ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تصريح صحفي لأتاتورك وتفنيده

اذهب الى الأسفل

تصريح صحفي لأتاتورك وتفنيده Empty تصريح صحفي لأتاتورك وتفنيده

مُساهمة  علاء الجمعة فبراير 28, 2014 2:19 pm

أ. د. مصطفى حلمي
تصريح صحفي لأتاتورك وتفنيده
النص المحقق من كتاب: "النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة"


لا بدَّ أن نبحث هنا في كلام فاهَ به في الأيام الأخيرة مصطفى كمال عند مقابلتِه الكاتب الفرنسي "موريس برنو"، وقد نُشر في جريدة "الوطن" التركية، في عددها 302 يقول فيه: "إن أسعد أدوار الترك التاريخية مرحلتان لم يكن سلاطينهم خلفاء، ثم بذل واحد منهم نفوذه وثروته لحصول نفسه على الخلافة، وكان ذلك من آثار الصدفة والاتفاق، وإن نبينا أمر تلاميذه أن يدعوا الأمم إلى دين الإسلام، ولم يأمرهم أن يتولوا حكوماتهم، وما دار فكر كهذا في خلده قط"، ثم قال: "إن الخلافة عبارة عن الحكومة والسياسة، إذا أراد خليفة أن يقوم بواجبه ويسوس جميع الشعوب الإسلامية فكيف ينجح في ذلك؟ وتصور خليفة يقوم بواجبه الديني الذي تقتضيه ولايته على جميع الأمم الإسلامية، فكر مستنبط من الكتب لا من الحقيقة، ولم يخضع لخلفاء الأستانة الإيرانيون ولا الأفغانيون ولا مُسلمو إفريقيا، نحن أبقينا الخليفة حرمة للتقليد القديم المُحترَم[1]، نؤمِّن له ولعائلته معيشتهم وما يَحتاجون إليه، والتركُ هي الأمة الوحيدة بين العالم الإسلامي في تحمُّل نفقة الخليفة، والذين يدَّعون العموم والشمول لجميع شعوب المسلمين في العلاقة بالخليفة جانَبوا إلى الآن كل اشتراك في الخليفة، فماذا يدعون الآن؟ وكيف يجوز أن تَحمِل أمة الترك أعباء الخلافة، وترعى وحدها نفوذ الخليفة وسلطته، إن هذا إلا فرط".



لا يخفى - أولاً - ما ادعاه من كون الخلافة شقاءً على سلاطين الأتراك ناشئًا من زعمه الذي ارتكز في نفسه لكراهيته الخلافة الإسلامية، وما أشقتِ الخلافةُ أحدًا من آل عثمان سوى عبدالمجيد الثاني، وتعبيره بالتلاميذ عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُنبئ عما في ضميره من عدِّه - صلى الله عليه وسلم - كشيخ زاوية أو أستاذ مدرسة، أو يدلُّ على أنه أخذه من تعبيرات النصارى؛ حيث يُعبِّرون عن حواريي سيدنا عيسى - عليه السلام - بالتلاميذ[2].



ثم إن قوله عن نينا - صلى الله عليه وسلم - ما بعده إن حُمل على ظاهره فلا يخلو عن فساد كبير في نفسه، وتناقُض بين طرفيه، وإبهام يجعله كهذيان المحموم، ورأيتُ تعريبه في بعض الصحف العربية فلا مُحصِّل له أيضًا، ولعلَّ الصحف روته غير فاهمة أو غير مُحسِنة في تفهيمه، وأنا عربته من عبارة "الوطن" بحرفها.



وتوجيه كلامه عندي بما يُخلصه من حيص بيص أنه أراد أن يقول: إن الخلافة المضافة إلى جميع الأمم الإسلامية لفظ لا معنى له؛ لأن الخلافة عبارة عن الحكومة، ولا تكون للخليفة حكومة وسلطة على شعوب المسلمين المنفضِّين في مشارق الأرض ومغاربها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بنشر الدعوة لا بتوسيع الحكومة إلى كل ما يَصل إليه انتشار الإسلام، فإذا كانت الخلافة العامة "الولاية" عبارة عن لفظ لا يتحقَّق معناه فنحن أبقينا ذلك الاسم حرمة للتقليد القديم، وتحمَّلْنا نفقته ونفقة عياله، وما زالت أمة الترك تَحمل هذه المؤونة دون سائر الأمم الإسلامية، فليس من حقهم أن يتدخلوا في شأن الخلافة، وينكروا علينا نزع سلطة الخليفة ونفوذه، وتكليف الترك الحاملة لنفقة الخليفة بتحمُّل مملكته أيضًا فرط وشطط!



هذا تلخيص مراده من كلامه وغايته توجيهه، ولو لم نفسِّره هكذا لكان أشدَّ اضطرابًا وفسادًا، وبعد هذا لا يَخفى أنه يطالع الخلافة بنظر التاجر السلانيكي لا بالنظر الإسلامي، فضلاً عن نظر عظيم وزعيم الإسلام؛ ولذا يَكثر البحث عن نفقَة الخليفة، وليرَ المسلمون بطل الشرق وبطل الإسلام الذي ولدته أمس أمواج الزمان، ورفعته كما يرفع اضطراب الماء سفالته، واليوم يمنُّ نفقة الخليفة عليه وعلى الأمم الإسلامية، واستدلاله في إزالة سلطته ونفوذه غريب جدًّا؛ حيث بناها أيضًا على مسألة النفقة، وقال: إن أمة الترك يَحملونها فلا يحملون سلطته، فمَن لي بأن يقول له - أي لمصطفى كمال -: فكيف تَحمل أمة الترك سلطتك ونفقتك التي لا تقلُّ عن نفقة الخليفة؟ فإن تبجَّح بكونه أفاد الدولة وربحها ولاية أو ولايتين فقد خسَّرها أضعاف ذلك حين كان قائد الجيش في الحرب الكُبرى[3]، مع أن بيت آل عثمان والخليفة من ذاك البيت، بل كيان تلك الدولة المشتملة على ما رَبِحه مصطفى كمال وخسره وغيرهما، وإذا جازَيناه في مطالعته الاقتصادية فقد ركبت على الترك بعد البدعة الكمالية سلطة مصطفى كمال التي هي أثقل وأنكى مِن سُلطة السلاطين - نفقتُهُ التي تَعدِل نفقة الخليفة، ثم نفقة الخليفة العاطل الباطل الخلافة.



وقد اعترف في كلامه هذا بأن الخلافة عبارة عن الحكومة حين أراد أن يَنفي علاقة الخليفة بسائر الأمم الإسلامية لعدم إمكان أن تشملهم حكومته، ويلزم على كلامه ألا تصحَّ علاقة الخليفة بأمَّة الترك أيضًا بعد زوال حكومته بالنسبة إليهم أيضًا، ولأجل هذا قال: "أبقَينا الخليفة حرمةً للتقليد"، وفسَّرناه بإبقاء اسمه، وهو الذي تَقتضيه حقيقة الحال وسياق كلامه، وفي اعترافه أيضًا حجَّة بالغة على أن الخلافة لا تَفتِرق عن الحكومة، وهو الذي اتخذنا إثباته موضوع كتابنا، والذين ناهضونا في هذه القضية من علماء وكتَّاب بمحض العبودية لمصطفى كمال فيوهم ذاك الاعتراف منه أن حجَّتهم داحضة عند ربهم، وكنا نحن نؤمن بيوم ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166]، وما كنا حاسبين أن مصطفى كمال يتبرأ في قريب العهد مِن الذين اتبعوه وأجهدوا في تأييد باطله، وكان تبرؤه منهم بعد أن لم تبقَ حاجته إليهم؛ لأنه أتم مسألة تجريد الخلافة عن السلطة وحصل فيها على النجاح بمعونة هؤلاء المصدِّقين والمحبذين، وهو الآن في حاجة أخرى، وهي منع تدخل الأمم الإسلامية في قضية الخلافة، ولقضاء هذه الحاجة الثانية يلزمه القول بأن الخلافة لا تنفكُّ عن الحكومة، بل إنها عبارة عن الحكومة على خلاف ما قال به أولاً وفعل؛ فالخلافة في يده كدوامة الصبيان يلعَب بها ويُدوِّرها كما يقتضيه هواه؛ ففي معاملته مع أمة الترك لا تلزم الحكومة الخلافة؛ فلهذا جرَّدها عنها وفي معاملته الأمم الإسلامية في خارج الترك، فالخلافة لا تنفكُّ عن الحكومة بل هي عبارة عنها.



ولما لم يكن للخليفة حكومة عليهم، ولم تُمكِّنه فلم تصح علاقته بهم؛ لأن الخلافة عبارة عن الحكومة، وأيًّا ما كان فقد حثا هذا القول - بأن لا علاقة للخليفة بأمة لا حكومة ولا سلطة له عليها - الترابَ في أفواه كثير مِن محابيه ومحاميه، لا سيما في فم "ع سني" متصرِّف اللاذقية السابق، الذي ادعى ازدياد نفوذ الخليفة وازدياد علاقته بالشعوب الإسلامية لما تجرَّد عن سلطته وحكومته، ولكنه مستخدَم مأجور لمصطفى كمال في مصر، لا خادم أية مسألة دينية أو سياسية كمن قال: أنا عبد سيدي لا عبد الباذنجان، فلا بأس أن كذَّبه سيده وأخجله مع أن "وقاحة المرء سلاح الفتى"، وهما - أي: السيد والمسود - يتلاعبان بينهما، ويتلاعب كلٌّ منهما بالإسلام والمسلمين، وإنما الرزية كل الرزية في خجلة المحامين المتطوعين بدافع الغفلة والحماقة وربما يتناهون حماقة، ويرون أن الدافع حمية الدين عندما يَنصرون اللا دينيِّين.

[1] كانت الخطَّة تقضي اتِّباع أسلوب "المراحل" كما عرفنا خشية ردِّ الفعل الناجم عن مصادَمة الشعور الإسلامي، وقد صحَّ وصف أحد كبار الاستعماريِّين آنذاك عندما صور الخطوات الجزئية التدريجيَّة بفعل مصطفى كمال، قال: "فلنتجنَّب" التزوير في التاريخ؛ لأن الستار لم يلقَ بعدُ على آخِر فصل من رواية تركيا مصطفى كمال، مقال بقلم رينيه دابرياس ينظرن 44 مِن كتاب الإسلام وآسيا أمام المطامع الأوروبية.

[2] يبدو الفهم العميق للمؤلف وحرصه على التزام ضرورة الدقة في الألفاظ، ويدلُّ أيضًا على غيرته الإسلامية التي تُملي على كل مسلم أن يضع الصحابة - رضوان الله عليهم - في مكانهم اللائق بهم، وما نيل مِن الإسلام إلا منذ تجرأ البعض على الصحابة، وهذا منهج متَّبع للآن لمن يَحلو له الطعن في الإسلام وتاريخه وحضارته.

[3] هذا حق؛ فقد اقتسمَت دول الغرب ميراث الخلافة العثمانية، وانحصرت تركيا داخل حدودها، وأصبحت من دول العالم الثالث تابعة بعد أن كانت متبوعة، ألا تفوح مِن تصرُّفاته رائحة الخيانة؟
علاء
علاء
اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدجال

عدد المساهمات : 1603
تاريخ التسجيل : 31/07/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى