كذب أو جهل من قال أن الأمة بخير

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

إن من أشد ما ابتليت به الأمة من جملة ما ابتليت به مجموعة من أفراد وعلماء ووجهاء وخطباء يعيشون في غيبوبة تامة مطبقة ولا يعلمون شيئاً عن الذي يدور بين الناس وفي المجتمعات فعلاقتهم بما يجري شديدة السطحية لا يصلهم من أخبار الناس شيء يذكر حياتهم بين صلاة جماعة وقراءة قرآن ونوم ظهيرة ونوم مبكر ومتابعة قناة الجزيرة مرة على الأقل في اليوم والقراءة في بعض كتب الفقه كل يوم ثم ينقضي يومهم ليبدأ يوم جديد تدور ساعاته على ما دارت عليه ساعات اليوم السابق واليوم الذي سيليه.

نعم ... من الجميل ان تكون حياة المرء نظيفة هكذا بين صلاة وقراءة قرآن وقراءة في كتب الفقه وكف لسان عن أذى المسلمين وعن غيبة أو نميمة ونوم مبكر لإدراك صلاة الفجر فإنها والله حياة طيبة طاهرة نظيفة عفيفة وشريفة.

لكن ما أردت بقولي هذا عن هذه الفئة من الذين يراهم الناس على الشاشات او يكتبون في الصحف او يظهرون على اليوتيوب أو يتواصلون مع الناس عبر برامج التواصل بأنواعها، ما أردت بموضوعي هذا أن أقدح فيهم أو أن أسيء إليهم أو أن أغتابهم إذ أني الآن لحظة كتابتي ليس في عقلي أي منهم على وجه التخصيص وإنما في عقلي ما يدور حول حديث عن عموميات لا خصوصية فيها البتة.
والان ننتقل إلى المشكلة. ليس عيباً أن تكون إنساناً نقياً طيباً طاهراً فمن هذا الذي فقد عقله ليقول أن هذه نقيصة؟ إنما النقيصة أن لا تعرف شيءاً عن أمتك وإن حفظت القرآن ومعه 10 آلاف كتاب ومجلد حفظاً لا تنسى معه حرف في أي من الذي حفظته ثم تصر على أن الأمة على خير وأنها في خير حال. هذه هي النقيصة والسبة التي لا يعيها البعض لأنها تكشف لنا انعزالهم التام الواضح البين عن كل ما يدور حولهم من أمراض مجتمعية وينظرون بعين قروية محلية نظرتهم الشاملة للأمة فإن كان أحدهم يقيم في قرية مثلاً جل أهلها ملتزمين فإنك حين تقول له الأمة تائهة أو ضائعة فإنه يقول لك لا ابداً إنما الأمة بخير وبخير عظيم جداً.
بينما يكفي لأي من هؤلاء الإخوة أن يعلموا حجم الفارق بين من يحضر لاستماع درس ديني في مسجد او محاضرة علمية او ثقافية او دينية لكاتب ملتزم او مفكر ملتزم وبين من يحضرون حفلات الغناء والرقص في العالم العربي في الساحات المفتوحة والعامة. يكفي ان تسأل عربيا ولن اقول مسلماً لأن الداء هنا جله في العرب فيكفي ان تسأل عربياً عن معرفته بمفكري العالم الإسلامي اليوم من غير الذين يظهرون على الشاشات والفضائيات لتكتشف ان جل من تعرف إلا من رحم ربي لا يعرف منهم أحداً.
اهل الكفر والشرك في العالم يوقرون علمائهم الذين قاموا بإنجازات كبيرة في مجال الأدب أو الفكر ولا يقيمون المفكرين والعلماء بعدد الحلقات التي ظهروا فيها على الفضائيات على عكس العرب اليوم فقد اصبح العالم الرباني الذي له انجازات مطمور ومدفون لأنه يعارض السياسات وترفضه الفضائيات التي يشاهدها الناس بكثافة ولا يعلم الناس اليوم إلا اليسير واليسير عن العلماء الربانيين الحقيقيين الذي يعيشون في فقر وحياة بسيطة غير مترفة.
إن تقرير أن الأمة ليست بخير من خلال الاستناد إلى الواقع لا يعني أن الخير قد نزع من الأمة. بل إن في الأمة الملايين من الذين يعبدون ربهم ويخشونه والله تعالى أعلم بهم وبشخوصهم وبحالهم. لكن المشكلة هي في محاولة الضحك على العقول وقول ما يضحك وما يجعل أولئك الذين يقولونه عرضة للسخرية فلذلك على كل عالم او مفكر او خطيب او صاحب حضور على الفضائيات أن لا يجعل من نفسه أضحوكة بين الناس.