ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفرار من الفتن

4 مشترك

اذهب الى الأسفل

الفرار من الفتن Empty الفرار من الفتن

مُساهمة  سيف الإثنين يونيو 24, 2013 11:42 am


الفرار من الفتن[1]


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ستكون فتن، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، مَن تَشَرَّفَ[2] لها تَستشرِفه؛ فمَن وجد فيها ملجأ أو مَعاذًا، فلْيَعُذْ به))[3].
 
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُوشك أن يكون خيرَ مال المسلم غنمٌ[4] يَتْبع بها شَعَف الجبال ومواقع القَطْر؛ يَفِر بدينه من الفتن))؛ رواهما الشيخان[5].
 
المفردات:

الفتنة: للفتنة في لسان العرب معانٍ، منها: المحنة، والعذاب، والفضيحة، والتفرّق في الآراء والأهواء، وما يعقُب ذلك من هَرج ومرج.
 
وجِماع معنى الفتنة: الابتلاء، والامتحان، والاختبار؛ من الفَتْن، وهو إدخال الذهب في النار؛ لتَظهر جودتُه من رداءته.
 
من تشرَّف لها؛ أي: مَن تطلَّع إليها وتصدَّى لها، تصدَّت له، ومَن غالَبها غالبتْه فأهلكتْه.
 
والملجأ والمعاذ والعياذ واحد، وهو الحِصْن، وعاذ به يعوذ، واستعاذ به: لجأ إليه.
 
يوشك: يَقرُب، وشَعَف الجبال: رؤوسها وأعاليها، واحدتها: شَعَفَة.
 
مواقع القطر: مَساقط المطر، والمراد الأودية والمراعي.
 
من دلائل النبوة:
من أعلام نبوَّته وآيات صدقه - صلوات الله وسلامه عليه - ما قصَّ الله على أمته، مما كان ومما هو كائن إلى يوم القيامة؛ من أحداث الزمن، وطغيان الفتن، واختلاف الأمة، وأشراط الساعة، إلى غير أولئك من أنباء الغيب، التي لا مَطْمع فيها، ولا سبيل إليها، إلا بوحي من قِبَل العزيز الحكيم.
 
قَبسٌ من حكمة الله في الفتن:
وإذا تنزَّه حُكْم الله - سبحانه - عن العَبَث، فقد يكون من الحكمة فيما أصاب المسلمين من ضروب الفتن الشعواء، التي قطعتهم أحزابًا وشيعًا، وكادت تحصد الأخلاق وتَحلِق الدين - أن يَمِيز الله الخبيث من الطيب، ويجزي كلاًّ من الصادق والكاذب؛ فإن الدين لَغوٌ على ألسنة الناس ما دُرَّت عليهم الأرزاق، وسُبِغت عليهم العافية؛ فإذا جدَّ الجد، قلَّ الدَّيانون؛ ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].
 
وحكمة أخرى، وهي العِظة والاعتبار بما يُصيب الدولة القويَّة - بل الضعيفة - إذا تقسَّمتها الأهواء، ودبَّ فيها دبيبُ الفُرْقة والاختلاف.
 
وأخلَقُ بنا - في هذا المقام - أن نتأمَّل مليًّا في ذرائع الفتن وبُذورها؛ من الغِيبة، والنميمة، والتجسس، والتكالُب على الدنيا، إلى أمثال هذه المنكرات التي تُهيِّج النفوسَ، وتَزرع فيها العداوة والبغضاء، وأن نتأمَّل كذلك مليًّا في تحذيره البليغ - صلوات الله وسلامه عليه - من الفتن، ودعوته إلى الفرار منها، فضلاً عن مخالطتها والتقحُّم فيها.
 

أحوال الناس في الفتن:
والناس في الفتن على أحوال شتَّى؛ شرُّهم مَن ينفُخ شررَها، ويُضرِم نارَها، ويوقِظ نائمها، وأهون منه مَن يُخالطها ويهواها ويُعين عليها، وخير من هذا من يقعد بعيدًا عنها، غير مُتدنِّس بدَنَسها، ولا مُتلطِّخ بآثامها؛ مَثَله فيها: كمثل ابن اللّبُون؛ لا ظهرَ فيُركَب، ولا ضَرْع فيُحلَب؛ فإن خشي أن تَهُبَّ عليه عاصفتها، كان أشدَّ الناس فرارًا منها، ولو أن يأوي إلى رأس جبل، أو أن يَعَضَّ بجذع شجرةٍ، وحسْبُه من القوت ما سدَّ الجوعةَ، ومن اللباس ما وارى العورة!
 
موقف السلف من الفتن:

على أن فضل الفرار من الفتن إنمَّا هو للعاجز الذي لا يَملِك فيها حولاً ولا قوة؛ أما مَن ظنَّ بنفسه قُدرة على إخمادها أو تسكينها، أو التقليم من أظفارها، فليَقُم لما أعدَّه الله له؛ فإن الله مُبتليه بذلك، وسائله عما مكَّن له.
 
ومن هنا نستطيع أن نُفسِّر بعض التفسير موقف السلف من الفتن التي مُني بها المسلمون في العهد الأول، فاعتزلها قوم[6]، ودفعها - أو حاول - آخرون، وإذا كنا لا نَعصِم فريقًا منهم من الخطأ[7]، فإننا لا نستبعد على الدخلاء في الإسلام سوء النية[8]؛ ولكنا لا نظن بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا خيرًا؛ ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
 
أي الأمرين أفضل: العُزلة، أم الخُلْطة؟

ويستدلُّ بهذين الحديثين وما في معناهما مَن يُرجِّح العُزْلة ويدعو إليها، وترجيحُ العُزلة على المخالَطة، أو العكس، من مهمات المسائل التي تناولتْها بحوث العلماء قديمًا وحديثًا، وأوفتها حقها درسًا وتمحيصًا، حتى اختصها الإمام الغزالي - رحمه الله - بكتاب من "إحياء علوم الدين"[9].
 
وجملة القول: أنَّ فريقًا من الناس يُؤْثِرون العزلة؛ لأنها أَسلمُ للدين، أدعى للأُنس بالله - عز وجل - ولو لم يكن فيها إلا الخلاص من الغِيبة التي أضحت فُكاهة المجالس، لكفى، ومن هؤلاء سفيان الثوري، والفضيل بن عياض، وأكثر العُبَّاد والزهاد.
 
وآخرون يؤثِرون الخُلْطة؛ لما فيها من العلم والتعلم، والنفع والانتفاع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، وتحقيق المُثل العليا لخير أمةٍ أُخرجت للناس، ومن هؤلاء سعيد بن المسيب، والشعبي، وابن المبارك، والشافعي، وابن حنبل، وأكثر التابعين.
 
وفَصْل الخطاب: أنَّ لكلٍّ من العزلة والاجتماع كثيرًا من الآفات، وأن كلاًّ منهما يختلف باختلاف أحوال الناس والأحوال والأوقات؛ وليس أجمل ولا أعدل من الاعتدال، في عامة الأحوال.
 
فليأخذ المرء بحظه من الأمرين جميعًا، في رُشْد وسَداد، وبصيرة وجهاد، فإذا ما تموَّجت الفتن، وعمَّت الأهواء، ولم يجد ملجأ إلا الفرار، فلْيسَعْه بيتُه، ولْيَبكِ على خطيئته، وليعُذ بالله خير مُعاذ[10].
 
ولن يكون ذلك إلا بعد أن يذهب الصالحون تِباعًا، وتبقى حُفالة[11] كحفالة الشعير أو التمر، لا يُباليهم الله بالة[12]، فالحق الذي تَهدي إليه معالم السنة أن شرائط العُزلة لم تكتمل كلها بعد، وإن عست أن تكون قريبًا.
 
وما لم تتم شرائط العُزلة كلها، فهروب المرء أو قبوعه في كَسْر بيته - لا سيما أهل الدعوة إلى الله تعالى - جبنٌ، أو رهبانية، وليس الجبن من صفات المتقين، وليست الرهبانية في شيء من هذا الدين، وإنما كانت سائغة في الأمم السابقة، بل كانت قربة إلى الله تعالى ووسيلة إلى رِضوانه، أما هذه الأمة، فرهبانيتها -كما روى الإمام أحمد وغيره - الجهاد في سبيل الله - عز وجل[13].
 
الفتن ضروب شتى:
وبعد، فيومئ الحديثان إلى ما استفاض في السنة، من أن الفتن ضروب شتى؛ منها العام والخاص، ومنها الشديد العظيم والهيّن اليسير، ومنها المعيَّن المباغِت، وبين يدي الساعة تَصْطَخب وتَضْطرم، ويكسع بعضها بعضًا[14]، ويركب بعضها أعناق بعض.
 
والمؤمن الكيِّس من أعدَّ للفتن عُدَّتَه، وبادرها بالصَّالحات قبل أن تَبْغَته؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بادِروا بالأعمال فتنًا كقِطَع الليل المظلِم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا؛ يبيع دينه بعَرَض من الدنيا))[15].
 
المصدر: من ذخائر السنة النبوية؛ جمعها ورتبها وعلق عليها الأستاذ مجد بن أحمد مكي



[1] مجلة الأزهر، العدد الثاني، المجلد الخامس عشر، صفر 1363.
[2] في "الجمع بين الصحيحين" لعبدالحق الإشبيلي 4: 176: "يُشرِف"، وفي نسخة أخرى: "تشوَّف".
[3] أخرجه البخاري (3601) في المناقب، ومسلم (2886) في الفتن وأشراط الساعة.
[4] أشهر الروايتين برفع (غنم) على أنها الاسم، ويجوز في (يتبع) تشديد التاء وتسكينها (طه).
[5] أخرجه البخاري (19)، ولم يروه مسلم في صحيحه، كما في "تحفة الأشراف" 3: 374.
[6] من هؤلاء محمد بن مسلمة، وعبدالله بن عمر، وأبو بكرة - رضي الله عنهم - ينظر: فتح الباري، كتاب الفتن، شرح الحديث (7082).
[7] في كلام المؤلف نظر، فإن الخليفة الحق بعد عثمان هو علي بن أبي طالب، والذين قاتَلوه في الجمل وصِفِّين مخطئون بُغاة؛ ولهذا أجرى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - أحكام البغاة في حقهم، بل إن الفقهاء ما أخذوا أحكام البُغاة إلا عنه - رضوان الله عليه - فأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - كان هو المُحِق المصيب في تلك الحروب، ومما يؤيد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (2915) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمار، حين جعل يَحفِر الخندقَ، وجعل يمسح رأسه ويقول: ((بؤس ابن سمية، تقتلك فئة باغية))، وما رواه مسلم 2: 745 (150) أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: ((تَمرُق مارقة عند فُرقة من المسلمين، تقتلها أَوْلى الطائفتين بالحق)).
فهذه الروايات - كما يقول النووي في "شرح مسلم" 7: 168 - صريحة في أن عليًّا - رضي الله عنه - كان هو المصيب المُحِق، والطائفة الأخرى - أصحاب معاوية - كانوا بُغاة متأوِّلين، قال: وفيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون، لا يخرجون بالقتال عن الإيمان، ولا يَفسُقون، وهذا مذهبنا، ومذهب موافِقينا.
ومن الأدلة أيضًا ما رواه البزار - بإسناد جيد كما قال الحافظ في "الفتح" 13: 92 - عن زيد بن وهب قال: كنا عند حذيفة فقال: كيف أنتم، وقد خرج أهل دينكم، يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف؟ قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "انظروا الفرقةَ التي تدعو إلى أمر علي، فالزَموها؛ فإنها على الحق"؛ وانظر بقية الأدلة في " الفتح" 13: 92.
[8] وفي مقدمة هؤلاء عبدالله بن سبأ الهمداني، المعروف بابن السوداء، كان يهوديًّا من أهل صنعاء، أمه سوداء، أسلم زمن عثمان - رضي الله عنه - ثم تنقَّل في بُلدان المسلمين يريد ضلالتهم، وهو أول من وضع مبدأ الرَّجعة، وأول من قال بالوصيَّة، تنظر أخباره في تاريخ الطبري4:240، والبداية والنهاية؛ لابن كثير 7: 236.
[9] إحياء علوم الدين، كتاب العزلة، وهو الكتاب السادس من ربع العادات 2: 222- 241.
[10] كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عامر الجهني لما قال له: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسِكْ عليك لسانك، وليسعك بيتُك، وابكِ على خطيئتك))؛ أخرجه الترمذي في الزهد (2406) وقال: هذا حديث حسن.
[11] الحُفالة: الحُثالة وما رقَّ من عكر الدهن، ورغوة اللبن.
[12] كما في الحديث الذي رواه البخاري في الرقاق (6434) باب ذَهاب الصالحين من حديث مرداس الأسلمي - رضي الله عنه - وكان من أصحاب الشجرة - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يذهب الصالحون، الأول فالأول، ويبقى حُفالة كحُفالة الشعير أو التمر، لا يُباليهم الله بالة))؛ أي: لا يرفع لهم قدْرًا، ولا يُقيم لهم وزنًا، ويقال: ما باليته؛ أي: لم أكتَرِث به؛ كما في "النهاية" 1: 156.
[13] أخرجه أحمد في "المسند" 3: 82 (11774) من حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث أنس بن مالك 3: 266 (13807)، وكلا الحديثين ضعيف، انظر "المسند" طبعة مؤسسة الرسالة.
[14] أي: يتبع بعضها بعضًا.
[15] أخرجه مسلم (118) في الإيمان، والترمذي (1295) في الفتن، وصححه.


الشيخ طه محمد الساكت
سيف
سيف
موقوووووووف

عدد المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 23/06/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفرار من الفتن Empty رد: الفرار من الفتن

مُساهمة  الهمداني الإثنين يونيو 24, 2013 4:22 pm

) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
" تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ (1) وَمَنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ "

سلامة المؤمن في الفتن .. يكون حلس من احلاس البيت
الهمداني
الهمداني
عضوية ملغية "ايقاف نهائي"

عدد المساهمات : 3554
تاريخ التسجيل : 30/04/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفرار من الفتن Empty رد: الفرار من الفتن

مُساهمة  الباعث الحثيث الثلاثاء يونيو 25, 2013 9:29 am

الفتن عادة تكون بين اهل المنهج الحق
ما يحدث أعتقد هو تمايز الصفوف

مواجهة محتدمة بين الحق والباطل
تكون نتيجتها على المسلمين ايمان لا نفاق فيه ونفاق لا ايمان فيه
الباعث الحثيث
الباعث الحثيث
اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا

عدد المساهمات : 222
تاريخ التسجيل : 04/05/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفرار من الفتن Empty رد: الفرار من الفتن

مُساهمة  جعبة الأسهم الثلاثاء يوليو 09, 2013 10:54 am

أخي/ سيف

بارك الله فيك .. وجزاك الله خيرا

جعبة الأسهم
الفقير إلى عفو ربه

عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى