ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قدرته عزّ وجلّ (1)

اذهب الى الأسفل

قدرته عزّ وجلّ (1) Empty قدرته عزّ وجلّ (1)

مُساهمة  الحالم الثلاثاء أغسطس 26, 2014 2:13 am

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

قدرته عزّ وجلّ (1)



كل ما قد يتصف به بعض المخلوقات من قدرات تجد أن لها حد ، حتى الحيوانات أحيانًا يُذكر عن بعض الحيوانات قدرة في سرعة الجري ولكن مع ذلك لها حد .. لو تسمع عن بعض أنواع الطير في الرؤية يرى حتى ما تحت الأرض كما هو الحال في الهدهد ومع ذلك له حد في الجزء الذي يراه ما تحت الأرض .. إذاً كل شيء أوجده الله في هذا الكون له حد في قدرته ، أما الله فلا حدّ لقدرته ، إنما أمره للشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون ,الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء ولذلك يصف نفسه بصيغ العموم ((إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ، ((وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ..


وقدرته عزّ وجلّ عظيمة إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون ، والله تعالى أمره ليس بين الكاف والنون وإنما أمره بكن لا يستعصِ عليه شيء ولا يمتنع منه شيء , أو ليس هو سبحانه وتعالى الذي إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون ، يقول كن مرة واحدة فيوجد الشيء وعلى وفق ما أراد عزّ وجلّ لا يستعصِ عليه ولا يمتنع منه ، كما قال سبحانه (( إِنَّمَا قُوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّــقُـولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ {40} النحل )) وقال عزّ وجلّ (( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ{50} القمر)) ..

ولذلك استقر عند المسلمين قاطبة أولهم وآخرهم أن الله تبارك وتعالى لا يعجزه شيء ، وصرّح الله بهذا في منطق القرآن (( أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُـرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَـبْلَهُمْ وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُــوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا {44} فاطر)) ..


قال شيخ الإسلام : اتفق المسلمون وأهل الملل على أن الله على كل شيء قدير كما نطق بذلك القرآن في مواضع متعددة ..

الله قدرته فائقة ليس لها حد ، لا في سمعه لا في بصره لا في فعله لا في عطائه ،

فسبحان العظيم .. الكبير .. المتعال ..

سبحان من قدر على إيجاد المعدوم وإعدام الموجود ،

سبحان من لا يلحقه عجز ولا يعجزه شيء في الوجود ،

سبحان من لا يعانده منازع ولا يخرج عن قبضته شيء في الوجود ،

سبحان من إذا أراد أمرًا قضاه ولا يحتجز عنه شيء لقوته في الوجود ،

سبحان المتناهي في الاقتدار ,, المتحكم في جميع آثار الوجود ،

سبحان ذي السلطان والملك والقوة قادر على كل شيء في الوجود ..

عندما يتحدث الإنسان عن قدرة الله ، يعجب من نفسه إذ كيف يتحدث في هذا الموضوع وهل تحتاج الشمس في وضح النهار إلى بيان !! لكن هذه النفس البشرية تحتاج أن تغلق الطرق وتسد الطرق لدخول الشيطان إليها في التشكيك في قدرته سبحانه وتعالى..

أو ليس هو سبحانه وتعالى الذي بدأ الخلق من العدم ثم يأتي الإنسان بعد ذلك فيفكّر: هل سيبعثه الله بعد موته ؟!! (( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ{79} يس)) .

أوليس هو سبحانه وتعالى الذي أخبر أنه القادر على أن يحيي الموتى ، أفـيعجزه سبحانه وتعالى أن يشفي المرضى (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ {82} يس )) ..

أوليس هو الذي خلق السماوات والأرضين في ستة أيام وقال (( وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ {38} ق )) أفيعجز سبحانه وتعالى على أن يدبّر هذا الملكوت ..

أوليس هو سبحانه وتعالى الذي إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون ..


إن القضية أيها الأحبة هي قضية : كن فيكون ، إن القضية : قضية أمر فيتغير الوجود كله بأمر الله , هو القادر سبحانه وتعالى (( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَـوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْـفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَاَ يَشْعُرُونَ {26} النحل)) .

من عظيم قدرته جلّ وعلا إحياء الموتى وهذا من أعظم ما تمدّح الله جل وعلا فيه ، بل إنه جلّ وعلا يبدئ ويعيد.. فلما ذكر الله جلّ وعلا بعض مظاهر رحمته من إنزال الغيث وإنبات الأرض أخبر جلّ وعلا أن ذلك من دلائل قدرته تبارك وتعالى على إحياء الموتى فقال سبحانه (( إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى {39} فصلت ))..


ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن رجل من بني إسرائيل ممن لم يعمل خيرًا قط ، أنه لما جاءه الموت جمع أبناءه وقال : إذا أنا مت فقطعوني ثم أحرقوني ثم ذرُّوني - أي ائتوا في يوم شديد الريح وذرُّوني حتى يتفرق جسمه في كل مكان - قالوا لِمَ ؟ قال:[ لأنه لئن قدر الله على أن يجمعني ليعذّبنّي ] ففعلوا , فجمع الله خلقه بعد موته ، ثم قال :[ ما الذي حملك على فعل ذلك ؟ قال : خوفك وخشيتك يا رب ، فغفر الله له ] ..


فانظر كيف ظنَّ أن الله يعجز أن يجمعه ، الله لا يعجزه ، وتأمل معي كم من البشر الذين ماتوا في أعماق البحار، والذين تفتّت أجسادهم في الجو مع احتراق طائرة أو تفجّرها ، أو أناس أتـتهم حريق هائل في الأرض ولم تبقِ لهم ولا تذر من أجسادهم شيئًا ، أو أناس أتـتهم أعاصير فذهبت أجسادهم حيث لا يعلم أحد ، سيجمعهم الله ، سيجمعهم الله يوم القيامة ويجمع أجسادهم المتفرقة في كل مكان ليظهر قدرته سبحانه وتعالى على جمع الناس ، وأنه كما أوجدهم من عدم سيعيدهم كما كانوا ، وإنه على جمعهم لقدير ..


(( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَـرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُــمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَبِثْتَ مِاْئَـةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَـسَنــَّهْ وَانظُـرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّـلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُــمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَــلَمَّا تَـبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {259} البقرة ))..


مرّ رجل من بني إسرائيل بقرية ، وتأملوا كلام القرآن ، قال (( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)) قرية كما عبر القرآن (( وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا)) مات أهلها ، تحطمت منازلهم ، أصبحت مقفرة ما عاد فيها إنسان ولا طعام ولا نبات ؛ هذا الرجل لما مرّ على القرية تعجّب وهي حطام ، كيف يحيي الله هذه القرية ؟؟ فإذا بالله يـُريه قدرته ويُميته مئة عام ليست سنة ولا سنتين ولا عشر ولا عشرين ، ثم يبعثه ويوم أن بُعث كانت القرية قد عُمِّرت وتكامل ساكنوها ، وتراجعت بنو إسرائيل إليها, فلما أحياه الله وأول ما أبصر بعينيه بعد الإحياء جعل ينظر في سريان الروح في بدنه كيف يحي بقية البدن فلما استقل سويًّا قال الله له : كم لبثت ؟ قال : لبثت يومًا أو بعض يوم ، فيخبره أنها مئة سنة لكن القدرة ستبدو أمام عينيك أنظر إلى طعامك وانظر إلى حمارك ، طعام من مئة سنة لم يتغير ولم يبلى قدرة من الله في حفظ الطعام ، وحمار قد مات وأكلته الديدان وبليت عظامه وتفككت أوصاله وامتـزج بالتراب ، وأمام عينيه يقوم الحمار ويبدأ الخلق ، عظام فلحم فجلد فروح ويقف الحمار حيًّا ، ليعلم أن الله على كل شيء قدير ..


إبراهيم عليه السلام لما قال (( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى {260} البقرة )) ما من شك عند إبراهيم قطعًا ، لكن أراد أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين ((أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)) حتى يزداد إيمانه ، وطلب الزيادة في مقامات الإيمان والعلو فيها صحيح ولا خطأ فيه ، قال الله تعالى (( أْوَلَمْ تُـؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ )) وقطعهن اذبحهن وفرقهن (( ثُــمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا )) أدخل القطع في بعضها ثم خذ بعضاً منها وفيها من هذا ومن هذا ومن الآخر وضعها على جبل ، وقطع أيضًا مختلطة من الطيور الأربعة واجعلها على جبل آخر ، اجعل على كل جبل منهن جزءًا (( ثُــمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا)) وجعل إبراهيم عليه السلام يرى كيف تجتمع القطع ، رجل الطائر من هذا الجبل مع جناحه من الجبل الآخر مع رأسه من الجبل الثالث وتنتظم لتكون طيرًا يطير مرة أخرى (( وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) ..

وهذه الصخرة الصماء يُخرج منها ناقة لقوم صالح يوم أن جلسوا في ناديهم ودخل عليهم أخوهم صالح يدعوهم للإيمان بالله عزّ وجلّ ، يدعوهم للإيمان به سبحانه وتعالى وقالوا نريد منك أن تُخرج لنا ناقة من هذه الصخرة عشراء طويلة بيضاء صفتها كذا وكذا ظنًّا منهم أنهم سيعجزون الله وسيعجزون رسول الله .

واقترحوا عليه ناقة تخرج من صخرة صماء وعيّنوها بأنفسهم على ما ذكره أهل التفسير ، أخرج لنا ناقة إن كنت صادقًا عُشرى تمخض من هذه الصخرة ، فأخذ عليهم صالحٌ عليه السلام العهود والمواثيق لأن أجابهم الله إلى سؤالهم وأخرج لهم الناقة ليؤمنن بصالح ويتبعونه ,

فقام رسول الله صالح عليه السلام وصلى لله ودعا الله فخرجت الناقة على الوصف الذي طلبوه من تلك الصخرة ، وابتلاهم الله بها , ويوم أن عقروها وظنوا أنهم سيعجزون الله (( فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا {14} وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا {15} الشمس ))..

ملكوت السماوات والأرض عظيم واسع ، وكل ما تأمل فيه المؤمن ازداد إيمانًا بقدرته تعالى , أنشأ الله السحاب وقال (( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ {43} النور )) واجتمعت السحاب أربعة أضداد ، لا يقدر على جمعها إلا ربُّ العباد : الظلمة والنور ، لأن السحاب يحول بين الشمس أو بين القمر والأرض فيحجب النور وفي الوقت نفسه يكون منه البرق فيكون نورًا ,

وجمع بين الماء والنار ، وأنت تعلم أن الماء والنار ضدان فيكون من السحاب المطر الذي ينزل ويكون من السحاب الصواعق التي تحرق ، ولهذا قال ربنا (( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ {43} النور)) وقال (( وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ {13} الرعد)) فعندما ترى السحاب قد تراكم بعضه على بعض ينبغي أن يدلَّك ذلك في المقام الأول على عظيم قدرة من أنشأها ,
ثم أنظر كيف ما جمعت من الأضداد حتى يكون قلبك أكثر استكانة بين يدي ربِّ العباد ..

تجدب الأرض ، وتوشك البهائم على الهلاك ولا يبقَ إلا الملجأ إلى الله ، فيخرج الشيوخ الـرُّكع والأطفال الرُّضـع والنساء والكبار والصغار فيبكون ويجأرون ويتضرَّعون ، فتهتز السماء بالسحاب ويأتي من هنا وهناك وينزل القطر وتنمو الأشجار وتمتلئ الضروع لبنًا , كل ذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى ..



قل للطبيب تخطّفته يد الردى من يا طبيب بطبّه أرداك
قل للمريض نجا وعوفي يا بعد ما عجزت فنون الطب من عافاك والنحل قل للنحل يا طير البوادي من الذي بالشهد قد حلّاك
وإذا ترى الثعبـان ينفث سمَّــــه فاسأله من ذا بالسموم حشاك
وأسأله كيف تعـيش يا ثعبـــــــان أو تحيى وهذا السمُّ يملأ فاك

سيجيب ما في الأرض من آياتـــه عجب عجاب لو ترى عيناك
فالحمد لله القديــــر بذاتـه حمدًا وليس لواحد إلّاك

مظاهر قدرة الله في الكون كثيرة جدًا ، وهو سبحانه وتعالى غني بذاته عن مخلوقاته ، كل يوم هو في شأن يغفر ذنبًا ، ويفرّج همًّا ، ويكشف كربًا ، ويجبر كسيرًا ، ويغني فقيرًا ، يعلّم جاهلا ، ويهدي ضالًّا ، يرشد حيرانًا ، ويغيث لهفان ، ويفك عانيًا ، يشبع جائعًا ، ويكسو عاريًا ، يشفي مريضًا ، يعافي مبتلىً ، يقبل تائبًا ، يجزي محسنًا ، ينصر مظلومًا ، يقصم جبّارًا ، يقيل عثرة ، ويستر عورة ، يؤمّن روعة ، يرفع أقوامًا ويضع آخرين , أليس في ذلك كله دليل على أن الله عزّ وجلّ على كل شي قدير ، وأنه بكل شيء محيط ..

ويجمع الله تبارك وتعالى في أكثر من موطن في القرآن بذكر خلق السماوات والأرض وتغيير أحوال البشر ، إشارة إلى أن الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة ، هذه السماء حتى قال الله في القرآن (( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ {57} غافر )) يذكر الله السماوات والأرض ثم يذكر شيئًا من أحوال الخلق ليوحي إلى نفوسنا أو يعطيها إشارة أن الذي قدر على إيجاد هذه السماوات العظيمة وهذه الأرض قادر على التصرف بكم كيف يشاء ، ولذلك قال في موطن من تلك المواطن (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ{19} وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَــزِيزٍ {20} إبراهيم ))..


الله يتحدّى خلقه .. يقول لهم إن كنتم تصرّون على الإعراض والتكبر والمعاندة لأمري فاعلموا أني قادر على أن أذهب بكم عن بكرة أبيكم وآتي بآخرين غيركم يعبدوني ولا يعصوني , فالله يُظهر هذه القدرة وهي تحمل شيئًا من التهديد للخلق ، ولذلك قال في موطن آخر (( وَإِن تَـتَـوَلَّـوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُــمَّ لَا يَكُونُواْ أَمْثَالَـكُمْ {38} محمد)) .

ثم من دلائل قدرته ما ترى في خلقه جلّ وعلا : منهم من يمشي على رجلين ، منهم من يمشي على أربع ، منهم من يمشي على بطنه ، والله جلّ وعلا يقول كما في الآيات في سورة النور (( يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ {45} )) .

وآدم عليه السلام خُلق ما من أب ولا من أم ، وخُلقت حواء من ذكر لا من أنثى ، ثم كان الناس من ذكر وأنثى ، فلم يبقى إلا حالة واحدة أن يؤتى بأحد من أنثى من غير ذكر على الضدِّ من حواء فكان خلق الله جلّ وعلا لعيسى , فكان عيسى وآدم وحواء وسائر الخلق كلهم مخلوقون للربِّ تبارك وتعالى ، هو الذي خلقهم على تلكم الهيئة والكيفية التي أرادها تبارك وتعالى وكلها تبين لك أن الله على كل شيء قدير ..


ولما نـزل قول الله تبارك وتعالى (( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُــكْمًا وَصُمًّا {97} الإسراء )) تعجّب الصحابة، قالوا : يا رسول الله ! كيف يمشيهم على وجوههم ؟؟ قال : { إن الذي أمشاهم على أرجلهم ، قادر على أن يمشيهم على وجوههم } أنظر إلى هذه القدرة ليس لها حدّ ، ومن الخطأ أن تظن أن قدرة الله قاصرة على الدنيا أو قاصرة على الآخرة ، بل هي شاملة للدارين فالله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد هذا الكون كله من عدم ، إنما قوله للشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون ..

الله سبحانه وتعالى من رحمته بنا أنه يذكّرنا بقدرته حتى نقصر عن المعاصي ونبقى على ما يحب ويرضى من الطاعات ، يذكّرنا بقدرته التي ليس لها حد ولا يمكن أن يمنعها أحد (( قُــلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُـذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَـرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَـفْـقَـهُـونَ {65} الأنعام ))..
لما نزلت هذه الآية (( قُــلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ )) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ أعوذ بوجهك } ، قال (( أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )) قال :{ أعوذ بوجهك } قال (( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُـذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ )) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ هذا أهون } فالله قادر على إرسال العذاب من جميع الجهات ..

لذلك ، سبحان الله ! تجد في قمة القدرة التي يتمكّن منها البشر من الدنيا يصيبهم الله بشيء يذكّرهم عجزهم عنها، قال الله عزّ وجلّ (( حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّــنَتْ وَظَنَّ أَهْـلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَـغْـنَ بِالْأَمْسِ {24} يونس ))

في قمة بلوغ الإنسان القدرة وشعوره بالانتعاش أنه تمكّن يأتيه القهر والقدرة الفائقة لتظهر عجزه وفقره ,وقد رأيت هذا في أكثر من بلد من بلاد العالم بلغوا أوج حضارتهم وتمكنوا من أمور لم يتمكن غيرهم منها فإذا بزلزال – هزة - تهز الأرض تقلب عاليها سافلها ، أو إعصار يذهب بكل شيء حققوه ..


تبقى هذه الكوارث التي يسمونها طبيعية ، تبقى هذه الكوارث دالة على قدرة الله : إعصار بسرعة 250 كم / الساعة ، سبحان الله العظيم !! زلزال في لحظة يذهب ثمانين ألف نفسًا !! كما حصل في الصين ! الله أكبر! من أين سيخرج الناس ؟ وإلى أين سيفرون ؟ وإلى أين سيلجأون ؟ ليس لهم عاصم من الله تبارك وتعالى ..

الله عزّ وجلّ رفع عن هذه الأمة العذاب العام من فوقهم بالرجم والحصب الذي كان يأخذ الأمم المكذبة السابقة ، ومن تحت أرجلهم بالخسف العام الذي يهلك الجميع ، ولكن تبقى له آيات في إهلاكات محدودة في أقوام معينين في بلد معين دالة على قدرته ..

وقد قصّ الله علينا في القرآن شيئًا من صور إهلاكه للأمم قبلنا ، كيف أهلك أقوام بالريح ، وأهلك أقوام بالغرق وأهلك أقوام بالصيحة إنها القدرة في تنوع العقوبة ، وفي صورة من صور تقريب حال الزلزال الذي قد يقع اليوم.. لعل أقرب آية تصور حال الزلزال إذا وقع هي قوله سبحانه(( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَـوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْـفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَاَ يَشْعُرُونَ {26} النحل )) بينما يكون الناس في طمأنينة فجأة اِهتزت الأرض، اِهتزت القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ، أنظر إلى هذه القدرة التي تتكرر اليوم ويراها الناس ، إنها رسائل يا عباد الله !! أن صور العقوبة والقدرة عند الله ليس لها حد ، وليس لها صورة مستقلة قاصرة عليها ، بل هي متعددة مختلفة باختلاف أحوال البشر فينبغي الحذر من هذا الخالق القادر المقتدر المتمكّن من كل حال يريده في حال خلقه ..


إلهي ... أنت القاهر فوق عبادك ، ما أعظم سلطانك !!
إلهي ... أنت القادر لا يعجزك مقدور ، ما أشد سلطانك !!
إلهي ... أنت القوي المتين ، ما أوسع سلطانك !!
إلهي ... أنت ذو الطول والجبروت ، ما أمتن سلطانك !!

ولقد لفت الله انتباهنا إلى تغيّر أحوال الخلق من المُلك إلى عدمه ، ومن العزّ إلى عدمه ، أن كل ذلك وغيره إنما هو بقدرة الله ، قال الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران (( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُــذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26} )) وانظر ختمها الله بهذا الاسم ليوحي إلى قلوبنا ويورثها استحضار قدرته الفائقة في تغير أحوال البشر ..

بل أعظم من ذلك اِقرأ كتاب الله عندما يقول (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ {1} الملك )) فكل الملك إنما هو بيده وقدرته سبحانه وتعالى .. فإذا رأيت عزيزًا فاعلم أنه بقدرة الله ، وإذا رأيت ملكًا فاعلم أن ذلك بقدرة الله ، وإذا رأيت غنيًّا فاعلم أن ذلك بقدرة الله ، وإذا رأيت فقيرًا فاعلم أن ذلك بقدرة الله ، وإذا رأيت مريضًا أو صحيحًا فكل ما تراه إنما كل ذلك بقدرة الله ..

لا تظن ولا يجوز أن يتسرّب إليك شيء من الشك أو الريب أن شيئًا يحدث في أحوال الخلق أو المخلوقات أو الكون خارج عن قدرة الله وإرادته ، كل ذلك بأمــره ، وكل ذلك تحت سيطرتــه وإرادتــه جلّ في علاه ..


اللهم إنا ندعوك ضراعة نداء ، وجلّ احتماء لأنا نعلو بما تشاء على ما نشاء ، اللهم إنك شرعت السؤال راحة بال وإلا فماذا نسأل وقد أعطيتنا قبل أن نعرف كيف نسأل ، يا مالكًا كل من ملك ولذلك تؤتيه من تشاء وتنزعه ممن تشاء ، ولك من عالم المُلك ما لا يُملَـك ، ولك من عالم الملكوت ما لا تطلع عليه إلا عباد الرحموت ..

وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه ....

الحالم
موقوووووووف

عدد المساهمات : 1116
تاريخ التسجيل : 27/01/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى