعثمان ويقذفون عائشة بالإفك يتكلمون بالشهادتين.
والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بالشهادتين .
وبنو عبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم وقد صنف أهل العلم كتباً كثيرة في الردة و نوا قض الإسلام يمكن مراجعتها في مضانها.

وأهل العلم والسنة يفرقون بين ذنب ينافي أصل الإيمان وبين ذنب ينافي كماله الواجب فلا يكفرون بكل ذنب.

وقد أجمعوا على أنه لا يكفر صاحب الكبيرة ما لم يستحلها فلا يكفر المسلم بفعل الزنا وشرب الخمر وأكل الربا لأنه هذه المحرمات لا تنافي أصل الإيمان.

والحديث عن هذه المسألة يطول ذكره وقد تحدثت عن هذه القضية في غير موضع وبينت كفر تارك أعمال الجوارح مطلقاً وردة المبدّلين لشرع الله المعرضين عمّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . بيد أني أقول إن الحديث عن هذه المسألة وغيرها من النواقض هو حديث عن النوع دون العين بمعنى أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر وهذا ليس بلازم منه تكفير المعين، لأنه لا يحكم على العين بالكفر حتى تقام عليه الحجة وتنتفي عنه الشبهة لاحتمال أن يكون جاهلاً جهلاً معتبراً أو متأولاً تأويلاً سائغاً أو مكرهاً. وحين تقوم عليه الحجة وتنتفي عنه موانع التكفير يصبح حينئذ مرتداً عن الدين ويجب على ولىّ أمر المسلمين تطبيق حكم الله فيه. ويمتنع على آحاد الناس إقامة الحدود والأحكام دون السلطان فان هذا يسبب فوضى في المجتمع ولا يحقق المصلحة المطلوبة.

وللحديث بقية لعلي أتحدث عنه في جلسة أخرى.

وأشير إلى أسباب الضلال في هذا الباب ومواطن الزلل في كلام كثير من المعاصرين .

فقد زلّ في هذه المسألة الكبيرة طائفتان:-
1.
الخوارج حيث أخرجوا عصاه الموحدين من الإسلام وجعلوا ذنباً ما ليس بذنب ورتبوا على ذلك أحكام الكفر ولم يراعوا في ذلك الأحكام الشرعية ولا المطلق من المقيد ولا موانع التكفير.

2. وقابلهم في هذا الضلال أهل الإرجاء حيث زعموا أنه لا يكفر أحد بذنب مهما كان ذنبه حتى يستحل أو يجحد.

وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على فساد هذين المذهبين وعلى ضلال تلك الطائفتين.
وأختم بمسألة مهمة وأنبه على أنه ليس كل من شابه المرجئة بقول أصبح مرجئاً ولا كل من دان بقول من أراء الخوارج صار خارجياً فلا يحكم على الرجل بالإرجاء المطلق ولا أنه من الخوارج حتى تكون أصوله هي أصول المرجئة أو أصول الخوارج.

وقد يقال عن الرجل فيه شيء من الإرجاء في هذه المسألة وذاك فيه شيء من مذاهب الخوارج.

وحذار حذار من الظلم والبغي حين الحديث عن الآخرين من العلماء والدعاة والمصلحين وغيرهم . فالعدل في القول والفعل من صفات المؤمنين وهو مما يحبه الله ويأمر به قال تعالى {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا}، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان}.

وقد اتفق الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم على حب العدل.

واتفق الناس كلهم على بغض الظلم وذمه وبغض أهله وذمهم ومهما كانت منـزلة عدوك من الانحراف والضلال فهذا لا يسّوغ لك ظلمه وبهته. فكن من خير الناس للناس ولا تتحدث عن الآخرين إلا بعلم وعدل واجعل قصدك نصرة الحق والنصيحة للآخرين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". متفق عليه من حديث أبي هريرة
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء السبت أكتوبر 12, 2013 2:21 am

فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي في تكفير الحكّام والمشرعين للقوانين الوضعية

فضيلة شيخنا الشيخ حمود بن عبدالله بن عقلاء الشعيبي حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فقد كثر في هذا العصر اعتماد الحكام في العالم الإسلامي والعربي وغيرهم على تحكيم القوانين الوضعية بدلا من تحكيم شرع الله فما هو الحكم على هؤلاء الحكام؟
نرجوا أن يكون الجواب مدعما بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال العلماء.

الجواب ..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين ، أما بعد .......

فإن الله سبحانه وتعالى عندما بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين القويم الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور ، وكان الناس إذ ذاك يهيمون في ظلمات الجهل والضلال ، غارقين في بحر الخرافات والتقاليد البالية ، التي ورثوها عن آبائهم وأسلافهم في جميع أمورهم ، في المعتقدات والعبادات والتقاضي والمحاكمات ، فكانت معتقداتهم وعباداتهم قائمة على الشرك بالله سبحانه وتعالى ، فيجعلون له شركاء وأندادا من شجر وحجر وملائكة وجن وبشر وغير ذلك ، يتقربون إليهم بشتى أنواع القرب التي لا يجوز صرفها لغير الله ، كالذبح والنذر وغير ذلك .

أما التقاضي والمحاكمات فهي لا تقل ضلالا وفسادا عن طريقتهم في العبادة ، إذ كانوا ينصبون الطواغيت والكهان وعرافين ، يتولون القضاء بين الناس في جميع ما ينشأ بينهم من خلاف وخصومة في الأموال والدماء والفروج وغير ذلك ، يقيمون في كل حي واحدا من هؤلاء الطواغيت ، وإذا صدر الحكم فهو نافذ لا يقبل النقض ولا التعقيب ، على الرغم من كونه جائرا ظالما ، فلما بعث الله محمدا صلى لله عليه وسلم بهذه الشريعة المطهرة أبطل هذه العادات ، والتقاليد وقضى عليها ، وقصر العبادة على الله سبحانه وتعالى ، وقصر التقاضي والتحاكم على شرع الله ، قال تعالى ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) الآية ، وقوله ( إن الحكم إلا لله ) قصر الحكم على شرع الله ، و(ألا تعبدوا إلا إياه ): قصر العبادة لله سبحانه وتعالى على عبادته سبحانه وتعالى بطريقة هي أبلغ طرق القصر وهي النفي والاستثناء.

ثم إن المستقرئ لكتاب الله يجد في الآيات الكثيرة التي تنص على وجوب التحاكم إلى ما أنزله الله من الشرع المطهر على نبيه صلى الله عليه وسلم:

1 - قال تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، فهذه الآية الكريمة نص في كفر من عدل عن حكم الله ورسوله إلى غيره.

وقد حاول الجهلة من مرجئة العصر أن يصرفوا دلالة هذه الآية عن كفر الحاكم بغير ما أنزل الله فقالوا : الآية نزلت في اليهود ، فلا يشملنا حكمها .
وهذا يدل على مدى جهلهم بالقواعد الأصولية التي وضعها علماء التفسير والحديث وأصول الفقه ، وهي أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فإذا نزل حكم على سبب معين فإنه لا يقتصر على سببه ، بل يتعداه ، فيشمل كل من يدخل تحت اللفظ ، و(مَنْ) في الآية صيغة عموم ، فلا يكون الحكم مقصورا على سببه إلا إذا اقترن به نص من الشرع يقصر الحكم على سببه ، كقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أحد الصحابة رضي الله عنه : يا رسول الله إنه كانت لي عناق أحب إلىّ من شاة فضحيت بها فهل تجزئني ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك .

وقالوا أيضا (أي المرجئة) قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن تفسير هذه الآية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فقال ابن عباس: كفر دون كفر ، وفي رواية : ليس الكفر الذي يذهبون إليه.

والجواب عن هذا أن نقول: هشام بن حجير راوي هذا الأثر عن طاووس عن ابن عباس متكلم فيه من قبل أئمة الحديث كالإمام أحمد و يحي بن معين وغيرهما ، وقد خالفه في هذه الرواية عن طاووس من هو أوثق منه وهو عبدالله بن طاووس ، وقد روى عن أبيه أن ابن عباس لما سئل عن تفسير هذه الآية قال: هي به كف.

2 – قال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.

هذه الآية نص في انتفاء الإيمان عمن لم يحكّم شرع الله ، لأن الله أقسم فيها على انتفاء الإيمان عن المرء حتى توجد منه غايات ثلاث:

أ –
التحاكم إلى شرع الله.

ب – إلا يجد في نفسه حرجا في ذلك ، بل يرضى به.

ج _ أن يسلم لحكم الله ويرض به.

وكما حاول المرجئة صرف دلالة الآية السابقة عن كفر الحاكم بغير ما أنزل الله ، فقد حاولوا أيضا صرف دلالة الآية عن انتفاء الإيمان ، فقالوا : إن النفي لكمال الإيمان ، لا لنفي حقيقته ، وما علم هؤلاء الجهلة أن الأصل في الكلام العربي الحقيقة ، ولا يصار إلى المجاز إلا إذا اقترن به قرينة توجب صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ، فأي دليل وأي قرينة توجب صرف هذه الآية عن نفي حقيقة الإيمان إلى نفي كماله .

3 – قال تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا)، هذه الآية الكريمة نص في أن من يتحاكم إلى الطاغوت أو يحكمه فقد انتفى عنه الإيمان بدليل قوله تعالى (يزعمون أنهم آمنوا)، إذ لو كانوا مؤمنين حقا لما عبر عن ادعائهم الإيمان بالزعم ، فلما عبر بالزعم دل على انتفاء حقيقة الإيمان بالله ، كما أن في قوله تعالى (وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) دليل أيضا على انتفاء حقيقة الإيمان عنهم ، ويتضح كفر من تحاكم إلى الطاغوت أو حكّمه بمعرفة سبب نزول هذه الآية.

وقد ذكر المفسرون أن سبب نزول الآية أنها كانت بين رجل من اليهود وآخر من غير اليهود خصومة، فقال اليهودي: (نترافع إلى رسول الله)، وقال الآخر: (بل نترافع إلى كعب بن الأشرف اليهودي)، فنزلت هذه الآية.

وقال الشعبي: (كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نترافع إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة، ويتحاكما إليه، فنزلت "ألم تر إلى الذين يزعمون... الآية")، وهذا الأثر المروي عن الشعبي وإن كان فيه ضعف إلا أن له شواهد متعددة تعضده وتقوية.

ووجه الاستشهاد بسبب نزول هذه الآية على كفر وردة من ذكروا فيها: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل الرجل الذي لم يرض بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، فلو لم يكن مرتدا لما قتله.

كما روي عن عروة بن الزبير أنه قال: اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فقضى لأحدهما، فقال الذي قضى عليه: (ردنا إلى عمر رضي الله عنه)، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم انطلقوا إلى عمر)، فانطلقا، فلما آتيا عمر، قال الذي قضى له: (يا ابن الخطاب! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لي، وإن هذا قال: ردنا إلى عمر فردنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقال عمر: (أكذلك؟) - للذي قضى عليه – فقال: (نعم)، فقال عمر: (مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما)، فخرج مشتملا على سيفه، فضرب الذي قال: (ردنا إلى عمر) فقتله.

وهذا الاختلاف الحاصل في سياق القصة لا يقدح في ثبوتها لاحتمال التعدد، كما أن في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) دلالة على أن من صد عن حكم الله ورسوله وأعرض عنه فحكّم غيره أنه منافق، والمنافق كافر.

وكما أن المحكم للقوانين الوضعية كافر كما تقدم، فإن المشرع للقوانين والواضع لها كافر أيضا، لأنه بتشريعه للناس هذه القوانين صار شريكا لله سبحانه وتعالى في التشريع، قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، وقال تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا)، وقال عز وجل: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله).

ولهذا لما سمع عدي بن حاتم هذه الآية قال: (يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم)، فقال صلى الله عليه وسلم: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟)، قال: (بلى)، قال: (فتلك عبادتهم).

فتبين من الآية الكريمة من حديث عدي بن حاتم أن التحليل والتحريم والتشريع من خصائصه سبحانه وتعالى، فمن حلل أو حرم أو شرع ما يخالف شرع الله فهو شريك لله في خصائصه.

ومما تقدم من الآيات الكريمة وتعليقنا عليها يتبين أن من حكم بغير ما أنزل الله وأعرض عن شرع الله وحكمه أنه كافر بالله العظيم خارج من الإسلام، وكذلك مثله من وضع للناس تشريعات وضعية، لأنه لو لم يرض بها لما حكم بها، فإن الواقع يكذبه، فالكثير من الحكام لديه من الصلاحيات في تأجيل الحكم، وتغيير الدستور والحذف وغيرها.

وإن تنـّزلنا وقلنا إنهم لم يضعوها ويشرعوها لشعوبهم فمن الذي ألزم الرعية بالعمل بها ومعاقبة من خالفها؟

وما حالهم وحال التتار الذي نقل ابن تيمية وابن كثير رحمهما الله الإجماع على كفرهم ببعيد، فإن التتار لم يضعوا ولم يشرعوا (الياسق)، بل الذي وضعه أحد حكامهم الأوائل ويسمى (جنكز خان)، فصورة هؤلاء كحال أولئك.

وبذلك يتبين أن الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى يقع في الكفر من جهة أو جهتين:

الأولى:
من جهة التشريع إن شرع.

الثانية: من جهة الحكم إن حكم.

وحيث قد فرغت من ذكر النصوص الدالة على كفر من يحكّم القوانين الوضعية فسأذكر الآن أقوال العلماء والأئمة على كفر محكّمي القوانين:

أولا: قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية كما في الفتاوى (3/267): (والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا باتفاق الفقهاء).

وقال في الفتاوى (35/372): (ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا، يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة).

ثانيا: قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/119): (من ترك الشرع المحكّم المنـّزل على محمد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه، ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين).

ثالثا: قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله بعد أن ذكر النصوص الدالة على كفر محكّمي القوانين: (وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم).

رابعا: شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في تعليقه على قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون... الآية)، قال: (وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن من لم يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي بالقسم). هذا ما قاله رحمه الله في تعليقه على هذه الآية.

وحيث إنني لازمت حلقته رحمه الله سنوات عدة فقد سمعته أكثر من مرة يشدد في هذه المسألة ويصرح بكفر من حكم غير شرع الله، كما أوضح ذلك في رسالة تحكيم القوانين.

خامسا: شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالته (نقد القومية العربية ص 39) قال عمن اتخذ أحكاما وضعية تخالف القرآن: (وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة كما قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"، وقال تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"...)، إلى أن قال الشيخ رحمه الله: (... وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده وتحكم شريعته) اهـ

وما ذكرته من نصوص وأقوال للعلماء كاف في بيان أن تحكيم القوانين الوضعية كفر، وأن المحكم لها كافر بالله العظيم، ولو نقلت ما قاله علماء الأمة وأئمتها في هذا الباب لطال الكلام، وبما ذكرته كفاية لإجابة السائل على سؤاله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء الخميس أكتوبر 17, 2013 3:09 am

عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  عاشقة السماء السبت نوفمبر 02, 2013 6:50 pm

محاضرة للشيخ بسام جرار تعرض فيها باسلوب سلس وبسيط لمسألة الإمامة الشرعية والخروج على الحاكم، وبيّن الكفر العملي الواقعة فيه الأنظمة اليوم بتحكيم القوانين الوضعية التي حللت ما هو محرم كالربا، وأمثلة دامغة على الكفر البواح الذي لا يحتاج بعد العمل به لدليل

عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  حر بلا قيود الأحد نوفمبر 03, 2013 9:32 pm

قرأت اربعه اسطر من الموضوع لانه طويل .. ووجدت ان هناك فهم خاطئ ..

الجحود ليس الاعتقاد .. هذا غلط فادح

الجحود النكران لماهو اكيد .. مثال ذلك .. اسئلك عن اسمك .. فتقولي لي اسمي عاشقه .. فاقول .. ليس اسمك عاشقه .. برغم ان اسمك وبطاقتك والناس تعرفك بعاشقة .. هذا هو الجحود انكر عليك اسمك برغم انه صح .. وشاهدي تفسير ابن عباس رضي الله عنه

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)

{وَجَحَدُواْ بِهَا} بِالْآيَاتِ كلهَا {واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ} بعد مَا استيقنت أنفسهم أَنَّهَا من الله {ظُلْماً} خلافًا واعتداء {وَعُلُوّاً} يَقُول عتواً وتكبراً {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} آخر أَمر الْمُشْركين فِرْعَوْن وَقَومه كَيفَ أهلكناهم فِي الْبَحْر

فلو حاكم قام باستحلال شرب الخمور وتجاره الزنا .. ووضع لها قوانين مثل الغرب بالبيع والشراء والمتاجرة وعدم عقوبة شاربها .. فيكون جحود وهذا يعتبر كفر ويجب محاربة وقتال الحاكم لانه يستحل ما حرم الله

اما اذا قام حاكم مثلا .. بتحريم هذه المحرمات ولكن قام بوضع اجتهاد او قوانين تتمثل في شارب الخمر يدفع فلوس او يسجن ولا يجلد او من قام بالسرقه يسجن ولا تقطع يده او من قام بالزنا .. يغرم مبلغ مالي ..

ففي هذه الحاله .. لم يحلل ما حرم الله .. ولكن قام بتغيير الاحكام .. ناتج فهم خاطئ او يشاهد لوضع دنيوي او اقتصادي او غيره .. فلا يتم الخروج عليه او مقاتلته .. ولكن يتم نصحة وارجاعه الى حكم الله .. لانه اخبر واحكم بعبادة .. وهو اعرف بخير وشر للامة .. ولذلك .. حدثت في ايام الصحابة مثل هذه القضايا .. فعمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يحكم بقطع اليد من الرسغ وعلي ابن ابي طالب رضي الله عنه قطع بعض الاصابع وفي مرات اكتفى بالسجن .. وحدد مبلغ اذا تجاوزه السارق تقطع يده .. وحدث ان امراه زنت .. فحكم عليها بالرجم .. وجد علي بن ابي طالب رضي الله عنه مبرر فاعفي عنها ..

الامة الاسلامية من 1435 لليوم وهي تحكم بشرع الله سبحانة وتعالى حتى باكستان واندنوسيا وغيرها .. ماهو محرم من الله .. فالحاكم يحرمة على شعبة .. واختفلوا في تطبيق العقوبات ..

ما قام به علماء المسلمين او المجتهدين او القانونيين .. الاجتهاد في العقوبة ولم يجتهدوا في التحليل والتحريم لانها اصبحت واضحة .. فلذلك لا يمكن الخروج عليها ومقاتلتهم ..

لو حاكم اتي بالقانون الفرنسي واراد تطبيقة على دولة مسلمة .. هذا يقتل

القضية بسيطة .. ولكن الكثير جعل منها قضية صعب حلها
حر بلا قيود
حر بلا قيود
عضوية ملغية "ايقاف نهائي"

عدد المساهمات : 1130
تاريخ التسجيل : 10/08/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  حر بلا قيود الأحد نوفمبر 03, 2013 9:49 pm

تعرفي ماهو الكفر البواح .. ترك الامور بدون سيطره وحزم وعقوبة ..

مثال ذلك .. الحاكم لدية قانون يحرم الزنا والخمر والسرقه والقتل والاغتصاب الخ من العقوبات .. ولكن .. لا يقوم بمنعها او يقوم بتطبق العقوبات لمرتكبها .. ترك الامر سبهللي .. كيف سبهللي .. ايقاف عمل المحاكم وطرد اجهزه الشرطة والامن من حمياة الناس .. فهذا هو الكفر البواح .. اي من يحب يشرك يشرك ومن يحب يجلس مسلم يجلس مسلم .. الناس احرار دولة بلا قانون .. لا يحرم ولا يحلل ..

هذا تصدقي اختى لا يوجد هذا الكفر حتى في دول الشرك او الغرب .. الكفر البواح وجد في حقب من عمر الانسانية في اوقات معينة .. مثلا عند احتلال الدول او الحروب او الفتن ولفترة مؤقته .. مثل هذه الايام .. هناك كفر بواح .. في اليمن اليوم يقتتل السلفيين والحوثيين وكلهم يمنيين مسلمين والدولة تتفرج ولا تقوم بفك النزاع او تدخل جيش يفصل بين المتنازعين او يتم سجن من يقوم بالتحريض او اثارة الناس للقتل .. جالسين يتفرجوا وكانهم ليسوا معنيين في حقن دماء المسلمين او ليست مهمتهم .. برغم اليمن لديها جيش قوي ومدرب ومسلح .. وقادر يمسح الحوثيين والسلفيين عن وجهه الارض ..
حر بلا قيود
حر بلا قيود
عضوية ملغية "ايقاف نهائي"

عدد المساهمات : 1130
تاريخ التسجيل : 10/08/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال Empty رد: أقوال العلماء فيمن حكم بغير شرع الله.. وتبيان القول بشرط الاستحلال

مُساهمة  جعبة الأسهم الأحد نوفمبر 03, 2013 10:21 pm

أخي/ حر بلا قيود

هذا رأيك وهو خاطيء .. وسأنقل لك رأي العلماء بتعبير انشائي المبسط قدر الامكان ..

فالكفر البواح باختصار هو ما يتفق الناس على أنه كفر ولا يختلف في ذلك عالمين راسخين في العلم .. مثل استحلال الخمر واستحلال الزنا واستحلال المعازف واستحلال الحرير .. وهذه الأمثلة عليها من الله برهان من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ".. يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" .. وهناك تفصيل وتفريق بين الاستحلال العام كنظام الدولة والاستحلال الخاص كأفراد يستحلون ما حرم الله .. والله أعلى وأعلم

جعبة الأسهم
الفقير إلى عفو ربه

عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى