ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطاغوت عند السلف

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الطاغوت عند السلف Empty الطاغوت عند السلف

مُساهمة  علاء. السبت نوفمبر 30, 2013 11:32 am

السلام عليكم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد

التفسير عند السلف

اولا

تفسير الطبري

القول في تأويل قوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " الطاغوت " .

فقال بعضهم : هو الشيطان . [ ص: 417 ]

ذكر من قال ذلك :

5834 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد العبسي قال : قال عمر بن الخطاب : الطاغوت : الشيطان .

5835 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثني ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد ، عن عمر مثله .

5836 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عمن حدثه ، عن مجاهد قال : الطاغوت : الشيطان .

5837 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا زكريا ، عن الشعبي قال : الطاغوت : الشيطان .

5838 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فمن يكفر بالطاغوت " قال : الشيطان .

5839 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة الطاغوت : الشيطان .

5840 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فمن يكفر بالطاغوت " بالشيطان .

وقال آخرون : الطاغوت : هو الساحر .

ذكر من قال ذلك :

5841 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، [ ص: 418 ] عن أبي العالية ، أنه قال : الطاغوت : الساحر .

وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية ، وأنا ذاكر الخلاف بعد .

5842 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا عوف ، عن محمد قال : الطاغوت : الساحر .

وقال آخرون : بل " الطاغوت " هو الكاهن .

ذكر من قال ذلك :

5843 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : الطاغوت : الكاهن .

5844 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن رفيع قال : الطاغوت : الكاهن .

5845 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فمن يكفر بالطاغوت " قال : كهان تنزل عليها شياطين ، يلقون على ألسنتهم وقلوبهم . أخبرني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أنه سمعه يقول : - وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال - : كان في جهينة واحد ، وفي أسلم واحد ، وفي كل حي واحد ، وهي كهان ينزل عليها الشيطان . [ ص: 419 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في " الطاغوت " أنه كل ذي طغيان على الله ، فعبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عبده ، وإما بطاعة ممن عبده له ، وإنسانا كان ذلك المعبود ، أو شيطانا ، أو وثنا ، أو صنما ، أو كائنا ما كان من شيء .

وأرى أن أصل " الطاغوت " " الطغووت " من قول القائل : " طغا فلان يطغو " إذا عدا قدره ، فتجاوز حده ، ك " الجبروت " " من التجبر "و " الخلبوت " من " الخلب " . ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير " فعلوت " بزيادة الواو والتاء . ثم نقلت لامه - أعني لام " الطغووت " فجعلت له عينا ، وحولت عينه فجعلت مكان لامه ، كما قيل : " جذب وجبذ " " وجاذب وجابذ " " وصاعقة وصاقعة " وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال .

فتأويل الكلام إذا : فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله ، فيكفر به " ويؤمن بالله " يقول : ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده " فقد استمسك بالعروة الوثقى " يقول : فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه كما : -

5846 - حدثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا ابن أبي مريم ، عن حميد بن عقبة ، عن أبي الدرداء : أنه عاد مريضا من جيرته ، فوجده في السوق وهو يغرغر ، لا يفقهون ما يريد . [ ص: 420 ]

فسألهم : يريد أن ينطق ؟ قالوا : نعم يريد أن يقول : " آمنت بالله وكفرت بالطاغوت " . قال أبو الدرداء : وما علمكم بذلك ؟ قالوا : لم يزل يرددها حتى انكسر لسانه ، فنحن نعلم أنه إنما يريد أن ينطق بها . فقال أبو الدرداء : أفلح صاحبكم ! إن الله يقول : " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير القرطبي


قوله تعالى : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله جزم بالشرط . والطاغوت مؤنثة من طغى يطغى . - وحكى الطبري يطغو - إذا جاوز الحد بزيادة عليه . ووزنه فعلوت ، ومذهب سيبويه أنه اسم مذكر مفرد كأنه اسم جنس يقع للقليل والكثير . ومذهب أبي علي أنه مصدر كرهبوت وجبروت ، وهو يوصف به الواحد والجمع ، وقلبت لامه إلى موضع العين وعينه موضع اللام كجبذ وجذب ، فقلبت الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت ، واختار هذا القول النحاس . وقيل : أصل طاغوت في اللغة مأخوذة من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق ، كما قيل : لآل من اللؤلؤ . وقال المبرد : هو جمع . وقال ابن عطية : وذلك مردود . قال الجوهري : والطاغوت الكاهن والشيطان ، وكله رأس في الضلال ، وقد يكون واحدا ، قال الله تعالى : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به . وقد يكون جمعا ، قال الله تعالى : أولياؤهم الطاغوت والجمع الطواغيت . ( ويؤمن بالله ) عطف . فقد استمسك بالعروة الوثقى جواب الشرط ، وجمع الوثقى الوثق مثل الفضلى والفضل ، فالوثقى فعلى من الوثاقة ، وهذه الآية تشبيه . واختلفت عبارة المفسرين في الشيء المشبه به ، فقال مجاهد : العروة الإيمان . وقال السدي : الإسلام . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ، لا إله إلا الله ، وهذه عبارات ترجع إلى معنى واحد . ثم قال : لا انفصام لها قال مجاهد : أي لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، أي لا يزيل عنهم اسم الإيمان حتى يكفروا . والانفصام : الانكسار من غير بينونة . والقصم : كسر ببينونة ، وفي صحيح الحديث فيفصم عنه الوحي وإن جبينه ليتفصد عرقا أي يقلع . قال الجوهري : فصم الشيء كسره من غير أن يبين ، تقول : [ ص: 258 ] فصمته فانفصم ، قال الله تعالى : لا انفصام لها وتفصم مثله ، قاله ذو الرمة يذكر غزالا يشبهه بدملج فضة :


كأنه دملج من فضة نبه في ملعب من جواري الحي مفصوم
وإنما جعله مفصوما لتثنيه وانحنائه إذا نام . ولم يقل " مقصوم " بالقاف فيكون بائنا باثنين . وأفصم المطر : أقلع . وأفصمت عنه الحمى ولما كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات " سميع " من أجل النطق " عليم " من أجل المعتقد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير ابن كثير

( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ( 256 ) )

يقول تعالى : ( لا إكراه في الدين ) أي : لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا . وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار ، وإن كان حكمها عاما .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانت المرأة تكون مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده ، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءنا فأنزل الله عز وجل : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )

وقد رواه أبو داود والنسائي جميعا عن بندار به ومن وجوه أخر عن شعبة به نحوه . وقد رواه ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه من حديث شعبة به ، وهكذا ذكر مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وغيرهم : أنها نزلت في ذلك .

وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد الجرشي عن زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد [ بن جبير ] عن ابن عباس قوله : ( لا إكراه في الدين ) قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له : الحصيني كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فأنزل الله فيه ذلك .

رواه ابن جرير وروى السدي نحو ذلك وزاد : وكانا قد تنصرا على يدي تجار قدموا من الشام يحملون زيتا فلما عزما على الذهاب معهم أراد أبوهما أن يستكرههما ، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث في آثارهما ، فنزلت هذه الآية .

[ ص: 683 ]

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عمرو بن عوف أخبرنا شريك عن أبي هلال عن أسق قال : كنت في دينهم مملوكا نصرانيا لعمر بن الخطاب فكان يعرض علي الإسلام فآبى فيقول : ( لا إكراه في الدين ) ويقول : يا أسق لو أسلمت لاستعنا بك على بعض أمور المسلمين .

وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية . وقال آخرون : بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام ، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية ، قوتل حتى يقتل . وهذا معنى الإكراه قال الله تعالى : ( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) [ الفتح : 16 ] وقال تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) [ التحريم : 9 ] وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) [ التوبة : 123 ] وفي الصحيح : " عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل " يعني : الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثائق والأغلال والقيود والأكبال ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح أعمالهم وسرائرهم فيكونون من أهل الجنة .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن حميد عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " أسلم " قال : إني أجدني كارها . قال : " وإن كنت كارها " فإنه ثلاثي صحيح ، ولكن ليس من هذا القبيل ، فإنه لم يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام بل دعاه إليه فأخبر أن نفسه ليست قابلة له بل هي كارهة فقال له : " أسلم وإن كنت كارها ؛ فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص " .

وقوله : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) أي : من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ، ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي : فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم .

قال أبو القاسم البغوي : حدثنا أبو روح البلدي حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن أبي إسحاق عن حسان هو ابن فائد العبسي قال : قال عمر رضي الله عنه : إن الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان ، وإن الشجاعة والجبن غرائز تكون في الرجال ، يقاتل الشجاع عمن لا يعرف ويفر الجبان من أمه ، وإن كرم الرجل دينه ، وحسبه خلقه ، وإن كان فارسيا أو نبطيا . وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث الثوري عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد العبسي عن عمر فذكره .

ومعنى قوله في الطاغوت : إنه الشيطان قوي جدا فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية ، من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها .

وقوله : ( فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ) أي : فقد استمسك من الدين بأقوى سبب ، [ ص: 684 ] وشبه ذلك بالعروة الوثقى التي لا تنفصم فهي في نفسها محكمة مبرمة قوية وربطها قوي شديد ولهذا قال : ( فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) .

قال مجاهد : ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) يعني : الإيمان . وقال السدي : هو الإسلام . وقال سعيد بن جبير والضحاك : يعني لا إله إلا الله . وعن أنس بن مالك : ( بالعروة الوثقى ) : القرآن . وعن سالم بن أبي الجعد قال : هو الحب في الله والبغض في الله .

وكل هذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها .

وقال معاذ بن جبل في قوله : ( لا انفصام لها ) أي : لا انقطاع لها دون دخول الجنة .

وقال مجاهد وسعيد بن جبير : ( فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ) ثم قرأ : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) [ الرعد : 11 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا ابن عون عن محمد عن قيس بن عباد قال : كنت في المسجد فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع ، فدخل فصلى ركعتين أوجز فيهما فقال القوم : هذا رجل من أهل الجنة . فلما خرج اتبعته حتى دخل منزله فدخلت معه فحدثته فلما استأنس قلت له : إن القوم لما دخلت قبل المسجد قالوا كذا وكذا . قال : سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم : إني رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه : رأيت كأني في روضة خضراء - قالابن عون : فذكر من خضرتها وسعتها - وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة ، فقيل لي : اصعد عليه فقلت : لا أستطيع . فجاءني منصف قال ابن عون : هو الوصيف ، فرفع ثيابي من خلفي ، فقال : اصعد . فصعدت حتى أخذت بالعروة فقال : استمسك بالعروة . فاستيقظت وإنها لفي يدي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه . فقال : " أما الروضة فروضة الإسلام ، وأما العمود فعمود الإسلام ، وأما العروة فهي العروة الوثقى ، أنت على الإسلام حتى تموت " .

قال : وهو عبد الله بن سلام أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الله بن عون وأخرجه البخاري من وجه آخر ، عن محمد بن سيرين به .

طريق أخرى وسياق آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى وعفان قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بهدلة عن المسيب بن رافع عن خرشة بن الحر قال : قدمت المدينة فجلست إلى مشيخة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . فجاء شيخ يتوكأ على عصا له فقال القوم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا . فقام خلف سارية فصلى ركعتين فقمت إليه ، فقلت له : قال بعض القوم : كذا وكذا . فقال : الجنة لله يدخلها من يشاء ، وإني رأيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا ، رأيت كأن رجلا أتاني فقال : انطلق . فذهبت معه فسلك بي منهجا عظيما فعرضت لي طريق عن يساري ، فأردت أن أسلكها . فقال : إنك لست من أهلها . ثم عرضت لي طريق عن [ ص: 685 ] يميني فسلكتها حتى انتهت إلى جبل زلق فأخذ بيدي فزجل فإذا أنا على ذروته ، فلم أتقار ولم أتماسك فإذا عمود حديد في ذروته حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل حتى أخذت بالعروة فقال : استمسك . فقلت : نعم . فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة ، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " رأيت خيرا ، أما المنهج العظيم فالمحشر ، وأما الطريق التي عرضت عن يسارك فطريق أهل النار ، ولست من أهلها ، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة ، وأما الجبل الزلق فمنزل الشهداء ، وأما العروة التي استمسكت بها فعروة الإسلام ، فاستمسك بها حتى تموت " . قال : فإنما أرجو أن أكون من أهل الجنة . قال : وإذا هو عبد الله بن سلام .

وهكذا رواه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عفان ، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن الحسن بن موسى الأشيب كلاهما عن حماد بن سلمة به نحوه . وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر الفزاري به .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التفسير الكبير البحر المحيط



( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) ( الطاغوت ) : الشيطان . قاله عمر ومجاهد والشعبي والضحاك وقتادة والسدي . أو الساحر ، قاله ابن سيرين وأبو العالية . أو الكاهن ، قاله جابر وابن جبير ورفيع وابن جريج . أو ما عبد من دون الله ممن يرضى ذلك : كفرعون ، ونمروذ ، قاله الطبري . أو الأصنام ، قاله بعضهم ، وينبغي أن تجعل هذه الأقوال كلها تمثيلا ؛ لأن الطاغوت محصور في كل واحد منها . قال ابن عطية : وقدم ذكر الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله ليظهر الاهتمام بوجوب الكفر بالطاغوت ، انتهى .

وناسب ذلك أيضا اتصاله بلفظ الغي ، ولأن الكفر بالطاغوت متقدم على الإيمان بالله ؛ لأن الكفر بها هو رفضها ورفض عبادتها ، ولم يكتف بالجملة الأولى ؛ لأنها لا تستلزم الجملة الثانية ، إذ قد يرفض عبادتها ولا يؤمن بالله ، لكن الإيمان يستلزم الكفر بالطاغوت ، ولكنه نبه بذكر الكفر بالطاغوت على الانسلاخ بالكلية ، مما كان مشتبها به ، سابقا له قبل الإيمان ؛ لأن في النصية عليه مزيد تأكيد على تركه ، وجواب الشرط ( فقد استمسك ) وأبرز في صورة الفعل الماضي المقرون بقد الدالة في الماضي على تحقيقه ، وإن كان مستقبلا في المعنى ؛ لأنه جواب الشرط ، إشعارا بأنه مما وقع استمساكه وثبت ، وذلك للمبالغة في ترتيب الجزاء على الشرط ، وأنه كائن لا محالة لا يمكن أن يتخلف عنه ، و ( بالعروة ) متعلق بـ ( استمسك ) جعل ما تمسك به من الإيمان عروة ، وهي في الأجرام موضع الإمساك وشد الأيدي ، شبه الإيمان بذلك . قال الزمخشري : وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر ، والاستدلال بالمشاهد المحسوس ، حتى يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه ، فيحكم اعتقاده والتيقن ، والمشبه بالعروة الإيمان ، قاله : مجاهد أو الإسلام قاله السدي ، أو لا إله إلا الله ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، والضحاك ، أو القرآن ، قاله السدي أيضا ، أو السنة ، أو التوفيق . أو العهد الوثيق . أو السبب الموصل إلى رضا الله [ ص: 283 ] وهذه أقوال متقاربة .

( لا انفصام لها ) لا انكسار لها ولا انقطاع ، قال الفراء : الانفصام والانقصام هما لغتان ، وبالفاء أفصح ، وفرق بعضهم بينهما ، فقال : الفصم انكسار بغير بينونة ، والقصم انكسار ببينونة ، وهذه الجملة في موضع نصب على الحال من العروة ، وقيل : من الضمير المستكن في ( الوثقى ) ويجوز أن يكون خبرا مستأنفا من الله عن العروة ، ولها ، في موضع الخبر ، فتتعلق بمحذوف أي : كائن لها .

( والله سميع عليم ) أتى بهذين الوصفين ؛ لأن الكفر بالطاغوت والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده الجنان ، فناسب هذا ذكر هذين الوصفين ؛ لأن الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، وقيل : سميع لدعائك يا محمد ، عليم بحرصك واجتهادك .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير المنار

[ ص: 30 ] لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

( المفردات ) الرشد - بالضم والتحريك - إصابة وجه الأمر ومحجة الطريق ، والهدى : إصابة الثاني ، فهو أخص من الرشد ، ومثله الرشاد ، ويستعمل في كل خير ، وضده الغي ، والطاغوت : مصدر الطغيان ومبعثه ، وهو مجاوزة الحد في الشيء وهو صيغة مبالغة كالملكوت من الملك ، أو مصدر . ويصح فيه التذكير والتأنيث والإفراد والجمع بحسب المعنى . والعروة من الدلو والكوز : المقبض ، ومن الثوب : مدخل الزر ، ومن الشجر : الملتف الذي تشتو فيه الإبل فتأكل منه حيث لا كلأ ولا نبات ، أو هو ما لا يسقط ورقه كالأراك والسدر ، أو ما له أصل باق في الأرض . أقوال يدل مجموعها على أن العروة هي ما يمكن الانتفاع به من الشجر في كل فصل لثباته وبقائه . وقالوا : إذا أمحل الناس عصمت العروة الماشية ; يعنون ما له أصل باق كالنصي والعرفج وأجناس الخلة والحمض . والوثقى : مؤنث الأوثق ، وهو الأشد الأحكم ، والموثق من الشجر : ما يعول عليه الناس إذا انقطع الكلأ والشجر . وأرض وثيقة : كثيرة العشب يوثق بها . والانفصام : الانكسار والانقطاع ، مطاوع فصمه ، أي كسره أو قطعه ولم يبنه .

( سبب النزول ) روى أبو داود والنسائي وابن حبان وابن جرير عن ابن عباس قال : كانت المرأة تكون مقلاة ( أي لا يعيش لها ولد ) فتجعل على نفسها إن عاش لها أن تهوده ، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار ، فقالوا : لا ندع أبناءنا ، فأنزل الله لا إكراه في الدين في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين [ ص: 31 ] كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو مسلما ، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فأنزل الله الآية . وفي بعض التفاسير أنه حاول إكراههما فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟ ولابن جرير عدة روايات في نذر النساء في الجاهلية تهويد أولادهن ليعيشوا ، وأن المسلمين بعد الإسلام أرادوا إكراه من لهم من الأولاد على دين أهل الكتاب على الإسلام فنزلت الآية فكانت فصل ما بينهم . وفي رواية له عن سعيد بن جبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عندما أنزلت : قد خير الله أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم وإن اختاروهم فهم منهم .

( التفسير ) أقول : هذا هو حكم الدين الذي يزعم الكثيرون من أعدائه - وفيهم من يظن أنه من أوليائه - أنه قام بالسيف والقوة فكان يعرض على الناس والقوة عن يمينه فمن قبله نجا ، ومن رفضه حكم السيف فيه حكمه ، فهل كان السيف يعمل عمله في إكراه الناس على الإسلام في مكة أيام كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي مستخفيا ، وأيام كان المشركون يفتنون المسلم بأنواع من التعذيب ولا يجدون رادعا حتى اضطر النبي وأصحابه إلى الهجرة ؟ أم يقولون إن ذلك الإكراه وقع في المدينة بعد أن اعتز الإسلام ! ! وهذه الآية قد نزلت في غرة هذا الاعتزاز ، فإن غزوة بني النضير كانت في ربيع الأول من السنة الرابعة . وقال البخاري : إنها كانت قبل غزوة أحد التي لا خلاف في أنها كانت في شوال سنة ثلاث ، وكان كفار مكة لا يزالون يقصدون المسلمين بالحرب . نقض بنو النضير عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكادوا له وهموا باغتياله مرتين وهم بجواره في ضواحي المدينة فلم يكن له بد من إجلائهم عن المدينة ، فحاصرهم حتى أجلاهم ، فخرجوا مغلوبين على أمرهم ، ولم يأذن لمن استأذنه من أصحابه بإكراه أولادهم المتهودين على الإسلام ومنعهم من الخروج مع اليهود . فذلك أول يوم خطر فيه على بال بعض المسلمين الإكراه على الإسلام ، وهو اليوم الذي نزل فيه لا إكراه في الدين .

قال الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى - : كان معهودا عند بعض الملل - لا سيما النصارى - حمل الناس على الدخول في دينهم بالإكراه . وهذه المسألة ألصق بالسياسة منها بالدين ; لأن الإيمان - وهو أصل الدين وجوهره - عبارة عن إذعان النفس ، ويستحيل أن يكون الإذعان بالإلزام والإكراه ، وإنما يكون بالبيان والبرهان ; ولذلك قال - تعالى - بعد نفي الإكراه : قد تبين الرشد من الغي أي قد ظهر أن في هذا الدين الرشد والهدى والفلاح والسير في الجادة على نور ، وأن ما خالفه من الملل والنحل على غي وضلال . فمن يكفر بالطاغوت وهو كل ما تكون عبادته والإيمان به سببا للطغيان والخروج عن الحق من مخلوق يعبد ، ورئيس يقلد ، وهوى يتبع ، ويؤمن بالله فلا يعبد إلا إياه ، ولا يرجو غيره ولا يخشى [ ص: 32 ] سواه ، يرجوه ويخشاه لذاته ، وبمناسبة من الأسباب والسنن في عباده فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها أقول : أي فقد طلب أو تحرى باعتقاده وعمله أن يكون ممسكا بأوثق عرى النجاة ، وأثبت أسباب الحياة ، أو فقد اعتصم بأوثق العرى ، وبالغ في التمسك بها ، وقال الأستاذ الإمام : الاستمساك بالعروة الوثقى هو الاستقامة على طريق الحق القويم الذي لا يضل سالكه ، كما أن المتعلق بعروة هي أوثق العرى وأحكمها فمثلا لا يقع ولا يتفلت ، وقد حذف لفظ التي وذلك معروف عن العرب في مثل هذا الكلام ، وأقول : أفاد كلامه أن العروة في الآية مستعارة من عروة الثوب ويناسبه الانفصام ، ولعل الأقرب أن يراد بها عروة الشجر والنبات فهي التي لا ينقطع مددها بالقحط والجدب ، كأنه يقول : إن المبالغ بالتمسك بهذا الحق والرشد كمن يأوي بنعمه إلى ذلك الشجر والنبات الذي لا ينقطع مدده ، ولا يفنى علفه ، فإذا نزل الجدب والقحط بمن يعتمدون على الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، كان هو معتصما بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، أي إن صاحب هذه العروة يجد فيها السعادة الدائمة دون غيره . ومما خطر لي عند الكتابة الآن : أن عروة الإيمان إذا كانت لا تنقطع بالمستمسك بها فهو لا يخشى عليه الهلكة إلا إذا كان هو الذي تركها ، فإذا كان الإيمان بالله وما يتبعه من الآثار في صفات صاحبه وأعماله من أسباب الثبات والاستقرار في الوجود - لأنه هو الحق والخير الموافق لمصالح العالم - فلا شك أن شدة التمسك به هي العصمة من الهلاك والسبب الأقوى للثبات والاستقرار في الملك والسيادة والسعة في هذه الحياة الدنيا ، وللبقاء الأبدي في الحياة الأخرى . والتعبير بالاستمساك يدل على أن من لم يكفر بجميع مناشئ الطغيان ، ويعتصم بالحق اليقين من أصول الإيمان ، فهو لا يعد مستمسكا بالعروة الوثقى وإن انتمى في الظاهر إلى أهلها ، أو إلى ما بها إلمام الممسك بها ، فالعبرة بالاعتصام والاستمساك الحقيقي ، لا بمجرد الأخذ الضعيف الصوري ، والانتماء القولي والتقليدي ، والله سميع لأقوال مدعي الكفر بالطاغوت والإيمان بالله بألسنتهم عليم بما تكنه قلوبهم مما يصدق ذلك أو يكذبه ، فهو يجزيهم وصفهم . فمن شهد بقوة إيمانه جميع الأسباب والسنن الكونية مسخرة بحكمة الله - تعالى - مسيرة بقدرته ، وأنه لا تأثير لسواها إلا لواضعها والفاعل بها - فهو المؤمن حقا ، وله جزاء المستمسك بالعروة الوثقى ، ومن كان منطويا على شيء من نزغات الوثنية ، ناحلا ما جهل سره من عجائب الخلق قوة غير طبيعية ، يتقرب إليها أو يتقرب بها إلى الله زلفى ، فهو غير معتصم بالعروة الوثقى ، وله جزاء الكافرين الذين يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين .

[ ص: 33 ] وقال الأستاذ الإمام : إن هذه الجملة والله سميع عليم تذكر للترغيب والتهديد ، أي فهي تفسر بحسب المقام كما قلنا . فهي جامعة هنا بين الأمرين .

ورد بمعنى هذه الآية قوله - تعالى - : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين [ 10 :99 ] ويؤيدهما الآيات الكثيرة الناطقة بأن الدين هداية اختيارية للناس تعرض عليهم مؤيدة بالآيات والبينات ، وأن الرسل لم يبعثوا جبارين ولا مسيطرين ، وإنما بعثوا مبشرين ومنذرين ، ولكن يرد علينا أننا قد أمرنا بالقتال ، وقد تقدم بيان حكمة ذلك أن الآية التي نفسرها نزلت في غزوة بني النضير إذ أراد بعض الصحابة إجبار أولادهم المتهودين أن يسلموا ولا يكونوا مع بني النضير في جلائهم كما مر ، فبين الله لهم أن الإكراه ممنوع وأن العمدة في دعوة الدين بيانه حتى يتبين الرشد من الغي ، وأن الناس مخيرون بعد ذلك في قبوله وتركه . شرع القتال لتأمين الدعوة ولكف شر الكافرين عن المؤمنين ، لكيلا يزعزعوا ضعيفهم قبل أن تتمكن الهداية من قلبه ، ويقهروا قويهم بفتنته عن دينه كما كانوا يفعلون في مكة جهرا ولذلك قال : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله [ 2 :193 ] أي حتى يكون الإيمان في قلب المؤمن آمنا من زلزلة المعاندين له بإيذاء صاحبه فيكون دينه خالصا لله غير مزعزع ولا مضطرب ، فالدين لا يكون خالصا لله إلا إذا كفت الفتن عنه وقوي سلطانه حتى لا يجرؤ على أهله أحد ( قال الأستاذ الإمام ) : وإنما تكف الفتن بأحد أمرين :

( الأول ) إظهار المعاندين الإسلام ولو باللسان ; لأن من فعل ذلك لا يكون من خصومنا ولا يبارزنا بالعداء ، وبذلك تكون كلمتنا بالنسبة إليه هي العليا ، ويكون الدين لله ولا يفتن صاحبه فيه ، ولا يمنع من الدعوة إليه .

( والثاني ) - وهو أدل على عدم الإكراه - قبول الجزية ، وهي شيء من المال يعطوننا إياه جزاء حمايتنا لهم بعد خضوعهم لنا ، بهذا الخضوع نكتفي شرهم وتكون كلمة الله هي العليا ، فقوله - تعالى - : لا إكراه في الدين قاعدة كبرى من قواعد دين الإسلام وركن عظيم من أركان سياسته فهو لا يجيز إكراه أحد على الدخول فيه ، ولا يسمح لأحد أن يكره أحدا من أهله على الخروج منه ، وإنما نكون متمكنين من إقامة هذا الركن وحفظ هذه القاعدة إذا كنا أصحاب قوة ومنعة نحمي بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتنتنا في ديننا اعتداء علينا بما هو آمن أن نعتدي بمثله عليه إذ أمرنا أن ندعو إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن نجادل المخالفين بالتي هي أحسن معتمدين على تبين الرشد من الغي بالبرهان : هو الصراط المستقيم إلى الإيمان ، مع حرية الدعوة ، وأمن الفتنة ، فالجهاد من الدين بهذا الاعتبار ; أي أنه ليس من جوهره ومقاصده ، وإنما هو سياج له وجنة ، فهو أمر سياسي [ ص: 34 ] لازم له للضرورة ، ولا التفات لما يهذي به العوام ، ومعلموهم الطغام ، إذ يزعمون أن الدين قام بالسيف وأن الجهاد مطلوب لذاته ، فالقرآن في جملته وتفصيله حجة عليهم .

وتأمل مع ما ذكرناك به من الآيات قوله - تعالى - : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور فهذا القول يهدي إلى أن الإيمان وغيره من ضروب الهداية يكون بتوفيق الله - تعالى - من شاء ، وإعداده للنظر في الآيات والخروج من الشبهات بما ينقدح لنظره من نور الدليل لا بالإجبار والإكراه . فالآية بمثابة الدليل على منع الإكراه في الدين ، والتنبيه لأولئك الآباء الذين أرادوا إكراه أولادهم على ترك اليهودية والدخول في الإسلام ، على أن الولاية على العقول والقلوب هي لله - تعالى - وحده ، فإذا أعدتها سننه وعنايته لقبول الحق والرشاد كانت الدعوة المبينة كافية لجذبها إلى نور الهداية وإلا فقد تودع منها لإحاطة الظلمات بها .

وقال الأستاذ الإمام : ذهب كثير من المفسرين في معنى الآية إلى أن الله - تعالى - هو متولي أمور المؤمنين يوفقهم إلى الخروج من الظلمات ، ويمدهم في الهداية بمحض القدرة ، كما أن الطاغوت يمدون الكافرين في الغواية ، ويخرجونهم بالإغواء من نور الحق إلى ظلمات الضلالة . وهذا تفسير العوام الذين لا يفهمون أساليب اللغة العالية ، أو تفسير الأعاجم الذين هم أجدر بعدم الفهم ، ومعنى الآية الذي يلتئم مع معنى سابقتها ظاهر أتم الظهور وهو أن المؤمن لا ولي له ولا سلطان لأحد على اعتقاده إلا الله - تعالى - ومتى كان كذلك فإنه يهتدي إلى استعمال الهدايات التي وهبها الله له على وجهها وهي الحواس والعقل والدين ، فهؤلاء المؤمنون كلما عرضت لهم شبهة لاح لهم بسلطان الولاية الإلهية على قلوبهم شعاع من نور الحق يطرد ظلمتها فيخرجون منها بسهولة إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ 7 : 201 ] جولان الحواس في رياض الأكوان ، وإدراكها ما فيها من بديع الصنع والإتقان يعطيهم نورا ، ونظر العقل في فنون المعقولات يعطيهم نورا ، وما جاء به الدين من الآيات البينات يتم لهم نورهم والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أي لا سلطان على نفوسهم إلا لتلك المعبودات الباطلة السائقة إلى الطغيان ، فإذا كان الطاغوت من الأحياء الناطقة ورأى أن عابديه قد لاح لهم شعاع من نور الحق الذي ينبههم إلى فساد ما هم فيه بادر إلى إطفائه ، بل إلى صرفهم عنه بما يلقيه دونه من حجب الشبهات وأستار زخارف الأقوال التي تقبل منه لأجل الاعتقاد أو بنفس الاعتقاد ، وإذا كان الطاغوت من غير الأحياء فإن سدنة هيكله وزعماء حزبه لا يقتصرون في تنميق هذه الشبهات ، وتزيين تلك الشهوات ، أقول : بل هؤلاء الزعماء يعدون من الطاغوت كما علم من تفسيره ، فإنهم دعاة الطغيان وأولياؤه ، فإن لم يكونوا ممن تعتقد فيهم السلطة الغيبية وتوله العقول [ ص: 35 ] في مزاياهم الإلهية فإنهم ممن يؤخذ بقولهم في الاعتقاد بتلك السلطة والمزايا وما ينبغي لمظاهرها أو لأربابها من التعظيم الذي هو عين العبادة وإن سمي توسلا أو استشفاعا أو غير ذلك . ثم قال الأستاذ : الظلمات هي الضلالات التي تعرض على الإنسان في كل طور من أطوار حياته كالكفر والشبهات التي تعرض دون الدين ، فتصد عن النظر الصحيح فيه أو تحول دون فهمه والإذعان له ، وكالبدع والأهواء التي تحمل على تأويله وصرفه عن وجهه ، وكالشهوات والحظوظ التي تشغل عنه وتستحوذ على النفس حتى تقذفها في الكفر . أقول : ولهذه الظلمة شعبتان :

إحداهما : ما يخرج صاحبها من الإيمان ظاهرا وباطنا لأنه يرى ذلك وسيلة إلى التمتع بشهواته الحسية أو المعنوية كالسلطة والجاه .

والثانية : ما يسترسل صاحبها في الفواحش والمنكرات أو الظلم والطغيان حتى لا يبقى لنور الدين مكان من قبله ، وهؤلاء هم المشار إليهم بمثل قوله - تعالى - : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [ 83 : 14 ، 15 ] الآيات . وقال - رحمه الله تعالى - : لا توجد مرآة يرى فيها عبدة الطاغوت أنفسهم كما هي أجلى من القرآن : أي ولكنهم لا ينظرون فيه ، إما لأنهم استحبوا العمى وألفوه حتى لم يبق من أمل في شفاء بصائرهم وإما لأن طاغوتهم يحولون بينهم وبينه كما تقدم أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لأن النار هي الدار التي تليق بأهل الظلمات الذين لم يبق لنور الحق والرشاد مكان في أنفسهم يصلها بدار النور والرضوان ، فما يكون عليه الإنسان في الآخرة هو عاقبة ما كانت عليه نفسه في الدنيا . وقد سبق القول بأن الخوض في حقيقة تلك الدار التي سميت بالنار غير جائز ، وإنما يعتقد من مجموع النصوص أنها دار شقاء يعذب المرء فيها بما تقدم من عمله السيئ ، وقد يكون هذا العذاب بالبرد إذ ورد أن فيها الزمهرير . وأزيد الآن : أنه لا يبعد أن تكون شبيهة بالأرض من حيث إن فيها مواضع شديدة الحر كالأماكن التي في خط الاستواء ، ومواضع شديدة البرد كالقطبين إلا أنها أبعد من الأرض عن الاعتدال ، فحرها وبردها أشد ، ومصادرهما غير معروفة لنا . أعاذنا الله منها ومما يؤدي إليها من اعتقاد وقول وعمل بمنه وكرمه آمين .

هذا ، وإن في الآيتين من هدم التقليد ما لا يخفى على ذي البصيرة ، ولكن الأستاذ الإمام لم يتعرض له في الدرس بالنص ، بل قال كلاما يستلزم ذلك ويفهم منه ; ذلك أن الله - تعالى - جعل تبين الرشد وظهوره في كتابه هو الطريق إلى الدين ، فلو لم يكن بيان الكتاب كافيا في أن يتبين للمكلف ما هو مطالب به لما صح قوله : قد تبين الرشد من الغي ولا تفويض الأمر بعد البيان إلى الناظر ، ولما عد البيان إعذارا له وإنظارا ، ولما التأم مع هذا قوله : [ ص: 36 ] الله ولي الذين آمنوا إلخ فإن معنى هذه الآية أن أهل الإيمان هم الذين وكلوا إلى ولاية الله - تعالى - وحده ، فلم يكن للبشر سلطان على عقائدهم ولا تصرف في هدايتهم ، أي إنهم ظلوا على فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فنظروا في الدين بما غرز في فطرتهم من العقل والتمييز ، فتبين لهم الرشد فاتبعوه والغي فاجتنبوه ، والمقلد لم يتبين له شيء من ذلك ، وإنما هو تابع لاعتقاد غيره فلا تسلم له ولاية الفطرة السليمة التي تؤيدها العناية الإلهية العظيمة وأما أهل الكفر فلهم أولياء من الطاغوت يتصرفون في اعتقادهم وهم يقبلون تصرفهم ثقة بهم وتعظيما لشأنهم ، وهذا ليس بعذر عند الله - تعالى - بعد ما بين الرشد من الغي ، فتبين في نفسه حتى لا يمكن أن يخفى على من نظر فيه طالبا للحق من غير تعصب للأهواء ، ولا لتقاليد الآباء ، ويؤكد هذه المعاني قوله - تعالى - : لا انفصام لها فإنه يفيد أن من تبين له هذا الرشد فإنه لا ينفك عنه ، والمقلد عرضة للترك والانفكاك ; لأنه لا يعرف قيمة ما هو فيه لذاته .

أقول : ومما يجب بيانه في تفسير هذه الآية أيضا الفرق بين ولاية الله للمؤمنين وولايتهم له وولاية بعضهم لبعض ، فإن الجاهلين لا يميزون بين الولايتين ، فيجعلون لبعض المؤمنين من الولاية ما هو لله - تعالى - وحده ، وذلك شرك في التوحيد خفي عند الجاهل ، جلي عند العارف ولا بد من تفصيل فيه .

هذه الآيات تثبت ولاية الله وحده للمؤمنين ، وفي معناها آيات تفيد الحصر كقوله - تعالى - في سورة الشورى : أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي [ 42 : 9 ] الآية . وقوله فيها : وهو الولي الحميد [ 42 :28 ] وثمة آيات كثيرة تنفي ولاية غيره - تعالى - كالآيات التي تقدمت في الكلام على الشفاعة ، وكقوله - تعالى - في سورة هود بعد أمر النبي ومن معه بالاستقامة : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون [ 11 : 113 ] وقوله له في سورة الأنعام : قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين [ 6 : 14 ] وقوله : إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين [ 7 : 196 ] وكذلك أمر سائر الأنبياء ألا يتخذوا وليا لهم غير الله - تعالى - ، أي وأن يعلموا أممهم ذلك قال - تعالى - حكاية عن يوسف - عليه السلام - : رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة [ 12 : 101 ] الآية وقال : وكفى بالله وليا [ 4 : 45 ] فهذه شواهد على ولاية الله وحده للمؤمنين ونهيهم عن اتخاذ ولي من دونه " وورد في ولايتهم له قوله في سورة يونس : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون [ 10 : 62 ، 63 ] وفي معناها قوله في سورة [ ص: 37 ] الأنفال بعد ذكر المشركين : وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون [ 8 : 34 ] .

وقال - تعالى - في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض : إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض [ 8 : 72 ] وقال : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله [ 9 : 71 ] .

يقابل ولاية الله - تعالى - للمؤمنين وولايتهم له ، ولاية الشيطان والطاغوت للكافرين وولايتهم لهما كما ترى في الآية التي نحن بصدد تفسيرها ، وقال تعالى : إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [ 3 : 175 ] وقال : فقاتلوا أولياء الشيطان [ 4 : 76 ] وقال : إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون [ 7 : 30 ] ويقابل ولاية المؤمنين بعضهم لبعض ولاية الكافرين بعضهم لبعض ، كما قال : والذين كفروا بعضهم أولياء بعض [ 8 : 73 ] وقال : بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم [ 5 : 51 ] .

ومن تأمل هذه الآيات رأى معانيها ظاهرة جلية ، أما كونه - تعالى - هو الولي وحده لا ولي سواه ، فالمراد به أنه هو المتولي لأمور العباد في الواقع ونفس الأمر - كما تقدم - وذلك بما خلق لهم من المنافع ومن الأعضاء والقوى التي تمكنهم من الانتفاع بها ، بما بين لهم من السنن ومهد لهم من الأسباب ، وهذه هي الولايات العامة المطلقة ، وأما ولايته للمؤمنين خاصة فهي عبارة عن عنايته بهم وإلهامه وتوفيقه إياهم لما فيه الخير والصلاح الروحاني والجسماني ، بما اختاروا لأنفسهم من الإيمان به وبما جاءت به رسله ، وأما ولايتهم له - تعالى - فقد عبر عنها بالإيمان والتقوى ، فهم بالإيمان بولايته لهم يتولونه ، أي يعتقدون أنه هو المتولي لأمورهم وحده - كما تقدم - وهم في استفادتهم بقواهم من نافع الكون واتقائهم لمضاره يلاحظون أن هذا من فضله عليهم وتوليه لأمورهم ، إذ مكنهم من ذلك وهيأ أسبابه لهم ، وإذا ضعفت قواهم دون مطلب من مطالبهم أو جهلوا طريقه وسببه توجهوا إليه وحده مع تعاونهم وتناصرهم لا يتوجهون إلى غيره في استمداد العناية وطلب التوفيق والهداية كما تقدم آنفا ، ثم إنهم مع هذا الإيمان يتقونه - تعالى - بترك المعاصي والإثم والظلم والبغي في الأرض وغير ذلك مما جعله الله سبب البلاء والشقاء في الدنيا والآخرة ، وبفعل الطاعات والخيرات التي هي أسباب السعادة في الدارين ، فهذا معنى تفسير أوليائه الذين آمنوا وكانوا يتقون .

وأما ولاية المؤمنين بعضهم لبعض : فهي عبارة عن تعاونهم وتناصرهم في الأمور المشتركة مع استقامتهم على الأعمال الصالحة ; لأن الفساد الشخصي لا يتفق مع القيام بالمصالح العامة وذلك ظاهر من قوله في الآية ( 9 : 71 ) بعد ذكره هذه الولاية .

[ ص: 38 ] يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة إلخ ، ومن وصفهم بالمجاهدة في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم كما في الآية الأخرى ( 8 : 72 ) فكل من كان كذلك فقد وجبت ولايته على جميع المؤمنين ، ولا معنى لكون المؤمن وليا للمؤمن إلا هذا ، أي إنه عون له ونصير في الحق الذي يعلو به شأن الإيمان وأهله ، فمن تجاوز ذلك فاتخذ له وليا أو أولياء يعتقد أنهم يتولون شيئا من أموره فيما وراء هذا التعاون والتناصر بين الناس فقد أشرك ; إذ اعتدى على ولاية الله الخاصة به التي لا يشاركه فيها أحد لا بالتوسط عنده ولا الاستقلال دونه .

هذا المعنى هو عين ولاية الكافرين للشيطان أو للطاغوت كما قال : والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [ 39 : 3 ] ولا يقال : إن هذا يقتضي أن يسمى بالطاغوت بعض من اتخذ وليا بهذا المعنى من الأنبياء والصالحين كعيسى - عليه السلام - ، فإن الذين اعتقدوا هذه الولاية لعيسى وغيره من الصالحين لم يتبعوهم في ذلك ، وإنما اتبعوا وحي شياطين الإنس والجن ووساوسهم ، فهم طاغوتهم كما قال : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم [ 6 : 121 ] الآية وقال : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا [ 6 : 112 ] وإن بعضهم ليتبرأ من بعض يوم القيامة كما علم من الآيات الأخرى ، ومن هذا التقدير تعلم أن القرآن حجة على كل من أسند ولاية الله الخاصة إلى غيره وإن كان ينسب إلى الإسلام ، وقد أوغل بعض متخذي الأولياء في دعاء أوليائهم ومطالبتهم بما لا يطلب إلا من الله - تعالى - حتى صار في المنتسبين إلى العلم منهم من يقول ويكتب أن فلانا الولي يميت ويحيي ويسعد ويشقي ويفقر ويغني ، فعليك أيها المؤمن بهدي القرآن ولا يغرنك تأويل أولياء الشيطان .





علاء.
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الطاغوت عند السلف Empty رد: الطاغوت عند السلف

مُساهمة  مسافر السبت نوفمبر 30, 2013 2:49 pm

جزاك الله خير
قال تعالى:
الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)

الطاغوت هو الشيطان.

ولكن ما معنى الجبت في الايات الكريمة, ولماذا فسرت الكلمة في بعض التفاسير بانه رجل يدعة كعب بن الاشرف .
حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن ليث , عن مجاهد , قال : الجبت كعب بن الأشرف , والطاغوت : الشيطان .

مسافر
الباحث سلامة العمراني

عدد المساهمات : 562
تاريخ التسجيل : 30/05/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الطاغوت عند السلف Empty رد: الطاغوت عند السلف

مُساهمة  عاشقة السماء السبت نوفمبر 30, 2013 5:36 pm

وأضف لمعلوماتك أن القوانين الوضعية هي طاغوت العصر

وتدبر قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}

يقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل شيخ رحمه الله عند قوله تعالى: ﴿ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله .. ﴾: (وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به) ( فتح المجيد ص 245)

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في رحمه الله مجموع الفتاوى:
(ومن موالاة الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين الإيمان ببعض ماهم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله، كما قال تعالى: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ...﴾ الآية .

ويقول الشيخ سليمان بن سمحان: (( إذا كان هذا التحاكم كفراً والنزاع إنما يكون لأجل الدنيا، فكيف يجوز لك أن تكفر لأجل ذلك؟ فإنه لا يؤمن الإنسان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها , ولو اضطرك مضطر وخيّرك بين أن تحاكم إلى الطاغوت أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت )) اهـ. الدررالسنية (10/510).
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الطاغوت عند السلف Empty رد: الطاغوت عند السلف

مُساهمة  عاشقة السماء السبت نوفمبر 30, 2013 5:49 pm

مسافر كتب:جزاك الله خير
قال تعالى:
الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)

الطاغوت هو الشيطان.

ولكن ما معنى الجبت في الايات الكريمة, ولماذا فسرت الكلمة في بعض التفاسير بانه رجل يدعة كعب بن الاشرف .
حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن ليث , عن مجاهد , قال : الجبت كعب بن الأشرف , والطاغوت : الشيطان .

أكرمك الله أخينا مسافر


وهذا تفصيل لمعنى الجبت:

روى اهل السنن ان لنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العيافة والطيرة والطرق من الجبت)) فعد الطيرة والعيافه وما كان فيه صرف شئ من علم الغيب جبتا

وأصل الجبت الجبس وهو الذي لا خير فيه، فأبدلت التاء من السين؛ قاله قطرب. كما نقله القرطبي عليه رحمة الله، وذكره القاضى رحمه الله.

و روى الطبري رحمه الله باسناده:عن ابن عباس، في قول: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} الجبت: الأصنام، والطاغوت: الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس.

والجبت يشمل الطاغوت فهما شئ واحد في الاصل لكن ما داما قد ذكرا جميعا فإن بينهما فرق على الاصل من لغة العرب وان كان قد يوجد في لغة العرب ذكر اسمين مختلفين لشئ واحد للتأكيد وغيره وذلك كقول الشاعر (( كذبا ومينا )) وكقول طرفه في ملعقته (( وهو ينأي ويبعد )) وكذلك ورد مثله في شعر عنترة وغيرهم من الجاهليين ...لكن هذا قليل ...

والاظهر ان الفرق بين الجبت والطاغوت ان الجبت يشمل كل صارف لصفات الرب من جمادات وغيره لكن لا يكون هذا الى البشر واشباههم ولعل هذا ما جعل بعض اهل العلم يفسر الجبت انه الصنم والطاغوت ترجمانه والقائم عليه فإنك لاتجد نسبة الجبت الى بشر بل إنه ينسب الى الطاغوتيه ....

فنقول ان الجبت كل ما لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله او كان فيه شئ من ذلك كالطيرة وغيرها لكن لا يكون هذا الى البشر والجن وانما يكون هؤلاء من جنس الطاغوت ومن قال لا فرق فإنه على الاصل كذلك كما قال صاحب القاموس:

الجبت: بالكسر الصنم والكاهن والساحر والسحر والذي لاخير فيه وكل ما عبد من دون الله. وكذا قاله اهل اللغة كالجوهري وغيره ..

وأكثر اهل العلم على تفسيره بالسحر فإنه ابلغ الجبت واعظمه وما ورد في الحديث السالف في نسبة الطيرة والعيافه والخط الى الجبت بين في ان هذه من اشباه السحر في الهيئة والنتيجه ....

فالجبت السحر وما شابهه هذا من جهة الاستعمال اما من جهة الاصل فهو كل صارف عن عبادة الله وما لا خير فيه وانما ينسب الى الصوارف لا الى المتصرفين فيها بخلاف الطاغوت فهو اعم واشمل ...هذا من جهة الاصل اما من جهة الاستعمال الشرعي فهو كما ذكرت آنفا الجبت السحر وما قاربه والطاغوت كل ما عبد من دون الله من مثل الشياطين والسحرة.
المصدر: موقع أهل الحديث.
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الطاغوت عند السلف Empty رد: الطاغوت عند السلف

مُساهمة  مسافر السبت نوفمبر 30, 2013 9:55 pm

الاخت عاشقة
جزاك الله خير على الاضافة, ولكن التفاسير تعطيك معاني كثيرة للجبت والطاغوت, ونحن نتدبر المعنى الاقرب الى الحقيقة.
الاية الكريمة تحذرنا من الجبت والطاغوت, وهذه الاية صالحة لكل زمان ومكان وما افدتي به من المعنى المقصود بالاصنام والسحر والطيرة اعتقد بعيد عن المعنى لاسباب كثيرة , لان من يصنع هذه الاصنام هو الانسان والتحذير هنا ابلغ من الخوف من احجار وما شابه ذلك.
التحذير من هم وراء اسباب اغواء واضلال البشرية كما تبين الاية الكريمة
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ
احد التفسيرات تعني بالطاغوت هو الشيطان, وبما ان بعض المفسرين ذهبوا الى اسماء من البشر تدل على معنى الجبت فاعتقد ان الجبت هو الاخر الذي اضل البشر مع الشيطان وهو المسيح الدجال.
أي ان الاية تحذرنا من اثنين اضلا البشرية وهم الشيطان والمسيح الدجال
والله اعلم.

مسافر
الباحث سلامة العمراني

عدد المساهمات : 562
تاريخ التسجيل : 30/05/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى