اتحاف البررة في مسألة تطبيق الحدود في المناطق المحررة
2 مشترك
ملتقى صائد الرؤى :: الملتقيات العامة و الساحة السياسية والاقتصادية المفتوحة :: حوار الثغور ومنبر السياسة والاقتصاد والفتن الخاصة (عمران بيت المقدس خراب يثرب)!
صفحة 1 من اصل 1
اتحاف البررة في مسألة تطبيق الحدود في المناطق المحررة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين ، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله إمام المهتدين ، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه الغر الميامين ، وما اقتفى أثرهم إلى يوم الدين ، وبعد :
فإلى إخواننا المجاهدين على أرض الشام المباركة حفظهم الله ، نسأل الله أن يسدد رأيهم ورميهم وأن يعزهم وينصرهم على عدوهم ... يا ملأ السمع والبصر والفؤاد ... إلى من نحسبهم الطائفة المنصورة في هذا الزمن ، نقول :
أي أيها الأبطال ، مهما قلنا في حقكم فلن نوفيكم شأنكم ، ولكن نحسبكم إنما خرجتم ابتغاء وجه الله و نصرة لشريعته فالله يجازيكم على عملكم ، وهو أحق وأوفى من جازاكم.
وأذنوا لنا أن نتجاوز المقدمات لنصل إلى المقصود من هذه الكلمات ، وهو الحديث حول نازلة ألمت بأهل الجهاد في الشام ، وتصوير هذه النازلة كالتالي :
أنه من آثار المعركة الدائرة على أرض الشام هذه الأيام ، ان بعض المناطق تسقط في أيدي المجاهدين بحيث تصبح لهم الصولة والجولة فيها ، ويوكل إليهم إدارة شؤون هذه المناطق المحررة في الجملة إما وحدهم أو بالاشتراك مع بعض الفصائل الأخرى ، ومن ضمن هذه الإدارة الحكم والقضاء والفصل في الخصومات بين الناس ، ولا بد لأهل الجهاد أن يحكموا بين الناس بشرع الله وحكمه كما هو معلوم ومسلم به ، إلا أنه يغلب على الظن أنه في حال تطبيق بعض الأحكام الشرعية خاصة الحدود فإنه سيترتب على ذلك مفاسد كبيرة ، من نفرة الناس في سوريا من أهل الجهاد وبالتالي إفقادهم الحاضنة الشعبية ، وخلافات مع فصائل اخرى قد تجر إلى خصومات وحرب داخلية ، وجعل هذا التطبيق ذريعة لتشويه سمعة اهل الجهاد وتنفير المسلمين منهم وإفقادهم التعاطف الذي اكتسبوه خلال الفترة الماضية مما سيضيق عليهم بعض الدعم الذي حصلوا عليه بفضل الله اولاً ثم إحسان إدارتهم للمعركة لغاية الآن – نسأل الله أن يثبتهم وينور بصيرتهم- ، وأخيراً يكون ذلك مبررا – ولو ظاهريا – لأعدائهم المتربصين بهم – والذين أغاظهم حسن إدارة المجاهدين للمعركة إلى الآن - لضربهم والهجوم عليهم .
والسؤال : إذا كانت الحالة هذه فهل يسع أهل الجهاد تأخير تطبيق بعض الأحكام الشرعية ( الحدود على وجه الخصوص ) التي يغلب على الظن أن تطبيقها سيجر المفاسد التي ذكرناها آنفاً ، إلى حين يغلب على الظن انتفاؤها بحيث تكون مصلحة تطبيق تلك الأحكام أعظم ويتحقق المقصود الذي أراده الله من شرع هذه الأحكام ؟ أم أنه لا يسعهم ذلك فيلزمهم تطبيق تلك الأحكام والحدود جملة وتفصيلاً دون النظر إلى عواقب ذلك ، باعتبار أن عدم تطبيق تلك الأحكام يعد من الحكم بغير ما أنزل الله ، فهو معصية وكفر ؟
فنقول وبالله التوفيق نسأله سبحانه المعونة وسداد الرأي :
نحاول الإجابة عن هذه النازلة باختصار من خلال النقاط التالية :
أولاً : على إخواننا أن يعلموا – وأظنهم يعلمون ولكن من باب وذكر – أن العالم كله يرقبهم اليوم بالمجهر محاولاً البحث عن أي عيب يستطيع به ذمهم والتشهير بهم ليقطع صلتهم بأهل الشام وبسائر الفصائل الجهادية ، وان الحرب التي يخوضونها اليوم يصدق عليها انها حرب عالمية ، نسال الله ان تكون عاقبتها للمتقين ، وأن تكون بداية النهاية لحكم الطواغيت ، وهذا كله يلقي عليهم عبأً اكبر واكبر ، خاصةً الاستفادة من التجارب الجهادية التي سبقت ، والتي يجب عليهم الانتباه للأخطاء التي وقعت فيها ، ومحاولة تجاوزها ، وأن يبتعدوا عن الظاهرية وتسطيح الأمور ، منضبطين في كل ذلك بميزان الشرع ولا بد ، وكما قال أبو مصعب السوري " ليس للجهلة مكان في هذا الزمن مهما بلغ من إخلاصهم المقترض " ، وقديما قال علماؤنا " ليس الفقيه من يعرف الخير من الشر ، ولكن الفقيه كل الفقه من يعرف خير الخيرين وشر الشرين " ، وسنن الله لن تحابيكم لأجل صدق نياتكم ما لم تأخذوا بالسنن الكونية والشرعية للنصر ... فالله الله في الفهم والتبصر وعدم العجلة !!
ثانياً : إن الحديث عن حاكمية الشريعة ومنزلة الحكم بما أنزل الله وأنه شرط في صحة إيمان العبد ، لهو من المسلمات التي ما جاهدتم إلا في سبيلها ، فلا داعي لإطالة الكلام في تقريرها .
ثالثاً : تحريراً لمحل النزاع نقول : من المتفق عليه أنه لا يجوز لأهل الجهاد متى تمكنوا من منطقة معينة ان يجعلوا القانون الذي يحكموا فيه بين الناس هو القانون الوضعي ، كأن يتركوا المحاكم تفتح أبوابها وتعود تحكم بحسب القانون السوري الوضعي ولو تحت دعوى التدرج ، فهذا من الكفر البين المقطوع به الداخل في كفر التشريع وكفر الحكم بغير بما أنزل الله ، والكفر لا يبيحه شيء سوى الإكراه ، فلا ينظر في مقابله إلى أي مصلحة مهما ادعيت ، وكذا لا يجوز الدعوة إلى الديمقراطية وحاكمية الشعب أو التسليم بها ولو كان من يدعو إلى ذلك من فصائل أخرى بحيث ينسب لكم الرضى عن ذلك او الإقرار به فكل ذلك مناف للغاية من الجهاد ، فالديمقراطية من الكفر البين الذي نعيذكم منها ونعلم أنكم من أشد الناس نفوراً منها ، ولكن ذكرناه لتتضح المسألة ويبان الفرق بين هذه الصور المتفق على حرمتها وصورة المسألة التي نحن فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " المحرمات قسمان : أحدهما : ما يقطع بأن الشرع لم يبح منه شيئا لا لضرورة ولا لغير ضرورة : كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم والظلم المحض وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} . فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يبح منها شيئا قط ولا في حال من الأحوال ... وأما الإنسان في نفسه فلا يحل له أن يفعل الذي يعلم أنه محرم لظنه أنه يعينه على طاعة الله فإن هذا لا يكون إلا مفسدة أو مفسدته راجحة على مصلحته وقد تنقلب تلك الطاعة مفسدة ؛ فإن الشارع حكيم لو علم أن في ذلك مصلحة لم يحرمه ... فليس للإنسان أن يعتقد حل ما يعلم أن الله حرمه قطعا وليس له أن يفعله قطعا ... فإن الشرك والقول على الله بلا علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم : لا يكون فيها شيء من المصلحة وقتل النفس أبيح في حال دون حال ؛ فليس من الأربعة . وكذلك إتلاف المال يباح في حال دون حال وكذلك الصبر على المجاعة ؛ ولذلك قال : { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } فإخلاص الدين له والعدل واجب مطلقا في كل حال وفي كل شرع ؛ فعلى العبد أن يعبد الله مخلصا له الدين ويدعوه مخلصا له لا يسقط هذا عنه بحال ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد وهم أهل " لا إله إلا الله " ... فيجب الفرق في الواجبات والمحرمات - والتمييز بينهما هو اللازم لكل أحد على كل حال وهو العدل في حق الله وحق عباده بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين ولا يظلم الناس شيئا وما هو محرم على كل أحد في كل حال لا يباح منه شيء وهو الفواحش والظلم والشرك والقول على الله بلا علم - وبين ما سوى ذلك . قال تعالى : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا } فهذا محرم مطلقا لا يجوز منه شيء..." .
وعلى ذلك فمتى قطعنا في مسألة معينة أنها من الشرك والكفر لم يجز لأحد أن يجيزها تحت دعوى المصلحة ، كما ذكرنا في الصور السابقة ، فإن استبدال شرع رب العالمين بالقانون الوضعي اللعين لا شك أنه من الكفر المستبين ، ومثله دعوة الناس إلى الديمقراطية – بمعنى حاكمية الشعب التي تجعل له حق التشريع – فهذه دعوى مناقضة لشرع الله التي تجعل الحاكمية والتشريع لله وحده .
ثالثاً : فالصورة التي نتكلم عنها تتصور : أنه هل يجوز للإمام المسلم الذي يحكم بين الناس بشرع الله وبما أنزل الله ولا يستمد أحكامه إلا من كتاب الله ، هل يجوز لمثل هذا الإمام أو المسؤول أن يؤخر تطبيق بعض الأحكام الشرعية (الحدود على وجه الخصوص في واقعنا) إذا كان يغلب على الظن أن ذلك سيجلب مفسدة تربو وتزيد على المصلحة التي شرعت هذه الأحكام لتحصيلها ، أم أن المصلحة الوحيدة إنما هي في تطبيق تلك الأحكام كيفما اتفق ، وما خلاف ذلك فمصلحة موهومة لا اعتبار لها؟
والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها واضح :
ففي الصورة الأولى : هناك تشريع بغير ما أنزل الله واستبدال شرع الله بأحكام وضعية لعينة ولو كان ذلك في حكم واحد كجعل حكم السارق هو السجن بدلاً من قطع اليد ، وهو كفر لا يصح إلا تحت الإكراه ، وهو الذي تمارسه بعض الجماعات الإسلامية اليوم ونعترض عليه .
أما الصورة الثانية - وهي التي نبحثها - : فالحكم الشرعي والقانون الذي حكم به هو شرع الله فحكم السارق قطع اليد ونحو ذلك من الأحكام ، ولكن في تنزيل هذا الحكم على الإفراد نتريث بحيث لا يطبق على الأفراد ، فمثل هذه الصورة لو وقعت من الحاكم المسلم لهوى أو قرابة فهي تعد من الكفر الأصغر لا الأكبر ، ما دام هذا الحاكم لم يبدل شرع الله مطلقاً وإنما زاغ في تلك القضية ، ولو تعدد منه الزيغ والميل عن حكم الله.
ويقوي ذلك أنه وجد في عصر علمائنا أمراء تقاعسوا عن تطبيق الحدود على مستحقيها فكانت تشرب الخمور وتباع ويتساهل بعض السلاطين في تطبيق الحدود عليهم ، حتى كان العلماء كالعز ابن عبد السلام وابن تيمية يطبقون الحدود احياناً مباشرة وينكرون المنكر دون الرجوع إلى السلطان ، ومع ذلك لم يكفر أحد منهم السلطان و أولي الأمر ، ومن قراً سيرة هذين العالمين والتاريخ الإسلامي وقع على شيء من ذلك ، فهذا دليل أن عدم تطبيق الحد على مستحقه معصية وليس بكفر ما دام القانون هو شرع الله.
وهذا التفريق بين الصورتين هو ما عليه أهل السنة والجماعة والمحققين من علماء العصر وعلماء أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر ، وينظر في ذلك تعليقات الشيخ أبي محمد المقدسي على كاتب الجامع في طلب العلم الشريف والذي خالف في هذه المسألة جمهور العلماء ، كما ينظر في ذلك فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله فهي صريحة في ذلك ، وكذا ينظر كتاب نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز العبد اللطيف فقد نقل نصوص العلماء في ذلك.
فتحرير مسألتنا إذاً هو في الحديث عن الكفر الأصغر لا الكفر الأكبر ، لأنه إذا كان من الكفر الأكبر فهو ممنوع رأساً ، ولا ينظر بعد ذلك إلى باب المصالح والمفاسد فأعظم مفسدة هي الشرك وأعظم مصلحة هي الدين فلا ينظر وراء ذلك إلى أي مصلحة او مفسدة البتة .
فأقول وبالله المستعان وهو الهادي سواء السبيل : هذا الموضع من أدق المواطن وأصعبها وهو مظنة مزلة الأقدام والأفهام ، والناس فيه طرفان : طرف أفرط في هذا المقام فاستحسن بعقله واتبع هواه فجعل المصلحة ما يراها هو برأيه دون التزام بالشرع في ذلك ، فعطل الشرع بدعوى التدرج وتحقيق المصلحة ، وطرف فرط في النظر في هذه الباب أصلاً فلم يرفع به رأساً واعتقد ألا اعتبار للمصلحة والمفسدة في هذا الباب مطلقاً ، فضيق على نفسه ومن حوله واسعاً، وجر في ذلك بعض المفاسد باسم الشرع ظنها هو من البلاء القدري ، ولم يعلم انها عقوبة على تفريطه في فهم بعض سنن الله وأحكامه في هذا الباب .
فالحق وهو الذي نراه وسطاً في هذه المسألة والله أعلم : جواز تأخير تطبيق الحكم الشرعي – كالحدود – على آحاد الناس ، إن ترتب على تطبيقه فساد محقق تربو على مصلحة إمضائه وتنفيذه ، وذلك بضوابط مهمة تقيد هذه الإجازة تبعدها عن التدرج الذي هو مطية الجماعات البدعية في هذا الزمن لعدم تطبيق الشريعة.
ودليلنا على هذا الجواز أصول نجملها باختصار فيما يلي :
أولاُ : نصوص الشرع وقواعده الدالة على الموازنة بين المصالح والمفاسد ودرء المفسدة الغالبة ولو بترك بعض الواجبات وفعل بعض المنهيات التي دونها في المفسدة.
والمنظور إليه في ذلك إنما هو الدين : فجلب مصلحة الدين فوق كل مصلحة ودرأ المفسدة عنه هي المطلوب ، وليس ينظر في ذلك إلى مصلحة جماعة او حزب معين ، فلا يعترض معترض أنكم عطلتم الشرع بدعوى المصلحة ، فهذا نحن من ابعد الناس بحمد الله .
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين " فصل في تغير الفتوى واختلافها يحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد " ، ثم قال " بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد :
هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه (قلت : وصدق والله ، فانظر ما فعل الجهل بأهله !) ، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله – صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدقها وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ..." إلى آخر كلامه رحمه الله ، وهو كلام نفيس جداً من إمام وعالم تضلع بعلوم الشريعة وفقه نصوصها.
ثم ذكر أمثلة على هذا الأصل ، نقتصر على ثلاثة امثلة مما تعنينا في المسألة موضوع البحث :
أولاً : " المثال الأول أن النبي –صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وان كان الله يبغضه ويمقت أهله ... فإنكار المنكر أربع درجات : الأولى أن يزول ويخلفه ضده ، الثانية أن يقل وإن لم يزل بجملته ، الثالثة أن يخلفه ما هو مثله ، الرابعة أن يخلفه ما هو شر منه ، فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة ... ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبئ الذرية وأخذ الأموال فدعهم...".
وقال ابن تيمية رحمه الله " أن يفرق بين ما يفعل في الإنسان ويأمر به ويبيحه وبين ما يسكت عن نهي غيره عنه وتحريمه عليه فإذا كان من المحرمات ما لو نهى عنه حصل ما هو أشد تحريما منه لم ينه عنه ولم يبحه أيضا . ولهذا لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه".
قلت : والحدود هي من إنكار المنكر فيطبق عليها الكلام المذكور .
الثاني : " المثال الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم - نهى أن تقطع الأيدي في الغزو رواه أبو داود ، فهذا حد من حدود الله تعالى وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عله ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا ، كما قاله عمرو أبو الدرداء وحذيفة وغيرهم ، وقد نص أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود ... لا تقام على ارض العدو ، وذكرها أبو القاسم الخرقي في مختصره فقال : لا يقام الحد على مسلم في أرض العدو وقد أتى بشر بن أرطاة برجل من الغزاة قد سرق مجنة فقال لولا أني سمعت رسول الله ص - يقول لا تقطع الأيدي في الغزو لقطعت يدك رواه أبو داود وقال أبو محمد المقدسي وهو إجماع الصحابة.
قلت- يعني ابن القيم - : وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة ، إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار ، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر عن الحامل والمرضع وعن وقت الحر والبرد والمرض فهذا تأخير لمصلحة المحدود فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى"أ.هـ.
فإذا جاز تأخير تطبيق الحد على الفرد خشية التحاقه بالعدو وردته ، مع أن هذا الفرد لربما ليس له كبير تأثير ، فإنه من باب أولى وأحرى أن يجوز تأخير تطبيق الحد على الناس خشية نفرتهم من الإسلام ولحوقهم بالعدو كالائتلاف الوطني والجهات العميلة للغرب ، مع مراعاة ما عليه الناس من جهل بأحكام الشرع ، وبعد عهدهم بالشريعة وحاكميتها ، وعدم المكنة التامة الخالصة على الأرض لأهل الجهاد ، فكل ذلك يجيز – والله أعلم - تأخير تطبيق الحدود وأي حكم شرعي يظهر أن في تطبيقه مفسدة تربو على مصلحة إنفاذه.
وكما هو ظاهر من كلامنا أعلاه فإن المنظور إليه في ذلك كله هو مصلحة الإسلام ، لا حزب أو جماعة معينة ، ولاشك أن تمكن المجاهدين الذين هم الطائفة المنصورة في هذا الزمن ورأس حربة الإسلام من مصلحة الإسلام ، وأن إقبال الناس على المجاهدين وثقتهم به من مصلحة الإسلام.
قد يقال هنا إن كلام ابن القيم السابق إنما هو في تأخير تطبيق الحدود إلى حين رجعة الإمام إلى دار الإسلام وليس في إيقافها ، وكلامكم إنما هو في إيقاف التطبيق مؤقتاً .
والجواب :
أولاً : أن ابن القيم نص في أول كلامه على أن العلة هي " خشية أن يترتب عله ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره " فنص على التعطيل كما نص على التأخير ، وانظر إلى قوله تعطيل!!
ثانياً : أن رأي أبي حنيفة الفقهي أن الحدود لا تطبق في دار الحرب مطلقا ً فلو سرق المسلم في الغزو في أرض العدو ودار الحرب فإن يده لا تقطع مطلقاً ، وهذا هو عين مسألتنا ، وهو عدم تطبيق الحدود أو ما يسمى " إيقاف" ، ومع ان رأي أبي حنيفة مرجوح والراجح هو رأي الحنابلة في الموضوع وهو تأخير تطبيق الحد فإذا رجع الإمام المسلم إلى دار الإسلام وجب عليه التطبيق لانتفاء العلة الموجبة للتأخير ، إلا أن أحدا من العلماء لم يقل إن مقتضى كلام أبي حنيفة هو الكفر ، بل اعتبروا ذلك من الخلاف الفقهي .
ثالثاً: إذا كان الراجح كما أسلفنا في المسألة هو رأي الحنابلة بتأخير تطبيق الحد إلى حين عودة الجيش إلى دار الإسلام لانتفاء العلة الموجبة لتأخير تطبيق الحد وهو خشية لحوق الرجل بالعدو ، فإن هذه العلة في عصرنا باقية ولو حصلت للمجاهدين مكنة جزئية في بقعة معينة ، فما يزال انقلاب الأهالي وسائر الفصائل مخوف جدا والعدو متربص والمكنة جزئية ، إذاً فعلة تأخير تطبيق الحد لم تزل بعد فنبقى على التأخير.
رابعاً : حتى لو قيل إن الجائز هو تأخير تطبيق الحدود للمصلحة الشرعية ولكن لا يجوز تعطيلها ، فيمكن إعمال هذا القول بتأخير تطبيق الحود على مستحقيها، حتى يغلب على الظن انتفاء المفسدة من تطبيقها ، فتطبق على من استحقها.
الثالث : " المثال الثالث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اسقط القطع عن السارق في عام المجاعة قال السعدي حدثنا هارون بن إسماعيل الخراز ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير حدثني حسان بن زاهر أن ابن حدير حدثه عن عمر قال " لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة " ، قال السعدي سألت احمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: العذق النخلة وعام سنة المجاعة ، فقلت لأحمد تقول به ؟ فقال : إي لعمري ، قلت : إن سرق في مجاعة لا تقطعه ؟ فقال : لا إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة .
... وقد وافق احمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي وهذا محض القياس ومقتضي قواعد الشرع فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجانا على الخلاف في ذلك والصحيح وجوب بذله مجانا لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة..."أ.هـ.
وهذا المثال أتيت به للاستدلال على أن الحد يمكن أن لا يطبق على آحاد الناس إن وجدت شبهة عامة ، كما في مثالنا حيث وجدت شبهة عامة وهي الجوع بسبب القحط والجدب والأثر عن عمر وإن كان في صحته نظر - وقد ضعفه الألباني رحمه الله – إلا أن الإمام أحمد عمل به وهو مذهبه كما نص في المغني ، فإذا كان الشارع راعى في تطبيق الحدود على الناس مصلحتهم وحاجتهم فأولى ان يراعى في تطبيقها مصلحة الإسلام وحاجته، خاصة مع مظنة جهل الناس بالأحكام الشرعية لبعد عهدهم بها فهذا الجهل قد يعتبر شبهة عامة تدرأ الحد عن آحاد الرعية إلى حين شيوع العلم بها ، والله أعلم.
الأصل الثاني : نصوص الشرع الدالة على أن الوجوب منوط بالاستطاعة والقدرة.
ونصوص الشرع متوافرة في الدلالة على هذا الأصل كقوله تعالى " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " ، ويجب التنبيه هنا أن المقصود بالقدرة والاستطاعة ليس مجرد الإمكان الفعلي بإمضاء الحكم الشرعي كيفما اتفق ، وإنما إمضاؤه مع عدم وجود مفسدة راجحة تترتب على ذلك ، فلو كان يمكن إمضاؤه فعلاً ولكن سيترتب على ذلك مشقة وحرج فإن ذلك يعتبر خارج القدرة والاستطاعة .
ومن أمثلة ذلك امتناع النبي –صلى الله عليه وسلم- عن قتل رأس النفاق ابن أبي ابن سلول مع إمكانية ذلك الفعلية حيث كان يستطيع أن يأمر بعض أصحابه بقتله فيقتلونه ، ولكنه مع ذلك راعى عليه الصلاة والسلام مصلحة الإسلام لئلا يقال " إن محمداً يقتل أصحابه " ومحمد عليه السلام يمثل الإسلام.
كما أنه عليه الصلاة والسلام امتنع عن تكسير الأصنام طيلة دعوته المكية وكان يصلي ويطوف والأصنام موجودة ، ولما اعتمر في عمرة القضاء بعد صلح الحديبية طاف وحول مكة الأصنام ، وقد كان باستطاعته أن يكسر تلك الأصنام في عمرة القضاء ومعه 1400 من أصحابه وقد اخلت قريش الكعبة له ولأصحابه و ليكن ما يكون بعد كسرها وهي الآلهة التي تعبد من دون الله ، ولكنه عليه السلام احتمل هذه المفسدة نظراً إلى مصلحة الإسلام الكبرى ، فالغالب أنه لو كسر الأصنام وقتها لهاجت قريش واحتدمت الحرب داخل البيت الحرام وسالت الدماء فحتى لو انتصر المسلمون لقالت العرب انتهك محمد حرمة البيت الحرام ، ولحصل من المفاسد ما الله به عليم ، ولكن جاء النبي بعد سنتين فقط ليفتح مكة ويكسر الأصنام بعصا صغيرة كانت معه ولم يسل في ذلك قطرة دم ، فهذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام من أعظم الأدلة أن تطبيق الاحكام الشرعية منوط بالقدرة التي معناها انتفاء المفسدة الراجحة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: " خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا ، كقوله " والسارق والسارقة فاقطعوا " ، وقوله " الزانية والزاني فاجلدوا" ، وقوله " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم " ، وكذلك قوله " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا "، لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم ، وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد، بل هو نوع من الجهاد ... إلى أن قال ـ رحمه الله- : والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين ، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها ، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه".أهـ.
وانظر رحمك الله كيف اعتبر عدم زيادة فساد أولي الأمر الذين تقاعسوا عن تطبيق الحدود الشرعية مصلحة تراعى عند تطبيق احاد الرعية للحدود ، ولم يحكم بكفرهم.
الأصل الثالث : التدرج ، والتدرج الذي نقصده نوعان :
التدرج في إبلاغ الصورة التشـريعية، ومعناه: بيان بعض الدين الحق والسكوت عن بيان بعضه إلى أن يحين وقته.
ومن أشهر أمثلته حديث معاذ المشهور لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم أهل كتاب.
التدرج في التنفيذ: وفيه تكون الصورة التشـريعية معلومة بينة ولكن يُسكت عن إنفاذها وتحقيق مقتضياتها.
ومن أشهر أمثلته ما وقع من الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ فَإِنَّهُ جَاءَ إلى الحُكْمِ بعدَ مظالِـمَ اقترفَهَا بعضُ الذينَ سبقُوهُ، فتدرَّجَ في الإصلاحِ ولَـمْ يتعجلْ في التغييرِ، فدخلَ عليه ولدُهُ عبدُ الملِكِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَتِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَمْضِيَ لِـمَا تُرِيدُهُ مِنَ الْعَدْلِ؟ فَوَاللهِ! مَا كُنْتُ أُبَالِي لَوْ غَلَتْ بِي وَبِكَ الْقُدُورُ فِي ذَلِكَ».
قَالَ: «يَا بُنَيَّ إِني إِنَّمَا أُرَوِّضُ النَّاسَ رِيَاضَةَ الصَّعْبِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْيِيَ الْأَمْرَ مِنَ الْعَدْلِ، فَأُؤَخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى أخرجَ مَعَهُ طَمَعاً مِنْ طَمَعِ الدُّنْيَا، فَيَنْفِرُوا مِنْ هَذِهِ وَيَسْكُنُوا لِهَذِهِ»
وجاء في بعض الروايات أن الذي منع عمر بن عبد العزيز من إمضاء بعض الحق بإرجاع الحقوق إلى أهلها من ظلمهم من بني أمية ،أنه خشي ان يخرجوا – يعني بنة امية – عليه بالسيوف فتسيل الدماء وتحصل المفسدة الكبرى ، مع الانتباه إلى ان حكم الشريعة كان سائداً وهو الذي إليه المرجع حين التنازع ، فلا يستشهد بهذا الدليل على ما تفعله بعض الجماعات الإسلامية من تطبيق الحكم الوضعي بادعاء التدرج فهذا كفر مستبين واضح لا يجوز البتة.
يقول شيخ الإسلام: «فَأَمَّا إذَا كَانَ الْـمَأْمُورُ وَالْـمَنْهِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْـمُمْكِنِ: إمَّا لِجَهْلِهِ، وَإِمَّا لِظُلْمِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ جَهْلِهِ وَظُلْمِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ الْأَصْلَحُ الْكَفَّ وَالْإِمْسَاكَ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ... فَالْعَالِـمُ فِي الْبَيَانِ وَالْبَلَاغِ كَذَلِكَ؛ قَدْ يُؤَخِّرُ الْبَيَانَ وَالْبَلَاغَ لِأَشْيَاءَ إلَى وَقْتِ التَّمَكُّنِ، فَإِذَا حَصَلَ مَنْ يَقُومُ بِالدِّينِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَوِ الْأُمَرَاءِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا؛ كَانَ بَيَانُهُ لِـمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ شَيْئاً فَشَيْئاً بِمَنْزِلَةِ بَيَانِ الرَّسُولِ لِمَا بُعِثَ بِهِ شَيْئاً فَشَيْئاً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُبَلِّغُ إلَّا مَا أَمْكَنَ عِلْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَلَـمْ تَأْتِ الشَّرِيعَةُ جُمْلَةً... فَكَذَلِكَ الْـمُجَدِّدُ لِدِينِهِ، وَالْـمُحْيِي لِسُنَّتِهِ لَا يُبَلِّغُ إلَّا مَا أَمْكَنَ عِلْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ... وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْـمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَالتَّحْرِيمَ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَقَدْ فَرَضْنَا انْتِفَاءَ هَذَا الشَّرْطِ، فَتَدَبَّرْ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ نَافِعٌ»أ.هـ.
وإمكان العمل المقصود كما في مواضع أخرى من كلامه نقلنا بعضها سابقاً هو مع انتفاء المصلحة الراجحة وليس الإمكان الفعلي فقط ، إذ تستطيع أي مجموعة أن تقطع يد سارق أو تقيم الحد على زانٍ، لكن ابن تيمية نص انه إذا ترتب على ذلك فساد أكبر منه كما في النص السابق لم يدفع الفساد بفساد أكبر.
وانظر كيف لم يعتبر ابن تيمية التدرج في أمر الناس بالواجبات ونهيهم عن المحرمات من باب إقرار المحرمات وترك الواجبات ، لعدم وجود المكنة الكاملة ، فكذا في حالنا لا يعد ترك تطبيق الحدود لوجود المفسدة الراجحة إقراراً بالمحرمات أو رضى بذلك لإن الوجوب منوط بالاستطاعة,
الأصل الرابع : ألا يقاس حال المجاهدين اليوم على الإمام الممكن الذي له القوة والسلطان والرعية تبع له ، بل هم أقرب إلى حال آحاد الرعية ، فقوتهم جزئية وسلاحهم يمكنهم من الدفع عن انفسهم والعدو مختلط بهم بين اظهرهم والناس لم يسلموا لهم ، فكل ذلك يجعل قياسهم على آحاد الرعية الذين لا يجب عليهم تطبيق الحدود التي تقاعس عنها الإمام إذا ترتب على تطبيقها مفسدة اكبر كما نص على ذلك ابن تيمية ، وأكثر العلماء ان تطبيق الحدود موكول إلى رأي الإمام ليس للرعية ذلك، فقياس حال المجاهدين اليوم على الإمام الممكن هو مصدر الخطأ في ذلك.
فهذه الأصول تقوي عندي القول بجواز تأخير تطبيق الحدود على آحاد الناس إذا ترتب على ذلك مفسدة راجحة يغلب على الظن أنها تحيق بالمجاهدين ، وأقوى الأدلة في ذلك : هو جواز تأخير تطبيق الحد على مرتكبه إذا كان في الغزو وخشي لحوقه بالعدو ، فهذه المسألة كالنص في النازلة التي نتحدث عنها ، لأن العلة التي أجازت تأخير تطبيق الحد فيها قائمة في زمننا حتى لو صارت للمجاهدين مكنة في بقعة معينة فهي جزئية يعني غير مستقرة فهم عرضة للانسحاب في أي وقت، ثم هي غير خالصة يعني يشاركهم فيها غيرهم من الفصائل ، والدار لا تزال دار حرب فليس حكم الإسلام فيها ظاهر .
وليعتبر في ذلك تعامل الفقهاء مع قول أبي حنيفة رحمه الله والذي يرى إيقاف تطبيق الحدود في أرض العدو ، فمع أن قوله في ذلك مرجوح إلا الفقهاء تعاملوا معه من المنظور الفقهي فقط ، ولم يحكموا أنه كفر بذلك ، أو أن قوله مخالف لأصول التوحيد .
وينبه في ذلك إلى أنه لا يفهم من كلامنا أن الحدود لا تطبق إلا عندما يؤمن عدم التحاق أي أحد بالعدو وردته ، فهذا حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ارتد بعضهم كابن خطل وابن أبي السرح ولحق بكفار قريش ، وحصل مع عمر لما أراد أن يقتص للأعرابي من جبلة بن الأيهم لما لطمه فلحق جبلة بالروم وتنصر ، ومع ذلك لم يوقف تطبيق الحدود لوجود دولة للمسلمين تمنع المسلمين وتحفظ لهم حقوقهم ، فليس الاعتبار هو النظر إلى كل فرد وحده ، وإلا فلن تطبق الحدود مطلقاً ، وإنما نظرنا إلى العام الغالب وغلبة الظن ، فلما يكون الإمام المسلم في غزو وهو بدار العدو فإنه يغلب على الظن أن يسهل ذلك على العاصي اللحوق بالعدو ، ولكن لما يكون بدار الإسلام والإمام له السطوة الكاملة بحيث لا يخشى من لحوق المحدود بدار العدو لو لحق ، ثم إن وجوده بدار إسلام يجعل دافعه للحوق بالعدو والارتداد أضعف ولا بد .
ومثل هذا في عصرنا ، فالإسلام غاب فترة طويلة ، والناس بعد عهدهم بالشرع وأحكامه ، فلو طبقتهم عليه جملة لرفضوه جملة ، ومكنة المجاهدين لا تزال ضعيفة وغير مستقرة ، واحتمال انقلاب الناس والفصائل وارد جدا ، وهم وإن لم يلحقوا ببشار وزبانيته فإنهم سيتجيروا بالغرب وعملائه في المنطقة ، وهو كما قلت احتمال قوي جدا رأيناه واقعاً في العراق ، فهذه المفاسد تبيح كلها التريث في تنزيل الأحكام على الأفراد ، والله اعلم .
وكلامي هذا اضبطه بأمور قلتها في ثنايا الكلام ولكن ألخصها في نقاط :
أولاً : أن الذي يجب أن يعلن للناس ويكون له المرجع عند الخصومة هو الشرع ولا شيء غيره ، فالقانون والدستور هو الكتاب والسنة ،فيعلم الناس أن الحكم إنما هو لشرع الله ، وأن غايتنا إنما هي دولة مصدرها الوحيد في التشريع هو كتاب الله وسنة رسوله ، وغير ذلك يكون من الكفر المحرم .
ثانياً : تطبق جميع احكام الشرع التي لا يغلب على الظن ان في تطبيقها مفسدة أكبر وهي كثيرة بحمد الله ، سواء في باب السياسة الشرعية ، والأحوال الشخصية ، والمعاملات ، وغيرها .
ثالثا : بالنسبة لأحكام القصاص فلا يظهر إشكال في تطبيقها والغالب ان الناس يتقبلونها لانها حقوقهم.
رابعاً : المعاصي التي لا حد فيها وهي التي تدخل تحت باب التعزير نص الفقهاء أن للإمام العفو فيها فهي متروكة إلى رأي الإمام ، فالأمر فيها يسير ، ولكن رأي الإمام لا يكون بالتشهي بل بما فيه مصلحة الدين والمسلمين.
خامساً : قد تكون احكام الحدود هي الأكثر حساسية في هذا الباب ، وما يجوز نحوها : تعليمها للناس وجعلها هي القانون ، ولا يصح استبدالها بتطبيقات تصبح كالقانون عند الناس ، كأن يصبح حكم السارق هو السجن بدل القطع ، ولكن إن وقع ذلك من أحد واستحق الحد بشروطه الشرعية – وهذا قليل ولا يظنن أنه يكون بالكثرة التي ترهق لأن للفقهاء شروطاً كثيرة في تطبيق الحدود تطلب في مظانها وأصلها قاعدة ادروؤا الحدود بالشبهات – وغلب على الظن أن في تطبيق الحد عليه مفسدة تربو على مصلحة تطبيقه كنفرة الناس وعشيرته ، فلا يطبق عليه الحد ، ولكن يزجر بما يمنعه من فساده ، وتؤخر عقوبته إلى حين ازدياد قوة المجاهدين وتمكنهم فيمكن أن يطبق عليه الحد وقتها ، فتأخير تطبيق الحد لا يعني عدم جواز تطبيقه مستقبلاً ، ولكن هل يلزمهم معاقبته مستقبلاً على الحد الذي وقع فيه ؟ المسألة فيها تردد ، ومقتضى كلام ابن القيم وابن تيمية رحمهما الله عدم لزوم ذلك ، لعدم وجود الإمكانية وقت وقوع الحد مع وجود المفسدة الراجحة ، فسقط بذلك الوجوب أصلاً ، : ولو أمكن تطبيقه مسقبلاً خرجنا من الخلاف يقيناً ، ولكن يقوي عندي عدم وجوب ذلك أنه : وقت ضعف القوة وفي حال المكنة الجزئية لا تكون هناك دولة قد قامت للمسلمين حقاً فلا تسمى الدولى دولة والأمير أميرأ إلا إذا توافرت فيه شروط الأمير الذي يكون كما أخبر عنه النبي " الإمام جنة " يعني درع يقي الناس ويقاتل عنهم ويحميهم كما الرسول عليه السلام ، وما هو واقع ليس من هذه القبيل في هذه المرحلة على الأقل ، فالمجاهدون وإن دخلوا مدينة معينة فهم عرضة للانسحاب منها في أي وقت ، إذ العدو الذين هم في داره لا تزال عنده شوكة يستطيع بها ردهم ودفعهم وإجبارهم على الانسحاب ، فكل هذا معتبر ولا شك ، وكون الحد وقع قبل ظهور حكم الإسلام ودولته لا يلزم المجاهدين بتطبيق الحد على وقع منه بل شانهم كشأن آحاد الرعية الذي نص ابن تيمية انهم إذا ترتب على تطبيقهم الحدود فساد أكبر فلا يشرع لهم ذلك ، فكذا شأن المجاهدين قبل استقرار قوتهم وظهور دولتهم ، بحيث يصح عليهم قول النبي أنهم جنة يقاتلون عن الناس.
مما سبق يظهر أن مساحة الأحكام التي قد ينبني على تطبيقها مفسدة راجحة بحيث تدعو إلى تأخير تطبيقها قليلة جداً ، فهي محصورة في باب الحدود من العقوبات ، اما سائر الأحكام الشرعية فلا يظهر في تطبيقها مفسدة راجحة.
سادساً : أن الذي يراعى في ذلك هو النظر إلى جانب الناس على الأرض وسائر الفصائل الجهادية في المعركة الذين هم الجماعة المسلمة ، ولا نقول أنه يراعى في ذلك ألا يتكلم علينا الإعلام او العالم ، فمعاذ الله ان يكون هذا كلامنا أو رأينا ، فنحن نعلم انه لن يرضوا عنا مهما تنازلنا حتى نصبح مثلهم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حى تتبع ملتهم " ، و ينظر في ذلك إلى الأعم الأغلب وإلا فإنه ستبقى طائفة من الناس والفصائل لا يعجبها تطبيق الشرع ، لأنه يناقض مصلحتها.
سابعاً : قد يقال هنا ما الفرق بينكم وبين باقي الجماعات الإسلامية التي تركت تطبيق شرع الله بدعوى التدرج ؟
والجواب : ان الفرق واضح جداً لا ينكره إلا جاهل أو مباهت ، فتلك الجماعات رضيت بالأحكام الوضعية وتحاكمت إليها ودعت الناس للتحاكم إليها ، ودعت الناس إلى الديمقراطية وحاكمية الشعب وزينتها للناس و غير ذلك من الأمور التي يقطع بأنها من الكفر.
اما ما نتكلم عنه فهو انا سنطبق شرع الله منذ اول لحظة تكون لنا فيها المكنة على الأرض ، وندعو الناس إليه ، ونعلن أن الحكم لله لا للبشر ، ويكون إليه المرجع عند التنازع وفض الخصومات ، وسنبطل كل القوانين الوضعية التي كان الناس يتحاكمون إليها ، ولكن في بعض الأحكام الشرعية وهي الحدود على وجه الخصوص – ولا نهون منها فهي جزء رئيس من الشرع ومعلم على الخضوع لحكم الله – ستكون هذه الأحكام هي المشرعة إلا أنا سنؤخر – أو قل نراعي – تطبيقها إلى حين زوال المفسدة الراجحة ، والتي تزول بأمرين :
1. فهم عموم الناس لشرع الله وأحكامه .
2. استقرار حكم المجاهدين على الأرض ، بحيث يغلب على الظن قدرتهم على الدفع في وجه العدو.
وهذا التأخير يحتمل ان يكون مطلقاً بمعنى أن لا يطبق مستقبلاً عند ازدياد قوة المجاهدين واستقرار حكمهم ، ويحتمل العودة إلى تطبيقها مستقبلاً.
فهل يقال بعد ذلك ألا فرق بينكم وبين الأنظمة الجاهلية والجماعات البدعية ؟!!
ثامناً : متى زالت المفسدة الراجحة والتي تزول بالأمرين اللذين أشرنا إليهما في النقطة السابقة وجب تطبيق الحدود وعدم تأخيرها .
والمرجع في كل ذلك أهل الحل والعقد وهم أهل العلم بالشرع و الواقع .
هذا ما تيسر جمعه والإشارة إليه في هذا المقام ، فما كان من صوابٍ فمن الله ، وما كان من خطأ او زلل فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله وبريئان منه .
والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين ، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله إمام المهتدين ، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه الغر الميامين ، وما اقتفى أثرهم إلى يوم الدين ، وبعد :
فإلى إخواننا المجاهدين على أرض الشام المباركة حفظهم الله ، نسأل الله أن يسدد رأيهم ورميهم وأن يعزهم وينصرهم على عدوهم ... يا ملأ السمع والبصر والفؤاد ... إلى من نحسبهم الطائفة المنصورة في هذا الزمن ، نقول :
أي أيها الأبطال ، مهما قلنا في حقكم فلن نوفيكم شأنكم ، ولكن نحسبكم إنما خرجتم ابتغاء وجه الله و نصرة لشريعته فالله يجازيكم على عملكم ، وهو أحق وأوفى من جازاكم.
وأذنوا لنا أن نتجاوز المقدمات لنصل إلى المقصود من هذه الكلمات ، وهو الحديث حول نازلة ألمت بأهل الجهاد في الشام ، وتصوير هذه النازلة كالتالي :
أنه من آثار المعركة الدائرة على أرض الشام هذه الأيام ، ان بعض المناطق تسقط في أيدي المجاهدين بحيث تصبح لهم الصولة والجولة فيها ، ويوكل إليهم إدارة شؤون هذه المناطق المحررة في الجملة إما وحدهم أو بالاشتراك مع بعض الفصائل الأخرى ، ومن ضمن هذه الإدارة الحكم والقضاء والفصل في الخصومات بين الناس ، ولا بد لأهل الجهاد أن يحكموا بين الناس بشرع الله وحكمه كما هو معلوم ومسلم به ، إلا أنه يغلب على الظن أنه في حال تطبيق بعض الأحكام الشرعية خاصة الحدود فإنه سيترتب على ذلك مفاسد كبيرة ، من نفرة الناس في سوريا من أهل الجهاد وبالتالي إفقادهم الحاضنة الشعبية ، وخلافات مع فصائل اخرى قد تجر إلى خصومات وحرب داخلية ، وجعل هذا التطبيق ذريعة لتشويه سمعة اهل الجهاد وتنفير المسلمين منهم وإفقادهم التعاطف الذي اكتسبوه خلال الفترة الماضية مما سيضيق عليهم بعض الدعم الذي حصلوا عليه بفضل الله اولاً ثم إحسان إدارتهم للمعركة لغاية الآن – نسأل الله أن يثبتهم وينور بصيرتهم- ، وأخيراً يكون ذلك مبررا – ولو ظاهريا – لأعدائهم المتربصين بهم – والذين أغاظهم حسن إدارة المجاهدين للمعركة إلى الآن - لضربهم والهجوم عليهم .
والسؤال : إذا كانت الحالة هذه فهل يسع أهل الجهاد تأخير تطبيق بعض الأحكام الشرعية ( الحدود على وجه الخصوص ) التي يغلب على الظن أن تطبيقها سيجر المفاسد التي ذكرناها آنفاً ، إلى حين يغلب على الظن انتفاؤها بحيث تكون مصلحة تطبيق تلك الأحكام أعظم ويتحقق المقصود الذي أراده الله من شرع هذه الأحكام ؟ أم أنه لا يسعهم ذلك فيلزمهم تطبيق تلك الأحكام والحدود جملة وتفصيلاً دون النظر إلى عواقب ذلك ، باعتبار أن عدم تطبيق تلك الأحكام يعد من الحكم بغير ما أنزل الله ، فهو معصية وكفر ؟
فنقول وبالله التوفيق نسأله سبحانه المعونة وسداد الرأي :
نحاول الإجابة عن هذه النازلة باختصار من خلال النقاط التالية :
أولاً : على إخواننا أن يعلموا – وأظنهم يعلمون ولكن من باب وذكر – أن العالم كله يرقبهم اليوم بالمجهر محاولاً البحث عن أي عيب يستطيع به ذمهم والتشهير بهم ليقطع صلتهم بأهل الشام وبسائر الفصائل الجهادية ، وان الحرب التي يخوضونها اليوم يصدق عليها انها حرب عالمية ، نسال الله ان تكون عاقبتها للمتقين ، وأن تكون بداية النهاية لحكم الطواغيت ، وهذا كله يلقي عليهم عبأً اكبر واكبر ، خاصةً الاستفادة من التجارب الجهادية التي سبقت ، والتي يجب عليهم الانتباه للأخطاء التي وقعت فيها ، ومحاولة تجاوزها ، وأن يبتعدوا عن الظاهرية وتسطيح الأمور ، منضبطين في كل ذلك بميزان الشرع ولا بد ، وكما قال أبو مصعب السوري " ليس للجهلة مكان في هذا الزمن مهما بلغ من إخلاصهم المقترض " ، وقديما قال علماؤنا " ليس الفقيه من يعرف الخير من الشر ، ولكن الفقيه كل الفقه من يعرف خير الخيرين وشر الشرين " ، وسنن الله لن تحابيكم لأجل صدق نياتكم ما لم تأخذوا بالسنن الكونية والشرعية للنصر ... فالله الله في الفهم والتبصر وعدم العجلة !!
ثانياً : إن الحديث عن حاكمية الشريعة ومنزلة الحكم بما أنزل الله وأنه شرط في صحة إيمان العبد ، لهو من المسلمات التي ما جاهدتم إلا في سبيلها ، فلا داعي لإطالة الكلام في تقريرها .
ثالثاً : تحريراً لمحل النزاع نقول : من المتفق عليه أنه لا يجوز لأهل الجهاد متى تمكنوا من منطقة معينة ان يجعلوا القانون الذي يحكموا فيه بين الناس هو القانون الوضعي ، كأن يتركوا المحاكم تفتح أبوابها وتعود تحكم بحسب القانون السوري الوضعي ولو تحت دعوى التدرج ، فهذا من الكفر البين المقطوع به الداخل في كفر التشريع وكفر الحكم بغير بما أنزل الله ، والكفر لا يبيحه شيء سوى الإكراه ، فلا ينظر في مقابله إلى أي مصلحة مهما ادعيت ، وكذا لا يجوز الدعوة إلى الديمقراطية وحاكمية الشعب أو التسليم بها ولو كان من يدعو إلى ذلك من فصائل أخرى بحيث ينسب لكم الرضى عن ذلك او الإقرار به فكل ذلك مناف للغاية من الجهاد ، فالديمقراطية من الكفر البين الذي نعيذكم منها ونعلم أنكم من أشد الناس نفوراً منها ، ولكن ذكرناه لتتضح المسألة ويبان الفرق بين هذه الصور المتفق على حرمتها وصورة المسألة التي نحن فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " المحرمات قسمان : أحدهما : ما يقطع بأن الشرع لم يبح منه شيئا لا لضرورة ولا لغير ضرورة : كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم والظلم المحض وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} . فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يبح منها شيئا قط ولا في حال من الأحوال ... وأما الإنسان في نفسه فلا يحل له أن يفعل الذي يعلم أنه محرم لظنه أنه يعينه على طاعة الله فإن هذا لا يكون إلا مفسدة أو مفسدته راجحة على مصلحته وقد تنقلب تلك الطاعة مفسدة ؛ فإن الشارع حكيم لو علم أن في ذلك مصلحة لم يحرمه ... فليس للإنسان أن يعتقد حل ما يعلم أن الله حرمه قطعا وليس له أن يفعله قطعا ... فإن الشرك والقول على الله بلا علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم : لا يكون فيها شيء من المصلحة وقتل النفس أبيح في حال دون حال ؛ فليس من الأربعة . وكذلك إتلاف المال يباح في حال دون حال وكذلك الصبر على المجاعة ؛ ولذلك قال : { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } فإخلاص الدين له والعدل واجب مطلقا في كل حال وفي كل شرع ؛ فعلى العبد أن يعبد الله مخلصا له الدين ويدعوه مخلصا له لا يسقط هذا عنه بحال ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد وهم أهل " لا إله إلا الله " ... فيجب الفرق في الواجبات والمحرمات - والتمييز بينهما هو اللازم لكل أحد على كل حال وهو العدل في حق الله وحق عباده بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين ولا يظلم الناس شيئا وما هو محرم على كل أحد في كل حال لا يباح منه شيء وهو الفواحش والظلم والشرك والقول على الله بلا علم - وبين ما سوى ذلك . قال تعالى : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا } فهذا محرم مطلقا لا يجوز منه شيء..." .
وعلى ذلك فمتى قطعنا في مسألة معينة أنها من الشرك والكفر لم يجز لأحد أن يجيزها تحت دعوى المصلحة ، كما ذكرنا في الصور السابقة ، فإن استبدال شرع رب العالمين بالقانون الوضعي اللعين لا شك أنه من الكفر المستبين ، ومثله دعوة الناس إلى الديمقراطية – بمعنى حاكمية الشعب التي تجعل له حق التشريع – فهذه دعوى مناقضة لشرع الله التي تجعل الحاكمية والتشريع لله وحده .
ثالثاً : فالصورة التي نتكلم عنها تتصور : أنه هل يجوز للإمام المسلم الذي يحكم بين الناس بشرع الله وبما أنزل الله ولا يستمد أحكامه إلا من كتاب الله ، هل يجوز لمثل هذا الإمام أو المسؤول أن يؤخر تطبيق بعض الأحكام الشرعية (الحدود على وجه الخصوص في واقعنا) إذا كان يغلب على الظن أن ذلك سيجلب مفسدة تربو وتزيد على المصلحة التي شرعت هذه الأحكام لتحصيلها ، أم أن المصلحة الوحيدة إنما هي في تطبيق تلك الأحكام كيفما اتفق ، وما خلاف ذلك فمصلحة موهومة لا اعتبار لها؟
والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها واضح :
ففي الصورة الأولى : هناك تشريع بغير ما أنزل الله واستبدال شرع الله بأحكام وضعية لعينة ولو كان ذلك في حكم واحد كجعل حكم السارق هو السجن بدلاً من قطع اليد ، وهو كفر لا يصح إلا تحت الإكراه ، وهو الذي تمارسه بعض الجماعات الإسلامية اليوم ونعترض عليه .
أما الصورة الثانية - وهي التي نبحثها - : فالحكم الشرعي والقانون الذي حكم به هو شرع الله فحكم السارق قطع اليد ونحو ذلك من الأحكام ، ولكن في تنزيل هذا الحكم على الإفراد نتريث بحيث لا يطبق على الأفراد ، فمثل هذه الصورة لو وقعت من الحاكم المسلم لهوى أو قرابة فهي تعد من الكفر الأصغر لا الأكبر ، ما دام هذا الحاكم لم يبدل شرع الله مطلقاً وإنما زاغ في تلك القضية ، ولو تعدد منه الزيغ والميل عن حكم الله.
ويقوي ذلك أنه وجد في عصر علمائنا أمراء تقاعسوا عن تطبيق الحدود على مستحقيها فكانت تشرب الخمور وتباع ويتساهل بعض السلاطين في تطبيق الحدود عليهم ، حتى كان العلماء كالعز ابن عبد السلام وابن تيمية يطبقون الحدود احياناً مباشرة وينكرون المنكر دون الرجوع إلى السلطان ، ومع ذلك لم يكفر أحد منهم السلطان و أولي الأمر ، ومن قراً سيرة هذين العالمين والتاريخ الإسلامي وقع على شيء من ذلك ، فهذا دليل أن عدم تطبيق الحد على مستحقه معصية وليس بكفر ما دام القانون هو شرع الله.
وهذا التفريق بين الصورتين هو ما عليه أهل السنة والجماعة والمحققين من علماء العصر وعلماء أهل التوحيد والجهاد في هذا العصر ، وينظر في ذلك تعليقات الشيخ أبي محمد المقدسي على كاتب الجامع في طلب العلم الشريف والذي خالف في هذه المسألة جمهور العلماء ، كما ينظر في ذلك فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله فهي صريحة في ذلك ، وكذا ينظر كتاب نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز العبد اللطيف فقد نقل نصوص العلماء في ذلك.
فتحرير مسألتنا إذاً هو في الحديث عن الكفر الأصغر لا الكفر الأكبر ، لأنه إذا كان من الكفر الأكبر فهو ممنوع رأساً ، ولا ينظر بعد ذلك إلى باب المصالح والمفاسد فأعظم مفسدة هي الشرك وأعظم مصلحة هي الدين فلا ينظر وراء ذلك إلى أي مصلحة او مفسدة البتة .
فأقول وبالله المستعان وهو الهادي سواء السبيل : هذا الموضع من أدق المواطن وأصعبها وهو مظنة مزلة الأقدام والأفهام ، والناس فيه طرفان : طرف أفرط في هذا المقام فاستحسن بعقله واتبع هواه فجعل المصلحة ما يراها هو برأيه دون التزام بالشرع في ذلك ، فعطل الشرع بدعوى التدرج وتحقيق المصلحة ، وطرف فرط في النظر في هذه الباب أصلاً فلم يرفع به رأساً واعتقد ألا اعتبار للمصلحة والمفسدة في هذا الباب مطلقاً ، فضيق على نفسه ومن حوله واسعاً، وجر في ذلك بعض المفاسد باسم الشرع ظنها هو من البلاء القدري ، ولم يعلم انها عقوبة على تفريطه في فهم بعض سنن الله وأحكامه في هذا الباب .
فالحق وهو الذي نراه وسطاً في هذه المسألة والله أعلم : جواز تأخير تطبيق الحكم الشرعي – كالحدود – على آحاد الناس ، إن ترتب على تطبيقه فساد محقق تربو على مصلحة إمضائه وتنفيذه ، وذلك بضوابط مهمة تقيد هذه الإجازة تبعدها عن التدرج الذي هو مطية الجماعات البدعية في هذا الزمن لعدم تطبيق الشريعة.
ودليلنا على هذا الجواز أصول نجملها باختصار فيما يلي :
أولاُ : نصوص الشرع وقواعده الدالة على الموازنة بين المصالح والمفاسد ودرء المفسدة الغالبة ولو بترك بعض الواجبات وفعل بعض المنهيات التي دونها في المفسدة.
والمنظور إليه في ذلك إنما هو الدين : فجلب مصلحة الدين فوق كل مصلحة ودرأ المفسدة عنه هي المطلوب ، وليس ينظر في ذلك إلى مصلحة جماعة او حزب معين ، فلا يعترض معترض أنكم عطلتم الشرع بدعوى المصلحة ، فهذا نحن من ابعد الناس بحمد الله .
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين " فصل في تغير الفتوى واختلافها يحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد " ، ثم قال " بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد :
هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه (قلت : وصدق والله ، فانظر ما فعل الجهل بأهله !) ، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله – صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدقها وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ..." إلى آخر كلامه رحمه الله ، وهو كلام نفيس جداً من إمام وعالم تضلع بعلوم الشريعة وفقه نصوصها.
ثم ذكر أمثلة على هذا الأصل ، نقتصر على ثلاثة امثلة مما تعنينا في المسألة موضوع البحث :
أولاً : " المثال الأول أن النبي –صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وان كان الله يبغضه ويمقت أهله ... فإنكار المنكر أربع درجات : الأولى أن يزول ويخلفه ضده ، الثانية أن يقل وإن لم يزل بجملته ، الثالثة أن يخلفه ما هو مثله ، الرابعة أن يخلفه ما هو شر منه ، فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة ... ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبئ الذرية وأخذ الأموال فدعهم...".
وقال ابن تيمية رحمه الله " أن يفرق بين ما يفعل في الإنسان ويأمر به ويبيحه وبين ما يسكت عن نهي غيره عنه وتحريمه عليه فإذا كان من المحرمات ما لو نهى عنه حصل ما هو أشد تحريما منه لم ينه عنه ولم يبحه أيضا . ولهذا لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه".
قلت : والحدود هي من إنكار المنكر فيطبق عليها الكلام المذكور .
الثاني : " المثال الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم - نهى أن تقطع الأيدي في الغزو رواه أبو داود ، فهذا حد من حدود الله تعالى وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عله ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا ، كما قاله عمرو أبو الدرداء وحذيفة وغيرهم ، وقد نص أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود ... لا تقام على ارض العدو ، وذكرها أبو القاسم الخرقي في مختصره فقال : لا يقام الحد على مسلم في أرض العدو وقد أتى بشر بن أرطاة برجل من الغزاة قد سرق مجنة فقال لولا أني سمعت رسول الله ص - يقول لا تقطع الأيدي في الغزو لقطعت يدك رواه أبو داود وقال أبو محمد المقدسي وهو إجماع الصحابة.
قلت- يعني ابن القيم - : وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة ، إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار ، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر عن الحامل والمرضع وعن وقت الحر والبرد والمرض فهذا تأخير لمصلحة المحدود فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى"أ.هـ.
فإذا جاز تأخير تطبيق الحد على الفرد خشية التحاقه بالعدو وردته ، مع أن هذا الفرد لربما ليس له كبير تأثير ، فإنه من باب أولى وأحرى أن يجوز تأخير تطبيق الحد على الناس خشية نفرتهم من الإسلام ولحوقهم بالعدو كالائتلاف الوطني والجهات العميلة للغرب ، مع مراعاة ما عليه الناس من جهل بأحكام الشرع ، وبعد عهدهم بالشريعة وحاكميتها ، وعدم المكنة التامة الخالصة على الأرض لأهل الجهاد ، فكل ذلك يجيز – والله أعلم - تأخير تطبيق الحدود وأي حكم شرعي يظهر أن في تطبيقه مفسدة تربو على مصلحة إنفاذه.
وكما هو ظاهر من كلامنا أعلاه فإن المنظور إليه في ذلك كله هو مصلحة الإسلام ، لا حزب أو جماعة معينة ، ولاشك أن تمكن المجاهدين الذين هم الطائفة المنصورة في هذا الزمن ورأس حربة الإسلام من مصلحة الإسلام ، وأن إقبال الناس على المجاهدين وثقتهم به من مصلحة الإسلام.
قد يقال هنا إن كلام ابن القيم السابق إنما هو في تأخير تطبيق الحدود إلى حين رجعة الإمام إلى دار الإسلام وليس في إيقافها ، وكلامكم إنما هو في إيقاف التطبيق مؤقتاً .
والجواب :
أولاً : أن ابن القيم نص في أول كلامه على أن العلة هي " خشية أن يترتب عله ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره " فنص على التعطيل كما نص على التأخير ، وانظر إلى قوله تعطيل!!
ثانياً : أن رأي أبي حنيفة الفقهي أن الحدود لا تطبق في دار الحرب مطلقا ً فلو سرق المسلم في الغزو في أرض العدو ودار الحرب فإن يده لا تقطع مطلقاً ، وهذا هو عين مسألتنا ، وهو عدم تطبيق الحدود أو ما يسمى " إيقاف" ، ومع ان رأي أبي حنيفة مرجوح والراجح هو رأي الحنابلة في الموضوع وهو تأخير تطبيق الحد فإذا رجع الإمام المسلم إلى دار الإسلام وجب عليه التطبيق لانتفاء العلة الموجبة للتأخير ، إلا أن أحدا من العلماء لم يقل إن مقتضى كلام أبي حنيفة هو الكفر ، بل اعتبروا ذلك من الخلاف الفقهي .
ثالثاً: إذا كان الراجح كما أسلفنا في المسألة هو رأي الحنابلة بتأخير تطبيق الحد إلى حين عودة الجيش إلى دار الإسلام لانتفاء العلة الموجبة لتأخير تطبيق الحد وهو خشية لحوق الرجل بالعدو ، فإن هذه العلة في عصرنا باقية ولو حصلت للمجاهدين مكنة جزئية في بقعة معينة ، فما يزال انقلاب الأهالي وسائر الفصائل مخوف جدا والعدو متربص والمكنة جزئية ، إذاً فعلة تأخير تطبيق الحد لم تزل بعد فنبقى على التأخير.
رابعاً : حتى لو قيل إن الجائز هو تأخير تطبيق الحدود للمصلحة الشرعية ولكن لا يجوز تعطيلها ، فيمكن إعمال هذا القول بتأخير تطبيق الحود على مستحقيها، حتى يغلب على الظن انتفاء المفسدة من تطبيقها ، فتطبق على من استحقها.
الثالث : " المثال الثالث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اسقط القطع عن السارق في عام المجاعة قال السعدي حدثنا هارون بن إسماعيل الخراز ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير حدثني حسان بن زاهر أن ابن حدير حدثه عن عمر قال " لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة " ، قال السعدي سألت احمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: العذق النخلة وعام سنة المجاعة ، فقلت لأحمد تقول به ؟ فقال : إي لعمري ، قلت : إن سرق في مجاعة لا تقطعه ؟ فقال : لا إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة .
... وقد وافق احمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي وهذا محض القياس ومقتضي قواعد الشرع فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجانا على الخلاف في ذلك والصحيح وجوب بذله مجانا لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة..."أ.هـ.
وهذا المثال أتيت به للاستدلال على أن الحد يمكن أن لا يطبق على آحاد الناس إن وجدت شبهة عامة ، كما في مثالنا حيث وجدت شبهة عامة وهي الجوع بسبب القحط والجدب والأثر عن عمر وإن كان في صحته نظر - وقد ضعفه الألباني رحمه الله – إلا أن الإمام أحمد عمل به وهو مذهبه كما نص في المغني ، فإذا كان الشارع راعى في تطبيق الحدود على الناس مصلحتهم وحاجتهم فأولى ان يراعى في تطبيقها مصلحة الإسلام وحاجته، خاصة مع مظنة جهل الناس بالأحكام الشرعية لبعد عهدهم بها فهذا الجهل قد يعتبر شبهة عامة تدرأ الحد عن آحاد الرعية إلى حين شيوع العلم بها ، والله أعلم.
الأصل الثاني : نصوص الشرع الدالة على أن الوجوب منوط بالاستطاعة والقدرة.
ونصوص الشرع متوافرة في الدلالة على هذا الأصل كقوله تعالى " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " ، ويجب التنبيه هنا أن المقصود بالقدرة والاستطاعة ليس مجرد الإمكان الفعلي بإمضاء الحكم الشرعي كيفما اتفق ، وإنما إمضاؤه مع عدم وجود مفسدة راجحة تترتب على ذلك ، فلو كان يمكن إمضاؤه فعلاً ولكن سيترتب على ذلك مشقة وحرج فإن ذلك يعتبر خارج القدرة والاستطاعة .
ومن أمثلة ذلك امتناع النبي –صلى الله عليه وسلم- عن قتل رأس النفاق ابن أبي ابن سلول مع إمكانية ذلك الفعلية حيث كان يستطيع أن يأمر بعض أصحابه بقتله فيقتلونه ، ولكنه مع ذلك راعى عليه الصلاة والسلام مصلحة الإسلام لئلا يقال " إن محمداً يقتل أصحابه " ومحمد عليه السلام يمثل الإسلام.
كما أنه عليه الصلاة والسلام امتنع عن تكسير الأصنام طيلة دعوته المكية وكان يصلي ويطوف والأصنام موجودة ، ولما اعتمر في عمرة القضاء بعد صلح الحديبية طاف وحول مكة الأصنام ، وقد كان باستطاعته أن يكسر تلك الأصنام في عمرة القضاء ومعه 1400 من أصحابه وقد اخلت قريش الكعبة له ولأصحابه و ليكن ما يكون بعد كسرها وهي الآلهة التي تعبد من دون الله ، ولكنه عليه السلام احتمل هذه المفسدة نظراً إلى مصلحة الإسلام الكبرى ، فالغالب أنه لو كسر الأصنام وقتها لهاجت قريش واحتدمت الحرب داخل البيت الحرام وسالت الدماء فحتى لو انتصر المسلمون لقالت العرب انتهك محمد حرمة البيت الحرام ، ولحصل من المفاسد ما الله به عليم ، ولكن جاء النبي بعد سنتين فقط ليفتح مكة ويكسر الأصنام بعصا صغيرة كانت معه ولم يسل في ذلك قطرة دم ، فهذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام من أعظم الأدلة أن تطبيق الاحكام الشرعية منوط بالقدرة التي معناها انتفاء المفسدة الراجحة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: " خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا ، كقوله " والسارق والسارقة فاقطعوا " ، وقوله " الزانية والزاني فاجلدوا" ، وقوله " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم " ، وكذلك قوله " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا "، لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم ، وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد، بل هو نوع من الجهاد ... إلى أن قال ـ رحمه الله- : والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين ، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها ، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه".أهـ.
وانظر رحمك الله كيف اعتبر عدم زيادة فساد أولي الأمر الذين تقاعسوا عن تطبيق الحدود الشرعية مصلحة تراعى عند تطبيق احاد الرعية للحدود ، ولم يحكم بكفرهم.
الأصل الثالث : التدرج ، والتدرج الذي نقصده نوعان :
التدرج في إبلاغ الصورة التشـريعية، ومعناه: بيان بعض الدين الحق والسكوت عن بيان بعضه إلى أن يحين وقته.
ومن أشهر أمثلته حديث معاذ المشهور لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم أهل كتاب.
التدرج في التنفيذ: وفيه تكون الصورة التشـريعية معلومة بينة ولكن يُسكت عن إنفاذها وتحقيق مقتضياتها.
ومن أشهر أمثلته ما وقع من الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ فَإِنَّهُ جَاءَ إلى الحُكْمِ بعدَ مظالِـمَ اقترفَهَا بعضُ الذينَ سبقُوهُ، فتدرَّجَ في الإصلاحِ ولَـمْ يتعجلْ في التغييرِ، فدخلَ عليه ولدُهُ عبدُ الملِكِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَتِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَمْضِيَ لِـمَا تُرِيدُهُ مِنَ الْعَدْلِ؟ فَوَاللهِ! مَا كُنْتُ أُبَالِي لَوْ غَلَتْ بِي وَبِكَ الْقُدُورُ فِي ذَلِكَ».
قَالَ: «يَا بُنَيَّ إِني إِنَّمَا أُرَوِّضُ النَّاسَ رِيَاضَةَ الصَّعْبِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْيِيَ الْأَمْرَ مِنَ الْعَدْلِ، فَأُؤَخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى أخرجَ مَعَهُ طَمَعاً مِنْ طَمَعِ الدُّنْيَا، فَيَنْفِرُوا مِنْ هَذِهِ وَيَسْكُنُوا لِهَذِهِ»
وجاء في بعض الروايات أن الذي منع عمر بن عبد العزيز من إمضاء بعض الحق بإرجاع الحقوق إلى أهلها من ظلمهم من بني أمية ،أنه خشي ان يخرجوا – يعني بنة امية – عليه بالسيوف فتسيل الدماء وتحصل المفسدة الكبرى ، مع الانتباه إلى ان حكم الشريعة كان سائداً وهو الذي إليه المرجع حين التنازع ، فلا يستشهد بهذا الدليل على ما تفعله بعض الجماعات الإسلامية من تطبيق الحكم الوضعي بادعاء التدرج فهذا كفر مستبين واضح لا يجوز البتة.
يقول شيخ الإسلام: «فَأَمَّا إذَا كَانَ الْـمَأْمُورُ وَالْـمَنْهِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْـمُمْكِنِ: إمَّا لِجَهْلِهِ، وَإِمَّا لِظُلْمِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ جَهْلِهِ وَظُلْمِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ الْأَصْلَحُ الْكَفَّ وَالْإِمْسَاكَ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ... فَالْعَالِـمُ فِي الْبَيَانِ وَالْبَلَاغِ كَذَلِكَ؛ قَدْ يُؤَخِّرُ الْبَيَانَ وَالْبَلَاغَ لِأَشْيَاءَ إلَى وَقْتِ التَّمَكُّنِ، فَإِذَا حَصَلَ مَنْ يَقُومُ بِالدِّينِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَوِ الْأُمَرَاءِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا؛ كَانَ بَيَانُهُ لِـمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ شَيْئاً فَشَيْئاً بِمَنْزِلَةِ بَيَانِ الرَّسُولِ لِمَا بُعِثَ بِهِ شَيْئاً فَشَيْئاً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُبَلِّغُ إلَّا مَا أَمْكَنَ عِلْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَلَـمْ تَأْتِ الشَّرِيعَةُ جُمْلَةً... فَكَذَلِكَ الْـمُجَدِّدُ لِدِينِهِ، وَالْـمُحْيِي لِسُنَّتِهِ لَا يُبَلِّغُ إلَّا مَا أَمْكَنَ عِلْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ... وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْـمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَالتَّحْرِيمَ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَقَدْ فَرَضْنَا انْتِفَاءَ هَذَا الشَّرْطِ، فَتَدَبَّرْ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ نَافِعٌ»أ.هـ.
وإمكان العمل المقصود كما في مواضع أخرى من كلامه نقلنا بعضها سابقاً هو مع انتفاء المصلحة الراجحة وليس الإمكان الفعلي فقط ، إذ تستطيع أي مجموعة أن تقطع يد سارق أو تقيم الحد على زانٍ، لكن ابن تيمية نص انه إذا ترتب على ذلك فساد أكبر منه كما في النص السابق لم يدفع الفساد بفساد أكبر.
وانظر كيف لم يعتبر ابن تيمية التدرج في أمر الناس بالواجبات ونهيهم عن المحرمات من باب إقرار المحرمات وترك الواجبات ، لعدم وجود المكنة الكاملة ، فكذا في حالنا لا يعد ترك تطبيق الحدود لوجود المفسدة الراجحة إقراراً بالمحرمات أو رضى بذلك لإن الوجوب منوط بالاستطاعة,
الأصل الرابع : ألا يقاس حال المجاهدين اليوم على الإمام الممكن الذي له القوة والسلطان والرعية تبع له ، بل هم أقرب إلى حال آحاد الرعية ، فقوتهم جزئية وسلاحهم يمكنهم من الدفع عن انفسهم والعدو مختلط بهم بين اظهرهم والناس لم يسلموا لهم ، فكل ذلك يجعل قياسهم على آحاد الرعية الذين لا يجب عليهم تطبيق الحدود التي تقاعس عنها الإمام إذا ترتب على تطبيقها مفسدة اكبر كما نص على ذلك ابن تيمية ، وأكثر العلماء ان تطبيق الحدود موكول إلى رأي الإمام ليس للرعية ذلك، فقياس حال المجاهدين اليوم على الإمام الممكن هو مصدر الخطأ في ذلك.
فهذه الأصول تقوي عندي القول بجواز تأخير تطبيق الحدود على آحاد الناس إذا ترتب على ذلك مفسدة راجحة يغلب على الظن أنها تحيق بالمجاهدين ، وأقوى الأدلة في ذلك : هو جواز تأخير تطبيق الحد على مرتكبه إذا كان في الغزو وخشي لحوقه بالعدو ، فهذه المسألة كالنص في النازلة التي نتحدث عنها ، لأن العلة التي أجازت تأخير تطبيق الحد فيها قائمة في زمننا حتى لو صارت للمجاهدين مكنة في بقعة معينة فهي جزئية يعني غير مستقرة فهم عرضة للانسحاب في أي وقت، ثم هي غير خالصة يعني يشاركهم فيها غيرهم من الفصائل ، والدار لا تزال دار حرب فليس حكم الإسلام فيها ظاهر .
وليعتبر في ذلك تعامل الفقهاء مع قول أبي حنيفة رحمه الله والذي يرى إيقاف تطبيق الحدود في أرض العدو ، فمع أن قوله في ذلك مرجوح إلا الفقهاء تعاملوا معه من المنظور الفقهي فقط ، ولم يحكموا أنه كفر بذلك ، أو أن قوله مخالف لأصول التوحيد .
وينبه في ذلك إلى أنه لا يفهم من كلامنا أن الحدود لا تطبق إلا عندما يؤمن عدم التحاق أي أحد بالعدو وردته ، فهذا حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ارتد بعضهم كابن خطل وابن أبي السرح ولحق بكفار قريش ، وحصل مع عمر لما أراد أن يقتص للأعرابي من جبلة بن الأيهم لما لطمه فلحق جبلة بالروم وتنصر ، ومع ذلك لم يوقف تطبيق الحدود لوجود دولة للمسلمين تمنع المسلمين وتحفظ لهم حقوقهم ، فليس الاعتبار هو النظر إلى كل فرد وحده ، وإلا فلن تطبق الحدود مطلقاً ، وإنما نظرنا إلى العام الغالب وغلبة الظن ، فلما يكون الإمام المسلم في غزو وهو بدار العدو فإنه يغلب على الظن أن يسهل ذلك على العاصي اللحوق بالعدو ، ولكن لما يكون بدار الإسلام والإمام له السطوة الكاملة بحيث لا يخشى من لحوق المحدود بدار العدو لو لحق ، ثم إن وجوده بدار إسلام يجعل دافعه للحوق بالعدو والارتداد أضعف ولا بد .
ومثل هذا في عصرنا ، فالإسلام غاب فترة طويلة ، والناس بعد عهدهم بالشرع وأحكامه ، فلو طبقتهم عليه جملة لرفضوه جملة ، ومكنة المجاهدين لا تزال ضعيفة وغير مستقرة ، واحتمال انقلاب الناس والفصائل وارد جدا ، وهم وإن لم يلحقوا ببشار وزبانيته فإنهم سيتجيروا بالغرب وعملائه في المنطقة ، وهو كما قلت احتمال قوي جدا رأيناه واقعاً في العراق ، فهذه المفاسد تبيح كلها التريث في تنزيل الأحكام على الأفراد ، والله اعلم .
وكلامي هذا اضبطه بأمور قلتها في ثنايا الكلام ولكن ألخصها في نقاط :
أولاً : أن الذي يجب أن يعلن للناس ويكون له المرجع عند الخصومة هو الشرع ولا شيء غيره ، فالقانون والدستور هو الكتاب والسنة ،فيعلم الناس أن الحكم إنما هو لشرع الله ، وأن غايتنا إنما هي دولة مصدرها الوحيد في التشريع هو كتاب الله وسنة رسوله ، وغير ذلك يكون من الكفر المحرم .
ثانياً : تطبق جميع احكام الشرع التي لا يغلب على الظن ان في تطبيقها مفسدة أكبر وهي كثيرة بحمد الله ، سواء في باب السياسة الشرعية ، والأحوال الشخصية ، والمعاملات ، وغيرها .
ثالثا : بالنسبة لأحكام القصاص فلا يظهر إشكال في تطبيقها والغالب ان الناس يتقبلونها لانها حقوقهم.
رابعاً : المعاصي التي لا حد فيها وهي التي تدخل تحت باب التعزير نص الفقهاء أن للإمام العفو فيها فهي متروكة إلى رأي الإمام ، فالأمر فيها يسير ، ولكن رأي الإمام لا يكون بالتشهي بل بما فيه مصلحة الدين والمسلمين.
خامساً : قد تكون احكام الحدود هي الأكثر حساسية في هذا الباب ، وما يجوز نحوها : تعليمها للناس وجعلها هي القانون ، ولا يصح استبدالها بتطبيقات تصبح كالقانون عند الناس ، كأن يصبح حكم السارق هو السجن بدل القطع ، ولكن إن وقع ذلك من أحد واستحق الحد بشروطه الشرعية – وهذا قليل ولا يظنن أنه يكون بالكثرة التي ترهق لأن للفقهاء شروطاً كثيرة في تطبيق الحدود تطلب في مظانها وأصلها قاعدة ادروؤا الحدود بالشبهات – وغلب على الظن أن في تطبيق الحد عليه مفسدة تربو على مصلحة تطبيقه كنفرة الناس وعشيرته ، فلا يطبق عليه الحد ، ولكن يزجر بما يمنعه من فساده ، وتؤخر عقوبته إلى حين ازدياد قوة المجاهدين وتمكنهم فيمكن أن يطبق عليه الحد وقتها ، فتأخير تطبيق الحد لا يعني عدم جواز تطبيقه مستقبلاً ، ولكن هل يلزمهم معاقبته مستقبلاً على الحد الذي وقع فيه ؟ المسألة فيها تردد ، ومقتضى كلام ابن القيم وابن تيمية رحمهما الله عدم لزوم ذلك ، لعدم وجود الإمكانية وقت وقوع الحد مع وجود المفسدة الراجحة ، فسقط بذلك الوجوب أصلاً ، : ولو أمكن تطبيقه مسقبلاً خرجنا من الخلاف يقيناً ، ولكن يقوي عندي عدم وجوب ذلك أنه : وقت ضعف القوة وفي حال المكنة الجزئية لا تكون هناك دولة قد قامت للمسلمين حقاً فلا تسمى الدولى دولة والأمير أميرأ إلا إذا توافرت فيه شروط الأمير الذي يكون كما أخبر عنه النبي " الإمام جنة " يعني درع يقي الناس ويقاتل عنهم ويحميهم كما الرسول عليه السلام ، وما هو واقع ليس من هذه القبيل في هذه المرحلة على الأقل ، فالمجاهدون وإن دخلوا مدينة معينة فهم عرضة للانسحاب منها في أي وقت ، إذ العدو الذين هم في داره لا تزال عنده شوكة يستطيع بها ردهم ودفعهم وإجبارهم على الانسحاب ، فكل هذا معتبر ولا شك ، وكون الحد وقع قبل ظهور حكم الإسلام ودولته لا يلزم المجاهدين بتطبيق الحد على وقع منه بل شانهم كشأن آحاد الرعية الذي نص ابن تيمية انهم إذا ترتب على تطبيقهم الحدود فساد أكبر فلا يشرع لهم ذلك ، فكذا شأن المجاهدين قبل استقرار قوتهم وظهور دولتهم ، بحيث يصح عليهم قول النبي أنهم جنة يقاتلون عن الناس.
مما سبق يظهر أن مساحة الأحكام التي قد ينبني على تطبيقها مفسدة راجحة بحيث تدعو إلى تأخير تطبيقها قليلة جداً ، فهي محصورة في باب الحدود من العقوبات ، اما سائر الأحكام الشرعية فلا يظهر في تطبيقها مفسدة راجحة.
سادساً : أن الذي يراعى في ذلك هو النظر إلى جانب الناس على الأرض وسائر الفصائل الجهادية في المعركة الذين هم الجماعة المسلمة ، ولا نقول أنه يراعى في ذلك ألا يتكلم علينا الإعلام او العالم ، فمعاذ الله ان يكون هذا كلامنا أو رأينا ، فنحن نعلم انه لن يرضوا عنا مهما تنازلنا حتى نصبح مثلهم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حى تتبع ملتهم " ، و ينظر في ذلك إلى الأعم الأغلب وإلا فإنه ستبقى طائفة من الناس والفصائل لا يعجبها تطبيق الشرع ، لأنه يناقض مصلحتها.
سابعاً : قد يقال هنا ما الفرق بينكم وبين باقي الجماعات الإسلامية التي تركت تطبيق شرع الله بدعوى التدرج ؟
والجواب : ان الفرق واضح جداً لا ينكره إلا جاهل أو مباهت ، فتلك الجماعات رضيت بالأحكام الوضعية وتحاكمت إليها ودعت الناس للتحاكم إليها ، ودعت الناس إلى الديمقراطية وحاكمية الشعب وزينتها للناس و غير ذلك من الأمور التي يقطع بأنها من الكفر.
اما ما نتكلم عنه فهو انا سنطبق شرع الله منذ اول لحظة تكون لنا فيها المكنة على الأرض ، وندعو الناس إليه ، ونعلن أن الحكم لله لا للبشر ، ويكون إليه المرجع عند التنازع وفض الخصومات ، وسنبطل كل القوانين الوضعية التي كان الناس يتحاكمون إليها ، ولكن في بعض الأحكام الشرعية وهي الحدود على وجه الخصوص – ولا نهون منها فهي جزء رئيس من الشرع ومعلم على الخضوع لحكم الله – ستكون هذه الأحكام هي المشرعة إلا أنا سنؤخر – أو قل نراعي – تطبيقها إلى حين زوال المفسدة الراجحة ، والتي تزول بأمرين :
1. فهم عموم الناس لشرع الله وأحكامه .
2. استقرار حكم المجاهدين على الأرض ، بحيث يغلب على الظن قدرتهم على الدفع في وجه العدو.
وهذا التأخير يحتمل ان يكون مطلقاً بمعنى أن لا يطبق مستقبلاً عند ازدياد قوة المجاهدين واستقرار حكمهم ، ويحتمل العودة إلى تطبيقها مستقبلاً.
فهل يقال بعد ذلك ألا فرق بينكم وبين الأنظمة الجاهلية والجماعات البدعية ؟!!
ثامناً : متى زالت المفسدة الراجحة والتي تزول بالأمرين اللذين أشرنا إليهما في النقطة السابقة وجب تطبيق الحدود وعدم تأخيرها .
والمرجع في كل ذلك أهل الحل والعقد وهم أهل العلم بالشرع و الواقع .
هذا ما تيسر جمعه والإشارة إليه في هذا المقام ، فما كان من صوابٍ فمن الله ، وما كان من خطأ او زلل فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله وبريئان منه .
والحمد لله رب العالمين.
-جزا الله معد هذه المادة خيرا-
عاشقة السماء- إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
- عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: اتحاف البررة في مسألة تطبيق الحدود في المناطق المحررة
بارك الله فيكم .. وجزاكم الله خيراً
الاعلام العالمي التابع للصهيونية يريد تشويه الاسلام ليظهر للعالم وكأنه يدعو للقتل "دون مبررات شرعية ومنطقية" والهدف منه التنفير من أمرين تطبيق الحدود في سوريا وخلق تشويش عن رموز هذا الدين فيأنف من الصدع به المصلحون .. ونفس هذا الاعلام المجرم يقتل في نفوس الناس ومنذ زمن مكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنشر كل ما ينتقص منه من رسومات وأقوال ويضخمون كذباتهم وتفسيراتهم الملفقة والحاقدة عليه صلى الله عليه وسلم .. والله المستعان
خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد موجود
الاعلام العالمي التابع للصهيونية يريد تشويه الاسلام ليظهر للعالم وكأنه يدعو للقتل "دون مبررات شرعية ومنطقية" والهدف منه التنفير من أمرين تطبيق الحدود في سوريا وخلق تشويش عن رموز هذا الدين فيأنف من الصدع به المصلحون .. ونفس هذا الاعلام المجرم يقتل في نفوس الناس ومنذ زمن مكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنشر كل ما ينتقص منه من رسومات وأقوال ويضخمون كذباتهم وتفسيراتهم الملفقة والحاقدة عليه صلى الله عليه وسلم .. والله المستعان
خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد موجود
جعبة الأسهم- الفقير إلى عفو ربه
- عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013
رد: اتحاف البررة في مسألة تطبيق الحدود في المناطق المحررة
أكرمك الله أخي جعبة الأسهم
وشكراً لطيب مرورك
نعم أخي، وما ذكرته من فصول الحرب على الإسلام، والإعلام أهم أسلحة هذه الحرب، ولن يلجم إلا بتغلب الحق، ونسأل الله أن يكون قريباً.
وشكراً لطيب مرورك
نعم أخي، وما ذكرته من فصول الحرب على الإسلام، والإعلام أهم أسلحة هذه الحرب، ولن يلجم إلا بتغلب الحق، ونسأل الله أن يكون قريباً.
عاشقة السماء- إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
- عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: اتحاف البررة في مسألة تطبيق الحدود في المناطق المحررة
ولاية الفرات || إقامة حد السرقة على أحد جنود الدولة الإسلامية ||
بسم الله الرحمن الرحيم
الـدولـة الإسـلاميـة " دولـة الخلافـة الراشـدة "
ولايـة الفـرات
|| إقامـة حـد السـرقة علـى أحـد جنـود الدولـة الإسـلامية ||
قال تعالى : " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (المائدة:38)
قامت المحكمة الاسلامية في ولاية الفرات بتنفيذ حد السرقه على احد جنود الدولةالاسلامية في مدينة القائم
جعبة الأسهم- الفقير إلى عفو ربه
- عدد المساهمات : 17019
تاريخ التسجيل : 29/01/2013
مواضيع مماثلة
» هل تقام الحدود والعقوبات في المناطق المحررة من سوريا في الوقت الحالي؟
» القوات الروسية تستعد لدخول اوكرانيا لاجهاض الثورة Thu, 27 Feb 2014 06:39:19
» تطبيق الشريعة بين "المتمسلمون" والخارجون من الملة
» بروناى تبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية
» "جنود بشار الأسد يتوسلون للثوار من تحت الأنقاض في إدلب المحررة: ببوس إيدك.
» القوات الروسية تستعد لدخول اوكرانيا لاجهاض الثورة Thu, 27 Feb 2014 06:39:19
» تطبيق الشريعة بين "المتمسلمون" والخارجون من الملة
» بروناى تبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية
» "جنود بشار الأسد يتوسلون للثوار من تحت الأنقاض في إدلب المحررة: ببوس إيدك.
ملتقى صائد الرؤى :: الملتقيات العامة و الساحة السياسية والاقتصادية المفتوحة :: حوار الثغور ومنبر السياسة والاقتصاد والفتن الخاصة (عمران بيت المقدس خراب يثرب)!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى