القدس والمستقبل

**سيف** الخميس أكتوبر 17, 2013 8:53 am

القدس والمستقبل

كانت القدس عربية وإسلامية، وكانت مدينة الصراع والسلام في سياق واحد.

كم أُبيد اليهود في القدس، وحُرثت وأصبحت مزرعة، وخرج منها اليهود عبيدًا أو أشباه عبيد!

وكم عادوا إليها، فغدروا بمَن ساعدهم على العودة، فطُرِدوا منها شرَّ طردة!

وكانوا دائمًا ينحون باللائمة على الله إلههم (يهوا)، الذي أبرم العقد معهم، يعبدونه شريطة أن يعمل لصالحهم! ولِمَ لا؟ أليس هو الإله الذي هزمه إسرائيل - يعقوب أبو يوسف - عليهما السلام - وظل يصارعه الليل كله، ولم يترك عنق الله إلا بعد أن بارَك الله يعقوب وسماء (إسرائيل)؛ أي: الرجل المبارك.

لم يقف اليهود في التاريخ مع أنفسهم - وقفة نقدية متأنية - حتى في أكثر عصور المِحن، ولم يدرسوا أخطاءهم، وحتى عندما ألحُّوا على النبي (صمويل) - بعد عصر القضاة الذي فسد فيه وارتشى مجموعة القضاة حتى ابنا صمويل نفسه - ألحقوا عليه أن يرسل لهم ملكًا، وأرسل الله لهم (طالوت) ملكًا، جادلوا وحكَّموا مقاييسهم المادية، وقالوا لصمويل: "أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يُؤت سَعة من المال".

والذي أعرفه أنه - على الرغم من استعلائهم وتمييزهم العنصري، وإفسادهم في الأرض، العصر الحديث بخاصة - قد وقفوا وقفة صارمة مع أنفسهم، والتقوا - بالرغم من تناقضهم وتفكُّكهم - على هدف واحد، وهو: إقامة دولة إسرائيل (يعقوب)، والانطلاق منها لحكم العالم خلال قرن بدأ في سنة 1897م بقيادة (هرتزل العلماني)، ولم يمرَّ نصف قرن (1897- 1947م) حتى حقَّقوا المرحلة الأولى، وأقاموا دولة إسرائيل (من الفرات إلى النيل).

بينما البُله الفارغون يستوردون الشيوعية والمذاهب (والأيديولوجيات) التي تُشبه لعب الأطفال، والتي يتلهَّى بها أحد العرب، صارخين باعتناقهم لها في كل مَحفل!

وفي العقدين الأخيرين عقَد اليهود ندوتين سريَّتين، وجعلوا ما يتمخَّض عنهما من قرارات أمرًا ملزمًا لإسرائيل الدولة، وفي الندوة الأولى درسوا كيف انتصر (صلاح الدين الأيوبي الكردي) في معركة (حطين)، ودرسوا في الندوة الثانية انتصار المماليك في عين جالوت تحت راية "وإسلاماه" بقيادة (سيف الدين قطز)، وقد أيقنت بهذا أن اليهود لا يحكمون العالم ارتجالاً! وأنهم يحسنون الإمساك الجيد بخطوط حكم العالم؛ سواء كانت هذه الخيوط هي ما يسمى: الحكومة العالمية الحِقبة التي يصل عدد أعضائها إلى ثلاثمائة عضو، لهم هيمنة على مجالس الحكم الكبرى في الدول المختلفة، أما ما يُسمى بالحكومة الماسونية العالمية، وكلا الحكومتين تعتمد على ثلاث وثائق أساسية، وهي:

1- التوراة (العهد القديم).

2- التلمود (وهو شرح التوراة من وجهة نظر بشرية).

3- بروتوكولات حكماء صِهيون: التي نرى آثارها كأننا مسحورون لا نفيق، بينما هي ماضية للقضاء على النصرانية والإسلام، والتمكين للحكومة اليهودية العالمية.

تمتَّعت مدنية القدس منذ نشأتها الأولى بمنزلة دينية مقدسة عند سكانها الأوائل من اليبوسيين، وصارت المدينة في عهد (ملكي صادق) - ملك اليبوسيين - مدينة السلام ومنشأة الإله سالم، إله السلام عند اليبوسيين، ومن هنا جاءت تسمية جديدة للمدينة هي "يووسالم" إلى جانب تسميتها الأولى "يبوس".

فقدسية المدينة كانت عقيدة راسخة لمئات السنين قبل دخول العبرانيين إليها، وكان فيها بيت لإله اليبوسيين الأعلى قبل أن يمر بها إبراهيم بمئات أخرى من السنين، وكانت القدس مدينة مقدسة قبل أن يتمكن نبي الله داود من أخذها من سكانها اليبوسيين العرب قبل 100 ق.م، وكان اليبوسيون قد بنوا فيها هيكلهم وهو بيت للإله سالم كعادة الكنعانين في تعظيم ألهتهم، حتى إن الملك اليبوسي ملكي صداق كان كاهن الإله سالم.

وقد حافظت مدينة القدس على قدسيَّتها وطابعها الديني في عهد العبرانيين، وقد احتلت القدس مكانة كبيرة في الإسلام وعند المسلمين منذ باركها الله - سبحانه وتعالى - بقوله: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1].

المسجد القدسي الشريف:

وهو مكان إسلامي مقدس، مساحته في حدود مائة وأربعين دونمًا من الأرض المرتفعة الواقعة على جبل موريا في القدس، وقد ظلت هذه البقعة المقدسة مهجورة وغير نظيفة طيلة العهد الروماني في القدس، إلى أن جاء الخليفة المسلم (عمر بن الخطاب)، فأمر بتنظيف الصخرة المشرفة وإظهارها، ثم أمر ببناء مسجد هناك يتسع لحوالي ثلاثة آلاف من المصلين.

وللمسجد الشريف أربعة أبواب مفتوحة، وأربعة أبواب مغلقة، وهناك ثمانية آبار في صحن مسجد الصخرة وسبعة آبار في فناء المسجد الأقصى، وهناك مكان خاص للوضوء يسمى "بالكامن"، ويقع في أمام المسجد الأقصى المبارك، وتحيط بالمسجد مآذن أربع، وفيه عدة أروقة تقع في الجهتين الغربية والشمالية منه، وفي المسجد الشريف متحف إسلامي ومكتبة إسلامية.

مسجد الصخرة المشرفة:

والصخرة المشرفة هي صخرة مشهورة عند المسلمين، يحيط بها حاجز خشبي حفر بشكل فني رائع، ويصل طولها من الشمال إلى الجنوب في حدود ثمانية عشر مترًا، ويصل عرضها من الشرق إلى الغرب في حدود ثلاثة عشر مترًا، ويصل ارتفاعها إلى متر واحد في بعض أجزائها وإلى مترين من الأجزاء الأخرى منها.

ويغطي سقف مسجد الصخرة قبة واسعة، كان الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان قد أمر ببنائها عام (72هـ/ 691م)، وقد وجد نص مكتوب بالخط الكوفي يقول: "بنى هذه القبة عبدالله: عبدالملك بن مروان أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين، تقبَّل الله منه ورضِي عنه".

وقد جاءت قبة مسجد الصخرة في شكل مثمن، طول كل ضع من أضلاعهن عشرون مترًا، وارتفاعه عشرة أمتار، وقد رُمِّمت القبة عدة مرات، فرُمِّمت في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور بعد الزلزال الذي أصابها، وأجرى الخليفة العباسي المأمون إصلاحات على القبة، وظهر هذا العمل في النص المكتوب بين البابين الشمالي الشرقي من أبواب المسجد.

ولما دخل الصليبيون القدس حوَّلوا مسجد القبة إلى مذبح لهيكل الرب المقدس عندهم، وقد أزال السلطان (صلاح الدين الأيوبي) هذه المعالم النصرانية، وقام بترميم القبة وتزيينها، وستر جدرانها بالرخام، واهتمَّ من بعده ملوك الأيوبيين بأمر مسجد القبة، واعتنوا به، كما اهتم به كل من سلاطين المماليك والعثمانيين.

وفي عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، تم تصفيح نصف الارتفاع السفلي الداخلي من القبة بصفائح من الرخام الأبيض، وصفح النصف العلوي الداخلي ببلاط قاشاني أزرق، كُتِب عليه سورة "يس" بالأبيض.