وسطية علي بن ابي طالب رضي الله عنه
ملتقى صائد الرؤى :: الملتقيات العامة و الساحة السياسية والاقتصادية المفتوحة :: حوار الثغور ومنبر السياسة والاقتصاد والفتن الخاصة (عمران بيت المقدس خراب يثرب)!
صفحة 1 من اصل 1
وسطية علي بن ابي طالب رضي الله عنه
ﻭﺳﻄﻴﺔ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ(ﻣﺎﺩﺓ ﻣﺮﺷﺤﺔ ﻟﻠﻔﻮﺯ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﻛﺎﺗﺐ ﺍﻷﻟﻮﻛﺔ)
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺘﺮﺓ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻟﻤﻨﻌﻄﻒ ﺧﻄﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ؛ ﺇﺫ ﺷﻬﺪﺕ ﻇﻬﻮﺭ ﻓﺮﻗﺘﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭﻫﻤﺎ ﺍﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﺁﺛﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻣﻤﺘﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻭﻗﺪ ﻋﺎﻧﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺗﻠﻚَ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻮﺍ؛ ﻷﻥَّ ﻭﻻﺓ ﺃﻣﻮﺭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﺴَّﺎﻟﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻨﻮﺍ ﺍﻟﺘﺼﺮُّﻑ ﻣﻊ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻴﺌﺖ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﺆﻻﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ، ﻓﻴﺘﻼﺷﻮﺍ ﺧﻄﺮ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻨﻮﺍ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻣﻊ ﻣﺜﻞ ﻫﺆﻻﺀ ﻛﻤﺎ ﺗﺼﺮﻑ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻲ- ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ.
ﻭﻫﺬﻩ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻮﺟﺰﺓ ﺃﺣﺎﻭﻝُ ﺃﻥ ﺃﺑﻴﻦَ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﺎﻣﻞﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻊ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﻗﺘﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮﺗﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻮﺳَّﻂ ﻭﺍﻋﺘﺪﻝ ﻣﻊ ﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻤﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﻠﻦ ﻣﻌﻬﻢ ﻟﻴﻨًﺎ ﻳﺘﺮﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﻏَﻮَﺍﻳَﺘِﻬﻢ ﻭﻳﻘﺮﻫﻢ ﻋﻠﻲﻫﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﺸﺘﺪ ﻣﻌﻬﻢ ﺍﺷﺘﺪﺍﺩًﺍ ﻳﺨﺮﺝ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼً ﺗﻮﺳﻄًﺎ ﻭﺍﻋﺘﺪﺍﻻً.
ﻭﻟﻨﺒﺪﺃ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﺑﺎﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺍﻟﺸﻴﻌﺔ:
ﻧﻌﻠﻢ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻗُﺘﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻃﻠﻖﻋﻠﻲﻫﻢ ﺍﻟﺴَّﺒﺌﻴَّﺔ؛ ﻟﺴﻴﺮﻫﻢ ﺗﺤﺖ ﺇﻣﺎﺭﺓ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ؛ ﻟﻴﻜﻴﺪَ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻸ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻇﺮﻭﻑ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴَّﺔ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻻ ﻳﺘﻤﻜَّﻦ ﻣﻦ ﺗﺮﺷﻴﺢ ﺃﺣﺪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪﻩ، ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺢ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺸُّﻮﺭﻯ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺤﻞ ﻭﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ؛ ﻟﻠﺘﺒﺎﺣُﺚ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺗﻌﻴﻴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻓﺘﻤَّﺖ ﺑﻴﻌﺔ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ.
ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻟﻴﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﻳﻌﺘﻪ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﻋﺜﻤﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﻲ ﺍﻷﻓﻀﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺷﺤﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺺَّﻋﻠﻲﻫﻢ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻗﺒﻴﻞ ﻣﻮﺗﻪ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﺃﻫﻞ ﻟﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﻐﻮﻏﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﻟﻌﺜﻤﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻋﺠﺰ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻦ ﺍﺗِّﺨﺎﺫ ﻗﺮﺍﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ، ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻻ ﺗﻤﺮ ﺑﺴﻼﻡ؛ ﻣﻤﺎ ﺃﻟﺠﺄ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻔﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ؛ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺸﺪﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻣﺎ ﻳﻘﻀﻮﻥ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻪ، ﻭﻳﺨﻠﺼﻮﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺘﻬﻢ.
ﻭﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺧﺮﺝ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻃﻠﺤﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺗﺮﺍﻓﻘﻬﻤﺎ ﺃﻡ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ - ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺗﻄﻮﻉ ﺍﻵﻻﻑ ﻟﻼﻧﻀﻤﺎﻡ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﺗَﻤﻜَّﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺒﺌﻴَّﺔ، ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻟﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﺨﺮﻭﺟﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻭﺳﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ؛ ﻟﻴُﻌﻠﻤﻬﻢ ﺃﻥ ﺣﺸﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﻴﺮ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻄﺮﻩ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺼﻮَّﺭﻭﻥ، ﻭﻗﺪ ﻳُﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﻞ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻷﺑﺮﻳﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣُﺮِّﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ.
ﻭﺻﻞ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﺘﻘﻰ ﺑﻄﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻭﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﻭﻣﺸﺎﻭﺭﺍﺕ ﺍﻗﺘﻨﻊ ﻛﻞٌّ ﺑﺮﺃﻱ ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﺍﺗﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﺼﺮﻓﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ، ﻭﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﺒﺌﻴﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺭﺍﻓﻘﻮﻩ ﻓﻲ ﺧﺮﻭﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ - ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻢ ﻣﻨﻪ - ﺃﺣﺴﻮﺍ ﺃﻥَّ ﻣﺨﻄﻄﻬﻢ ﻹﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ، ﻭﺃﻥَّ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻝﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺘﻔﺮﻍ ﻟﻬﻢ، ﻭﻳُﻄﻬِّﺮ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻷﻣﺼﺎﺭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺭﺟﺰﻫﻢ، ﻓﺪﺑﺮﻭﺍ ﺑﻠﻴﻞ ﻣُﺆﺍﻣﺮﺓ ﻟﻠﻮﻗﻴﻌﺔ ﺑﻴﻦ ﻣَﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺑﻤﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺭﻏﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ.
ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺧﻄﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻣﺔ ﻣﻘﺼﻮﺭًﺍ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﻗﺘﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ؛ ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﻷﻧَّﻬﺎ ﺃﺣﺪﺛﺖ ﺃﻭﻝ ﺷﺮﺥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﺮﺍﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻻﺷﺘﻌﺎﻝ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺗﻄﺮﻑ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥَّ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﺎ ﺃﻥ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺣﺘَّﻰ ﺻﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻧﺪﺳﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺟﻴﺸﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺒﺌﻴﺔ ﻳﻄﻌﻨﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺃﻳﻀًﺎ، ﺣﻴﻦ ﻧﻬﺎﻫﻢ ﻋﻦ ﺃﺧﺬ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﻣَﻦ ﻗﺎﺗﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻒ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻃﻠﺤﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻣﺎ ﻟﻪ ﻳﺤﻞ ﻟﻨﺎ ﺩﻣﺎﺀﻫﻢ، ﻭﻳﺤﺮﻡﻋﻠﻲﻧﺎ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ؟!
ﺛﻢ ﺟﺎﺀﺕ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ﺻﻔﻴﻦ" ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻠﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻵﻻﻑ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺔ، ﻭﺍﻧﺘﻬﺖ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ؛ ﺣﻘﻨًﺎ ﻟﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺪِّﻣﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ، ﻭﺑﺮﺿﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﻼﺀ ﺍﻟﺼَّﺤﺎﺑﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻓﺎﻋﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺴﻌَﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ ﻷﻥ ﻳُﻔﻨﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀًﺎ.
ﻭﺻﺎﺭﻭﺍ ﻳﺮﺩﺩﻭﻥ: ﻻ ﺣﻜﻢ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻋﻠﻲًّﺎ ﺣﻜَّﻢ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ، ﻭﺗﺮﻙ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺘﻠﻘﻔﻬﺎ ﺍﻷﻋﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻜُﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻧﻄﻠﺖ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﺍﻟﺤﻴﻠﺔ، ﻭﻭﻗﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺦ، ﻓﺨﺮﺟﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﺎﻣﻬﻢ ﺩﻭﻥ ﺑﻴﻨﺔ، ﻭﻋﻨﺪ ﻋﻮﺩﺓﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻦ ﺻﻔﻴﻦ ﺑﺠﻴﺸﻪ ﺍﻧﻔﺼﻠﻮﺍ ﻋﻨﻪ، ﻭﺳﺎﺭﻭﺍ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻏﻴﺮ ﻃﺮﻳﻘﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻔﻮﺍ ﺧﻼﻝ ﺳﻴﺮﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻭﺍﻟﺴﺐ ﻝﻋﻠﻲ، ﻭﻣﻦ ﺭﺿﻲ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﺼُّﻠﺢ ﻭﻭﻗﻒ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ، ﻭﺃﺧﺬﻭﺍ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻳﺎ ﺃﻋﺪﺍﺀَ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﺩْﻫَﻨﺘﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺟﺎﺀﻩ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﻤﻰ: ﺯﺭﻋﺔ ﺑﻦ ﺍﻟﺒﺮﺝ ﺍﻟﻄﺎﺋﻲ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻋﻠﻲ، ﻟﺌﻦ ﻟﻢ ﺗﺪﻉ ﺗﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﻷﻗﺎﺗﻠﻨﻚ، ﺃﻃﻠﺐ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ: ﺑﺆﺳًﺎ ﻟﻚ ﻣﺎ ﺃﺷﻘﺎﻙ! ﻛﺄﻧﻲ ﺑﻚ ﻗﺘﻴﻼً ﺗﺴﻔﻲ ﻋﻠﻲﻙ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ!
ﺛﻢ ﺳﺎﺭ ﻫﺆﻻﺀ ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻳُﺴﻤﻰ ﺣﺮﻭﺭﺍﺀ، ﻓﺴُﻤﻮﺍ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﺬﻟﻚ، ﻭﻛﺎﻥ ﻋﺪﺩﻫﻢ ﺍﺛﻨﻲ ﻋَﺸَﺮ ﺃﻟﻔًﺎ، ﻭﻫﻢ ﺃﻭﻝ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺕﺑﻦﺕ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ.
ﻭﻗﺪ ﻭﻟﻮﺍ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﺭﺟﻼً ﻳُﺴﻤﻰ "ﺷﺒﺚ ﺑﻦ ﺭﺑﻌﻲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻤﻲ"، ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻫﻮ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ، ﻭﺁﺧﺮ ﻳُﺴﻤﻰ "ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺍﻟﻜﻮﺍ ﺍﻟﻴﺸﻜﺮﻱ"، ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻫﻮ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﺼﻼﺓ، ﻭﺍﺩَّﻋَﻮْﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ.
ﻓﻠَﻤَّﺎ ﺳﻤﻊ ﻣَﻦ ﺑﻘﻮﺍ ﻣﻊ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺄﻣﺮﻫﻢ، ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﻓﻲ ﺃﻋﻨﺎﻗﻨﺎ ﺑﻴﻌﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﻧﺤﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣَﻦ ﻭﺍﻟﻴﺖ ﻭﺃﻋﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﻳﺖ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺘﺸﻴُّﻊ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﺸﻴﻌًﺎ ﻣﻨﺒﻮﺫًﺍ، ﻭﻻ ﻏﻠﻮَّ ﻓﻴﻪ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭﻳﺔ ﻗﺎﺑﻠﻮﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ: ﺍﺳﺘﺒﻘﺘﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻛﻔﺮﺳﻲ ﺭﻫﺎﻥ، ﺑﺎﻳﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺣﺒﻮﺍ ﻭﻛﺮﻫﻮﺍ، ﻭﺑﺎﻳﻌﺘﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﻋﻠﻲًّﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻜﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﻭﺍﻟﻰ ﻭﺃﻋﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﻯ.
ﻭﻳﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺠﻨﺢ ﺑﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ؛ ﺇﻻَّ ﺃﻥ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺮﺃﻑ ﺑﻬﻢ، ﻭﺭَﻏْﻢ ﺃﻥ ﺧﺮﻭﺟﻬﻢ ﺯﺍﺩ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﺎﻋﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺷﺮﺧًﺎ ﺁﺧﺮ ﺑﺠﺴﺪ ﺍﻷﻣﺔ، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮ ﻣﻦ ﻗﺘﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺇﻻَّ ﺃﻧﻪ ﺻﺒﺮ ﻋﻠﻲﻫﻢ، ﻭﺗَﺤﻤَّﻞ ﻣِﻦ ﺳﺒِّﻬﻢ ﻭﺷﺘﻤﻬﻢ ﻭﺍﺗﻬﺎﻣﻬﻢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻞ، ﻭﺑﻌﺚ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦﻋﺒﺎﺱ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻗﺎﻝ: ﻻ ﺗﻌﺠﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﺍﺑﻬﻢ ﻭﺧﺼﻮﻣﺘﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺁﺗﻴﻚ.
ﻓﺨﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﻓﺄﻗﺒﻠﻮﺍ ﻳﻜﻠﻤﻮﻧﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺒﺮ ﺣﺘﻰ ﺭﺍﺟﻌﻬﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻧﻘﻤﺘﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺇِﻥْ ﻳُﺮِﻳﺪَﺍ ﺇِﺻْﻠَﺎﺣًﺎ ﻳُﻮَﻓِّﻖِ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺑَﻴْﻨَﻬُﻤَﺎ} [ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ: 35]، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺄﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ: ﺃﻣَّﺎ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻜﻤﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﻣﺎ ﺣﻜﻢ ﻓﺄﻣﻀﺎﻩ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻴﻪ، ﺣﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺍﻧﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻠﺪﺓ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﺍﻟﻘﻄﻊ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﺑﻦﻋﺒﺎﺱ: ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻳﻘﻮﻝ: {ﻳَﺤْﻜُﻢُ ﺑِﻪِ ﺫَﻭَﺍ ﻋَﺪْﻝٍ ﻣِﻨْﻜُﻢْ} [ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ: 95]، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺃﻭ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﺪ ﻭﺍﻟﺤﺮﺙ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻛﺎﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؟ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﺃﻋﺪﻝٌ ﻋﻨﺪﻙ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﻭﻫﻮ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻳُﻘﺎﺗﻠﻨﺎ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﻻً ﻓﻠﺴﻨﺎ ﺑﻌﺪﻭﻝ، ﻭﻗﺪ ﺣﻜﻤﺘﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ، ﻭﻗﺪ ﺃﻣﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻜﻤﻪ ﻓﻲ ﻣُﻌﺎﻭﻳﺔ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺃﻥ ﻳُﻘﺘﻠﻮﺍ ﺃﻭ ﻳﺮﺟﻌﻮﺍ، ﻭﻗﺪ ﻛﺘﺒﺘﻢ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻛﺘﺎﺑًﺎ، ﻭﺟﻌﻠﺘﻢ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩﻋﺔ، ﻭﻗﺪ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩﻋﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻣﺬ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺮﺍﺀﺓ ﺇﻻ ﻣَﻦ ﺃﻗﺮ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺔ.
ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻳﺘﺨﺎﺻﻤﻮﻥ ﻭﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺇﺫ ﺟﺎﺀ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺃﻟﻢ ﺃﻧﻬﻚ ﻋﻦ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﺣﺘَّﻰ ﺁﺗﻲ؟ ﺛﻢ ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﻣﻘﺎﻡٌ ﻣَﻦ ﻳَﻔْﻠُﺞُ ﻓﻴﻪ، ﻛﺎﻥ ﺃَﻭْﻟَﻰ ﺑﺎﻟﻔَﻠْﺞِ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻣَﻦ ﺯﻋﻴﻤﻜﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻜﻮﺍ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﺃﺧﺮﺟﻜﻢ ﻋﻠﻲﻧﺎ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺣﻜﻮﻣﺘﻚ ﻳﻮﻡ ﺻﻔﻴﻦ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻗﺪ ﺍﺷﺘﺮﻃﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﻦ ﺃﻥ ﻳُﺤﻴﻴﺎ ﻣﺎ ﺃﺣﻴﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻳُﻤﻴﺘﺎ ﻣﺎ ﺃﻣﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺈﻥ ﺣَﻜَﻤﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘُﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧُﺨﺎﻟﻒ، ﻭﺇﻥ ﺃﺑﻴﺎ ﻓﻨﺤﻦ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﻬﻤﺎ ﺑُﺮَﺁﺀ.
ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﻓﺨﺒﺮﻧﺎ، ﺃﺗﺮﺍﻩ ﻋﺪﻻً ﺗﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪِّﻣﺎﺀ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﺎ ﻟﺴﻨﺎ ﺣﻜﻤﻨﺎ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ، ﺇﻧَّﻤﺎ ﺣﻜﻤﻨﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻂ ﻣﺴﻄﻮﺭ ﺑﻴﻦ ﺩﻓﺘﻴﻦ ﻻ ﻳﻨﻄﻖ، ﺇﻧَّﻤﺎ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻓﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ ﺍﻷﺟﻞ، ﻟِﻢَ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﺑﻴﻨﻜﻢ؟ ﻗﺎﻝ: ﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﺠﺎﻫﻞ ﻭﻳﺘﺜﺒﺖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻟﻌﻞَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺼﻠﺢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺪﻧﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ، ﻓﺄﻧﺎﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻗِﻠَّﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺩﻫﻢ، ﻓﺘﺮﻛﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻲﻩ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﻋﺬﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳُﺠﺒﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪُّﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻤﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ: ﻧُﺤﺴﻦ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭﻧﺘﺮﻛﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻮﻧﺎ.
ﻭﺭﻏﻢ ﺫﻟﻚ ﺣﺮﺻﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻔﺰﺍﺯﻩ، ﻓﻘﺪ ﺻﻌﺪ ﺍﻟﻤﻨﺒﺮ ﻳﻮﻣًﺎ؛ ﻟﻴﺨﻄﺐ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﻘﺎﻣﻮﺍ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ: ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﻛﻠﻤﺔُ ﺣﻖٍّ ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻃﻞ! ﺇﻥ ﺳﻜﺘﻮﺍ ﻏﻤﻤﻨﺎﻫﻢ، ﻭﺇﻥ ﺗﻜﻠﻤﻮﺍ ﺣﺎﺟﺠﻨﺎﻫﻢ، ﻭﺇﻥْ ﺧﺮﺟﻮﺍﻋﻠﻲﻧﺎ، ﻗﺎﺗﻠﻨﺎﻫﻢ، ﻓﻮﺛﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﺟﻞ ﻳُﺴﻤَّﻰ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺎﺻﻢ ﺍﻟﻤﺤﺎﺭﺑﻲ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻏَﻴْﺮَ ﻣُﻮَﺩَّﻉٍ ﺭَﺑُّﻨﺎ ﻭﻻ ﻣُﺴﺘﻐﻨًﻰ ﻋﻨﻪ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﻌﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﺪﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺇﺩﻫﺎﻥٌ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺫﻝ ﺭﺍﺟﻊ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﺨﻂ ﺍﻟﻠﻪ، ﻳﺎﻋﻠﻲ، ﺃﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﺗُﺨﻮِّﻓﻨﺎ؟ ﺃﻣﺎ ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﻧﻀﺮﺑَﻜﻢ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﻔﺤﺎﺕ، ﺛﻢ ﻟﺘﻌﻠﻢ ﺃﻳﻨﺎ ﺃَﻭْﻟَﻰ ﺑﻬﺎ ﺻﻠﻴًّﺎ.
ﻭﺻﺒﺮ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﺗﺼﺒَّﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﺮُّﺅﻋﻠﻲﻩ، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻨﺼﺐ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻐﻠﻪ، ﻭﻭﺻْﻔِﻪ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ، ﻭﺃﻋﺎﺩ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﻣﻘﻮﻟﺘﻪ: ﺃﻣﺎ ﺇﻥَّ ﻟﻜﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ﻣﺎ ﺻﺤﺒﺘﻤﻮﻧﺎ: ﻻ ﻧﻤﻨﻌﻜﻢ ﻣﺴﺎﺟﺪَ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺗﺬﻛﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺳﻤﻪ، ﻭﻻ ﻧﻤﻨﻌﻜﻢ ﺍﻟﻔﻲْﺀَ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ ﻣﻊ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ، ﻭﻻ ﻧﻘﺎﺗﻠﻜﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺪﺅﻭﻧﺎ.
ﻭﺳﻦ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺬﻟﻚ ﺳﻨﺔ ﻣُﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪَّﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﺃﺑﻦﺍﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥْ ﻳﺘﺤﺎﻛﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞُّ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﻠﻢ، ﻭﻻ ﻳَﺠﻨﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﻻ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺍﻷَﻣَّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳَﺮﺟﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧﺮ.
ﻭﻟﻮ ﻧﻈﺮ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻷﻧﻔﺴﻬِﻢ، ﻟﺘﺮﻛﻮﺍﻋﻠﻲًّﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﻬﻢ ﻳﻌﺘﻨﻘﻮﻥ ﻣﺎ ﺷﺎﺅﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃَﺑَﻰ ﺷﻴﻄﺎﻧُﻬﻢ ﺇﻻَّ ﺃﻥ ﻳَﺆُﺯَّﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳُﺠﺒﺮﻭﺍ ﻋﻠﻲﻫﺎ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻓﻠَﻘِﻲَ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀًﺎ، ﻭﺍﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻝ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ ﺍﻟﺮﺍﺳﺒﻲ، ﻓﺨﻄﺒﻬﻢ ﻓﺰﻫﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪُّﻧﻴﺎ - ﻛﻤﺎ ﺯﻋﻢ - ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨَّﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺳﻮﻯ ﺇﺟﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ، ﻭﻣُﻘﺎﺗﻠﺔ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﺍﺧﺮﺟﻮﺍ ﺑﻦﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻛﻮﺭ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ، ﻣُﻨﻜﺮﻳﻦ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﺍﻟﻤﻀﻠَّﺔ - ﻳﻘﺼﺪ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻢ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻭﺍﻟﻌﺮﺍﻕ - ﺛﻢ ﺍﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻝ ﺭﺟﻞ ﻳُﺴﻤﻰ ﺷﺮﻳﺢ ﺑﻦ ﺃﻭﻓﻰ ﺍﻟﻌﺒﺴﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻭﻫﺐ: ﺍﺷﺨﺼﻮﺍ ﺑﻦﺍ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪﺓ ﻧﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻹﻧﻔﺎﺫ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻧَّﻜﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﻘﺎﻝ ﺷﺮﻳﺢ: ﻧﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ، ﻓﻨﻨﺰﻟﻬﺎ ﻭﻧﺄﺧﺬﻫﺎ ﺑﺄﺑﻮﺍﺑﻬﺎ، ﻭﻧﺨﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ، ﻭﻧﺒﻌﺚ ﺇﻟﻰ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻓﻴﻘﺪﻣﻮﻥ ﻋﻠﻲﻧﺎ.
ﻭﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺑﺄﻱ ﺣﻖ ﻳﻔﻌﻠﻮﻥ ﺫﻟﻚ؟! ﻭﺃﻱ ﺩﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺄﻥ ﻳُﺨﺮﺟﻮﺍ ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻟﻴﺴﻜﻨﻮﻫﺎ ﻫﻢ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻢ؟! ﻻ ﺃﺩﺭﻱ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ ﻣﺸﺮﻛﻴﻦ - ﻛﻤﺎ ﺯﻋﻤﻮﺍ - ﻣﺎ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﺒﻮﺍ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ، ﻭﻳﺨﺮﺟﻮﻫﻢ ﻣﻦ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ: ﻟﻮ ﺧﺮﺟﺘﻢ ﻣُﺠﺘﻤﻌﻴﻦ، ﻋَﻠِﻢَ ﻋﻠﻲٌّ ﺑﺄﻣﺮﻛﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﺧﺮﺟﻮﺍ ﻭﺣﺪﺍﻧًﺎ ﻣﺴﺘﺨﻔﻴﻦ، ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ، ﻓﺈﻥَّ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻤﻨﻌﻜﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻴﺮﻭﺍ ﺣﺘَّﻰ ﻧﻨﺰﻝ ﺟﺴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺮﻭﺍﻥ.
ﻭﺳﺎﺭ ﺍﻷﺷﻘﻴﺎﺀ ﺣﺘَّﻰ ﻧﺰﻟﻮﺍ ﺟﺴﺮ ﺍﻟﻨَّﻬﺮﻭﺍﻥ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺎﺗﺐ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ ﺑﺎﻗﻲ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻳﻌﻠﻤﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺍﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻋﻠﻲﻩ، ﻭﻳَﺤﺜُّﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﺤﺎﻕ ﺑﻪ، ﻓﺄﺟﺎﺑﻮﻩ ﺑﻤﻮﺍﻓﻘﺘﻬﻢ، ﻭﻗﻀﻮﺍ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻏﺎﺩﺭﻭﺍ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻬﺠُّﺪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺯﺍﺩ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺘﻬﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺘﺤﻴﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﻢ، ﻭﻟﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻬﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥَّ ﺃﻧﺎﺳًﺎ ﻳَﺠﺘﻬﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ؟! ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ؛ ﻷﻥَّ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻄﺮﺓ ﻭﺳﻄﻴﺔ، ﻣَﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﺘَّﻔﺮﻳﻂ، ﺣﺎﺩ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﺑﺎﻟﻐﻠﻮ ﻭﺍﻹﻓﺮﺍﻁ، ﺣﺎﺩ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ.
ﻭﺻﺪﻕ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ -: ((ﻳﺤﻘﺮ ﺃﺣﺪُﻛﻢ ﺻﻼﺗﻪ ﻣﻊ ﺻﻼﺗﻬﻢ، ﻭﺻﻴﺎﻣﻪ ﻣﻊ ﺻﻴﺎﻣﻬﻢ، ﻳﻤﺮﻗﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺮﻭﻕ ﺍﻟﺴَّﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻴَّﺔ، ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﺼﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ، ﺛﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺭِﺻَﺎﻓِﻪ، ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ...))؛ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ.
ﻭﻋﻠﻢ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺄﻣﺮ ﺗﺴﻠُّﻠﻬﻢ ﻭﺧﺮﻭﺟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨَّﻬﺮﻭﺍﻥ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺬﻛﺮﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ، ﻓﺄﺑﻮﺍ، ﻭﻟﻢ ﻳﻐﻴﺮ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻣﻌﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻻَّ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﺎﻟﻘﺘﺎﻝ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺑﺪﺅﻭﻩ، ﻭﻇﻞَّ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﺣﺘَّﻰ ﺑﻠﻐﻪ ﺃﻥَّ ﺑﻌﻀَﻬﻢ ﺭَﺃَﻭْﺍ ﺭﺟﻼً ﻳﺴﻴﺮ ﺑﺎﻣﺮﺃﺗﻪ، ﻓﺪﻋﻮﻩ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﻣَﻦ ﺃﻧﺖ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺧﺒﺎﺏ ﺻﺎﺣﺐ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﺃﻓﺰﻋﻨﺎﻙ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻻ ﺭَﻭْﻉَ ﻋﻠﻲﻙ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻚ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﺗﻨﻔﻌﻨﺎ ﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺃﺑﻲ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ((ﺗﻜﻮﻥ ﻓﺘﻨﺔ ﻳﻤﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺪﻧﻪ، ﻳُﻤﺴﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺆﻣﻨًﺎ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻛﺎﻓﺮًﺍ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻛﺎﻓﺮًﺍ ﻭﻳﻤﺴﻲ ﻣﺆﻣﻨًﺎ)).
ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺳﺄﻟﻨﺎﻙ، ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻭﻋﻤﺮ؟ ﻓﺄﺛﻨﻰ ﻋﻠﻲﻫﻤﺎ ﺧﻴﺮًﺍ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮﻫﺎ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﻘًّﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﻟﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮﻫﺎ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲﻋﻠﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﻭﺑﻌﺪﻩ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻨﻜﻢ، ﻭﺃﺷﺪ ﺗﻮﻗﻴًﺎ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﺃﻧﻔﺬ ﺑﺼﻴﺮﺓ.
ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻧﻚ ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﺗﻮﺍﻟﻲ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻤﺎﺋﻬﺎ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﻘﺘﻠﻨﻚ ﻗِﺘﻠﺔً ﻣﺎ ﻗﺘﻠﻨﺎﻫﺎ ﺃﺣﺪًﺍ، ﻓﺄﺧﺬﻭﻩ ﻭﻛﺘﻔﻮﻩ، ﺛﻢ ﺃﻗﺒﻠﻮﺍ ﺑﻪ ﻭﺑﺎﻣﺮﺃﺗﻪ، ﻭﻫﻲ ﺣُﺒﻠﻰ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ، ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﻮﺍ ﺗﺤﺖ ﻧﺨﻞ ﻣﻮﺍﻗﻴﺮ، ﻓﺴﻘﻄﺖ ﻣﻨﻪ ﺭﻃﺒﺔ، ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻓﺘﺮﻛﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﺃﺧﺬﺗﻬﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﺣِﻠِّﻬﺎ ﻭﺑﻐﻴﺮ ﺛﻤﻦ، ﻓﺄﻟﻘﺎﻫﺎ، ﺛﻢ ﻣﺮ ﺑﻬﻢ ﺧﻨﺰﻳﺮ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺬِّﻣﺔ، ﻓﻀﺮﺑﻪ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺑﺴﻴﻔﻪ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻫﺬﺍ ﻓﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ، ﻓﻠَﻘِﻲَ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺨﻨﺰﻳﺮ، ﻓﺄﺭﺿﺎﻩ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺧﺒﺎﺏ ﻗﺎﻝ: ﻟﺌﻦ ﻛﻨﺘﻢ ﺻﺎﺩﻗﻴﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺭﻯ، ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻲَّ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﺄﺱ، ﺇﻧﻲ ﻣُﺴﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺣﺪﺛًﺎ، ﻭﻟﻘﺪ ﺃَﻣَّﻨﺘﻤﻮﻧﻲ، ﻗﻠﺘﻢ: ﻻ ﺭَﻭْﻉَ ﻋﻠﻲﻙ.
ﻟﻜﻦ ﻣَﻦ ﺃَﺑَﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﺄﻛﻠﻮﺍ ﺗَﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺮ ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻗﻂ ﺍﻟﻤﺒﺎﺡ ﻭَﺭَﻋًﺎ، ﻭﻣَﻦ ﺃﺩَّﻭﺍ ﺩﻳﺔ ﺍﻟﺨﻨﺰﻳﺮ، ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﻘﺘﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻷﻋﺰﻝ؛ ﺣﻴﺚ ﺃﺿﺠﻌﻮﻩ ﻓﺬﺑﺤﻮﻩ ﺣﺘَّﻰ ﺳﺎﻝ ﺩﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻭﺃﻗﺒﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﺃﻧﺎ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺃﻻ ﺗﺘﻘﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ؟! ﻓﺒﻘﺮﻭﺍ ﺑﻄﻨﻬﺎ.
ﺇﻧﻪ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﻓﻴﻬﻢ: ((ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻗﺘﻠﻬﻢ، ﻭﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻗﺘﻠﻮﻩ))؛ (ﻣﺴﻨﺪ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﺟﺰﺀ 2، ﺻﻔﺤﺔ 84 ).
ﺑﻠﻎ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮﻩ ﺑﻌﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦﺧﺒﺎﺏ، ﻭﺃﻧَّﻬﻢ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﺛﻼﺙَ ﻧﺴﻮﺓ ﻣﻦ ﻃَﻴِّﺊ، ﻭﻗﺘﻠﻮﺍ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺗُﺴﻤﻰ ﺃﻡ ﺳﻨﺎﻥ ﺍﻟﺼﻴﺪﺍﻭﻳﺔ، ﻭﺃﻧَّﻬﻢ ﺻﺎﺭﻭﺍ ﻳﻌﺘﺮﺿﻮﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺒﻌﺚ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺍﻟﺤﺎﺭﺙ ﺑﻦ ﻣﺮﺓ ﺍﻟﻌﺒﺪﻱ؛ ﻟﻴﺄﺗﻴﻬﻢ ﻭﻳﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻪ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﻳﻜﺘﺐ ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻻ ﻳﻜﺘﻤﻪ، ﻓﻠَﻤَّﺎ ﺩﻧﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻳُﺴﺎﺋﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻗﻄﻌﻬﻢ ﻟﻠﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻗﺘﻠﻮﻩ.
ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺇﺫًﺍ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﻋﻠﻨﻮﺍﻋﻠﻲﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻭﺭَﻭَّﻋﻮﺍ ﺍﻵﻣﻨﻴﻦ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺴﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﻢ؛ ﻟﻴﻘﺘﻠﻊ ﺷﻮﻛﺘﻬﻢ.
ﻭﺃﺅﻛﺪ ﺃﻥ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻟﻢ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﻘﺘﺎﻝ ﻵﺭﺍﺀ ﺕﺑﻦَّﻮﻫﺎ، ﻭﻻ ﻟﻔﻜﺮ ﺧﺎﻃﺊ ﺍﻋﺘﻨﻘﻮﻩ، ﻭﺇﻥ ﺑﺪﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺧﺮﻭﺝ ﻋﻠﻲﻩ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻋﺎﺛﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩًﺍ، ﻭﺭﻭﻋﻮﺍ ﺍﻵﻣﻨﻴﻦ، ﻭﺁﻭَﻭُﺍ ﺍﻟﻤﺎﺭﻗﻴﻦ، ﻭﺃﻋﻠﻨﻮﺍﻋﻠﻲﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻭﺃﻧَّﻪ ﻗﺪ ﺃﻋﺬﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﻤﻜﺎﺗﺒﺘﻬﻢ ﻭﻣﺮﺍﺳﻠﺘﻬﻢ، ﻭﻣﺤﺎﻭﺭﺗﻬﻢ ﻭﻣﺠﺎﺩﻟﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ.
ﻭﺑﻦﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ؛ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻷﻱِّ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺗﻞ، ﺃﻭ ﻳﺤﺎﻛﻢ ﻣﻦ ﺭﻋﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﻳﺖﺑﻦﻯ ﺃﻓﻜﺎﺭًﺍ ﻏﻴﺮ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺖﺑﻦﺍﻫﺎ ﺍﻟﺪَّﻭﻟﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻓﻜﺎﺭًﺍ ﺷﻄﻄًﺎ؛ ﺇﻻَّ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺜﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩًﺍ، ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ، ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥْ ﻳﻌﺬﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﻳﺴﺘﻨﻔﺬ ﻣﻌﻬﻢ ﻛﻞ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﺘﻘﻮﻳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ، ﻭﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺯﺍﺋﻐًﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ، ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺧﻄﺄ ﺑﺨﻄﺄ.
ﻭﺃﻋﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﺄﻗﻮﻝ: ﺇﻧَّﻪ ﺟﻬﺰ ﺟﻴﺸﻪ ﻟﻤﺎ ﺭﺃﻯ - ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ - ﺃﻥَّ ﻛﻞ ﺳﺒﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴَّﺔ ﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﻣﻌﻬﻢ، ﻭﻋﺒﺮ ﺟﺴﺮَ ﺍﻟﻔُﺮﺍﺕ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥْ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﻘﺘﺎﻝ ﺃﺭﺳﻞ ﻣَﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ: ﺍﺩﻓﻌﻮﺍ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻗَﺘَﻠَﺔَ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻣﻨﻜﻢ، ﺃﻗﺘﻠﻬﻢ ﺑﻬﻢ - ﻗﺼﺎﺻًﺎ ﻛﻤﺎ ﻧﺺ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪَّﻋﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺘﺤﺎﻛﻤﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ - ﺛﻢ ﺃﻧﺎ ﺗﺎﺭﻛﻜﻢ ﻭﻛﺎﻑٍّ ﻋﻨﻜﻢ، ﻓﻠﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪَ ﻳﻘﺒﻞ ﺑﻘﻠﻮﺑﻜﻢ ﻭﻳﺮﺩﻛﻢ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮٍ ﻣﻤﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻋﻠﻲﻩ ﻣﻦ ﺃﻣﺮِﻛﻢ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻛﻠُّﻨﺎ ﻗﺘﻠﻬﻢ، ﻭﻛﻠُّﻨﺎ ﻣﺴﺘﺤﻞٌّ ﻟﺪﻣﺎﺋﻜﻢ ﻭﺩﻣﺎﺋﻬﻢ، ﻓﺄﻋﺎﺩ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻗﻴﺲ ﺑﻦﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﺧﺮﺟﻮﺍ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻃﻠﺒﺘﻨﺎ ﻣﻨﻜﻢ، ﻭﺍﺩﺧﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺟﺘﻢ ﻣﻨﻪ، ﻭﻋُﻮﺩﻭﺍﺑﻦﺍ ﺇﻟﻰ ﻗﺘﺎﻝ ﻋﺪﻭِّﻧﺎ ﻭﻋﺪﻭﻛﻢ، ﻓﺈﻧَّﻜﻢ ﺭﻛﺒﺘﻢ ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ، ﺗﺸﻬﺪﻭﻥ ﻋﻠﻲﻧﺎ ﺑﺎﻟﺸِّﺮﻙ، ﻭﺗﺴﻔﻜﻮﻥ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﻤﻰ "ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ": ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﻖ ﻗﺪ ﺃﺿﺎﺀ ﻟﻨﺎ، ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻣﺒﺎﻳﻌﻴﻜﻢ، ﺃﻭ ﺗﺄﺗﻮﻧﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻋﻤﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﻗﻴﺲ: ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﻓﻴﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﺡﺑﻦﺍ، ﻓﻬﻞ ﺗﻌﻠﻤﻮﻧﻪ ﻓﻴﻜﻢ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻻ، ﻓﻘﺎﻝ ﻗﻴﺲ: ﻧﺸَﺪﺗﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﻬﻠﻜﻮﻫﺎ، ﻓﺈﻧﻲ ﻻ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﺇﻻ ﻭﻗﺪ ﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻲﻛﻢ.
ﺛﻢ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﺨﻄﺒﻬﻢ ﻭﻗﺎﻝ: ﻋﺒﺎﺩَ ﺍﻟﻠﻪ، ﺇﻧﺎ ﻭﺇﻳﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻨَّﺎ ﻋﻠﻲﻫﺎ، ﺃﻟﻴﺴﺖ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻨﻜﻢ ﻓﺮﻗﺔ؟ ﻓﻌﻼﻡَ ﺗﻘﺎﺗﻠﻮﻧﻨﺎ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻧﺎ ﻟﻮ ﺗﺎﺑﻌﻨﺎﻛﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡَ، ﺣﻜﻤﺘﻢ ﻏﺪًﺍ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ: ﻓﺈﻧِّﻲ ﺃﻧﺸﺪﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺗﻌﺠﻠﻮﺍ ﻓﺘﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻡ؛ ﻣَﺨﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﺑﻞ.
ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﻦﻓﺴﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺮﺟﻬﺎ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﺍﻟﻤِﺮَﺍﺀ ﻭﺍﻟﻠﺠﺎﺟﺔ، ﻭﺻﺪَّﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﻃﻤﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻨَّﺰَﻕُ - ﺍﻟﺨﻔﺔ ﻭﺍﻟﻄﻴﺶ - ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺐ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﺇﻧِّﻲ ﻧﺬﻳﺮ ﻟﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﺼﺒﺤﻮﺍ ﺗﻠﻌﻨﻜﻢ ﺍﻷُﻣَّﺔ ﻏﺪًﺍ ﺻَﺮﻋﻰ ﺑﺄﺛﻨﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﺩﻱ، ﻭﺑﺄﻫﻀﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﺎﺋﻂ ﺑﻐﻴﺮ ﺑﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺭﺑِّﻜﻢ ﻭﻻ ﺑُﺮﻫﺎﻥ ﻣﺒﻴﻦ.
ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻘﻰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﻓﻲ ﺭﻭﻋِﻬﻢ، ﻭﻫﻲ: "ﺇﻧﺎ ﺣﻜَّﻤﻨﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻜَّﻤﻨﺎ ﺃﺛﻤﻨﺎ، ﻭﻛﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺎﻓﺮﻳﻦ ﻭﻗﺪ ﺕُﺑﻦﺍ، ﻓﺈﻥ ﺗﺒﺖ، ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻌﻚ ﻭﻣﻨﻚ، ﻭﺇﻥ ﺃﺑﻴﺖ ﻓﺈﻧَّﺎ ﻣﻨﺎﺑﺬﻭﻙ ﻋﻠﻰ ﺳﻮﺍﺀ".
ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -: ﺃﺻﺎﺑﻜﻢ ﺣﺎﺻﺐ، ﻭﻻ ﺑَﻘِﻲَ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺍﺑﺮ، ﺃﺑَﻌْﺪَ ﺇﻳﻤﺎﻧﻲ ﺑﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠَّﻢ - ﻭﻫِﺠْﺮﺗﻲ ﻣﻌﻪ، ﻭﺟﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﺷﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﻜُﻔﺮ؟! ﻟﻘﺪ ﺿﻠﻠﺖ ﺇﺫًﺍ ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺘﺪﻳﻦ!
ﺛﻢ ﺍﻧﺼﺮﻑ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻨﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻋﺎﺯﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ، ﻭﻗﺪ ﺑﺪﺃ ﺑﻄﻤﺄﻧﺔ ﻣَﻦ ﻣﻌﻪ؛ ﻛﻲ ﻻ ﻳَﺮﻫﺒﻮﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﻻ ﻳُﻘﺘﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﺓ، ﻭﻻ ﻳَﺴﻠﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺸﺮﺓ.
ﻭﺗﻘﺪﻡ ﻓﻌﺒَّﺄ ﺟﻨﻮﺩﻩ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﺃﻭ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻣُﻘﺎﺗﻞ، ﻭﺃﻋﻄﻰ ﺃﺑﺎ ﺃﻳﻮﺏ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺭﺍﻳﺔَ ﺍﻷﻣﺎﻥ، ﻓﻨﺎﺩﺍﻫﻢ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣَﻦ ﺟﺎﺀ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮَّﺍﻳﺔ، ﻓﻬﻮ ﺁﻣﻦ، ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳَﻘﺘُﻞْ ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﺮﺽ، ﻭﻣﻦ ﺍﻧﺼﺮﻑَ ﻣﻨﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ ﻭﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻓﻬﻮ ﺁﻣﻦ، ﻻ ﺣﺎﺟﺔَ ﻟﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﺼﻴﺐَ ﻗﺘﻠﺔ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻣﻨﻜﻢ ﻓﻲ ﺳﻔﻚ ﺩﻣﺎﺋﻜﻢ.
ﻭﺗﻠﻚ - ﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻠﻪ - ﺃﺳﻤﻰ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﺮِّﻱ ﻭﺍﻟﺘﻮﺭُّﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻷﺑﺮﻳﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﻥ، ﺭَﻏْﻢ ﻣﺎ ﻗﻄﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﺷﻮﺍﻁ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺣُﻘُﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﺳﻨﺖ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺣﺪﻳﺜﺔ.
ﻭﻓﻠﺤﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻫﺬﻩ ﻓﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ، ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻘﺘﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ - ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ - ﻓﻘﺪ ﻭﻗﻒ ﺭﺟﻞ ﻳﺴﻤﻰ: "ﻓﺮﻭﺓ ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ ﺍﻷﺷﺠﻌﻲ"، ﻭﻗﺎﻝ: ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﻱِّ ﺷﻲﺀ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻋﻠﻲًّﺎ؟! ﻓﺎﻧﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻓﺎﺭﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥٍ ﻳُﺴﻤﻰ ﺍﻟﺪﺳﻜﺮﺓ، ﻭﺧﺮﺟﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣُﺘﻔﺮِّﻗﻴﻦ ﻓﻨﺰﻟﻮﺍ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ، ﻭﺍﻧﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻨﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﻣﺎﺋﺔ ﺭﺟﻞ.
ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﻣﻊ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ ﺯﻋﻴﻤﻬﻢ ﺳﻮﻯ ﺃﻟﻒ ﻭﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺁﻻﻑ ﻣُﻘﺎﺗﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﻌﻪ.
ﺃﺭﺃﻳﺘﻢ - ﻣﻌﺸﺮ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ - ﻛﻴﻒ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺮﻓﻘﻪ ﻭﻟﻴﻨﻪ ﺻﺮْﻑ ﻫﺆﻻﺀ ﻋﻦ ﻏَﻴِّﻬﻢ؟! ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻵﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻟﻮﺍ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭًﺍ ﺧﺎﻃﺌﺔ، ﺗﺒﻴﺢُ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﻣُﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ، ﻣﻦ ﺍﻟﻤُﻤﻜﻦ ﺇﻗﻨﺎﻋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤُﺴﻨﻰ ﻭﺍﻟﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮِّﻓﻖ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ؛ ﺣﺘَّﻰ ﻳﺘﺨﻠﻮﺍ ﻋﻨﻬﺎ، ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻄﺶ ﺑﻬﻢ، ﻭﺍﻟﻘﺴﻮﺓ ﻋﻠﻲﻫﻢ، ﻗﺴﻮﺓ ﻻ ﺗﺰﻳﺪﻫﻢ ﺇﻻ ﻋﻨﺎﺩًﺍ ﻭﻳﺄﺳًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﻭﺃﺅﻛﺪ ﺃﻥَّ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﻌﺪ ﺟُﻬُﻮﺩﻩ ﺍﻟﻤﻀﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻗﻨﺎﻋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻧﺠﺎﺣﻪ ﻓﻲ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻦ ﻣُﻘﺎﺗﻠﺘﻪ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺒﺎﺩﺉ ﺑﻤﻘﺎﺗﻠﺔ ﺍﻟﻤُﺼﺮِّﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺩﻫﻢ ﻣﻨﻬﻢ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﺗﺮﻳَّﺚ ﺑﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺯﺣﻔﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ: ﻛُﻔُّﻮﺍ ﻋﻨﻬﻢ ﺣﺘَّﻰ ﻳﺒﺪﺅﻭﻛﻢ، ﻓﺎﻟﺘﺰﻡ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﺑﺄﻭﺍﻣﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺎﺩﻭﺍ - ﺃﻱ: ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ -: ﺍﻟﺮﻭﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺣﻤﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﻤﻠﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺧﻴﻞَ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺗﻔﺘﺮﻕ ﻓﺮﻗﺘﻴﻦ: ﻓﺮﻗﺔ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﻴﻤﻨﺔ، ﻭﻓﺮﻗﺔ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﻴﺴﺮﺓ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻜُﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﺑُﺪٌّ، ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﺖ ﺍﻟﺮُّﻣﺎﺓ ﻭﺟﻮﻫَﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨَّﺒﻞ، ﺛﻢ ﻋﻄﻔﺖ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﺧﻴﻞ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﻤﻴﺴﺮﺓ، ﻭﻧﻬﺾ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﺑﺎﻟﺮِّﻣﺎﺡ ﻭﺍﻟﺴﻴﻮﻑ، ﻓﻤﺎ ﻟﺒﺜﻮﺍ ﺃﻥ ﺃﻧﺎﻣﻮﻫﻢ، ﻓﺄﻫﻠﻜﻮﺍ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ، ﻓﻜﺄﻥْ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ: ﻣﻮﺗﻮﺍ ﻓﻤﺎﺗﻮﺍ، ﻛﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮ ﺍﻟﺮﻭﺍﺓ.
ﻭﻻ ﻋﺠﺐَ ﺃﻥ ﻳﺤﻘﻖ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻠﻲﻫﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨَّﺼﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ؛ ﻷﻧَّﻬﻢ ﺑﻐﻮﺍ، ﻭﺍﻟﺒﻐﻲ ﻣﺮﺗﻌﻪ ﻭﺧﻴﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣَﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮﻫﻢ ﻣﻊ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻟﻢ ﻳﺸﻜُّﻮﺍ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺏ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺃَﻭﺍ ﻣﻦ ﺇﻋﺬﺍﺭ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﻘﺎﺗﻠﻮﻫﻢ ﻗﺘﺎﻝَ ﺍﻷﺑﻄﺎﻝ ﺍﻟﺮَّﺍﺟﻴﻦ ﻣﺜﻮﺑﺔ ﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻣَﺮَّ ﺑﻬﻢ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻫﻢ ﺻَﺮﻋﻰ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺑﺆﺳًﺎ ﻟﻜﻢ! ﻟﻘﺪ ﺿﺮَّﻛﻢ ﻣَﻦ ﻏَﺮَّﻛﻢ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻣَﻦ ﻏﺮَّﻫﻢ؟ ﻗﺎﻝ: ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﻭﺃﻧﻔﺲٌ ﺃﻣَّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻏﺮﺗﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﺎﻧﻲ، ﻭﺯﻳَّﻨﺖ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ، ﻭﻧﺒﺄﺗﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻇﺎﻫﺮﻭﻥ.
ﺛﻢ ﺟﺎﺀ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﺴﻜﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ، ﻓﺄﺧﺬ ﺍﻟﺴِّﻼﺡ، ﻓﻘﺴﻤﻪ ﺑﻴﻦ ﻣَﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮﺍ ﻣﻌﻪ، ﻭﺃﻣَّﺎ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﻉ ﻭﺍﻹﻣﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺒﻴﺪ، ﻓﺈﻧﻪ ﺭﺩَّﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠِﻬﻢ.
ﺇﻧَّﻬﻢ ﺑﻐﺎﺓ ﻧﻌﻢ، ﻭﻓﻲ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﺻﻴﺎﻧﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺷُﺮُﻭﺭﻫﻢ؛ ﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﺠﻮﺯ ﻣﺼﺎﺩﺭﺓ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ، ﻭﻻ ﻧﻬﺒﻬﺎ، ﻭﻻ ﺇﺗﻼﻓﻬﺎ؛ ﻷﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﻖِّ ﻭﺭﺛﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺑﻦﺍﺋﻬﻢ ﻭﺃﻫﻠﻴﻬﻢ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺫﻧﺐَ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺍﺭﺗﻜﺒﻪ ﺫﻭﻭﻫﻢ؛ ﻭﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻳﻘﻮﻝ: {ﻭَﻻَ ﺗَﺰِﺭُ ﻭَﺍﺯِﺭَﺓٌ ﻭِﺯْﺭَ ﺃُﺧْﺮَﻯ} [ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ: 164].
ﻭﻣﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺮِّ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣِﻦ ﻧﻬﺐٍ ﻷﻣﻮﺍﻝ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆﻻﺀ، ﻭﻣُﻌﺎﻗﺒﺔ ﺫﻭﻳﻬﻢ؛ ﺑﻬﺪﻑ ﺗﺮﻭﻳﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺀ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺧُﺮُﻭﺟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ - ﻟﻢ ﻳﺰﺩْﻫﻢ ﺇﻻَّ ﺣﻘﺪًﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﺮﺑﺼﻬﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮَ؛ ﺣﺘَّﻰ ﺇﺫﺍ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﻓُﺮﺻﺔ ﻟﻤﻌﺎﻭﺩﺓ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ، ﺧﺮﺟﻮﺍ ﻭﻋﺎﺛﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩًﺍ.
ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻋﺒﺮﺓ.
_________________________________________
نسخة ملائمة للطباعة
أرسل إلى صديق
تعليقات الزوار
أضف تعليقك
متابعة التعليقات
ﺭﺍﺑﻂ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ: http://www.alukah.net/Publications_Competitions/0/6389/1/ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺍﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ/#ixzz2l5SAmQun
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺘﺮﺓ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻟﻤﻨﻌﻄﻒ ﺧﻄﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ؛ ﺇﺫ ﺷﻬﺪﺕ ﻇﻬﻮﺭ ﻓﺮﻗﺘﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭﻫﻤﺎ ﺍﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﺁﺛﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻣﻤﺘﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻭﻗﺪ ﻋﺎﻧﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺗﻠﻚَ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻮﺍ؛ ﻷﻥَّ ﻭﻻﺓ ﺃﻣﻮﺭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﺴَّﺎﻟﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻨﻮﺍ ﺍﻟﺘﺼﺮُّﻑ ﻣﻊ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻴﺌﺖ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﺆﻻﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ، ﻓﻴﺘﻼﺷﻮﺍ ﺧﻄﺮ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻨﻮﺍ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻣﻊ ﻣﺜﻞ ﻫﺆﻻﺀ ﻛﻤﺎ ﺗﺼﺮﻑ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻲ- ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ.
ﻭﻫﺬﻩ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻮﺟﺰﺓ ﺃﺣﺎﻭﻝُ ﺃﻥ ﺃﺑﻴﻦَ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﺎﻣﻞﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻊ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﻗﺘﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮﺗﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻮﺳَّﻂ ﻭﺍﻋﺘﺪﻝ ﻣﻊ ﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻤﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﻠﻦ ﻣﻌﻬﻢ ﻟﻴﻨًﺎ ﻳﺘﺮﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﻏَﻮَﺍﻳَﺘِﻬﻢ ﻭﻳﻘﺮﻫﻢ ﻋﻠﻲﻫﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﺸﺘﺪ ﻣﻌﻬﻢ ﺍﺷﺘﺪﺍﺩًﺍ ﻳﺨﺮﺝ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼً ﺗﻮﺳﻄًﺎ ﻭﺍﻋﺘﺪﺍﻻً.
ﻭﻟﻨﺒﺪﺃ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﺑﺎﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺍﻟﺸﻴﻌﺔ:
ﻧﻌﻠﻢ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻗُﺘﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻃﻠﻖﻋﻠﻲﻫﻢ ﺍﻟﺴَّﺒﺌﻴَّﺔ؛ ﻟﺴﻴﺮﻫﻢ ﺗﺤﺖ ﺇﻣﺎﺭﺓ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ؛ ﻟﻴﻜﻴﺪَ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻸ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻇﺮﻭﻑ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴَّﺔ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻻ ﻳﺘﻤﻜَّﻦ ﻣﻦ ﺗﺮﺷﻴﺢ ﺃﺣﺪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪﻩ، ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺢ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺸُّﻮﺭﻯ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺤﻞ ﻭﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ؛ ﻟﻠﺘﺒﺎﺣُﺚ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺗﻌﻴﻴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻓﺘﻤَّﺖ ﺑﻴﻌﺔ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ.
ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻟﻴﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﻳﻌﺘﻪ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﻋﺜﻤﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﻲ ﺍﻷﻓﻀﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺷﺤﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺺَّﻋﻠﻲﻫﻢ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻗﺒﻴﻞ ﻣﻮﺗﻪ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﺃﻫﻞ ﻟﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﻐﻮﻏﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﻟﻌﺜﻤﺎﻥ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻋﺠﺰ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻦ ﺍﺗِّﺨﺎﺫ ﻗﺮﺍﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ، ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻻ ﺗﻤﺮ ﺑﺴﻼﻡ؛ ﻣﻤﺎ ﺃﻟﺠﺄ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻔﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ؛ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺸﺪﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻣﺎ ﻳﻘﻀﻮﻥ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻪ، ﻭﻳﺨﻠﺼﻮﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺘﻬﻢ.
ﻭﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺧﺮﺝ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻃﻠﺤﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺗﺮﺍﻓﻘﻬﻤﺎ ﺃﻡ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ - ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺗﻄﻮﻉ ﺍﻵﻻﻑ ﻟﻼﻧﻀﻤﺎﻡ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﺗَﻤﻜَّﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺒﺌﻴَّﺔ، ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻟﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﺨﺮﻭﺟﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻭﺳﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ؛ ﻟﻴُﻌﻠﻤﻬﻢ ﺃﻥ ﺣﺸﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﻴﺮ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻄﺮﻩ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺼﻮَّﺭﻭﻥ، ﻭﻗﺪ ﻳُﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﻞ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻷﺑﺮﻳﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣُﺮِّﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻔﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ.
ﻭﺻﻞ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﺘﻘﻰ ﺑﻄﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻭﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﻭﻣﺸﺎﻭﺭﺍﺕ ﺍﻗﺘﻨﻊ ﻛﻞٌّ ﺑﺮﺃﻱ ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﺍﺗﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﺼﺮﻓﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ، ﻭﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﺒﺌﻴﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺭﺍﻓﻘﻮﻩ ﻓﻲ ﺧﺮﻭﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ - ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻢ ﻣﻨﻪ - ﺃﺣﺴﻮﺍ ﺃﻥَّ ﻣﺨﻄﻄﻬﻢ ﻹﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ، ﻭﺃﻥَّ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻝﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺘﻔﺮﻍ ﻟﻬﻢ، ﻭﻳُﻄﻬِّﺮ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻷﻣﺼﺎﺭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺭﺟﺰﻫﻢ، ﻓﺪﺑﺮﻭﺍ ﺑﻠﻴﻞ ﻣُﺆﺍﻣﺮﺓ ﻟﻠﻮﻗﻴﻌﺔ ﺑﻴﻦ ﻣَﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺑﻤﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺭﻏﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ.
ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺧﻄﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻣﺔ ﻣﻘﺼﻮﺭًﺍ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﻗﺘﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮ؛ ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﻷﻧَّﻬﺎ ﺃﺣﺪﺛﺖ ﺃﻭﻝ ﺷﺮﺥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﺮﺍﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻻﺷﺘﻌﺎﻝ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺗﻄﺮﻑ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥَّ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﺎ ﺃﻥ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺣﺘَّﻰ ﺻﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻧﺪﺳﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺟﻴﺸﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺒﺌﻴﺔ ﻳﻄﻌﻨﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺃﻳﻀًﺎ، ﺣﻴﻦ ﻧﻬﺎﻫﻢ ﻋﻦ ﺃﺧﺬ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﻣَﻦ ﻗﺎﺗﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻒ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻃﻠﺤﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻣﺎ ﻟﻪ ﻳﺤﻞ ﻟﻨﺎ ﺩﻣﺎﺀﻫﻢ، ﻭﻳﺤﺮﻡﻋﻠﻲﻧﺎ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ؟!
ﺛﻢ ﺟﺎﺀﺕ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ﺻﻔﻴﻦ" ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻠﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻵﻻﻑ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺔ، ﻭﺍﻧﺘﻬﺖ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ؛ ﺣﻘﻨًﺎ ﻟﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺪِّﻣﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ، ﻭﺑﺮﺿﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﻼﺀ ﺍﻟﺼَّﺤﺎﺑﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻓﺎﻋﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺴﻌَﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ ﻷﻥ ﻳُﻔﻨﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀًﺎ.
ﻭﺻﺎﺭﻭﺍ ﻳﺮﺩﺩﻭﻥ: ﻻ ﺣﻜﻢ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻋﻠﻲًّﺎ ﺣﻜَّﻢ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ، ﻭﺗﺮﻙ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺘﻠﻘﻔﻬﺎ ﺍﻷﻋﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻜُﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻧﻄﻠﺖ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﺍﻟﺤﻴﻠﺔ، ﻭﻭﻗﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺦ، ﻓﺨﺮﺟﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﺎﻣﻬﻢ ﺩﻭﻥ ﺑﻴﻨﺔ، ﻭﻋﻨﺪ ﻋﻮﺩﺓﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻦ ﺻﻔﻴﻦ ﺑﺠﻴﺸﻪ ﺍﻧﻔﺼﻠﻮﺍ ﻋﻨﻪ، ﻭﺳﺎﺭﻭﺍ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻏﻴﺮ ﻃﺮﻳﻘﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻔﻮﺍ ﺧﻼﻝ ﺳﻴﺮﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻭﺍﻟﺴﺐ ﻝﻋﻠﻲ، ﻭﻣﻦ ﺭﺿﻲ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﺼُّﻠﺢ ﻭﻭﻗﻒ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ، ﻭﺃﺧﺬﻭﺍ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻳﺎ ﺃﻋﺪﺍﺀَ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﺩْﻫَﻨﺘﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺟﺎﺀﻩ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﻤﻰ: ﺯﺭﻋﺔ ﺑﻦ ﺍﻟﺒﺮﺝ ﺍﻟﻄﺎﺋﻲ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻋﻠﻲ، ﻟﺌﻦ ﻟﻢ ﺗﺪﻉ ﺗﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﻷﻗﺎﺗﻠﻨﻚ، ﺃﻃﻠﺐ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ: ﺑﺆﺳًﺎ ﻟﻚ ﻣﺎ ﺃﺷﻘﺎﻙ! ﻛﺄﻧﻲ ﺑﻚ ﻗﺘﻴﻼً ﺗﺴﻔﻲ ﻋﻠﻲﻙ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ!
ﺛﻢ ﺳﺎﺭ ﻫﺆﻻﺀ ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻳُﺴﻤﻰ ﺣﺮﻭﺭﺍﺀ، ﻓﺴُﻤﻮﺍ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﺬﻟﻚ، ﻭﻛﺎﻥ ﻋﺪﺩﻫﻢ ﺍﺛﻨﻲ ﻋَﺸَﺮ ﺃﻟﻔًﺎ، ﻭﻫﻢ ﺃﻭﻝ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺕﺑﻦﺕ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ.
ﻭﻗﺪ ﻭﻟﻮﺍ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﺭﺟﻼً ﻳُﺴﻤﻰ "ﺷﺒﺚ ﺑﻦ ﺭﺑﻌﻲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻤﻲ"، ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻫﻮ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ، ﻭﺁﺧﺮ ﻳُﺴﻤﻰ "ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺍﻟﻜﻮﺍ ﺍﻟﻴﺸﻜﺮﻱ"، ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻫﻮ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﺼﻼﺓ، ﻭﺍﺩَّﻋَﻮْﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ.
ﻓﻠَﻤَّﺎ ﺳﻤﻊ ﻣَﻦ ﺑﻘﻮﺍ ﻣﻊ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺄﻣﺮﻫﻢ، ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﻓﻲ ﺃﻋﻨﺎﻗﻨﺎ ﺑﻴﻌﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﻧﺤﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣَﻦ ﻭﺍﻟﻴﺖ ﻭﺃﻋﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﻳﺖ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺘﺸﻴُّﻊ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﺸﻴﻌًﺎ ﻣﻨﺒﻮﺫًﺍ، ﻭﻻ ﻏﻠﻮَّ ﻓﻴﻪ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭﻳﺔ ﻗﺎﺑﻠﻮﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ: ﺍﺳﺘﺒﻘﺘﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻛﻔﺮﺳﻲ ﺭﻫﺎﻥ، ﺑﺎﻳﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺣﺒﻮﺍ ﻭﻛﺮﻫﻮﺍ، ﻭﺑﺎﻳﻌﺘﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﻋﻠﻲًّﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻜﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﻭﺍﻟﻰ ﻭﺃﻋﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﻯ.
ﻭﻳﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺠﻨﺢ ﺑﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ؛ ﺇﻻَّ ﺃﻥ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺮﺃﻑ ﺑﻬﻢ، ﻭﺭَﻏْﻢ ﺃﻥ ﺧﺮﻭﺟﻬﻢ ﺯﺍﺩ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﺎﻋﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺷﺮﺧًﺎ ﺁﺧﺮ ﺑﺠﺴﺪ ﺍﻷﻣﺔ، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮ ﻣﻦ ﻗﺘﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺇﻻَّ ﺃﻧﻪ ﺻﺒﺮ ﻋﻠﻲﻫﻢ، ﻭﺗَﺤﻤَّﻞ ﻣِﻦ ﺳﺒِّﻬﻢ ﻭﺷﺘﻤﻬﻢ ﻭﺍﺗﻬﺎﻣﻬﻢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻞ، ﻭﺑﻌﺚ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦﻋﺒﺎﺱ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻗﺎﻝ: ﻻ ﺗﻌﺠﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﺍﺑﻬﻢ ﻭﺧﺼﻮﻣﺘﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺁﺗﻴﻚ.
ﻓﺨﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﻓﺄﻗﺒﻠﻮﺍ ﻳﻜﻠﻤﻮﻧﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺒﺮ ﺣﺘﻰ ﺭﺍﺟﻌﻬﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻧﻘﻤﺘﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺇِﻥْ ﻳُﺮِﻳﺪَﺍ ﺇِﺻْﻠَﺎﺣًﺎ ﻳُﻮَﻓِّﻖِ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺑَﻴْﻨَﻬُﻤَﺎ} [ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ: 35]، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺄﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ: ﺃﻣَّﺎ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻜﻤﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﻣﺎ ﺣﻜﻢ ﻓﺄﻣﻀﺎﻩ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻴﻪ، ﺣﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺍﻧﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻠﺪﺓ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﺍﻟﻘﻄﻊ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﺑﻦﻋﺒﺎﺱ: ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻳﻘﻮﻝ: {ﻳَﺤْﻜُﻢُ ﺑِﻪِ ﺫَﻭَﺍ ﻋَﺪْﻝٍ ﻣِﻨْﻜُﻢْ} [ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ: 95]، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺃﻭ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﺪ ﻭﺍﻟﺤﺮﺙ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻛﺎﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؟ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﺃﻋﺪﻝٌ ﻋﻨﺪﻙ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﻭﻫﻮ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻳُﻘﺎﺗﻠﻨﺎ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﻻً ﻓﻠﺴﻨﺎ ﺑﻌﺪﻭﻝ، ﻭﻗﺪ ﺣﻜﻤﺘﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ، ﻭﻗﺪ ﺃﻣﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻜﻤﻪ ﻓﻲ ﻣُﻌﺎﻭﻳﺔ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺃﻥ ﻳُﻘﺘﻠﻮﺍ ﺃﻭ ﻳﺮﺟﻌﻮﺍ، ﻭﻗﺪ ﻛﺘﺒﺘﻢ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻛﺘﺎﺑًﺎ، ﻭﺟﻌﻠﺘﻢ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩﻋﺔ، ﻭﻗﺪ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩﻋﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻣﺬ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺮﺍﺀﺓ ﺇﻻ ﻣَﻦ ﺃﻗﺮ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺔ.
ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻳﺘﺨﺎﺻﻤﻮﻥ ﻭﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺇﺫ ﺟﺎﺀ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺃﻟﻢ ﺃﻧﻬﻚ ﻋﻦ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﺣﺘَّﻰ ﺁﺗﻲ؟ ﺛﻢ ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﻣﻘﺎﻡٌ ﻣَﻦ ﻳَﻔْﻠُﺞُ ﻓﻴﻪ، ﻛﺎﻥ ﺃَﻭْﻟَﻰ ﺑﺎﻟﻔَﻠْﺞِ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻣَﻦ ﺯﻋﻴﻤﻜﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻜﻮﺍ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﺃﺧﺮﺟﻜﻢ ﻋﻠﻲﻧﺎ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺣﻜﻮﻣﺘﻚ ﻳﻮﻡ ﺻﻔﻴﻦ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻗﺪ ﺍﺷﺘﺮﻃﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﻦ ﺃﻥ ﻳُﺤﻴﻴﺎ ﻣﺎ ﺃﺣﻴﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻳُﻤﻴﺘﺎ ﻣﺎ ﺃﻣﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺈﻥ ﺣَﻜَﻤﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘُﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧُﺨﺎﻟﻒ، ﻭﺇﻥ ﺃﺑﻴﺎ ﻓﻨﺤﻦ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﻬﻤﺎ ﺑُﺮَﺁﺀ.
ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﻓﺨﺒﺮﻧﺎ، ﺃﺗﺮﺍﻩ ﻋﺪﻻً ﺗﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪِّﻣﺎﺀ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﺎ ﻟﺴﻨﺎ ﺣﻜﻤﻨﺎ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ، ﺇﻧَّﻤﺎ ﺣﻜﻤﻨﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻂ ﻣﺴﻄﻮﺭ ﺑﻴﻦ ﺩﻓﺘﻴﻦ ﻻ ﻳﻨﻄﻖ، ﺇﻧَّﻤﺎ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻓﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ ﺍﻷﺟﻞ، ﻟِﻢَ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﺑﻴﻨﻜﻢ؟ ﻗﺎﻝ: ﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﺠﺎﻫﻞ ﻭﻳﺘﺜﺒﺖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻟﻌﻞَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺼﻠﺢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺪﻧﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ، ﻓﺄﻧﺎﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻗِﻠَّﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺩﻫﻢ، ﻓﺘﺮﻛﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻲﻩ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﻋﺬﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳُﺠﺒﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪُّﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻤﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ: ﻧُﺤﺴﻦ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭﻧﺘﺮﻛﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻮﻧﺎ.
ﻭﺭﻏﻢ ﺫﻟﻚ ﺣﺮﺻﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻔﺰﺍﺯﻩ، ﻓﻘﺪ ﺻﻌﺪ ﺍﻟﻤﻨﺒﺮ ﻳﻮﻣًﺎ؛ ﻟﻴﺨﻄﺐ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﻘﺎﻣﻮﺍ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ: ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﻛﻠﻤﺔُ ﺣﻖٍّ ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻃﻞ! ﺇﻥ ﺳﻜﺘﻮﺍ ﻏﻤﻤﻨﺎﻫﻢ، ﻭﺇﻥ ﺗﻜﻠﻤﻮﺍ ﺣﺎﺟﺠﻨﺎﻫﻢ، ﻭﺇﻥْ ﺧﺮﺟﻮﺍﻋﻠﻲﻧﺎ، ﻗﺎﺗﻠﻨﺎﻫﻢ، ﻓﻮﺛﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﺟﻞ ﻳُﺴﻤَّﻰ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺎﺻﻢ ﺍﻟﻤﺤﺎﺭﺑﻲ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻏَﻴْﺮَ ﻣُﻮَﺩَّﻉٍ ﺭَﺑُّﻨﺎ ﻭﻻ ﻣُﺴﺘﻐﻨًﻰ ﻋﻨﻪ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﻌﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﺪﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺇﺩﻫﺎﻥٌ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺫﻝ ﺭﺍﺟﻊ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﺨﻂ ﺍﻟﻠﻪ، ﻳﺎﻋﻠﻲ، ﺃﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﺗُﺨﻮِّﻓﻨﺎ؟ ﺃﻣﺎ ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﻧﻀﺮﺑَﻜﻢ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﻔﺤﺎﺕ، ﺛﻢ ﻟﺘﻌﻠﻢ ﺃﻳﻨﺎ ﺃَﻭْﻟَﻰ ﺑﻬﺎ ﺻﻠﻴًّﺎ.
ﻭﺻﺒﺮ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﺗﺼﺒَّﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﺮُّﺅﻋﻠﻲﻩ، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻨﺼﺐ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻐﻠﻪ، ﻭﻭﺻْﻔِﻪ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ، ﻭﺃﻋﺎﺩ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﻣﻘﻮﻟﺘﻪ: ﺃﻣﺎ ﺇﻥَّ ﻟﻜﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ﻣﺎ ﺻﺤﺒﺘﻤﻮﻧﺎ: ﻻ ﻧﻤﻨﻌﻜﻢ ﻣﺴﺎﺟﺪَ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺗﺬﻛﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺳﻤﻪ، ﻭﻻ ﻧﻤﻨﻌﻜﻢ ﺍﻟﻔﻲْﺀَ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ ﻣﻊ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ، ﻭﻻ ﻧﻘﺎﺗﻠﻜﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺪﺅﻭﻧﺎ.
ﻭﺳﻦ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺬﻟﻚ ﺳﻨﺔ ﻣُﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪَّﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﺃﺑﻦﺍﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥْ ﻳﺘﺤﺎﻛﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞُّ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﻠﻢ، ﻭﻻ ﻳَﺠﻨﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﻻ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺍﻷَﻣَّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳَﺮﺟﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧﺮ.
ﻭﻟﻮ ﻧﻈﺮ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺤﺮﻭﺭﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻷﻧﻔﺴﻬِﻢ، ﻟﺘﺮﻛﻮﺍﻋﻠﻲًّﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﻬﻢ ﻳﻌﺘﻨﻘﻮﻥ ﻣﺎ ﺷﺎﺅﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃَﺑَﻰ ﺷﻴﻄﺎﻧُﻬﻢ ﺇﻻَّ ﺃﻥ ﻳَﺆُﺯَّﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳُﺠﺒﺮﻭﺍ ﻋﻠﻲﻫﺎ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻓﻠَﻘِﻲَ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀًﺎ، ﻭﺍﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻝ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ ﺍﻟﺮﺍﺳﺒﻲ، ﻓﺨﻄﺒﻬﻢ ﻓﺰﻫﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪُّﻧﻴﺎ - ﻛﻤﺎ ﺯﻋﻢ - ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨَّﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺳﻮﻯ ﺇﺟﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ، ﻭﻣُﻘﺎﺗﻠﺔ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﺍﺧﺮﺟﻮﺍ ﺑﻦﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻛﻮﺭ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ، ﻣُﻨﻜﺮﻳﻦ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﺍﻟﻤﻀﻠَّﺔ - ﻳﻘﺼﺪ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻢ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻭﺍﻟﻌﺮﺍﻕ - ﺛﻢ ﺍﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻝ ﺭﺟﻞ ﻳُﺴﻤﻰ ﺷﺮﻳﺢ ﺑﻦ ﺃﻭﻓﻰ ﺍﻟﻌﺒﺴﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻭﻫﺐ: ﺍﺷﺨﺼﻮﺍ ﺑﻦﺍ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪﺓ ﻧﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻹﻧﻔﺎﺫ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻧَّﻜﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﻘﺎﻝ ﺷﺮﻳﺢ: ﻧﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ، ﻓﻨﻨﺰﻟﻬﺎ ﻭﻧﺄﺧﺬﻫﺎ ﺑﺄﺑﻮﺍﺑﻬﺎ، ﻭﻧﺨﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ، ﻭﻧﺒﻌﺚ ﺇﻟﻰ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻓﻴﻘﺪﻣﻮﻥ ﻋﻠﻲﻧﺎ.
ﻭﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺑﺄﻱ ﺣﻖ ﻳﻔﻌﻠﻮﻥ ﺫﻟﻚ؟! ﻭﺃﻱ ﺩﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺄﻥ ﻳُﺨﺮﺟﻮﺍ ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻟﻴﺴﻜﻨﻮﻫﺎ ﻫﻢ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻢ؟! ﻻ ﺃﺩﺭﻱ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ ﻣﺸﺮﻛﻴﻦ - ﻛﻤﺎ ﺯﻋﻤﻮﺍ - ﻣﺎ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﺒﻮﺍ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ، ﻭﻳﺨﺮﺟﻮﻫﻢ ﻣﻦ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ: ﻟﻮ ﺧﺮﺟﺘﻢ ﻣُﺠﺘﻤﻌﻴﻦ، ﻋَﻠِﻢَ ﻋﻠﻲٌّ ﺑﺄﻣﺮﻛﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﺧﺮﺟﻮﺍ ﻭﺣﺪﺍﻧًﺎ ﻣﺴﺘﺨﻔﻴﻦ، ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ، ﻓﺈﻥَّ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻤﻨﻌﻜﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻴﺮﻭﺍ ﺣﺘَّﻰ ﻧﻨﺰﻝ ﺟﺴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺮﻭﺍﻥ.
ﻭﺳﺎﺭ ﺍﻷﺷﻘﻴﺎﺀ ﺣﺘَّﻰ ﻧﺰﻟﻮﺍ ﺟﺴﺮ ﺍﻟﻨَّﻬﺮﻭﺍﻥ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺎﺗﺐ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ ﺑﺎﻗﻲ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻳﻌﻠﻤﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺍﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﻋﻠﻲﻩ، ﻭﻳَﺤﺜُّﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﺤﺎﻕ ﺑﻪ، ﻓﺄﺟﺎﺑﻮﻩ ﺑﻤﻮﺍﻓﻘﺘﻬﻢ، ﻭﻗﻀﻮﺍ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻏﺎﺩﺭﻭﺍ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻬﺠُّﺪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺯﺍﺩ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺘﻬﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺘﺤﻴﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﻢ، ﻭﻟﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻬﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥَّ ﺃﻧﺎﺳًﺎ ﻳَﺠﺘﻬﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ؟! ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ؛ ﻷﻥَّ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻄﺮﺓ ﻭﺳﻄﻴﺔ، ﻣَﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﺘَّﻔﺮﻳﻂ، ﺣﺎﺩ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﺑﺎﻟﻐﻠﻮ ﻭﺍﻹﻓﺮﺍﻁ، ﺣﺎﺩ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ.
ﻭﺻﺪﻕ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ -: ((ﻳﺤﻘﺮ ﺃﺣﺪُﻛﻢ ﺻﻼﺗﻪ ﻣﻊ ﺻﻼﺗﻬﻢ، ﻭﺻﻴﺎﻣﻪ ﻣﻊ ﺻﻴﺎﻣﻬﻢ، ﻳﻤﺮﻗﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺮﻭﻕ ﺍﻟﺴَّﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻴَّﺔ، ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﺼﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ، ﺛﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺭِﺻَﺎﻓِﻪ، ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ...))؛ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ.
ﻭﻋﻠﻢ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺄﻣﺮ ﺗﺴﻠُّﻠﻬﻢ ﻭﺧﺮﻭﺟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨَّﻬﺮﻭﺍﻥ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺬﻛﺮﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ، ﻓﺄﺑﻮﺍ، ﻭﻟﻢ ﻳﻐﻴﺮ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻣﻌﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻻَّ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﺎﻟﻘﺘﺎﻝ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺑﺪﺅﻭﻩ، ﻭﻇﻞَّ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﺣﺘَّﻰ ﺑﻠﻐﻪ ﺃﻥَّ ﺑﻌﻀَﻬﻢ ﺭَﺃَﻭْﺍ ﺭﺟﻼً ﻳﺴﻴﺮ ﺑﺎﻣﺮﺃﺗﻪ، ﻓﺪﻋﻮﻩ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﻣَﻦ ﺃﻧﺖ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺧﺒﺎﺏ ﺻﺎﺣﺐ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﺃﻓﺰﻋﻨﺎﻙ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻻ ﺭَﻭْﻉَ ﻋﻠﻲﻙ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻚ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﺗﻨﻔﻌﻨﺎ ﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺃﺑﻲ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ((ﺗﻜﻮﻥ ﻓﺘﻨﺔ ﻳﻤﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺪﻧﻪ، ﻳُﻤﺴﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺆﻣﻨًﺎ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻛﺎﻓﺮًﺍ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻛﺎﻓﺮًﺍ ﻭﻳﻤﺴﻲ ﻣﺆﻣﻨًﺎ)).
ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺳﺄﻟﻨﺎﻙ، ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻭﻋﻤﺮ؟ ﻓﺄﺛﻨﻰ ﻋﻠﻲﻫﻤﺎ ﺧﻴﺮًﺍ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮﻫﺎ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﻘًّﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﻟﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮﻫﺎ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲﻋﻠﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﻭﺑﻌﺪﻩ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻨﻜﻢ، ﻭﺃﺷﺪ ﺗﻮﻗﻴًﺎ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﺃﻧﻔﺬ ﺑﺼﻴﺮﺓ.
ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻧﻚ ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﺗﻮﺍﻟﻲ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻤﺎﺋﻬﺎ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﻘﺘﻠﻨﻚ ﻗِﺘﻠﺔً ﻣﺎ ﻗﺘﻠﻨﺎﻫﺎ ﺃﺣﺪًﺍ، ﻓﺄﺧﺬﻭﻩ ﻭﻛﺘﻔﻮﻩ، ﺛﻢ ﺃﻗﺒﻠﻮﺍ ﺑﻪ ﻭﺑﺎﻣﺮﺃﺗﻪ، ﻭﻫﻲ ﺣُﺒﻠﻰ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ، ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﻮﺍ ﺗﺤﺖ ﻧﺨﻞ ﻣﻮﺍﻗﻴﺮ، ﻓﺴﻘﻄﺖ ﻣﻨﻪ ﺭﻃﺒﺔ، ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻓﺘﺮﻛﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﺃﺧﺬﺗﻬﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﺣِﻠِّﻬﺎ ﻭﺑﻐﻴﺮ ﺛﻤﻦ، ﻓﺄﻟﻘﺎﻫﺎ، ﺛﻢ ﻣﺮ ﺑﻬﻢ ﺧﻨﺰﻳﺮ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺬِّﻣﺔ، ﻓﻀﺮﺑﻪ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺑﺴﻴﻔﻪ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻫﺬﺍ ﻓﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ، ﻓﻠَﻘِﻲَ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺨﻨﺰﻳﺮ، ﻓﺄﺭﺿﺎﻩ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺧﺒﺎﺏ ﻗﺎﻝ: ﻟﺌﻦ ﻛﻨﺘﻢ ﺻﺎﺩﻗﻴﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺭﻯ، ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻲَّ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﺄﺱ، ﺇﻧﻲ ﻣُﺴﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺣﺪﺛًﺎ، ﻭﻟﻘﺪ ﺃَﻣَّﻨﺘﻤﻮﻧﻲ، ﻗﻠﺘﻢ: ﻻ ﺭَﻭْﻉَ ﻋﻠﻲﻙ.
ﻟﻜﻦ ﻣَﻦ ﺃَﺑَﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﺄﻛﻠﻮﺍ ﺗَﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺮ ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻗﻂ ﺍﻟﻤﺒﺎﺡ ﻭَﺭَﻋًﺎ، ﻭﻣَﻦ ﺃﺩَّﻭﺍ ﺩﻳﺔ ﺍﻟﺨﻨﺰﻳﺮ، ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﻘﺘﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻷﻋﺰﻝ؛ ﺣﻴﺚ ﺃﺿﺠﻌﻮﻩ ﻓﺬﺑﺤﻮﻩ ﺣﺘَّﻰ ﺳﺎﻝ ﺩﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻭﺃﻗﺒﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﺃﻧﺎ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺃﻻ ﺗﺘﻘﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ؟! ﻓﺒﻘﺮﻭﺍ ﺑﻄﻨﻬﺎ.
ﺇﻧﻪ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠﻢ - ﻓﻴﻬﻢ: ((ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻗﺘﻠﻬﻢ، ﻭﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻗﺘﻠﻮﻩ))؛ (ﻣﺴﻨﺪ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﺟﺰﺀ 2، ﺻﻔﺤﺔ 84 ).
ﺑﻠﻎ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮﻩ ﺑﻌﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦﺧﺒﺎﺏ، ﻭﺃﻧَّﻬﻢ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﺛﻼﺙَ ﻧﺴﻮﺓ ﻣﻦ ﻃَﻴِّﺊ، ﻭﻗﺘﻠﻮﺍ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺗُﺴﻤﻰ ﺃﻡ ﺳﻨﺎﻥ ﺍﻟﺼﻴﺪﺍﻭﻳﺔ، ﻭﺃﻧَّﻬﻢ ﺻﺎﺭﻭﺍ ﻳﻌﺘﺮﺿﻮﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺒﻌﺚ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺍﻟﺤﺎﺭﺙ ﺑﻦ ﻣﺮﺓ ﺍﻟﻌﺒﺪﻱ؛ ﻟﻴﺄﺗﻴﻬﻢ ﻭﻳﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻪ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﻳﻜﺘﺐ ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻻ ﻳﻜﺘﻤﻪ، ﻓﻠَﻤَّﺎ ﺩﻧﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻳُﺴﺎﺋﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻗﻄﻌﻬﻢ ﻟﻠﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻗﺘﻠﻮﻩ.
ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺇﺫًﺍ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﻋﻠﻨﻮﺍﻋﻠﻲﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻭﺭَﻭَّﻋﻮﺍ ﺍﻵﻣﻨﻴﻦ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺴﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﻢ؛ ﻟﻴﻘﺘﻠﻊ ﺷﻮﻛﺘﻬﻢ.
ﻭﺃﺅﻛﺪ ﺃﻥ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻟﻢ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﻘﺘﺎﻝ ﻵﺭﺍﺀ ﺕﺑﻦَّﻮﻫﺎ، ﻭﻻ ﻟﻔﻜﺮ ﺧﺎﻃﺊ ﺍﻋﺘﻨﻘﻮﻩ، ﻭﺇﻥ ﺑﺪﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺧﺮﻭﺝ ﻋﻠﻲﻩ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻋﺎﺛﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩًﺍ، ﻭﺭﻭﻋﻮﺍ ﺍﻵﻣﻨﻴﻦ، ﻭﺁﻭَﻭُﺍ ﺍﻟﻤﺎﺭﻗﻴﻦ، ﻭﺃﻋﻠﻨﻮﺍﻋﻠﻲﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻭﺃﻧَّﻪ ﻗﺪ ﺃﻋﺬﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﻤﻜﺎﺗﺒﺘﻬﻢ ﻭﻣﺮﺍﺳﻠﺘﻬﻢ، ﻭﻣﺤﺎﻭﺭﺗﻬﻢ ﻭﻣﺠﺎﺩﻟﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﺴﻦ.
ﻭﺑﻦﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ؛ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻷﻱِّ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺗﻞ، ﺃﻭ ﻳﺤﺎﻛﻢ ﻣﻦ ﺭﻋﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﻳﺖﺑﻦﻯ ﺃﻓﻜﺎﺭًﺍ ﻏﻴﺮ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺖﺑﻦﺍﻫﺎ ﺍﻟﺪَّﻭﻟﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻓﻜﺎﺭًﺍ ﺷﻄﻄًﺎ؛ ﺇﻻَّ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺜﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩًﺍ، ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ، ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥْ ﻳﻌﺬﺭ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﻳﺴﺘﻨﻔﺬ ﻣﻌﻬﻢ ﻛﻞ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﺘﻘﻮﻳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ، ﻭﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺯﺍﺋﻐًﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ، ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺧﻄﺄ ﺑﺨﻄﺄ.
ﻭﺃﻋﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﺄﻗﻮﻝ: ﺇﻧَّﻪ ﺟﻬﺰ ﺟﻴﺸﻪ ﻟﻤﺎ ﺭﺃﻯ - ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ - ﺃﻥَّ ﻛﻞ ﺳﺒﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴَّﺔ ﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﻣﻌﻬﻢ، ﻭﻋﺒﺮ ﺟﺴﺮَ ﺍﻟﻔُﺮﺍﺕ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥْ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﻘﺘﺎﻝ ﺃﺭﺳﻞ ﻣَﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ: ﺍﺩﻓﻌﻮﺍ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻗَﺘَﻠَﺔَ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻣﻨﻜﻢ، ﺃﻗﺘﻠﻬﻢ ﺑﻬﻢ - ﻗﺼﺎﺻًﺎ ﻛﻤﺎ ﻧﺺ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪَّﻋﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺘﺤﺎﻛﻤﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ - ﺛﻢ ﺃﻧﺎ ﺗﺎﺭﻛﻜﻢ ﻭﻛﺎﻑٍّ ﻋﻨﻜﻢ، ﻓﻠﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪَ ﻳﻘﺒﻞ ﺑﻘﻠﻮﺑﻜﻢ ﻭﻳﺮﺩﻛﻢ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮٍ ﻣﻤﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻋﻠﻲﻩ ﻣﻦ ﺃﻣﺮِﻛﻢ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻛﻠُّﻨﺎ ﻗﺘﻠﻬﻢ، ﻭﻛﻠُّﻨﺎ ﻣﺴﺘﺤﻞٌّ ﻟﺪﻣﺎﺋﻜﻢ ﻭﺩﻣﺎﺋﻬﻢ، ﻓﺄﻋﺎﺩ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻗﻴﺲ ﺑﻦﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﺧﺮﺟﻮﺍ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻃﻠﺒﺘﻨﺎ ﻣﻨﻜﻢ، ﻭﺍﺩﺧﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺟﺘﻢ ﻣﻨﻪ، ﻭﻋُﻮﺩﻭﺍﺑﻦﺍ ﺇﻟﻰ ﻗﺘﺎﻝ ﻋﺪﻭِّﻧﺎ ﻭﻋﺪﻭﻛﻢ، ﻓﺈﻧَّﻜﻢ ﺭﻛﺒﺘﻢ ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ، ﺗﺸﻬﺪﻭﻥ ﻋﻠﻲﻧﺎ ﺑﺎﻟﺸِّﺮﻙ، ﻭﺗﺴﻔﻜﻮﻥ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﻤﻰ "ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ": ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﻖ ﻗﺪ ﺃﺿﺎﺀ ﻟﻨﺎ، ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻣﺒﺎﻳﻌﻴﻜﻢ، ﺃﻭ ﺗﺄﺗﻮﻧﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻋﻤﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﻗﻴﺲ: ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﻓﻴﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﺡﺑﻦﺍ، ﻓﻬﻞ ﺗﻌﻠﻤﻮﻧﻪ ﻓﻴﻜﻢ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻻ، ﻓﻘﺎﻝ ﻗﻴﺲ: ﻧﺸَﺪﺗﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﻬﻠﻜﻮﻫﺎ، ﻓﺈﻧﻲ ﻻ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﺇﻻ ﻭﻗﺪ ﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻲﻛﻢ.
ﺛﻢ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻓﺨﻄﺒﻬﻢ ﻭﻗﺎﻝ: ﻋﺒﺎﺩَ ﺍﻟﻠﻪ، ﺇﻧﺎ ﻭﺇﻳﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻨَّﺎ ﻋﻠﻲﻫﺎ، ﺃﻟﻴﺴﺖ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻨﻜﻢ ﻓﺮﻗﺔ؟ ﻓﻌﻼﻡَ ﺗﻘﺎﺗﻠﻮﻧﻨﺎ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻧﺎ ﻟﻮ ﺗﺎﺑﻌﻨﺎﻛﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡَ، ﺣﻜﻤﺘﻢ ﻏﺪًﺍ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ: ﻓﺈﻧِّﻲ ﺃﻧﺸﺪﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺗﻌﺠﻠﻮﺍ ﻓﺘﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻡ؛ ﻣَﺨﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﺑﻞ.
ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﻦﻓﺴﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺮﺟﻬﺎ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﺍﻟﻤِﺮَﺍﺀ ﻭﺍﻟﻠﺠﺎﺟﺔ، ﻭﺻﺪَّﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﻃﻤﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻨَّﺰَﻕُ - ﺍﻟﺨﻔﺔ ﻭﺍﻟﻄﻴﺶ - ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺐ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﺇﻧِّﻲ ﻧﺬﻳﺮ ﻟﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﺼﺒﺤﻮﺍ ﺗﻠﻌﻨﻜﻢ ﺍﻷُﻣَّﺔ ﻏﺪًﺍ ﺻَﺮﻋﻰ ﺑﺄﺛﻨﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﺩﻱ، ﻭﺑﺄﻫﻀﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﺎﺋﻂ ﺑﻐﻴﺮ ﺑﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺭﺑِّﻜﻢ ﻭﻻ ﺑُﺮﻫﺎﻥ ﻣﺒﻴﻦ.
ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻘﻰ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﻓﻲ ﺭﻭﻋِﻬﻢ، ﻭﻫﻲ: "ﺇﻧﺎ ﺣﻜَّﻤﻨﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻜَّﻤﻨﺎ ﺃﺛﻤﻨﺎ، ﻭﻛﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺎﻓﺮﻳﻦ ﻭﻗﺪ ﺕُﺑﻦﺍ، ﻓﺈﻥ ﺗﺒﺖ، ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻌﻚ ﻭﻣﻨﻚ، ﻭﺇﻥ ﺃﺑﻴﺖ ﻓﺈﻧَّﺎ ﻣﻨﺎﺑﺬﻭﻙ ﻋﻠﻰ ﺳﻮﺍﺀ".
ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -: ﺃﺻﺎﺑﻜﻢ ﺣﺎﺻﺐ، ﻭﻻ ﺑَﻘِﻲَ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺍﺑﺮ، ﺃﺑَﻌْﺪَ ﺇﻳﻤﺎﻧﻲ ﺑﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲﻩ ﻭﺳﻠَّﻢ - ﻭﻫِﺠْﺮﺗﻲ ﻣﻌﻪ، ﻭﺟﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﺷﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﻜُﻔﺮ؟! ﻟﻘﺪ ﺿﻠﻠﺖ ﺇﺫًﺍ ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺘﺪﻳﻦ!
ﺛﻢ ﺍﻧﺼﺮﻑ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻨﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻋﺎﺯﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ، ﻭﻗﺪ ﺑﺪﺃ ﺑﻄﻤﺄﻧﺔ ﻣَﻦ ﻣﻌﻪ؛ ﻛﻲ ﻻ ﻳَﺮﻫﺒﻮﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﻻ ﻳُﻘﺘﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﺓ، ﻭﻻ ﻳَﺴﻠﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺸﺮﺓ.
ﻭﺗﻘﺪﻡ ﻓﻌﺒَّﺄ ﺟﻨﻮﺩﻩ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﺃﻭ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻣُﻘﺎﺗﻞ، ﻭﺃﻋﻄﻰ ﺃﺑﺎ ﺃﻳﻮﺏ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺭﺍﻳﺔَ ﺍﻷﻣﺎﻥ، ﻓﻨﺎﺩﺍﻫﻢ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣَﻦ ﺟﺎﺀ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮَّﺍﻳﺔ، ﻓﻬﻮ ﺁﻣﻦ، ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳَﻘﺘُﻞْ ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﺮﺽ، ﻭﻣﻦ ﺍﻧﺼﺮﻑَ ﻣﻨﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ ﻭﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻓﻬﻮ ﺁﻣﻦ، ﻻ ﺣﺎﺟﺔَ ﻟﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﺼﻴﺐَ ﻗﺘﻠﺔ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻣﻨﻜﻢ ﻓﻲ ﺳﻔﻚ ﺩﻣﺎﺋﻜﻢ.
ﻭﺗﻠﻚ - ﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻠﻪ - ﺃﺳﻤﻰ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﺮِّﻱ ﻭﺍﻟﺘﻮﺭُّﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻷﺑﺮﻳﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﻥ، ﺭَﻏْﻢ ﻣﺎ ﻗﻄﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﺷﻮﺍﻁ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺣُﻘُﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﺳﻨﺖ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺣﺪﻳﺜﺔ.
ﻭﻓﻠﺤﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻫﺬﻩ ﻓﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ، ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻘﺘﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ - ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ - ﻓﻘﺪ ﻭﻗﻒ ﺭﺟﻞ ﻳﺴﻤﻰ: "ﻓﺮﻭﺓ ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ ﺍﻷﺷﺠﻌﻲ"، ﻭﻗﺎﻝ: ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﻱِّ ﺷﻲﺀ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻋﻠﻲًّﺎ؟! ﻓﺎﻧﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻓﺎﺭﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥٍ ﻳُﺴﻤﻰ ﺍﻟﺪﺳﻜﺮﺓ، ﻭﺧﺮﺟﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣُﺘﻔﺮِّﻗﻴﻦ ﻓﻨﺰﻟﻮﺍ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ، ﻭﺍﻧﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻨﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﻣﺎﺋﺔ ﺭﺟﻞ.
ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﻣﻊ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ ﺯﻋﻴﻤﻬﻢ ﺳﻮﻯ ﺃﻟﻒ ﻭﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺁﻻﻑ ﻣُﻘﺎﺗﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﻌﻪ.
ﺃﺭﺃﻳﺘﻢ - ﻣﻌﺸﺮ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ - ﻛﻴﻒ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﺮﻓﻘﻪ ﻭﻟﻴﻨﻪ ﺻﺮْﻑ ﻫﺆﻻﺀ ﻋﻦ ﻏَﻴِّﻬﻢ؟! ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻵﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻟﻮﺍ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭًﺍ ﺧﺎﻃﺌﺔ، ﺗﺒﻴﺢُ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﻣُﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ، ﻣﻦ ﺍﻟﻤُﻤﻜﻦ ﺇﻗﻨﺎﻋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤُﺴﻨﻰ ﻭﺍﻟﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮِّﻓﻖ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ؛ ﺣﺘَّﻰ ﻳﺘﺨﻠﻮﺍ ﻋﻨﻬﺎ، ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻄﺶ ﺑﻬﻢ، ﻭﺍﻟﻘﺴﻮﺓ ﻋﻠﻲﻫﻢ، ﻗﺴﻮﺓ ﻻ ﺗﺰﻳﺪﻫﻢ ﺇﻻ ﻋﻨﺎﺩًﺍ ﻭﻳﺄﺳًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﻭﺃﺅﻛﺪ ﺃﻥَّ ﻋﻠﻲًّﺎ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺑﻌﺪ ﺟُﻬُﻮﺩﻩ ﺍﻟﻤﻀﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻗﻨﺎﻋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻧﺠﺎﺣﻪ ﻓﻲ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻦ ﻣُﻘﺎﺗﻠﺘﻪ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺒﺎﺩﺉ ﺑﻤﻘﺎﺗﻠﺔ ﺍﻟﻤُﺼﺮِّﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺩﻫﻢ ﻣﻨﻬﻢ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﺗﺮﻳَّﺚ ﺑﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺯﺣﻔﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ: ﻛُﻔُّﻮﺍ ﻋﻨﻬﻢ ﺣﺘَّﻰ ﻳﺒﺪﺅﻭﻛﻢ، ﻓﺎﻟﺘﺰﻡ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﺑﺄﻭﺍﻣﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺎﺩﻭﺍ - ﺃﻱ: ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ -: ﺍﻟﺮﻭﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺣﻤﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﻤﻠﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺧﻴﻞَ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺗﻔﺘﺮﻕ ﻓﺮﻗﺘﻴﻦ: ﻓﺮﻗﺔ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﻴﻤﻨﺔ، ﻭﻓﺮﻗﺔ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﻴﺴﺮﺓ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻜُﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﺑُﺪٌّ، ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﺖ ﺍﻟﺮُّﻣﺎﺓ ﻭﺟﻮﻫَﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨَّﺒﻞ، ﺛﻢ ﻋﻄﻔﺖ ﻋﻠﻲﻫﻢ ﺧﻴﻞ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﻤﻴﺴﺮﺓ، ﻭﻧﻬﺾ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺍﻟﺮِّﺟﺎﻝ ﺑﺎﻟﺮِّﻣﺎﺡ ﻭﺍﻟﺴﻴﻮﻑ، ﻓﻤﺎ ﻟﺒﺜﻮﺍ ﺃﻥ ﺃﻧﺎﻣﻮﻫﻢ، ﻓﺄﻫﻠﻜﻮﺍ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ، ﻓﻜﺄﻥْ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ: ﻣﻮﺗﻮﺍ ﻓﻤﺎﺗﻮﺍ، ﻛﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮ ﺍﻟﺮﻭﺍﺓ.
ﻭﻻ ﻋﺠﺐَ ﺃﻥ ﻳﺤﻘﻖ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻋﻠﻲﻫﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨَّﺼﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ؛ ﻷﻧَّﻬﻢ ﺑﻐﻮﺍ، ﻭﺍﻟﺒﻐﻲ ﻣﺮﺗﻌﻪ ﻭﺧﻴﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣَﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮﻫﻢ ﻣﻊ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻟﻢ ﻳﺸﻜُّﻮﺍ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺏ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺃَﻭﺍ ﻣﻦ ﺇﻋﺬﺍﺭ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﻘﺎﺗﻠﻮﻫﻢ ﻗﺘﺎﻝَ ﺍﻷﺑﻄﺎﻝ ﺍﻟﺮَّﺍﺟﻴﻦ ﻣﺜﻮﺑﺔ ﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻣَﺮَّ ﺑﻬﻢ ﻋﻠﻲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻭﻫﻢ ﺻَﺮﻋﻰ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺑﺆﺳًﺎ ﻟﻜﻢ! ﻟﻘﺪ ﺿﺮَّﻛﻢ ﻣَﻦ ﻏَﺮَّﻛﻢ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻣَﻦ ﻏﺮَّﻫﻢ؟ ﻗﺎﻝ: ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﻭﺃﻧﻔﺲٌ ﺃﻣَّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻏﺮﺗﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﺎﻧﻲ، ﻭﺯﻳَّﻨﺖ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ، ﻭﻧﺒﺄﺗﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻇﺎﻫﺮﻭﻥ.
ﺛﻢ ﺟﺎﺀ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﺴﻜﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ، ﻓﺄﺧﺬ ﺍﻟﺴِّﻼﺡ، ﻓﻘﺴﻤﻪ ﺑﻴﻦ ﻣَﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮﺍ ﻣﻌﻪ، ﻭﺃﻣَّﺎ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﻉ ﻭﺍﻹﻣﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺒﻴﺪ، ﻓﺈﻧﻪ ﺭﺩَّﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠِﻬﻢ.
ﺇﻧَّﻬﻢ ﺑﻐﺎﺓ ﻧﻌﻢ، ﻭﻓﻲ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﺻﻴﺎﻧﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺷُﺮُﻭﺭﻫﻢ؛ ﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﺠﻮﺯ ﻣﺼﺎﺩﺭﺓ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ، ﻭﻻ ﻧﻬﺒﻬﺎ، ﻭﻻ ﺇﺗﻼﻓﻬﺎ؛ ﻷﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﻖِّ ﻭﺭﺛﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺑﻦﺍﺋﻬﻢ ﻭﺃﻫﻠﻴﻬﻢ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺫﻧﺐَ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺍﺭﺗﻜﺒﻪ ﺫﻭﻭﻫﻢ؛ ﻭﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻳﻘﻮﻝ: {ﻭَﻻَ ﺗَﺰِﺭُ ﻭَﺍﺯِﺭَﺓٌ ﻭِﺯْﺭَ ﺃُﺧْﺮَﻯ} [ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ: 164].
ﻭﻣﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺮِّ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣِﻦ ﻧﻬﺐٍ ﻷﻣﻮﺍﻝ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆﻻﺀ، ﻭﻣُﻌﺎﻗﺒﺔ ﺫﻭﻳﻬﻢ؛ ﺑﻬﺪﻑ ﺗﺮﻭﻳﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺀ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺧُﺮُﻭﺟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ - ﻟﻢ ﻳﺰﺩْﻫﻢ ﺇﻻَّ ﺣﻘﺪًﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﺮﺑﺼﻬﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮَ؛ ﺣﺘَّﻰ ﺇﺫﺍ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﻓُﺮﺻﺔ ﻟﻤﻌﺎﻭﺩﺓ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ، ﺧﺮﺟﻮﺍ ﻭﻋﺎﺛﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩًﺍ.
ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻋﺒﺮﺓ.
_________________________________________
نسخة ملائمة للطباعة
أرسل إلى صديق
تعليقات الزوار
أضف تعليقك
متابعة التعليقات
ﺭﺍﺑﻂ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ: http://www.alukah.net/Publications_Competitions/0/6389/1/ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺍﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ/#ixzz2l5SAmQun
الحسين بن علي- زائر
رد: وسطية علي بن ابي طالب رضي الله عنه
على بن ابي طالب رضي الله عنه .. كان رجل سياسي غير عادي .. الا جانب انه قاضي وفاهم بالقضاء والشرع بشكل لا يوجد مثيلة .. وقصته مع الخوارج .. كانت مخططة من قبل .. وما قام به هو تنفيذ المخطط من اجل القضاء عليهم
حر بلا قيود- عضوية ملغية "ايقاف نهائي"
- عدد المساهمات : 1130
تاريخ التسجيل : 10/08/2013
مواضيع مماثلة
» عاجل : ????? ????? يقتلون 35 طالب و 68جريح من طلاب الثنوية باليمن
» رؤية صولجان من ذهب مكتوب عليه علي بن ابي طالب رضي الله عنه
» الله الله في ساحة الشام ||كلمة صوتية للشيخ :أبي محمد الجولاني حفظه الله
» قصيدة رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب في الأزد
» اذا كنت تريد ان تعرف المهدي الحقيقي
» رؤية صولجان من ذهب مكتوب عليه علي بن ابي طالب رضي الله عنه
» الله الله في ساحة الشام ||كلمة صوتية للشيخ :أبي محمد الجولاني حفظه الله
» قصيدة رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب في الأزد
» اذا كنت تريد ان تعرف المهدي الحقيقي
ملتقى صائد الرؤى :: الملتقيات العامة و الساحة السياسية والاقتصادية المفتوحة :: حوار الثغور ومنبر السياسة والاقتصاد والفتن الخاصة (عمران بيت المقدس خراب يثرب)!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى