سجون العراق ..جديد

في تقريرها الذي أصدرته مؤخرًا، أكَّدت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) وجود آلاف من المعتقلين العراقيين -وخاصة من السنَّة- داخل سجون الحكومة العراقية، حيث كشف التقرير أن هؤلاء المعتقلين يتعرَّضون لأبشع عمليَّات التعذيب الممنهَج، وذلك بعد نقلِهم من السجون الأمريكيَّة التي عانوا منها الويلات، لتستكملَ سجون المالكي مسلسل التعذيب والإساءة للكرامة الإنسانيَّة.

 

وأشار التقرير إلى أن عشرات الآلاف من المعتقلين تم اعتقالهم منذ سنوات دون محاكمة، أما الذين سلَّمتهم الولايات المتحدة إلى السلطات في بغداد مؤخرًا لا يزالون عرضةً لخطر التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملَة.

 

قالت المنظمة: إن الكثير من المعتقلين يتعرَّضون للضرب المبرح في سجون سرية للحصول على اعترافات بالإكراه، فضلًا عن الاختفاء القسري، مضيفة أنها تقدّر وجود نحو 30 ألف معتقل دون محاكمة في العراق، على الرغم من أن السلطات العراقيَّة فشلتْ في توفير أرقام دقيقة عنهم، وقد قامت الولاياتُ المتحدة مؤخرًا بتسليم 10 آلاف محتجز منهم للسلطات العراقيَّة بعد أنْ أنهت العمليات القتاليَّة لقواتِها في بعض المناطق في العراق.

 

فيما أوضحت المنظمةُ في تقريرها أن العديد من المعتقلين العراقيين توفّوْا في السجون نتيجة التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة من قِبل المحقِّقين وحرَّاس السجون، والذين يرفضون بشكلٍ منتظمٍ إعلام أقربائهم بأماكن احتجازِهم، ومن بينهم رياض محمد صالح العقيبي (54 عامًا) الذي توفِّي في الاحتجاز يوم الثاني عشر أو الثالث عشر من فبراير الماضي، وذلك نتيجة نزيف داخلي، بعد تعرُّضِه للضرب المبرح أثناء الاستجواب، مما أدى إلى كسر أضلاعه والإضرار بالكبد.

 

وقالت المنظمة: إن العقيبي، الجندي السابق في القوَّات الخاصة العراقية، اعتُقل أواخر سبتمبر 2009، واحتُجز في مركز اعتقالٍ في المنطقة الخضراء في بغداد قبل نقله إلى سجن سري في مطار المثنى القديم، وتَمَّ تسليمُ جثتِه إلى عائلته بعد عدة أسابيع من وفاته، فيما أرجعت شهادة الوفاة الرسمية أسباب وفاته إلى قصور في القلب.

 

وقال مالكولم سمارت - مدير المنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "إن الأجهزة الأمنيَّة العراقية مسئولة عن انتهاك حقوق المعتقلين بشكل منهجي، وتم السماح لها بذلك مع الإفلات من العقاب".

 

وكشفت المنظمة في تقريرها أن أكثر من 400 معتقل عراقي يُحتجزون في سجن مطار المثنى القديم الذي تم الكشف عن وجوده علنًا في إبريل الماضي، وأبلغ عدد منهم المنظمة أنهم اعتُقلوا استنادًا إلى معلوماتٍ كاذبة حصلتْ عليها قوَّات الأمن العراقيَّة من مخبرين سريِّين.

 

وتابعت: "التعذيب يُستخدَم على نطاق واسع في العراق للحصول على اعترافاتٍ كانت معدَّة سلفًا في الكثير من الحالات من قِبل المحققين، ويُجبَر المعتقلون على التوقيع عليها وهم معصوبو الأعين، دون قراءة محتوياتها، في حين صدرت أحكام بالإعدام بحق مئات السجناء، وتَمَّ تنفيذُ بعضها بموجب اعترافاتٍ مزوَّرة وقعتْ تحت طائلة التعذيب، ومن بينها الضربُ بالكابلات وخراطيم المياه، والتعليق لفترات طويلة من الأطراف، والصَّعْق بالكهرباء لأجزاء حسَّاسة من الجسم، وكسْر الأطراف، وإزالة أظافر الأيدي والأرجل، والخنق، وثقْب الجسم بالمثاقب الكهربائيَّة، والتعذيب النفسي مثل التهديد بالاغتصاب".

 

وأشارت المنظمة إلى أن القوات الأمريكية أنهتْ نقل جميع المعتقلين، باستثناء 200 سجين، للسلطات العراقية في 15 يوليو الماضي، دون حصولها على أيّ ضمانات منها ضدّ التعذيب أو سوء المعاملة، فيما يستمرّ احتجازُ الآلاف من الناس رغم الأوامر القضائيَّة الصادرة بالإفراج عنهم.

 

في المقابل فإن الجيشَ الأمريكي -وعلى لسان المتحدث باسمه اللفتنانت كولونيل بوب أوين- نفى ما جاء في التقرير، كذلك نفت وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة ما ذكره تقرير منظمة العفو الدولية (أمنيستي) حول وجود ثلاثين ألف معتقل في السجون العراقيَّة بدون محاكمات، مع احتمال تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة.

 

فيما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكيَّة فيليب كراولي للصحفيين: إنه "بحسب النظام القضائي العراقي فإن المعتقلين لا يواجهون احتمالَ التعرُّض للتعذيب وسوء المعاملة".

 

وأضاف أن "أماكن الاحتجاز غالبًا ما تخضعُ للتفتيش وتلتزم بالقانون وبالمعايير الدوليَّة، من حيث الاعتناء بالموقوفين وإدارتهم" وبحسب الأرقام التي نشرتها وسائل الإعلام بشأن تسليم المعتقلين وإطلاق سراحهم بعد الاتفاقية الأمنيَّة بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة تسلَّمت الحكومة العراقيَّة في يوليو الماضي آخر معتقل، وهو كروبر، حيث سلَّم الأمريكيون 1500 سجين، وعدد المعتقلين في مجملِ السجون العراقيَّة في حينها قدّر بنحو 14 إلى 15 ألف معتقل".

 

وأكَّد كراولي أن وزارة العدل في العراق تقوم "بدورٍ ثمين، حيث يتم تأمين الغذاء والملابس والدواء للموقوفين وكذلك التقاؤهم بعائلاتهم"، مشيرًا إلى أن "الولايات المتحدة لا تنتهك أيًّا من الاتفاقات الدوليَّة في العراق بالنسبة للموقوفين".

 

على صعيد متصل أكَّد بوشو إبراهيم وكيل وزارة العدل العراقيَّة عدم صحة تقرير منظمة العفو الدوليَّة، مضيفًا أن "جميع الموقوفين تَمَّ اعتقالُهم بموجب مذكرات قضائيَّة رسميَّة نظرًا لوجود اتّهامات ضدّهم، ولم يتعرضْ أحد منهم للتعذيب".

 

إن الجانبين الأمريكي و"التابع" العراقي يدركان جيدًا أنه يحدث في السجون العلنيَّة والسريَّة في العراق ما يشيب له الرضيع؛ لبشاعة ما يرتكبُ فيها من جرائم وتعذيب ممنهج، وليست فضائح سجن أبو غريب وكروكر وبوكا والسجن السري في مطار المثنى ببعيدة، والحقيقة أن أغلب المعتقلين في تلك السجون هم أبرياء وإن لم يكونوا كلهم، إلا أن هناك اتفاقًا على النَّيْل من أبناء سنَّة العراق؛ ربما لمواقفهم البطوليَّة في رفض احتلال العراق وعدم السير في أذناب المحتلّ.