ملتقى صائد الرؤى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

اذهب الى الأسفل

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق  Empty رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

مُساهمة  عاشقة السماء الإثنين نوفمبر 04, 2013 3:08 am


قال الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الدر 2 / 34 ط دار الإفتاء أو 2 / 67 ط المشهورة :
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، أما بعد : اعلم رحمك الله أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) والعبادة هي التوحيد لأن الخصومة بين الأنبياء والأمم فيه كما قال تعالى ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) .
والتوحيد: ثلاثة أصول ؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الذات والأسماء، والصفات.
الأصل الأول : توحيد الربوبية، وهو: الذي أقر به المشركون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أدخلهم في الإسلام، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستحل دماءهم، وأموالهم .
وهو : توحيد الله بفعله، والدليل عليه ، قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) وقوله : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون ، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، سيقولون لله قل أفلا تتقون ، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل فأنى تسحرون ) والآيات على هذا كثيرة جداً ، أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر.
والأصل الثاني : وهو توحيد الألوهية ، فهو الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه ، وهو توحيد الله بأفعال العباد ، كالدعاء، والرجاء، والخوف، والخشية، والاستعانة، والاستعاذة، والمحبة، والإنابة، والنذر ، والذبح، والرغبة، والرهبة ، والخشوع، والتذلل، والتعظيم.
فدليل الدعاء ، قوله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) الآية ، وكل نوع من هذه الأنواع ، عليه دليل من القرآن .
وأصل العبادة تجريد الإخلاص لله تعالى وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) وقوله تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) وقوله تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) وقوله تعالى : ( له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) إلى قوله ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) وقوله : (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) ، وقوله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) .
الأصل الثالث : وهو توحيد الذات والأسماء والصفات ، كما قال تعالى : ( قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ) . وقوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) وقال تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .

واعلم: أن ضد التوحيد الشرك؛ وهو ثلاثة أنواع : شرك أكبر؛ وشرك أصغر، وشرك خفي.
والدليل على الشرك الأكبر، قوله تعالى: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ) وقوله تعالى : ( وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) .
وهو : أربعة أنواع .
النوع الأول : شرك الدعوة ، والدليل عليه، قوله تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون، ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون )
النوع الثاني : شرك النية ، وهي : الإرادة والقصد ، والدليل عليه، قوله تعالى : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) .
النوع الثالث: شرك الطاعة، والدليل عليه قوله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) وتفسيرها الذي لا إشكال فيه ، هو: طاعة العلماء والعباد، في معصية الله سبحانه، لادعاؤهم إياهم، كما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم ، لما سأله فقال لسنا نعبدهم فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية.
النوع الرابع: شرك المحبة ، والدليل عليه قوله تعالى: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب ) إلى قوله: (وما هم بخارجين من النار)
والنوع الثاني: شرك أصغر، وهو الرياء، والدليل عليه، قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).
والنوع الثالث: شرك خفي ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "الشرك في هذه الأمة أخفي، من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل" وكفارته قوله "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم".

والكفر: كفران ؛ كفر يخرج من الملة، وهو خمسة أنواع.

النوع الأول: كفر التكذيب، والدليل عليه، قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) .
النوع الثاني: كفر الاستكبار والإباءمع التصديق؛ والدليل عليه، قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).
النوع الثالث: كفر الشك، وهو كفر الظن ، والدليل عليه، قوله تعالى : (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً، قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ) .
النوع الرابع: كفر الإعراض، والدليل عليه قوله تعالى: (والذين كفروا عما أنذروا معرضون)
النوع الخامس: كفر النفاق، والدليل عليه، قوله تعالى : (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون).

وكفر أصغر لا يخرج من الملة، وهو: كفر النعمة؛ والدليل عليه، قوله تعالى: ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) وقوله: (إن الإنسان لظلوم كفار)
وأما النفاق ، فهو: نوعان ، نفاق اعتقادي ، ونفاق عملي.
فأما الإعتقادي فهو: ستة أنواع ، تكذيب الرسول ، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول ، أو بغض الرسول ، أو بغض ما جاء به الرسول ، أو المسرة بانخفاض دين الرسول ، أو الكراهية لانتصار دين الرسول .
فهذه الأنواع الستة، صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله من الشقاق والنفاق ـ الدعاء هذا جعله عب في آخر الرسالة ـ .  
وأما النفاق العملي، فهو: خمسة أنواع ، إذا حدث كذب ، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، وإذا ائتمن خان ، وإذا وعد أخلف ؛ ـ وذكر عب نص الحديث آية المنافق ثلاث ... الحديث ) .
والله سبحانه وتعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كبيراً.

وسيتبع شروحات لها إن شاء الله تعالى
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق  Empty رد: رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

مُساهمة  عاشقة السماء الإثنين نوفمبر 04, 2013 3:09 am

شرك الطاعة شرح للشيخ عبد العزيز الطريفي

عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق  Empty رد: رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

مُساهمة  عاشقة السماء الثلاثاء نوفمبر 05, 2013 3:09 am

شروحات من كتاب الـــوســـيــــط فــي شــــــرح أول رسـالة في مجـموعـة التوحيد للشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله/ شــــرح الشيخ علي بن خضير الخضير 1421 هـ

فصل
قال المصنف والتوحيد : ثلاثة أصول ؛ ( وعب قال ثلاثة أنواع ) توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الذات ، ( الذات هنا لم يذكره عب ) والأسماء، والصفات.
الشــــــرح :
هذا هو تقسيم التوحيد المشهور وهو التقسيم الثلاثي ، ومن العلماء من قسمه تقسيما ثنائيا 1- توحيد علمي وأحياناً يضاف عليه خبري أو اعتقادي .
2- توحيد عملي وأحياناً يضاف عليه إيرادي طلبي أو قصدي ، قال الحفيد عبد الرحمن مرة 2 / 229 وهذا هو توحيد الإلهية، وتوحيد العبادة، وتوحيد القصد والإرادة اهـ
وهذا التقسيم لابن القيم ووافق المصنف عليه في بعض رسائله وجرى عليه أئمة الدعوة ، ذكره ابن القيم في مدارج السالكين والعلمي الخبري يشمل توحيدين : الربوبية والأسماء والصفات وأما العملي فيقصد به الألوهية .
والمصنف رحمه الله أحيانا يختصر ويقول إن التوحيد ينقسم إلى قسمين : ربوبية وألوهية ، ولا يذكر الأسماء والصفات اختصارا كما في الدرر 1 / 137 والتوحيد نوعان : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية اهـ
وهناك من قسم التوحيد تقسيما ثلاثيا إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد أسماء وصفات وهذا هو المشهور . وأيهم أفضل؟ هذا أجاب عنه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في أول كتاب التفسير : فقال يجوز هذا ويجوز هذا اهـ أي التقسيم الثنائي أو الثلاثي لأن المعنى صحيح ولا مشاحة في الاصطلاح. وهل يجوز أن تقول أن التوحيد رباعي التقسيم وتضيف توحيد الحاكمية.
يعنى إفراد الله بالحكم –والاهتمام بتوحيد الحاكمية وإفراده بالذكر لم يوجد إلا في القرون الأخيرة وهو في القرن الثالث عشر الهجري ولم يفرد إفرادا ظاهراً إلا عندما وضعت القوانين الوضعية فجاء من يتكلم به وأن الحكم لله ، وإن كانت بداياته ظهرت في عصر ابن تيمية وابن كثير في ياسق التتار.
نقول هناك من له موقف خاص لمن يتكلم عن توحيد الحاكمية وهو مبنى على انتقاد تيار معين ( تيار الصحوة ) أو بناه على حوادث معينة لم يبنه على أنها مسألة علمية، وقد صدرت فتاوى بتبديع من أحدث توحيد الحاكمية.
والصحيح أنه لابأس بأن نضيف توحيد الحاكمية ، ولا يقال عنه مبتدع ، والتبديع فيه خطأ ،لأن الذين قسموا التوحيد تقسيماً ثنائيا فجاء من قسمة ثلاثياً فإذاً هو مبتدع على هذا القول !.
وهناك من أهل العلم من قسم التوحيد تقسيماً خماسياً وأضاف توحيد الإتباع فهل هذا مبتدع أيضاً !، والقاعدة أنه لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان صحيحاً ، ولو اقتضى الواقع إبراز توحيد معين والاهتمام به وجعله قسماً مستقلاً وإن كان داخلاً في الأقسام قبله فلا مانع وهذا لـه نظائر كثيرة ، والحاكمية داخل في توحيد الأسماء والصفات ومبني على اسم الحكم كما في الحديث ( إن الله هو الحكم واليه الحكم ) ومبني على التصرف وهو من معاني الربوبية أي التصرف في الأمر والنهي ، فأي بدعة في ذلك ؟ وإنما المبدّع إما مجتهد مخطئ ـ وهذا يقال لمن عرف عنه الصدق ـ أو جاهل ضال أو مرقّع للحكام المبدلين وبوق لهم .
ونقول أيضا هناك من أهل العلم من جعل شروط لا إله إلا الله سبعة ، وبعضهم اجتهد وجعلها ثمانية فذكر شرط الكفر بالطاغوت ، مع أنه موجود ضمن الشروط السبعة لكن نظرا لأهميته فصله عن شرط المحبة وجعله مستقلا . فهذا عند بعض هؤلاء مبتدعا ؟ .
ومثل ذلك الإيمان فبعض السلف جعله من كلمتين هو قول وعمل ، فلما أحدث أهل البدع كلاما قال بعضهم هو قول وعمل واعتقاد ، فلما تكلم المرجئة في العمل قال السلف هو اعتقاد وقول وعمل بالأركان فأضافوا كلمة الأركان للتوضيح وبعضهم جعله قول وعمل واعتقاد ونية وبعضهم أضاف واتباع .
وكل ما سبق صحيح لكن كل ما اقتضى المقام التوضيح أو الأهمية زاد السلف بقدر ذلك ، وهي ليست زيادة مخترعة لكنها موجودة في كلام من سبق وجود إجمال وتداخل. فعلى قاعدة بعض هؤلاء من زاد عن كلمتين في الإيمان فهو مبتدع .
مع أن من الأفضل استقرار الاصطلاحات وان لا يُولّد منها فتكثر وتطول ، واستقرارها على ثلاثة أكمل ( الربوبية الألوهية الأسماء والصفات) وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء والنظر في الآيات والأحاديث فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوّعوا أو أصّلوا التوحيد إلى ثلاثة أصول أو أنواع ، ولا يخرج أي تقسيم عن هذه الثلاثة ، ولا يُفرد ويُلّد نوع إلا قد أُخذ من أحد الثلاثة ، لذا كان أقرب التقسيمات إلى كونه جامعا مانعا دقيقا وافيا بالغرض ، والله أعلم .
لكن من الخطأ تخطئة من قال قولا صحيحا هو ضمن كلام من سبقه بناء على مقررات سابقة ومقاصد فاسدة ، والله أعلم .

فصل

التوحيد مصدر، والمصدر هو ما يجيء ثالثاً في تصريف الفعل فإذا أردت أن تعرف المصدر فضعه من الفعل المضارع ثم من فعل الأمر الثالث منه يسمى مصدرا ، مثل وحد (ماضي) ويوحد (مضارع ) توحيداً (مصدر) مثل كتب يكتب كتابة ، فتوحيد مصدر على وزن تفعيل .
وكلمة توحيد معناها الإفراد أي : جعل الشيء واحدا هذا هو الأساس سواء كان في الأسماء والصفات أو الربوبية أو الألوهية ، والأساس الآخر : لا يصح التوحيد إلا بنفي وإثبات ، نفي الحكم عما سوى الموحد وإثباته له ، فينفي الألوهية عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده ، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض ـ وهو الذي وقع فيه الجهمية المحضة والدهرية ، وحديثا الشيوعية والعلمانية التقليدية ـ والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم ، فلو قلت مثلا ( فلان قائم ) فهنا أثبت له القيام لكنك لم توحده به لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام ولو قلت فلانا ليس بقائم فقد نفيت نفيا محضا ولم تثبت القيام لأحد فإذا قلت لا قائم إلا زيد فحينئذ تكون وحدت زيدا بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه وهذا هو معنى التوحيد فلا يكون توحيدا حتى يتضمن نفيا وإثباتا .
وتعريف التوحيد بشكل عام هو : إفراد الله بما هو من خصائصه وما هو له وما يستحقه من أسمائه وصفاته والربوبية والألوهية .
أما على التفصيل فكلمة توحيد الربوبية أضاف التوحيد إلى الربوبية وهنا التقدير في أي توحيد في الربوبية أي إفراد الله في شيء خاص وهي الربوبية ، وكذا إفراده بالألوهية وأسمائه وصفاته كما قلنا في الربوبية تماما .
ولا بد في الإفراد من إثبات ونفي ، فتثبت له الربوبية والألوهية ثم تنفي ذلك عن غيره، ولا يصح الإثبات إلا بالنفي .
قال المصنف في الدرر 3 / 19 : الرب ، والإِلَه، في صفة الله تبارك وتعالى، متلازمة، غير مترادفة؛ فالرب، من الملك، والتربية بالنعم؛ والإِلَه، من التأله، وهو القصد، لجلب النفع، ودفع الضر بالعبادة؛ وكانت العرب تطلق الرب على: الإِلَـه، فسموا معبوداتهم أرباباً ، لأجل ذلك ، أي : لكونهم يسمون الله رباً، بمعنى إلهَاً، والله أعلم .
مسألة : ومن فعل التوحيد يُسمى موحدا كما أن من فعل الشرك يُسمى مشركا ، قال المصنف في الدرر 1 / 168 وأكبر المعروف، وأوجبه، أول ما فرض الله، وهو : التوحيد : اسم لفعلك إن كانت أعمالك كلها لله فأنت موحد، فإن كان فيها شرك للمخلوق، فأنت مشرك .
والمصنف جعل التوحيد مبني على أصول فقال والتوحيد ثلاثة أصول والحفيد قال أنواع ، ولا مشاحة في الاصطلاح ما دام أن كل ذلك صحيح. وإن كان كلمة أصل في باب التوحيد أدق وأحسن من كلمة نوع لعظم شأن التوحيد ولأنه ينبني عليه أمور أخرى فهو أساس .
مسألة في ترتيب أصول التوحيد أو أنواعه :
هذه مسألة خلافية بين أهل العلم في ترتيب ذلك وبأيهما يبدأ على النحو التالي :
أ ـ بعضهم يهتم بالترتيب فيبدأ بتوحيد الأسماء والصفات لأنه الأصل ثم يجعل بعده توحيد الربوبية لأنه من الأسماء وهو الرب وصفة الربوبية منه ثم الألوهية لأنها من لازم ذلك ومبنية عليهما ، وهذا ترتيب منطقي عقلي صحيح وقوي ، قال الحفيد سليمان في كتابه التيسير في أوله وتوحيد الربوبية والألوهية من لازم توحيد الأسماء والصفات، ولذلك أهل العلم يقولون إن توحيد الأسماء والصفات والربوبية هما العلمي الخبري الاعتقادي اهـ ، وإذا كان كذلك فهو لا بد أن يسبق توحيد الألوهية لأنه عملي قصدي، والعلم والاعتقاد يسبق العمل الذي هو توحيد الألوهية. وقال المصنف في ذلك: في الدرر 2 / 73 فإذا عرفت هذا، معرفة جيدة : تبين لك غربة الدين؛ وقد استدل عليهم سبحانه بإقرارهم بتوحيد الربوبية، على بطلان مذهبهم، لأنه إذا كان هو المدبر وحده، وجميع من سواه لا يملكون مثقال ذرة، فكيف يدعونه، ويدعون معه غيره، مع إقرارهم بهذا. وأما توحيد الصفات: فلا يستقيم توحيد الربوبية، ولا توحيد الألوهية، إلا بالإقرار بالصفات، لكن الكفار: أعقل ممن أنكر الصفات، والله أعلم. وقال المصنف في الدرر 1 / 112
ورد عليهم ـ أي أهل الكلام ـ أهل السنة بأدلة كثيرة، منها: أن التوحيد لا يتم إلا بإثبات الصفات؛ وأن معنى الإله : هو المعبود ؛ فإذا كان هو سبحانه متفرداً به، عن جميع المخلوقات، وكان هذا وصفاً صحيحاً، لم يكذب الواصف به، فهذا يدل على الصفات، فيدل على العلم العظيم، والقدرة العظيمة ؛ وهاتان الصفتان : أصل جميع الصفات، كما قال تعالى : ( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء عليماً ) .
فإذا كان الله قد أنكر عبادة، من لا يملك لعباده نفعاً ولا ضراً، فمعلوم : أن هذا يستلزم بحاجة العباد ناطقها، وبهيمها ؛ ويستلزم : القدرة على قضاء حوائجهم ؛ ويستلزم الرحمة الكاملة، واللطف الكامل، وغير ذلك من الصفات ؛ فمن أنكر الصفات، فهو معطل ؛ والمعطل : شر من المشرك ؛ ولهذا كان السلف، يسمون التصانيف، في إثبات الصفات : كتب التوحيد، وختم البخاري صحيحه بذلك، قال : كتاب التوحيد ؛ ثم ذكر للصفات باباً .
فنكتة المسألة: أن المتكلمين يقولون : التوحيد لا يتم إلاّ بإنكار الصفات ؛ فقال أهل السنة: لا يتم التوحيد إلاّ بإثبات الصفات وتوحيدكم، هو : التعطيل ؛ ولهذا آل هذا القول لبعضهم إلى إنكار الرب تبارك وتعالى، كما هو مذهب ابن عربي، وابن الفارض، وفئام من الناس، لا يحصيهم إلا الله فهذا بيان لقولك هل مراده الصفات ؟ أو الأفعال ؟ فبين السلف : أن العبادة إذا كانت كلها لله عن جميع المخلوقات فلا تكون إلاّ بإثبات الصفات والأفعال فتبين إن منكر الصفات، منكر بحقيقة الألوهية، لكن لا يدري، وبين لك: أن من شهد أن لا إلّه إلا ّ الله، صدقاً من قلبه، لا بد أن يثبت الصفات، والأفعال، ولكن العجب العجاب : ظن إمامهم الكبير، أن الألوهية، هي القدرة وأن معنى قولك : لا إلٌه إلا ّ الله ؛ أي: لا يقدر على الخلق إلا ّ الله ! اهـ .
قال الحفيد عبد الرحمن في الدرر 2 / 222 قال ابن القيم فصل : عظيم النفع، جليل القدر؛ ينتفع به: من عرف نوعي التوحيد، القولي، العلمي، الخبري؛ والتوحيد: القصدي، الإرادي، العملي؛ إلى أن قال : والتوحيد العلمي، أساسه: إثبات الكمال للرب، ومباينته لخلقه، وتنزيهه عن العيوب، والنقائص، والتمثيل؛ والتوحيد العملي، أساسه: تجريد القصد، بالحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، والإستعانة، والاستغاثة، والعبودية بالقلب، واللسان، والجوارح، لله وحده.
ومدار: ما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، على هذين التوحيدين، وأقرب إلى الله: أقومهم بهما علماً، وعملا؛ ولهذا: كانت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، أقرب الخلق إلى الله، وأقربهم إليه وسيلة، أولوا العزم، وأقربهم: الخليلان؛ وخاتمهم: سيد ولد آدم، وأكرمهم على الله؛ لكمال عبوديته، وتوحيده.
فهذان الأصلان، هما قطب رحى الدين، وعليهما مداره، وبيانهما من أهم الأمور؛ والله سبحانه: بينهما غاية البيان، بالطرق العقلية، والنقلية، والفطرية والنظرية، والأمثال المضروبة؛ ونوع سبحانه: الطرق بإثباتهما كل التنوع، بحيث صار معرفة القلوب الصحيحة، والفطر السليمة لهما، بمنزلة: رؤية العين المبصرة، التي لا آفة بها، للشمس، والقمر، والنجوم، والأرض والسماء؛ فذلك للبصيرة، بمنزلة هذه للبصر.
فإن تسلط التأويل على التوحيد: الخبري، العلمي، كان تسليطه على التوحيد: العملي، القصدي، أسهل، وانمحت رسوم التوحيد، وقامت معالم التعطيل، والشرك؛ ولهذا: كان الشرك، والتعطيل متلازمين، لا ينفك أحدهما عن صاحبه؛ وإمام المعطلين المشركين: فرعون؛ فهو إمام كل معطل، ومشرك، إلى يوم القيامة، كما أن إمام الموحدين: إبراهيم، ومحمد عليهما السلام اهـ .
ب ـ ومنهم من يبدأ بالألوهية لأنها الأهم وهو الذي خلق الخلق من أجلها وبعثت الرسل له ، هذان هما أشهر الترتيبات وأحسنها ، والأول أرجح وأحسن وهي طريقة القرآن فإنه يبدأ بذكر صفات الله وربوبيته التي يُقرون بها ثم يُطالبهم بإفراده بالعبادة وهو توحيد الألوهية ، مثل ذلك الآيات التي سوف تمر علينا إن شاء الله في توحيد الربوبية (قل من يرزقكم من السماء والأرض .. أفلا تتقون ) فبدأ بالربوبية وطالبهم بلازم الربوبية وهو توحيد الألوهية .
إلا أن المصنف لم يختر إحدى هاتين الطريقتين إنما بدا بالربوبية ثم الألوهية ثم الأسماء والصفات وهذه طريقة مرجوحة ، بل من أضعف الطرق جعل توحيد الأسماء والصفات هو الأخير .
وتابعه على ذلك الحفيد هنا فقد أخر توحيد الأسماء والصفات وجعله الثالث وبدأ بتوحيد الربوبية وانتهى بتوحيد الأسماء والصفات ، وكما قلنا سابقا إن بعض أهل العلم يهتم بالترتيب فيجعل الأصل أولاً ثم يجعل اللازم ثانياً ثم لازمه ثالثا وهذا أحسن في الترتيب وإن كان لا مشاحة في الاصطلاح لأن غاية ما هنالك هو أفضل ومفضول فقط، لكن من ناحية الترتيب الحسن أولاً أن يبدأ بالأسماء والصفات لأنه هو الأصل ثم بعد ذلك بالربوبية لأن توحيد الربوبية في الحقيقة جزء من توحيد الأسماء والصفات لأن اسم الرب هذا أسم من أسماء الله والصفة منه الربوبية ولذلك الأحسن أن يؤتي بالربوبية بعد الأسماء والصفات ثم يؤتي بتوحيد الألوهية لأنه من لازم الإيمان بالأسماء والصفات والربوبية بأن يفرده بالعبادة .
إلا أن جعل توحيد الأسماء الصفات في آخر المراتب ليس بوجيه لأن أصل التوحيد هو توحيد الأسماء والصفات فالأولى تقديمه على الربوبية على كل حال لكن يبقى الألوهية هل تبقى الأولى أو الأخيرة الأمر يسير وإن كان الأحسن منهجياً جعلها الأخيرة لأنها من لوازم الأسماء والصفات والربوبية .
مسألة : وقال في الدرر 2 / 65 في العلاقة بين توحيد الربوبية وبين الألوهية، وما يتعلق بالعبادات المرتبط بالربوبية أو الألوهية فقال : فأما توحيد الربوبية، فهو: الأصل ولا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه، كما قال تعالى، فيمن أقر بمسألة منه: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون).
ومما يوضح لك الأمر: أن التوكل من نتائجه، والتوكل من أعلى مقامات الدين، ودرجات المؤمنين؛ وقد تصدر الإنابة والتوكل من عابد الوثن بسبب معرفته بالربوبية، كما قال تعالى: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه) وأما عبادته سبحانه بالإخلاص دائماً، في الشدة والرخاء، فلا يعرفونها وهي نتيجة الإلهية، وكذلك الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالكتب، والرسل وغير ذلك؛ وأما الصبر والرضا، والتسليم والتوكيل، والإنابة، والتفويض، والمحبة، والخوف، والرخاء، فمن نتائج توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الإلهية، هو: أشهر نتائج توحيد الربوبية؛ وهذا وأمثاله لا يعرف إلا بالتفكر، لا بالمطالعة، وفهم العبارة.
وأما الفرق بينهما: فإن أفرد أحدهما مثل قوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) فهو توحيد الإلهية؛ وكذلك إذا أفرد توحيد الإلهية، مثل قوله: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) وأمثال ذلك؛ فإن قرن بينهما فسرت كل لفظة بأشهر معانيها، كالفقير، والمسكين.
وأما ما ذكرت من أهل الجاهلية: كيف لم يعرفوا الإلهية إذا أقروا بالربوبية؟ هل هو كذا ؟ أو كذا ؟ أو غير ذلك ؟ فهو: لمجموع ما ذكرت، وغيره.
وأعجب من ذلك: ما رأيت، وسمعت، ممن يدعى أنه أعلم الناس، ويفسر القرآن، ويشرح الحديث بمجلدات، ثم يشرح البردة ويستحسنها، ويذكر في تفسيره، وشرحه للحديث: أنه شرك! ويموت ما عرف ما خرج من رأسه! هذا: هو العجب العجاب؛ أعجب بكثير من ناس لا كتاب لهم، ولا يعرفون جنة، ولا ناراً، ولا رسولاً، ولا إلهاً؛ وأما كون: لا إله إلا الله، تجمع الدين كله، وإخراج من قالها من النار، إذا كان في قلبه أدنى مثقال ذرة، فلا إشكال في ذلك.
وسر المسألة: أن الإيمان يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله، بل هذا مذهب الخوارج، فالذي يقول: الأعمال كلها، من: لا إله إلا الله، فقوله الحق، و الذي يقول: يخرج من النار من قالها، وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة، فقوله الحق، السبب مما ذكرت لك، من التجزي، وبسبب الغفلة عن التجزي: غلط أبو حنيفة، وأصحابه في زعمهم، أن الأعمال ليست من الإيمان، والسلام اهـ .

وسيتبع بمشيئة الله تعالى
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق  Empty رد: رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

مُساهمة  عاشقة السماء السبت نوفمبر 09, 2013 3:12 am

فصل
قال المصنف : الأصل الأول: توحيد الربوبية، وهو: الذي أقر به المشركون ( عند عب الكفار ) في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أدخلهم ( عند عب ولم يدخلهم ) في الإسلام، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستحل دماءهم، وأموالهم .
وهو : توحيد الله بفعله، والدليل عليه ، قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) وقوله : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون ، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، سيقولون لله قل أفلا تتقون ، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل فأنى تسحرون ) والآيات على هذا كثيرة جداً ، أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر.

الــــــــــــشرح :
الربوبية صفة لأن الاسم منها رب ، ومعنى الربوبية إفراد الله بأفعاله تعالى بالملك والتصرف والتدبير والخلق والرزق والإحياء والإماتة هذه معاني الرب .
قال المصنف في الدرر 1 / 137 أما توحيد الربوبية ، فهو الذي أقرت الكفار به، ولم يكونوا به مسلمين ، وهو الإقرار بأن الله الخالق الرزاق، المحيي المميت، المدبر لجميع الأمور، والدليل قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) .
وقال مرة مما يصلح لباب الربوبية والألوهية قال في الدرر 1 / 151 إذا قيل لك : من ربك ؟ فقل : ربي الله فإذا قيل لك : ايش معنى الرب ؟ فقل : المعبود، المالك، المتصرف ، فإذا قيل لك : ايش معنى الله ؟ فقل معناها : ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين . فإذا قيل لك : لأي شيء الله خلقك ؟ فقل : لعبادته . فإذا قيل لك : ايش عبادته ؟ فقل : توحيده، وطاعته . فإذا قيل لك ايش الدليل على ذلك ؟ فقل، قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
فإذا قيل لك : ايش أول ما فرض الله عليك ؟ فقل كفر بالطاغوت، وإيمان بالله ؛ والدليل على ذلك قوله : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من ألغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) .
ومعنى لا إله : نفي وإلا الله : إثبات . فإذا قيل لك ايش أنت ناف ؟ وايش أنت مثبت ؟ فقل : ناف جميع ما يعبد من دون الله، ومثبت العبادة لله وحده لا شريك له . فإذا قيل لك : ايش الدليل على ذلك ؟ فقل، قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ) هذا دليل النفي ودليل الإثبات ( إلا الذي فطرني ) .
فإذا قيل لك : ايش الفرق : بين توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية؟ فقل : توحيد الربوبية، فعل الرب مثل الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة ،وإنزال المطر، وإنبات النباتات، وتدبير الأمور ؛ وتوحيد الإلهية : فعل العبد، مثل الدعاء، الخوف ،والرجاء، والتوكل، والإنابة، والرغبة، والرهبة، والنذر، والاستغاثة، وغير ذلك من أنواع العبادة .
فإذا قيل لك : ايش دينك ؟ فقل : ديني الإسلام، وأصله، وقاعدته : أمران ؛ الأول : الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك، والموالاة فيه، وتكفير من تركه، والإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه وتكفير من فعله وهو مبنيّ على خمسة أركان : شهادة أن لا إلَه إلا ّ الله ، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة اهـ .
أ ـ فتوحيد الربوبية تفرده بالملك فلا تجعل معه مالكا . ب ـ وتفرده بالتصرف والتدبير فلا تجعل معه متصرفا ولا مدبرا . ج ـ وتفرده بالخلق فلا تجعل معه خالقاً . د ـ وتفرده بالرزق فلا تجعل معه رازقا ، وهكذا بقية أفعاله تعالى السابقة من والأحياء والإماتة .
ثم فسر المصنف توحيد الربوبية فقال ( فهو) هو هنا ضمير يعود على توحيد الربوبية قال المصنف (الذي أقر به المشركون ـ عند عب الكفار) أثبت لهم الإقرار فهم يقرون وهل هذا الإقرار بقلوبهم أم بألسنتهم ؟ أما إقرار اللسان فواضح من الآيات التي ستمر علينا ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله ) بقي القلب هل هم مقرون بقلوبهم ؟ بمعنى أنهم يقولون الله الخالق كذباً ، عند أهل السنة شيء وعند أهل البدع شيء آخر أما أهل البدع فيقولون هم مقرون باللسان فقط أما بقلوبهم فهم مكذبون ، ما هو الدليل؟ قالوا لو قلنا أنهم صادقون بقلوبهم وألسنتهم لكانوا مؤمنين ، والله أخبر أنهم كفار ، وهذا القول مبنى على عدم التفريق بين الألوهية والربوبية .
فيقال لأهل البدع إذا كانوا يقولونه بألسنتهم دون قلوبهم فهذا نفاق والنفاق لم يظهر في ذلك الوقت والعرب الكفار أقوياء ليسوا بحاجة لمنافقة الرسول ، أما أهل السنة فيقولون هم يقرون بالقلب واللسان.
بقيت مسألة : إذا قلنا أنهم يقرون بقلوبهم وألسنتهم أن الله هو الرب والمتصرف والرزاق في هذه الآيات فهناك آيات تدل على أنهم غير مقرين ( وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) فأثبتوا أن الدهر يهلك وهذا نوع من التصرف وهو أن الدهر يميت.
دليل آخر ( وتجعلون رزقكم أنك تكذبون ) فكانوا إذا نزل عليهم المطر قالوا أنزله النجم الفلاني فكيف نجيب على هذا التعارض؟ .
الجواب : أن يقال أن الذين يثبتون ربوبية الدهر طائفة من العرب وطائفة تثبت ربوبية النجوم والباقي يقرون بالله عز وجل بأنه المتفرد بالربوبية ، وجمع آخر أن يقال تُجعل على المواضع أي في باب دون باب ففي باب الدهر غير موحدين وفي باب إنزال المطر غير موحدين وفي الأبواب الأُخرى هم مقرون ، وكلا الجمعين صحيح .
وهنا جمع ثالث أن يقال هم مقرون بأصل صفة الربوبية من التصرف والتدبير والخلق ، لكن بعض أفراد الصفة وهي أفراد قليلة لا يُقرون بها ، فمثلا يقرون أن الله هو المحيي والمميت لكن إعادة الأرواح في الآخرة لا يقرون به وهذا إنكار لفرد من أفراد هذه الصفة وهكذا في الخلق والرزق .
وهنا نقول نعم المشركون يقرون بتوحيد الربوبية قلباً ولساناً إلا طائفة منهم في مسائل أو في بعض أفراد الصفة ، أما الأغلبية فهم يقرون .

مسألة : في أنواع توحيد الربوبية :
قال ابا بطين : قال شيخنا عبد الرحمن : الدرر 2 / 307 وأما أنواعه، فمنها: الشرك في الربوبية، وهو: نوعان، شرك التعطيل، كشرك فرعون؛ وشرك الذي حاج إبراهيم في ربه؛ ومنه شرك طائفة ابن عربي، ومنه شرك من عطل أسماء الرب سبحانه، وأوصافه، من غلاة الجهمية، ومنه: شرك من جعل مع الله إلهاً آخر، ولم يعطل ربوبيته كشرك النصارى، الذين جعلوه ثالث ثلاثة اهـ .
قال المصنف ( هو الذي أقر به المشركون ) وكلمة أقر أحسن وأدق من كلمة آمن ، يقال أقر به ولا يقال آمن به ، مع أنه يجوز قول أنهم آمنوا بالربوبية لقوله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فيجوز أن نقول هم مؤمنون إذا قرنتها بالشرك فتقول هم مؤمنون بالربوبية مشركون بالألوهية ، أما عند عدم الاقتران فنقول هم مقرون ولا نقل مؤمنين .
وقول المصنف ( المشركون ) أحسن من قول الحفيد ( الكفار ) لأن السياق عمن جعل مع الله شريكا في الألوهية مع أنه مقر بالربوبية .
قال المصنف : هو الذي أقر به المشركون ، الألف واللام هل هي للعموم أم للخصوص ؟
القاعدة أنك إذا أرد أن تعرف أنها للعموم فاحذف الألف واللام وضع كلمة كل فإن صلح التعبير فهي للعموم وإذا لم يصلح فهي للخصوص ، وهنا لو وضعنا كل المشركين فلا يصح التعبير ، فإذا الألف واللام هنا للخصوص لكن خصوص أغلبي لأن بعض المشركين من غير العرب في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم غير مقرين بالربوبية مثل المجوس والثنوية فإنهم يؤمنون بخالقين .
قال المصنف ( ولا أدخلهم في الإسلام ) هم أقروا لكن لم ينتفعوا بذلك الإقرار ، ولا نافية فلا يسمون مسلمين ، وهل إذا لم يدخلهم في الإسلام هل أدخلهم في الإيمان ، لأنه ذكر الإسلام ولم يذكر الإيمان ؟ الجواب : طبيعي ، لا ، لأن الإسلام إذا أُفرد دخل فيه الإيمان فلم يدخلهم لا في الإسلام والإيمان ، بل إذا لم يدخلوا في الإسلام فعدم دخولهم في الإيمان من باب أولى لأنه أخص من الإسلام .
قال المصنف ( وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحل دمائهم وأموالهم ) أي مع أنهم مقرون بالربوبية قاتلهم أيضاً مع هذا الإقرار لأنه لا ينفع لوحده ، والمصنف أخبر أنهم لمّا لم يأتوا بالألوهية وإنما أتوا بالربوبية ترتب على ذلك أمور :
أ ـ
أمر يتعلق بالأسماء فنفى عنهم اسم الإسلام ، فمن لم يأت بالألوهية وإنما أتى بالربوبية فقط فليس بمسلم ، وهذا الكلام عام سواء في المشرك الأصلي أو من يدعي القبلة وهو يفعل الشرك الأكبر فليس بمسلم سواء كان جاهلا أم متأولا أم معاندا أم من أهل الفترة ، قال ابن تيمية في الفتاوى 20 / 38 : اسم المشرك ثبت قبل الرسالة اهـ . ب ـ ما يتعلق بالأحكام من المقاتلة واستباحة الدماء والأموال فهذا ثابت للمشركين أن قامت عليهم الحجة .
وقد يشكل أنه كيف قاتلهم الرسول لمّا أشركوا بالألوهية في أول الدعوة في وقت الضعف وعدم شرعية القتال ؟ فالجواب : أنه لم يدخلهم في الإسلام هذا أولا ثم لمّا هاجر قاتلهم ، ثم أيضا المصنف لم يرد أن يبين حكم القتال هنا إنما أراد أن يبين أهمية توحيد الألوهية وأن الربوبية لوحدها لا تكفى ، هذا المقدار الذي أراد المصنف توضيحه هنا فقط .
قال المصنف ( وهو توحيده بفعله تعالى ) توحيده بفعله أي إفراد الله بأفعاله ، وأفعال الله كثيرة ولا تحصى فأسماء الله وصفاته وأفعاله لا تحصى كما في الحديث (وبكل اسم استأثرت به في علم الغيب عندك) ومن أفعال الله الخلق والإماتة والرزق وإنزال المطر والتدبير والتصرف والملك .... الخ ، وهكذا كلها أفعال. والله يُثبت له الأفعال كما قال تعالى ( فعال لما يريد) لكن هنا أفعاله المختصة بالربوبية فلا يدخل معنا هنا مثلا صفة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، لأن هذا متعلق بتوحيد الأسماء والصفات لا توحيد الربوبية ، وهنا لم يقصده المصنف وسوف يأتي الكلام عليه .
ثم ذكر المصنف دليلا على ذلك والدليل قوله تعالى ( قل من يرزقكم من السماء ، الآية) أي قل يا محمد وقل يا موحد لهؤلاء ، قل من يرزقكم من السماء والأرض ؟ الجواب : فسيقولون الله إذن هنا أقروا بالرزق ( أمن يملك السمع والأبصار ) فسيقولون الله ، فأقروا بملكه للسمع والبصر، ومن يخرج الحي من الميت والميت من الحي ؟ فسيقولون الله هنا أقروا بانفراده بالإحياء والإماتة ( ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ) وهذا من عطف العام على الخاص ، إذاً هم أقروا بالرزق لله وملك السمع والأبصار وأنه يحي ويميت ويدبر الأمر ، هذه خمسة أشياء أقروا بها بنص الآية ، أحدها عام وهو التدبير للأمور ، فهل هم يقولونه بقلوبهم وألسنتهم ؟ على مذهب السلف بقلوبهم وألسنتهم ، وعلى مذهب أهل البدع بألسنتهم فقط نفاقا .
الآية الثالثة ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله ) هذه واحدة (قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله ) هذه ثانية ( قل من بيده ملكوت كل شيء ) هذه ثالثة وهي من عطف العام على الخاص ، لأن قوله كل شيء هذا هو العموم ، ثم قال ( وهو يجير ولا يجار عليه ) وهذه رابعة ، فسيقولون الله ، فذكر الله في هذه الآية أربعة أمور. وخمسة أمور في الآية الأولى ، هذه تسعة أشياء أقروا بها ، وبالتفصيل تصل إلى اثنتي عشرة مسألة .
ثم قال المصنف ( والآيات على هذا كثيرة جدا ....) فدل على أن ما ذكره هو على وجه الإجمال .
قال المصنف في بيان معاني الربوبية قال في الدرر 2 / 125 قال رحمه الله: وهو نوعان؛ توحيد: الربوبية؛ وتوحيد: الألوهية؛ أما توحيد: الربوبية، فأقر به الكافر ,والمسلم؛ وأما توحيد: الألوهية , فهو: الفارق بين الكفر , والإسلام؛ فينبغي لكل مسلم: أن يميز بين هذا , وهذا ، ويعرف : أن الكفار لا ينكرون , أن الله هو الخالق , الرازق , المدبر؛ قال الله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) الآية وقال: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله).
فإذا تبين لك: أن الكفار يقرون بذلك , عرفت: أن قولك , لا يخلق , ولا يرزق إلا الله , ولا يدبر إلا الله؛ لا يصيرك مسلماً , حتى تقول: لا إله إلا الله , مع العمل بمعناها؛ فهذه الأسماء , كل واحد منها , له معنى يخصه.
أما قولك: الخالق , فمعناه: الذي أوجد جميع مخلوقاته , بعد عدمها؛ وأما قولك : الرازق , فمعناه: أنه لما أوجد الخلق , أجرى عليهم أرزاقهم؛ وأما المدبر , فهو الذي تنزل الملائكة من السماء إلي الأرض بتدبيره , وتصعد إلى السماء بتدبيره؛ ويسير السحاب , بتدبيره ,وتصرف الرياح بتدبيره, وكذلك جميع خلقه , هو الذي يدبرهم , على ما يريد؛ فهذه الأسماء , التي يقر بها الكفار متعلقة بتوحيد الربوبية.
وأما توحيد: الألوهية، فهو قولك: لا إله إلا الله؛ وتعرف معناها، كما عرفت معنى الأسماء المتعلقة بالربوبية، فقولك: لا إله إلا الله، نفي، وإثبات؛ فتنفي: الألوهية كلها، وتثبتها لله وحده؛ فمعنى: الإله، في زماننا: الشيخ، والسيد. الذي يقال فيهما، أو غيرهما: سر؛ ممن يعتقد فيهم أنهم: يجلبون منفعة؛ أو: يدفعون مضرة؛ فمن اعتقد في هؤلاء، أو غيرهم، نبيا كان أو غيره، فقد اتخذه إلها من دون الله.
فإن بني إسرائيل: لما اعتقدوا في عيسى ابن مريم، وأمه، سماهما الله إلهين؛ قال تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم مافي نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب) ففي هذا دليل على أن من اعتقد في مخلوق، لجلب منفعة، أو دفع مضرة، فقد: اتخذه إلها؛ فإذا كان الاعتقاد في الأنبياء، هذا حاله، فما دونهم أولى.
وأيضا: فإن من تبرك بحجر، أو شجر، أو مسح على قبر، أو قبة يتبرك بهم، فقد: اتخذهم آلهة؛ والدليل على ذلك: أن الصحابة لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، يريدون بذلك التبرك، قال: " الله أكبر: إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون، قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين) .
فمثل: قول الصحابة في ذات أنواط، بقول بني إسرائيل، وسماه إلها؛ ففي هذا: دليل على أن من فعل شيئا مما ذكرنا، فقد اتخذه إلها.

وسيتبع بمشيئة الله تعالى
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق  Empty رد: رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

مُساهمة  عاشقة السماء الإثنين نوفمبر 11, 2013 3:53 am

فصل
قال المصنف : والأصل الثاني : وهو توحيد الألوهية ، فهو الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه ، وهو توحيد الله بأفعال العباد ، كالدعاء، والرجاء، والخوف، والخشية، والاستعانة، والاستعاذة، والمحبة، والإنابة، والنذر ، والذبح ، والرغبة، والرهبة ، والخشوع، والتذلل، والتعظيم، ،( زاد عب التوكل ولم يذكر بعضها ، وإنما ذكر منها تسعة ، وفيه اختلاف في التقديم والتأخير ) .
فدليل الدعاء ، قوله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) الآية ، وكل نوع من هذه الأنواع ، عليه دليل من القرآن .
الشــــــــرح :

ومثل ما قلنا في توحيد الربوبية نقول في توحيد الألوهية ، فتوحيد مصدر والمصدر ما يجي ثالثاً في تصريف الفعل وهو وحد يوحد توحيداً أي إفراد الله بالألوهية ، والإضافة هنا على تقدير في أي توحيد في الألوهية ، والألوهية هي إفراد الله بالعبادة فيكون (توحيد الألوهية) إفراد العبودية لله فأي نوع من أنواع العبودية يكون لله وحده.

ولا ريب : أن كل معبود سوى الله، فهو باطل؛ والمنفي بلا إله إلا الله، هوالمعبودات الباطلة، والمستثنى بإلا هو سبحانه، ويدل على هذا، قوله تعالى، في سورة الحج: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى) الآية وقال في آخر السورة: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) وقال في سورة لقمان: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل) فقوله ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل) فقوله: (ذلك بأن الله هو الحق) هو المستثنى: إلا " الله " وهو الحق، وقوله: (وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) هو المنفي بلا إله، وما بعد هذا إلا التلبيس على الجهال، وإدخال الشك عليهم، في معنى كلمة الإخلاص، فكابر المعقول والمنقول، بدفعه ما جاء به كل رسول. نسأل الله لنا ولكم علماً نستضيء به من جهل الجاهلين، وضلال المضلين، وزيغ الزائغين؛ وفي الحديث: " رب لاتزغ قلبي بعد إذ هديتني " وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يقرأ في الركعة الأخيرة من المغرب: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) وهذا بحمد الله كاف في بيان الحق، وبطلان الباطل؛ وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين اهـ .
وقال في الدرر 1 / 103 واعلم: أن معنى الإله، هو: المعبود؛ هذا هو تفسير هذه اللفظة، بإجماع أهل العلم، فمن عبد شيئاً، فقد اتخذه إلهاً من دون الله، وجميع ذلك باطل، إلا إله واحد، وهو: الله وحده، تبارك وتعالى علوا كبيراً.
قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في الدرر 1 / 527 والتوحيد، شهادة : أن لا إلَه إلا ّ الله، ما دل عليه الكتاب المصدق، والإجماع المستنير المحقق، من نفي استحقاق العبادة، والإلهية عما سوى الله، وإثبات ذلك لله سبحانه، على وجه الكمال، المنافي لكليات الشرك، وجزئياته، وأن هذا : هو معناها، وضعاً، ومطابقة ؛ خلافاً لمن زعم غير ذلك، من المتكلمين، كمن يفسر ذلك، بالقدرة على الاختراع، أو أنه سبحانه غني عما سواه، مفتقر إليه من عداه، فإن هذا لازم المعنى، إذ الإله الحق، لا يكون إلا قادراً، غنياً عما سواه ؛ وأما كون هذا هو المعنى المقصود بالوضع، فليس كذلك .
والمتكلمون : خفي عليهم هذا، وظنوا أن تحقيق توحيد الربوبية، والقدرة، هو الغاية المقصودة، والفناء فيه، هو تحقيق التوحيد ؛ وليس الأمر كذلك، بل هذا لا يكفي في أصل الإسلام، إلا إذا أضيف إليه، واقترن به، توحيد الألهية : إفراد الله تعالى بالعبادة، والحب، والخضوع، والتعظيم، والإنابة، والتوكل، والخوف، والرجاء، وطاعة الله، وطاعة رسوله، هذا أصل الإسلام، وقاعدته ؛ والتوحيد الأول، الذي عبروا به عنها، هو : توحيد الربوبية، والقدرة والخلق، والإيجاد، وهو الذي يبني عليه : توحيد العمل، والإرادة، وهو دليله الأكبر، وأصله الأعظم .
وكثيراً ما يحتج به سبحانه على من صرف العمل لغيره، قال تعالى : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) الآيات، وقال : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله ) إلى آخر الآيات، وقال تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) الآية ومن نظر في تفاسير السلف، علم هذا .
وقد قرر رحمه الله ـ يقصد جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ ، على شهادة أن محمداً رسول الله - في بيان ما تستلزمه هذه الشهادة، وتستدعيه، وتقتضيه، من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية، من الحب، والتوقير، والنصرة، والمتابعة، والطاعة، وتقديم سنته صلى الله عليه وسلم على كل سنة وقول ؛ والوقوف معها حيث وقفت، والانتهاء حيث انتهت، في أصول الدين، وفروعه، باطنه، وظاهره، خفية، وجليه، كليه، وجزئيه اهـ .
وقال الحفيد عبد الرحمن 1 / 343 ومعنى لا إلَه إلا ّ الله : لا معبود بحق إلا الله ؛ والدليل قوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) فقوله : ( أن لا تعبدوا ) فيه معنى لا إله ؛ وقوله : ( إلا إياه ) فيه معنى إلا الله ؛ وقوله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ) فقوله : ( أن لا نعبد ) فيه معنى لا إله وقوله : ( إلا الله ) هو المستثنى لفظاً ومعنى، والآيات في معنى هذه الكلمة العظيمة كثيرة في القرآن اهـ.
وقال أيضا الحفيد عبد الرحمن 2 / 233 كثر الغلط في المتأخرين من هذه الأمة، في معنى هذه الكلمة، وسببه: تقليد المتكلمين الخائضين، فظن بعضهم أن معنى: لا إله إلا الله، إثبات وجود الله تعالى، ولهذا قدروا الخبر المحذوف في: لا إله إلا الله، وقالوا؛ لا إله: موجود، إلا الله؛ ووجوده تعالى: قد أقر به المشركون، الجاحدون لمعنى هذه الكلمة، وطائفة ظنوا أن معناها: قدرته على الإختراع وهذا: معلوم بالفطرة، وما يشاهد من عظيم مخلوقات الله تعالى، كخلق السماوات والأرض، وما فيهما من عجائب المخلوقات اهـ .
وقال المصنف في الدرر 1 / 112 ليس المراد معرفة الإلّه، الإجمالية، يعنى : معرفة الإنسان، أن له خالقاً، فإنها ضرورية فطرية ؛ بل معرفة الإله : هل هذا الوصف، مختص بالله ؟ لا يشركه فيه ملك مقرب، ولا نبي مرسل ؟ أم جعل لغيره قسط منه ؟! فأما المسلمون، أتباع الأنبياء، فإجماعهم على أنه مختص، كما قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلٌه إلاّ أنا فاعبدون ).
والكافرون يزعمون: أنه هو الإله الأكبر، ولكن معه آلهة أخرى تشفع عنده ؛ والمتكلمون ممن يدعى الإسلام، لكن أضلهم الله عن معرفة الإله ، فذكر عن الأشعرى، ومن تبعه: أنه القادر، وأن الألوهية هي القدرة، فإذا أقررنا بذلك، فهي معني قوله : لا إلٌه إلا الله ؟ ثم استحوذ عليهم الشيطان، فظنوا أن التوحيد لا يتأتى إلا بنفي الصفات، فنفوها، وسموا من أثبتها مجسماً .
ورد عليهم أهل السنة بأدلة كثيرة، منها: أن التوحيد لا يتم إلا بإثبات الصفات ؛ وأن معنى الإله: هو المعبود ؛ فإذا كان هو سبحانه متفرداً به، عن جميع المخلوقات، وكان هذا وصفاً صحيحاً، لم يكذب الواصف به، فهذا يدل على الصفات، فيدل على العلم العظيم، والقدرة العظيمة ؛ وهاتان الصفتان : أصل جميع الصفات، كما قال تعالى : ( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء عليماً ) .
فإذا كان الله قد أنكر عبادة، من لا يملك لعباده نفعاً ولا ضراً، فمعلوم : أن هذا يستلزم بحاجة العباد ناطقها، وبهيمها ؛ ويستلزم : القدرة على قضاء حوائجهم ؛ ويستلزم الرحمة الكاملة، واللطف الكامل، وغير ذلك من الصفات ؛ فمن أنكر الصفات، فهو معطل ؛ والمعطل : شر من المشرك ؛ ولهذا كان السلف، يسمون التصانيف، في إثبات الصفات : كتب التوحيد، وختم البخاري صحيحه بذلك، قال : كتاب التوحيد ؛ ثم ذكر للصفات باباً .

فنكتة المسألة: أن المتكلمين يقولون: التوحيد لا يتم إلاّ بإنكار الصفات ؛ فقال أهل السنة : لا يتم التوحيد إلاّ بإثبات الصفات وتوحيدكم، هو : التعطيل ؛ ولهذا آل هذا القول لبعضهم إلى إنكار الرب تبارك وتعالى، كما هو مذهب ابن عربي، وابن الفارض، وفئام من الناس، لا يحصيهم إلا ّ الله فهذا بيان لقولك هل مراده الصفات ؟ أو الأفعال ؟ فبين السلف : أن العبادة إذا كانت كلها لله عن جميع المخلوقات فلا تكون إلاّ بإثبات الصفات والأفعال فتبين إن منكر الصفات، منكر بحقيقة الألوهية، لكن لا يدري، وبين لك : أن من شهد أن لا إلّه إلا ّ الله، صدقاً من قلبه، لا بد أن يثبت الصفات، والأفعال، ولكن العجب العجاب : ظن إمامهم الكبير، أن الألوهية، هي القدرة وأن معنى قولك : لا إلٌه إلا ّ الله ؛ أي: لا يقدر على الخلق إلا ّ الله ! اهـ .
وقال مرة في الدرر 2 / 112 ، 113 عن افتراق الناس في هذه الكلمة ، وقد ذكره أيضا في كشف الشبهات ، قال : والحديث يفصح: أن لا إله إلا الله، لها لفظ ومعنى ، ولكن الناس فيها ثلاث فرق؛ فرقة نطقوا بها وحققوها، وعلموا أن لها معنى وعملوا به، ولها نواقض فاجتنبوها.
وفرقة: نطقوا بها في الظاهر، فزينوا ظواهرهم بالقول، واستبطنوا الكفر والشك. وفرقة نطقوا بها، ولم يعملوا بمعناها، وعملوا بنواقضها، فهؤلاء (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) .
فالفرقة الأولى، هي: الناجية، وهم المؤمنون حقاً؛ والثانية، هم: المنافقون؛ والثالثة، هم: المشركون؛ فلا إله إلا الله: حصن، ولكن نصبوا عليه منجنيق التكذيب، ورموه بحجارة التخريب، فدخل عليهم العدو، فسلبهم المعنى، وتركهم مع الصورة؛ وفي الحديث: {إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبدانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} سلبوا معنى: لا إله إلا الله، فبقي معهم لقلقة باللسان، وقعقعة بالحروف، وهو ذكر الحصن لا مع الحصن، فكما أن ذكر النار لا يحرق، وذكر الماء لا يغرق، وذكر الخبز لا يشبع، وذكر السيف لا يقطع، فكذلك ذكر الحصن لا يمنع.
فإن القول: قشر، والمعنى: لب، والقول: صدف، والمعنى: در؛ ماذا يصنع بالقشر مع فقدان اللب ؟! وماذا يصنع بالصدف مع فقدان الجوهر ؟ !. لا إله إلا الله، مع معناها، بمنزلة الروح من الجسد، لا ينتفع بالجسد دون الروح، فكذلك لا ينتفع بهذه الكلمة دون معناها.... فمن قال: لا إله إلا الله، وهو عابد لهواه، ودرهمه، وديناره، ودنياه، ماذا يكون جوابه يوم القيامة لمولاه ؟ (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه).
"تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطى رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ".
إذا قلت: لا إله إلا الله، فإن كان مسكنها منك اللسان لا ثمرة لها في الثمرة، فأنت منافق؛ وإن كان مسكنها منك القلب، فأنت مؤمن، وإياك أن تكون مؤمناً بلسانك دون قلبك، فتنادى عليك هذه الكلمة في عرصات القيامة، إلهي صحبته كذا وكذا سنة، فمات ما اعترف بحقي، ولا رعى لي حرمتي، حق رعايتي؛ فإن هذه الكلمة: تشهد لك، أو عليك
.... لا إله إلا الله: شجرة السعادة؛ إن غرستها في منبت التصديق، وسقيتها من ماء الإخلاص، ورعيتها بالعمل الصالح، رسخت عروقها، وثبت ساقها، واخضرت أوراقها، وأينعت ثمارها، وتضاعف أكلها (تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها).
وإن غرست هذه الشجرة، في منبت التكذيب، والشقاق، وأسقيتها بماء الرياء، والنفاق، وتعاهدتها بالأعمال السيئة، والأقوال القبيحة، وطفح عليها غدير العذر، ولفحها هجير هجر، تناثرت ثمارها، وتساقطت أوراقها، وانقشع ساقها، وتقطعت عروقها، وهبت عليها عواصف القذر، ومزقتها كل ممزق (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً).
فإذا تحقق المسلم هذا، فلا بد معه من تمام بقية أركان الإسلام، كما في الحديث الصحيح: "بنى الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وقال مرة في تعريف الإله قال في الدرر 2 / 72 ،73 وأما توحيد الألوهية، فهو: إخلاص العبادة لله وحده من جميع الخلق؛ لأن الإله في كلام العرب، هو الذي يقصد للعبادة، وكانوا يقولون: إن الله هو إله الآلهة، لكن يجعلون معه آلهة أخرى، مثل الصالحين، والملائكة، وغيرهم؛ يقولون: إن الله يرضى هذا، ويشفعون لنا عنده.
فإذا عرفت هذا، معرفة جيدة: تبين لك غربة الدين؛ وقد استدل عليهم سبحانه بإقرارهم بتوحيد الربوبية، على بطلان مذهبهم، لأنه إذا كان هو المدبر وحده، وجميع من سواه لا يملكون مثقال ذرة، فكيف يدعونه، ويدعون معه غيره، مع إقرارهم بهذا.
وأما توحيد الصفات: فلا يستقيم توحيد الربوبية، ولا توحيد الألوهية، إلا بالإقرار بالصفات، لكن الكفار: أعقل ممن أنكر الصفات، والله أعلم.
قال المصنف في تعريف توحيد الألوهية قال في الدرر 1 / 137 واعلم : أن التوحيد في العبادة ، هو الذي خلق الله الخلق لأجله ، وأنزل الكتاب لأجله، وأرسل الرسل لأجله، وهو أصل الدين، الذي لا يستقيم لأحد إسلام إلا به.
وأما توحيد الألوهية: فهو إخلاص العبادة كلها بأنواعها لله، فلا يدعى إلاّ الله، ولا يرجى إلاّ هو ولا يستغاث إلا ّ به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا ينذر إلاّ له ولا يذبح ذبح القربات إلاّ له وحده لا شريك له والدليل على ذلك الآيات الكريمات ؛ وهذا : هو معنى لا إلَه إلا ّ الله، فإن إلا له، هو المألوه، والمعبود ؛ فمن جعل الله إلهه وحده، وعبده دون من سواه من المخلوقين، فهو المهتدى اهـ .
ثم ذكر المصنف أنواع العبادة فقال: ومن أنواع العبادة، كالدعاء، والذبح، والنذر، والتوكل، والاستغاثة، والإنابة اهـ .
و المصنف زاد أنواعا من العبادات في مواضع أخرى مثل ما قال في أنواع العبادة في الدرر 1 / 128 وأنواع العبادة التي أمر الله بها، مثل : الإسلام، والإيمان الإحسان ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة،، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها، والدليل قوله تعالى ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ) .
وزاد مرة كالاستنصار وأمثاله فقال : في الدرر 1 / 84 إذا عرف هذا، فمعلوم : ما قد عمت به البلوى، من حوادث الأمور، التي أعظمها الإشراك بالله، والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات ، التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات ؛ وكذلك التقرب إليهم بالنذور، وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد، وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله ، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله : كصرف جميعها، لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، كما قال تعالى : ( فاعبد الله مخلصاً له الدين، إلا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدى من هو كاذب كفار ) .
فأخبر سبحانه : أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه ؛ وأخبر : أن المشركين يدعون الملائكة، والأنبياء والصالحين، ليقربوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم عنده، وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار ؛ فكذبهم في هذه الدعوى، وكفرهم، فقال : ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) وقال تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ) فأخبر : أن من جعل بينه وبين الله وسائط، يسألهم الشفاعة، فقد عبدهم، وأشرك بهم اهـ .
وقال مرة بالاعتكاف من أنواع العبادة وأيضا التبرك قال في الدرر 2 / 9 ومن نوع هذا الشرك: الاعتكاف على قبور المشهورين بالنبوة، أو الصحبة، أو الولاية، وشد الرحال إلى زيارتها، لأن الناس يعرفون الرجل الصالح، وبركته، ودعاءه، فيعكفون على قبره، ويقصدون ذلك؛ فتارة: يسألونه؛ وتارة: يسألون الله عنده؛ وتارة: يصلون ويدعون الله عند قبره 0 اهـ
وزاد السجود في موضع أخر فقال في الدرر 1 / 103 والعبادة: أنواع كثيرة؛ لكني أمثلها بأنواع ظاهرة، لا تنكر، من ذلك: السجود؛ فلا يجوز لعبد، أن يضع وجهه على الأرض، ساجداً، إلا لله وحده لا شريك له لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لولي.
ومن ذلك: الذبح؛ فلا يجوز لأحد، أن يذبح إلا لله وحده؛ كما قرن الله بينهما في القرآن، في قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له) والنسك، هو: الذبح؛ وقال: (فصلِ لربك وانحر) فتفطن لهذا .
واعلم: أن من ذبح لغير الله، من جنى، أو قبر، فكما لو سجد له؛ وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، قال: " لعن الله من ذبح لغير الله ".
ومن أنواع العبادة: الدعاء؛ كما كان المؤمنون، يدعون الله وحده، ليلاً، ونهاراً، في الشدة، والرخاء؛ لا يشك أحد، أن هذا من أنواع العبادة؛ فتفكر ـ رحمك الله ـ فيما حدث في الناس اليوم، من دعاء غير الله، في الشدة، والرخاء؛ هذا: يريد سفراً، فيأتي عند قبر، أو غيره، فيدخل عليه بما له عمن ينهبه؛ وهذا تلحقه: الشدة، في البر، أو البحر؛ فيستغيث بعبد القادر، أو شمسان، أو نبي من الأنبياء، أو ولي من الأولياء، أن ينجيه من هذه الشدة.
فيقال لهذا الجاهل: إن كنت تعرف، أن الإله، هو: المعبود؛ وتعرف: أن الدعاء من العبادة؛ فكيف تدعو مخلوقاً، ميتاً، عاجزاً ؟ ! وتترك: الحي، القّيوم، الحاضر، الرؤف، الرحيم، القدير ؟ ! فقد يقول ـ هذا المشرك ـ إن الأمر بيد الله، ولكن هذا العبد الصالح، يشفع لي عند الله، وتنفعني شفاعته، وجاهه؛ ويظن أن ذلك: يسلمه من الشرك.
فيقال لهذا الجاهل: المشركون، عباد الأصنام، الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وغنم أموالهم، وأبناءهم، ونساءهم، كلهم يعتقدون: أن الله هو النافع، الضار، الذي يدبر الأمر، وإنما أرادوا: ما أردت ، من الشفاعة عند الله اهـ .
وزاد ابن القيم رحمه الله في: البدائع؛ عبادات أخرى كالإكرام والإجلال فقال : والإله، هو: الذي تألهه القلوب، محبة وإجلالا، وإنابة، وإكراما؛ وتعظيماً، وذلا، وخضوعاً، وخوفاً ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤال منه، ودعاء له، لا يصلح ذلك كله إلا لله؛ فمن أشرك مخلوقاً في شيء من هذه الأمور، التي هي من خصائص الإلهية، كان ذلك قدحاً في إخلاصه، في قوله: لا إله إلا الله؛ وكان فيه من عبودية المخلوق، بحسب مافيه من ذلك اهـ .
وزاد الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمه الله كالطواف والتقوى في الدرر 1 / 521 فقال : وهذه العبادات التي صرفها المشركون لألهتهم هي أفعال العباد الصادرة منه كالحب والخضوع الإنابة والتوكل والدعاء والاستعانة والاستغاثة والخوف والرجاء والنسك والتقوى والطواف ببيته رغبة ورجاء وتعلق القلوب والآمال بفيضه ومده وإحسانه وكرمه فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلّها بل هي لبّ سائر الأعمال الإسلامية وخلاصتها وكل عمل يخلو منها فهو خداج مرود علي صاحبها اهـ .

فصل
أما تعريف العبادة فهي:
قال الشيخ عبد الله ابا بطين في الدرر 2 / 289 أما العبادة في اللغة، فهي: من الذل؛ يقال؛ بعير معبد، أي: مذلل، وطريق معبد، إذ كان مذللاً، وقد وطأته الأقدام، وكذلك الدين أيضاً، من الذل، يقال دنته، فدان، أي: ذللته، فذل؛ وأما تعريفها في الشرع، فقد اختلفت عباراتهم، في تعريفها، والمعنى واحد. فعرفها طائفة بقولهم، هي: ما أمر به شرعاً، من غير اطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي؛ وعرفها طائفة بأنها: كمال الحب مع كمال الخضوع؛ وقال أبو العباس، رحمه الله تعالى: هي اسم جامع، لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الباطنة، والظاهرة فالصلاة، والزكاة، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار، والمنافقين، والإحسان إلى الجار، واليتيم، والمسكين، والمملوك، من الآدميين، والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك، من العبادة. وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمته، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك؛ فالدين كله داخل في العبادة انتهى.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
ليس العبادة غير توحيد المحبة::مع خضوع القلب والأركان
والحب نفس وفاقة فيما يحب::وبغض ما لا يرتضى بجنان
ووفاقه نفس اتباعك أمره::والقصد وجه الله ذي الإحسان

فعرف العبادة: بتوحيد المحبة، مع خضوع القلب، والجوارح؛ فمن أحب شيئاً، وخضع له، فقد تعبد قلبه له، فلا تكون المحبة المنفردة، عن الخضوع عبادة، ولا الخضوع بلا محبة عبادة؛ فالمحبة والخضوع: ركنان للعبادة، فلا يكون أحدهما عبادة بدون الآخر، فمن خضع لإنسان مع بغضه له، لم يكن عابداً له؛ ولو أحب شيئاً، ولم يخضع له، لم يكن عابداً له؛ كما يحب ولده، وصديقه؛ ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة الكاملة، والذل التام إلا الله سبحانه اهـ .


وسيتبع بمشيئة الله تعالى
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق  Empty رد: رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

مُساهمة  عاشقة السماء الأربعاء نوفمبر 20, 2013 3:16 am

وقد قيدت لا إله إلا الله , في الأحاديث الصحيحة بقيود ثقال , لابد من الإتيان بجميعها , قولاً , واعتقاداً, وعملاً , فمن ذلك: حديث عتبان ,الذي في الصحيح " فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغى بذلك وجه الله " وفي حديث آخر: " صدقا من قلبه "، " خالصاً من قلبه " مستيقنا بها قلبه، غير شاك، فلا تنفع هذه الكلمة قائلها إلا بهذه القيود، إذا اجتمعت له، مع العلم بمعناها، ومضمونها كما قال تعالى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (فاعلم أنه لا إله إلا الله) فمعناها يقبل الزيادة، لقوة العلم، وصلاح العمل.
فلابد من العلم بحقيقة معنى هذه الكلمة، علماً ينافي الجهل، بخلاف من يقولها، وهو لا يعرف معناها، ولابد من اليقين، المنافي للشك، فيما دلت عليه من التوحيد؛ ولابد من الإخلاص، المنافي للشرك.

فلا تنفع قائلها إلا بشروط سبعة.
الأول: العلم بمعناها، نفياً وإثباتًا؛ الثاني: اليقين، وهو: كمال العلم بها ، المنافي للشك والريب؛ الثالث: الإخلاص، المنافي للشرك؛ الرابع: الصدق، المانع من النفاق؛ الخامس: المحبة لهذه الكلمة، ولما دلت عليه، والسرور بذلك؛ السادس: القبول، المنافي للرد، فقد يقولها من يعرفها، لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها، تعصباً، وتكبراً، كما قد وقع من كثير؛ السابع: الانقياد بحقوقها، وهي: الأعمال الواجبة إخلاصاً لله، وطلباً لمرضاته.
إذا عرفت ذلك فقولك: لا إله إلا الله، فلا نافية للجنس، والإله هو المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع، أو دفع ضر، كحال من عبد الأموات، والغائبين، والأصنام؛ فكل معبود: مألوه بالعبادة؛ وخبر: لا، المرفوع، محذوف، تقديره: حق ، وقوله: إلا الله، استثناء من الخبر المرفوع ، فالله سبحانه هو الحق، وعبادته وحده، هي الحق، وعبادة غيره منتفية بلا، في هذه الكلمة، قال الله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) فإلهية ما سواه باطل؛ فدلت الآية على: أن صرف الدعاء، الذي هو مخ العبادة عنه لغيره، باطل اهـ .
ك ـ وقال الحفيد عبد الرحمن في الدرر 2 / 265 فالتوحيد هو إفراد الله بالإلهية، كما تقدم بيانه، ولا يحصل ذلك إلا بالبراءة من الشرك والمشركين باطناً وظاهراً، كما ذكر الله تعالى ذلك عن إمام الحنفاء، عليه السلام، بقوله: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون) الآية وقوله: (يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) فتأمل: كيف ابتدأهم بالبراءة من المشركين، وهذا هو حقيقة معنى: لا إله إلا الله، ومدلولها، لا بمجرد قولها باللسان، من غير معرفة وإذعان، لما تضمنته كلمة الإخلاص، من نفي الشرك، وإثبات التوحيد؛ والجاهلون من أشباه المنافقين: يقولونها بألسنتهم، من غير معرفة لمعناها، ولا عمل بمقتضاها .

ومن قال: لا إله إلا الله , ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر , كدعاء الموتى , والغائبين , وسؤالهم قضاء الحاجات , وتفريج الكربات , والتقرب إليهم بالنذور , والذبائح , فهذا مشرك , شاء أم أبى؛ و(الله لا يغفر أن يشرك به) و(من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) ومع هذا فهو شرك , ومن فعله, فهو كافر.
ولكن كما قال الشيخ: لا يقال فلان كافر , حتى يبين له ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم فإن أصر بعد البيان , حكم بكفره , وحل دمه , وماله؛ وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) أي: شرك (ويكون الدين كله لله) فإذا كان في بلد: وثن يعبد من دون الله, قوتلوا , لأجل هذا الوثن , أي لإزالته , وهدمه ,وترك الشرك , حتى يكون الدين كله لله.
والدعاء: دين سماه الله دينا , كما في قوله تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) أي: الدعاء , وقال صلي الله عليه وسلم " بعثت بالسيف بين يدي الساعة , حتى يعبد الله وحده لا شريك له" فمتى كان شيء من العبادة مصروفا لغير الله , فالسيف مسلول عليه , والله أعلم .

قال عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى : 2 / 326 وأما الموالاة، والمعاداة، فهي من أوجب الواجبات؛ وفى الحديث " أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله " وأصل الموالاة: الحب؛ وأصل المعاداة: البغض؛ وينشأ عنهما من أعمال القلوب، والجوارح، ما يدخل في حقيقة الموالاة، والمعاداة؛ كالنصرة، والأنس، والمعاونة، وكالجهاد، والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال.

قاعدة كبرى في تحديد نوع العبادة التي صرفت لغير الله : سوف نتكلم إن شاء الله بعد أسطر عن العبادات وتحديد مسميات أنواعها ، لكن لا بد أن يُعرف أن هناك قواعد في هذه المسألة وهي : أ ـ أن تحديد نوع مسمى العبادة لا دخل له بالتكفير والإخراج عن الملة فمثلا إذا وقع خلاف هل هذا شرك رجاء أم شرك في المحبة ، فكونه شركا هذا واقع على كل حال ومناطه الفعل لكن الخلاف في مسمى النوع ، أو قيل هذا كفر استكبار أم كفر إباء أم عناد ؟ فكونه كفرا هذا واقع على كل حال لكن الخلاف في مسمى النوع ، وعلى هذه القاعدة فالخلاف في مسمى النوع ـ إذا كان له حظ من اللغة ـ إذا اتفقنا أنه كفر أكبر أو شرك أكبر فالخلاف بعد ذلك خلاف فيه خطأ وصواب وليس فيه سنة أو بدعة مخرجه إلى مذاهب أهل الأهواء والبدع .
ب ـ إنما الخلاف الذي فيه سنة وبدعة من بدع أهل الأهواء والبدع هي الخلاف في أسباب الكفر وموجبات الكفر والشرك ، لأنه بإجماع أهل السنة أن الكفر إما قول أو عمل أو اعتقاد ـ وبعضهم يزيد أو شك ـ فمثلا من خالف ولم يكفر بالعمل أو القول فهذا مبتدع بدعة أهل الأهواء والبدع ، فالقاعدة في هذا أن المخالفة في الأنواع ليس كالمخالفة في الأسباب ، والله اعلم . ج ـ إذا سمى سببا باسم آخر مثل أن يكون سبب الكفر أو الشرك هو العمل فلم يعلّقه بالعمل بل بالقلب أو الاعتقاد مثل الذبح لغير الله قال إنه شرك لأنه اعتقد بقلبه أو سجد لصنم فقال هذا خرج عن الملة لأنه اعتقد بقلبه فسجد فهذا الكلام من كلام أهل الأهواء والبدع ، وأمثال ذلك .
مسألة : أما معانيها فتختلف عند الاجتماع والافتراق وأحيانا هي متداخلة ففسر ابن تيمية رحمه الله: متى تكون الإنابة ؟ وهو وقت الشدة ، ومتى الدعاء ؟ ومتى التوكل ؟ ، كل ذلك عند الاجتماع لهذه الكلمات فقال : فإن الإله، هو: المحبوب المعبود الذي، تألهه القلوب بحبها، وتخضع له، وتذل له، وتخافه، وترجوه، وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهماتها، وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه، وتطمئن بذكره، وتسكن إلى حبه؛ وليس ذلك إلا لله وحده، وبهذا كانت: لا إله إلا الله، أصدق الكلام، وكان أهلها، هم: أهل الله، وحزبه؛ والمنكرون لها، أعداؤه، وأهل غضبه، ونقمته؛ فإذا صحت، صح بها كل مسألة، وحال، وذوق؛ وإذا لم يصححها العبد، فالفساد لازم له، في علومه، وأعماله اهـ .

فصل
ثم قال الصنف أولاً ( كالدعاء ) الكاف هنا بمعنى مثل فذكر أمثلة لأنواع العبادة فذكر خمس عشرة عبادة ، أما الحفيد فاختصر وذكر تسع عبادات فقط ولم يردا الاستيعاب هنا ولذلك في ثلاثة الأصول ذكر أربعة عشر عبادة وفي رسالة لنفس المصنف ذكر تسع عشرة عبادة .
ومن العبادات التي لم يذكر المصنف كالسجود لغير الله والركوع وكالتحاكم لغير حكم الله والتشريع والطواف والتبرك والرياء والطاعة والعكوف .. الخ .

مسألة : الآن ندخل في أنواع العبادة التي ذكر ولكن قبل الدخول لا بد أن يعرف أن من خلّط ولم يعتبرها من الشرك والكفر فقوله هذا كفر ـ وكلمة كفر لها معنى فلينتبه لذلك ، قال المصنف : قال في الدرر 2 / 46 فإذا كان لم يقنع منهم إلا بترك عبادة الأوثان، تبين أن النطق بها لا ينفع، إلا بالعمل بمقتضاها، وهو: ترك الشرك، وهذا هو المطلوب؛ إلى أن قال : فإن قلتم : ليس هذا من الأوثان، وإن دعاء أهل القبور، والاستغاثة بهم في الشدائد، ليست من الشرك، مع كون المشركين الذين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخلصون لله في الشدائد، ولا يدعون أوثانهم، فهذا: كفر؛ وبيننا وبينكم: كلام العلماء، من الأولين، والآخرين، الحنابلة وغيرهم ، وإن أقررتم: أن ذلك كفر، وشرك، وتبين أن قول: لا إله إلا الله، لا ينفع إلا مع ترك الشرك، فهذا هو المطلوب اهـ .

قوله ( الدعاء) هذه العبادة الأولى وهي الدعاء :
ويقصد بالدعاء دعاء المسألة وهو المصدر بياء النداء مثل يا الله ويا عزيز ، قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الدرر 1 / 242 فمن أنواع العبادة : الدعاء، وهو الطلب بياء النداء، لأنه ينادى به القريب والبعيد، وقد يستعمل في الاستغاثة، أو بأحد أخواتها من حروف النداء، فإن العبادة : اسم جنس، فأمر تعالى عباده : أن يدعوه ولا يدعوا معه غيره اهـ .
ولماذا قلنا أن الدعاء يقصد به هنا دعاء المسألة مع أن الدعاء ينقسم إلى قسمين دعاء عبادة ودعاء مسألة ؟ قلنا ذلك لأنه بعد قليل سوف يذكر دعاء العبادة كالذبح والنذر وهذه عبادة عملية ، فلما كان سوف يذكر ذلك بعدها كان الدعاء خاص بالمسألة حتى لا يقع التكرار ، والدعاء لابد أن يكون موجه لله وحده لابد أن يوحد الله به ، وضده الشرك في الدعاء وهو أن تدعوا الله وتدعوا غيره من الأنبياء والصالحين الموتى أو الغائبين وهو شرك أكبر وصور دعاء المسألة الذي هو شرك أكبر كالتالي :
أ ـ أن يقول يا رسول الله أو يا ولي الله ـ الميت ـ اكشف كربتي أو ارزقني وهذا شرك أكبر في الربوبية والألوهية.
ب ـ أن يقول يا ولي الله ـ أي الميت أو الغائب ـ ادع الله لي بالتوفيق أو الرزق أو المغفرة أو استغفر لي .
ج ـ يا ولي الله ـ الميت ـ اشفع لي يوم القيامة ، والفرق بين الثاني والثالث أن الثاني طلب من الميت أمورا يريدها منه في الدنيا ، أما الثالث فهو يريدها في الآخرة ولذا قال اشفع من الشفاعة وهي أخروية .
وكل الثلاث السابقة شرك أكبر في الألوهية بالقرآن والسنة والإجماع ، مع ملاحظة أنه دعاء رسول الله أو أي ولي من الأولياء الميتين سواء عند قبورهم أو بعيداً عنهم ، والدليل على ذلك نقل جمع من أهل العلم عن ابن تيمية قوله : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً.

قال في الدرر 2 / 37 ... فأخبر تبارك وتعالى: أن دعاء غير الله شرك، فمن قال: يا رسول الله؛ أو: يا عبد الله بن عباس؛ أو: يا عبد القادر؛ أو: يا محجوب؛ زاعماً أنه يقضي حاجته إلى الله تعالى، أو أنه شفيعه عنده، أو وسيلته إليه، فهو الشرك الذي يهدر الدم، ويبيح المال، إلا أن يتوب من ذلك، وكذلك: من ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، أو توكل على غير الله، أو رجا غير الله، أو التجأ إلى غير الله، أو استغاث بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهو أيضاً شرك. اهـ
وقال أيضا في الدرر 2 / 38 ... إذا عرفت هذه القاعدة، وأنهم أقروا بهذا، ثم توجهوا إلى غير الله، فاعرف: القاعدة الثانية؛ وهي: أنهم يقولون، ما توجهنا إليهم، ودعوناهم، إلا لطلب الشفاعة عند الله، نريد من الله لا منهم، لكن بشفاعتهم؛ والدليل على ذلك، قوله تعالى: ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) اهـ .
وقال الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الحصين من تلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر 2 / 177 وإنما ذكر الله ذلك عنهم، لأنهم يدعون الملائكة، والأنبياء، ويصورون صورهم، محبة لهم، ويرجونهم، ويلتجؤون إليهم؛ ليشفعوا لهم، فيما دعوهم فيه، وذلك بطرق مختلفة؛ ففرقة قالت: ليس لنا أهلية مباشرة دعاء الله، ورجائه، بلا واسطة تقربنا إليه، وتشفع لنا عنده، لعظمته؛ وفرقة قالت: الأنبياء، والملائكة، ذووا وجاهة عند الله، ومنزلة عنده، فاتخذوا صورهم، من أجل حبهم لهم، ليقربوهم إلى الله زلفى؛ وفرقة: جعلتهم قبلة في دعاء الله، وفرقة قالت: إن على كل صورة مصورة، على صور الملائكة، والأنبياء، وكيلاً موكلاً بأمر الله، فمن أقبل على دعائه، ورجائه، وتبتل إليه، قضى ذلك الوكيل، ما طلب منه، بأمر الله، وإلا أصابته نكبة بأمره؛ فالمشرك: إنما يدعو غير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ويلتجىء إليه فيه ويرجوه منه، لما يحصل له في زعمه من النفع اهـ .

ثم قال المصنف ( والرجاء ) : فالدعاء عبادة قولية والنحر عبادة عملية والنذر عبادة عملية فعلية بالجوارح ، أما الرجاء فهي عبادة قلبية وهي أولى العبادات القلبية.

فالرجاء إذاً متعلق بالظن لكن مع تطلع قلب وترقب ، وتعلق القلب من باب أعمال القلوب فإذا رجوت الله فهذا توحيد ، ومتى يكون الرجاء شركاً ؟ إذا رجوت غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله هذا شرك أكبر كما لو رجوت من شخص أن يرزقك .
النوع الثاني من الرجاء : هو الرجاء من المقبورين أو الغائبين فإذا رجوت من مقبور أو غائب فهذا يعتبر من باب الشرك الأكبر ولا نقيده بأنه مالا يقدر عليه إلا الله ، لأن الأول في الأحياء أما إذا رجوت من ميت ولو رجوت من الميت شيئاً يقدره لو كان حياً مثل جئت إلى ولي من الأولياء ميت ورجوت منه أو يعطيك مالاً ، فإنه لو كان حياً أمكن أن يعطيك فلما رجوته وهو ميت هذا يعتبر شركاً أكبر.

ثم قال المصنف ( والخوف ) :
الخوف عبادة قلبية والخوف يتعلق بالظن مثل ما قلنا في الرجاء ، قال العسكري في الفروق ص 199 إن الخوف توقع الضرر المشكوك في وقوعه ، ومن تيقن الضرر فليس بخائف ، وكذلك الرجاء لا يكن إلا مع الشك ومن تيقن النفع لم يكن راجيا له ، وقال ( والخشية والخوف في الشر المظنون فالخوف توقع الشر المظنون أو الظن بوقوع الشر) اهـ . فإن خفت الله هذا توحيد ومتى يكون الخوف شركاً؟ يكون شركاً في الحالات التالية :
أ ـ أن تخاف من المخلوق مالا يقدر عليه إلا الله مثل أن تخاف من شخص أن يقطع نسلك أو يدخل النار.
ب ـ الخوف من أهل القبور ومن الغائبين أما بالنسبة لأهل القبور فالخوف منهم شرك أكبر. أما بالنسبة للغائبين ففيه تفصيل أما إن خفت منه ما سوف يفعل بك فيما بعد ، فهو الآن غائب لكن لو حضر قد يؤذيك فهذا خوف طبيعي ، أما إذا خفت منه وهو غائب وخافت منه الآن وهو لا يسمعك ولا يدري عنك وليس هناك وسائل حسية مادية مثلاً فهذا شرك أكبر لأنك ما خفت منه بهذه المثابة إلا وإنك تعتقد أن عنده قدرة خارقة للمادة وقدره فوق طاقة البشر .
أما الدليل على ذلك فقوله تعالى ( فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين) ومثل ذلك الخوف من الجن هذا من الشرك الأكبر قال تعالى ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً).

مسألة : هناك فرق بين الخوف والإكراه :
فالإكراه عذر لمن أكره على أن يقول الإنسان كلمة الكفر أو يمزق المصحف و أكره على ذلك وخاف الإكراه فمزق المصحف هذا معذور لقوله تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) أما الخوف الذي ليس على الإكراه فهذا هو المقصود هنا ، خوف ليس عن إكراة .
ويشترط في الإكراه حتى يكون معتبرا :
أ ـ
أن يكون من قادر على عمل ما هدد به .
ب ـ أن لا يكون متعد على الغير قال تعالى ( ولا تز وازرة وزر أخرى ) وقال تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) وروى ابن ماجة بسند صحيح حديث (لا ضرر ولا ضرار ).
ج ـ أن يكون طارئا وليس مستمرا أو غالبا قال تعالى ( إنهم إن يعثروا عليكم يرجموكم أو يعيدكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ) .
د ـ أن يكون فرديا وليس جماعيا قال تعالى ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه ويمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ) .
وهذه الشروط الأربعة عامة في كل إكراة .
مسألة : وهناك فرق أيضا بين الخوف والاستضعاف ، فالاستضعاف مرحلة بين الخوف والإكراه .

ثم قال المصنف : ( الخشية ) : ـ وهذه لم يذكرها عب ـ .
وقبل الدخول في الخشية فإن الخوف اسم جامع يشمل معاني تابعة له قريبة منه هي من بابه وفي كتاب الألفاظ المؤتلفة قال في باب الخوف الوجل والذعر والروع والفزع والخشية والرهب والفرق والهيبة والوهل والرجاء والإشفاق والحذر اهـ .
ومما يدل على الفرق حين الاجتماع قوله تعالى ( يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) .
قال في لسان العرب : الخشية الخوف ، يخشى خشية أي خاف ، قال ابن بري خشيانا و تخشاه كلاهما خافه ، و خشاه بالأمر تخشية أي خوفه ، ويقال هذا المكان أخشى من ذلك أي أشد خوفا ، وجاء في مختار الصحاح وفي المصباح المنير تفسير ذلك بالخوف اهـ .قال ( إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ) .
قال في لسان العرب : وخاشيت فلانا تاركته ، وفي حديث ابن عمر قال له ابن عباس لقد أكثرت من الدعاء بالموت حتى خشيت أن يكون ذلك أسهل لك عند نزوله خشيت هنا بمعنى رجوت ، والخشي على فعيل مثل الحشي اليابس من النبت ، والخشي اليابس العفن ، ويقال نبت خشي وحشي أي يابس اهـ مختصرا .
هذا تفسير الخشية لغة وإذا اجتمعت الخشية مع الخوف فمعنى الخشية شدة الخوف أو الخوف اليابس والمتعفن ، فهو إذا أمر زائد على الخوف فهو خوف وزيادة .
والحفيد لم يذكر الخشية وصنيعه أدق من صنيع المصنف ، لأن الحفيد اكتفى بالخوف وهذا الأليق بهذا المختصر والله اعلم .
وبالنسبة للأحكام والمسائل العقدية في الخشية هو مثل ما قلنا في الخوف لأنهما كالكلمة الواحدة .

قال المصنف ( والاستعانة) : ـ وهذه لم يذكرها عب ـ . والاستعانة هي طلب العون ، فإن طلب العون من الله فهذا توحيد . ومتى تكون الاستعانة شركا ؟
في الصور التالية هي شرك أكبر :
أ ـ أن يقول يا رسول الله أو يا ولي الله ـ الميت ـ أعني ساعدني ، كن في عوني ونحو ذلك وهذا شرك أكبر في الربوبية والألوهية.
ب ـ أن يقول يا ولي الله ـ أي الميت أو الغائب ـ ادع الله لي بالعون والمساعدة .
ج ـ يا ولي الله ـ الميت ـ اشفع لي يوم القيامة ، والفرق بين الثاني والثالث أن الثاني طلب من الميت أمورا يريدها منه في الدنيا ، أما الثالث فهو يريدها في الآخرة ولذا قال الشفاعة وهي أخروية .
وكل الثلاث السابقة شرك أكبر في الألوهية بالقرآن والسنة والإجماع ، مع ملاحظة أنه استعان برسول الله أو أي ولي من الأولياء الميتين سواء عند قبورهم أو بعيداً عنها ، والدليل على ذلك نقل جمع من أهل العلم عن ابن تيمية قوله : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً.

وما قلنا في الاستعانة نقوله في الاستعاذة لأن معناهما واحد وهما من أنواع الدعاء بشكل عام ، لكن الفرق أن الاستعاذة هي الدعاء والطلب عند الخوف من شر أو ضرر سوف يقع أو الدعاء والطلب وقت الشدة والضرورة والضيق ، والاستعانة الطلب وقت الأمن وعدم الشدة ، وفسرنا الاستعاذة هنا بتفسير عام مزدوج وأدخلنا في تعريفها الاستغاثة لأنها عند الإفراد تجتمع مع الاستعاذة ، أما عند التفصيل فهناك فرق بين الاستعاذة والاستغاثة والاستعانة باعتبار الزمن والوقت ، فالاستعاذة هي الدعاء والطلب عند الخوف من شر أو ضرر سوف يقع ، والاستغاثة هي الدعاء والطلب عند شر أو ضرر قد وقع فدعاء الغريق والحريق استغاثة ، ودعاء من توعده أحد بالقتل مثلا استعاذة ، والاستعانة الطلب وقت الأمن.


وسيتبع بمشيئة الله تعالى
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق  Empty رد: رسالة في التوحيد والشرك والكفر والنفاق

مُساهمة  عاشقة السماء الإثنين ديسمبر 02, 2013 2:33 am

قال المصنف ( المحبة :

ويأتي بمعنى ميل النفس وهذا أول مراتب المحبة .
ومن الفروق بين الإرادة والمحبة : أن الإرادة قبل الفعل والمحبة بها الفعل ، قال العسكري ص 116 ليس الرضا من الإرادة في شيء اهـ ، تقول أحببت زيدا ولا يقال أردت زيدا، والمحبة تجري مجرى الشهوة فيقال أحب هذا أي اشتهيه ولا يقال في الإرادة اشتهيه ، ويجوز أن يريد الشيء مع كراهيته له ولا يقال يحب الشيء مع كراهيته له والإرادة يتعلق بها العزم والمشيئة والاختيار والنية والقصد والهم ، ثم الإرادة قبل المحبة .

متى تكون المحبة شركا؟

مثل ما قلنا في ما يتعلق بالرجاء تماما . ونزيد مثلا : لو أن رجلا ذبح للولي الميت الفلاني فماذا يُسمى ؟ ولو كانت زوجة هذا الرجل مسحورة فذبح للولي الميت الفلاني لكي تسلم زوجته فماذا يُسمى ؟ هنا تداخل ولا بد من التفريق بينهما في الاسم حتى لا نقع في التداخل أو الغلط في النوعية . فالأول عبادة ذبح لغير الله والثاني محبة شركية ولو قلت إن الأول شرك محبة لكان على هذا التفسير أن كل أنواع العبادة شرك محبة لأن الباعث عليه المحبة ، وهذا وإن كان صحيحا في الجملة لكنه على وجه الإجمال أما التفصيل والدقة فلا بد من فرز أنواع العبادة حتى لا يتداخل بعضها عن بعض ، وإلا فما فائدة قولنا هذا شرك في الذبح وهذا شرك في النذر وهذا شرك في المحبة وهذا شرك في الخوف إذا كان لا فرق بينها .
أمر أخر مثل ما قلنا في الرجاء أنه يتعلق بالمباحات إذا تحولت إلى شرك في الرجاء فكذلك المحبة تتعلق بالمباحات إذا تحولت إلى شرك في المحبة .
ومن الفروق بين المحبة وبعض العبادات أمثال الذبح والنذر والدعاء أن المحبة الشركية مبنية على ثلاثة أطراف كما مثلنا بالرجل ـ هذا طرف أول ـ وزوجته ـ هذا طرف ثاني ـ والمذبوح له وهو الولي ـ طرف ثالث . أما الذبح والنذر فطرفان ، الناذر ـ طرف أول ـ المنذور له ـ طرف ثاني ـ ولا طرف ثالث في عبادة الذبح المحض ولا النذر المحض ولا الدعاء وهكذا ، والله اعلم.

قال المصنف ( الإنابة ):
والإنابة الرجوع إلى الله بالتوبة وفي التنزيل العزيز ( منيبين إليه ) أي راجعين إلى ما أمر به غير خارجين عن شيء من أمره وقوله عز وجل ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) أي توبوا إليه وارجعوا.
أما متى تكون الإنابة شركا؟
الإنابة مبنية على التكرار القريب والرجوع والتوبة والقرب ، أما على وجه التفصيل فلا أعلم كيف صورها الشركية ، لكن على وجه الإجمال فإذا أناب إلى غير الله فيما هو من خصائص الله فقد أشرك وكذا إذا أناب إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك ، وكذا التوبة للولي الميت ونحو ذلك.
مسألة: يمكن أن يقال أن الإنابة تشمل الرجاء والخوف لأنها مبنية أما على الرجاء أو الخوف مثال ذلك إذا جاء إنسان إلى صاحب القبر رجاء ما عنده هذا شرك في الرجاء فإذا كرر العودة يقال أناب والإنابة هنا مبنية على الرجاء والإنابة أعظم من الرجاء مثلا في الذبح خوفاً من الجن هذا شرك فإذا كرر الذبح مرة أخرى يقال أناب يعنى رجع وهذه مبنية على الخوف ولذا الإنابة أعظم من الخوف.

ثم قال المصنف ( والنذر):
ومعنى النذر أن يلزم المكلف نفسه لله شيئاً ليس واجباً عليه شرعا ، مثل لله علىّ أن أصوم ثلاثة أيام ونحو لك .
ما ضده ؟ وضده أن يشرك بالنذر مع الله فيقول :
أ ـ للولي الفلاني ـ وهو ميت معظّم ـ ذبيحه إن شُفي مريضي ، هذا نذر لغير الله لم يفرد الله بالنذر ، وهو وعد بالشرك بغض النظر عن من يُخاطب.

ب ـ وفي بعض البلاد شيء يسمى صندوق النذور يوضع في المساجد وأحياناً عند طرق المزارات والقبور المعظمة ويقصد بهذه النذور هي التي تنذر للأولياء والصالحين الموتى وهذه تعتبر من باب الشرك الأكبر وهي ليست نذراً لله أنما هي نذر للولي الفلاني .
ج ـ أن يوجه الخطاب للولي المقبور وغيره من الأموات يقول : يا ولي إن شفيتني أنت وعافيتني من المرض فلك من المال كذا ومن الذبائح كذا ، وهذه أعظم صوره لأنه شرك أكبر في الربوبية لأنك جعلته شافياً معافياً وشرك أكبر في الألوهية، لصرفك النذر له.
د ـ أن يوجه الخطاب للولي فيقول يا ولي الله إن شفى الله مريضي فلك من المال أو الذبائح كذا وهذا شرك أكبر في الألوهية.
هـ ـ أن يوجه الخطاب للولي فيقول يا ولي الله توسط لي أو شفع لي عند الله بالشفاء من مرضي ولك من المال أو الذبائح كذا وهذا شرك أكبر وفي الألوهية.
وهذه الصور الثلاث الخطاب موجه للولي بياء النداء ، وهناك صورة أخرى موجه الخطاب إلى الله تعالى لكن بصرف النذر لغيره تعالى وهي كالتالي :
أن يقول يا الله إن شفيت مريضي أو عافيتني فللولي الفلاني ـ الميت المعظم ـ كذا من المال أو الذبائح ونحوها وهذا شرك أكبر في الألوهية لأنه صرف النذر والتزامه للولي الفلاني تعظيماً له ـ وانتبه لمناط التعظيم ـ ولأنه اتخذه واسطة إلى الله لتحقيق مراده ، فجمع بين عبادتين التعظيم والتشفع والتوسط بالأولياء والصالحين الموتى واتخاذهم شفعاء ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) .

ثم قال المصنف ( والذبح ) يقصد بالذبح أو بالنحر هي إراقة الدماء تقرباً أو تعظيما وإذا ذبح لله هذا توحيد أفرد الله بهذه العبادة ، وضده أن يذبح لغير الله ومن أمثلة ذلك :
أ ـ الصورة الأولى : كالذبح للأولياء المقبورين فيأتي بذبيحه ويريقها عند قبره له.
ب ـ الصورة الثانية : الذبح للجن ، لماذا؟ لكي يكفوا شرهم ألا يؤذوه , أو يخرجوا من أطفاله وأهله ونفسه ونحوه هذا شرك أكبر لأنه ذبح لغير الله.
ج ـ الصورة الثالثة : وهي قضية معاصرة وهي الذبح للملوك والرؤساء عند طلعتهم وقدومهم أمامهم إما تعظيماً لهم أو لكي يكسب رضاهم أو شيئاً من أموالهم ، والحكم مناط بالذبح لهم عند طلعتهم بغض النظر عن ما في اعتقاده ، والمقصود أن يذبح لهم أي يريق الدم أمامهم أو عند طلعتهم ، وهذه تسمى الذبح عند قدوم السلطان فإذا مرّ السلطان ذبحوا فتكون إراقة الدماء مرتبطة بقدومه أو مروره وذكر الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في كتاب التيسير في باب الذبح لغير الله أن هناك من العلماء من أفتى بتحريمه وأنه مما أهل به لغير الله اهـ وهذا من الشرك الأكبر، وقوله مما أهل به لغير الله قرينة على أنهم أرادوا أنها عبادة ذبحت لغير الله .
د ـ ومن القضايا المعاصرة ذبح الصلح وذبح الاسترضاء ، وهو أن يأتي بذبيحة إلى عتبة من وقعت له معه خصومة أو يريد أن يسترضيه وينتظر حتى إذا خرج من بابه ذبح له حتى يقع الصلح أو الاسترضاء وهذا موجود عند بعض القبائل ، وهو شرك أكبر مخرج من الملة وهو مثل الذبح للملوك عند طلعتهم.

ثم قال المصنف ( الرغبة ):
الرغبة هذه عباد قريبة من عبادة الرجاء ، ولذا لو كان ترتيبها بعد الرجاء لكان أحسن، لأن جمع الأشياء المتقاربة مع بعضها البعض أولى وأحسن ، ولأن الرغبة هي رجاء وزيادة ، والرجاء الشديد يسمى رغبة إلا أن الرغبة والله أعلم معها حب وميل فهو تطلع القلب إلى الخير المظنون مع محبة تتطلع إليه، ونوع التطلع أنه أشد ولذا دعاء الرغبة يكون فيه إطالة في الدعاء وتودد ومثله صلاة الرغبة فها إطالة ومحبة. ولذلك الكلام في الرغبة تماماً مثل الكلام في الرجاء وقد سبق.

ثم قال المصنف ( والرهبة ):
والرهبة عبادة قريبة من الخوف ولو ألحقت بالخوف لكان أحسن ، ولذا الرهبة هي الخوف وزيادة ، قال العسكري في الفروق ص 200 ( الرهبة طول الخوف واستمراره ومن ثم قيل للراهب راهب لأنه يديم الخوف ، وجمل راهب إذا كان طويل العظام وقال الرهبة العلم بوقوع الضرر). إذاً يُقصد به الخوف الشديد فإنه يسمى رهبة ، وما قلنا في الخوف يقال هنا في الرهبة.

ثم قال المصنف ( الخشوع ):
وقيل الخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن وهو الإقرار بالاستخذاء و الخشوع في البدن والصوت والبصر كقوله تعالى ( خاشعة أبصارهم) ( وخشعت الأصوات للرحمن ) ، وقوله عز وجل ( وخشعت الأصوات للرحمن ) أي سكنت وكل ساكن خاضع خاشع ، والتخشع نحو التضرع و الخشوع الخضوع و الخاشع الراكع في بعض اللغات والتخشع تكلف الخشوع والتخشع لله الإخبات والتذلل.
أما متى يكون الخشوع شركا؟
أما إن خشع خشوعا صورته عبادة محضة فهذا شرك أكبر لكن اسمه ونوعه يتبع صورة العبادة ، فمثلا قد يطلق على السجود خشوع كما قال ابن قتيبة ، فهنا يقال أشرك شركا أكبر ونوع الشرك لأنه سجد لغير الله .
وإن وقف ساكنا مطأطأ الرأس والبصر هامد الحركة خافض الصوت أمام القبور المعظمة التي تعبد من دون الله بالذبح والنذر ونحو ذلك فهذا شرك أكبر . وما عدا ذلك فهو محل بحث عندي في كونه أكبر أم لا ؟ والله أعلم .
لكن لا بد من مراعاة مسألة القلب عند الحكم على الخشوع أو الخضوع إن كان الفعل المحكوم عليه ليس صورته صورة عبادة محضة ، ولذا قال العسكري فيما سبق : إن الخشوع على ما قيل فعل يرى فاعله أن من يخضع له فوقه وأنه أعظم منه اهـ المقصود .
قال الشيخ عبد الله ابا بطين في الدرر 2 / 289 في تعريف العبادة قال عن ابن القيم أنه عرف العبادة: بتوحيد المحبة، مع خضوع القلب، والجوارح؛ فمن أحب شيئاً، وخضع له، فقد تعبد قلبه له، فلا تكون المحبة المنفردة، عن الخضوع عبادة، ولا الخضوع بلا محبة عبادة؛ فالمحبة والخضوع: ركنان للعبادة، فلا يكون أحدهما عبادة بدون الآخر، فمن خضع لإنسان مع بغضه له، لم يكن عابداً له؛ ولو أحب شيئاً، ولم يخضع له، لم يكن عابداً له؛ كما يحب ولده، وصديقه؛ ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة الكاملة، والذل التام إلا الله سبحانه اهـ.

ثم قال المصنف : ( التذلل ):
ويأتي بمعنى المنقاد وخشع وخنع وخضع واستسلم .
وقال العسكري في الفروق ص 206 : أن التذلل إظهار العجز عن مقاومة من يتذلل له .... وهناك فرق بين التذلل والذلة ، فالتذلل هو إدخال النفس في الذل كالتحلم إدخال النفس في الحلم ، والذليل المفعول به الذل من غيره ، وهو الانقياد كرها ونقيضه العز ، ولهذا يمدح الرجل بأنه متذلل ولا يمدح بأنه ذليل لأن تذلله لغيره اعترافه له والاعتراف حسن ويقال للعلماء متذللون لله تعالى ولا يقال اذلاء له سبحانه اهـ .
أما متى يكون التذلل شركا؟ . فالجواب أن ما قلنا في الخشوع والرجاء يقال هنا .
أ ـ فإن تذلل له بعبادة كسجود ونحوه فهذا شرك أكبر .
ب ـ فإن تذلل له فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر .
ج ـ فإن تذلل للأموات والغائبين فهذا شرك أكبر .
د ـ فإن تذلل له فيما لا يُصرف إلا لله فهذا شرك أكبر .

ثم قال المصنف ( التعظيم ):

التعظيم يأتي بمعنى التكبير والتوقير والسجود والتبجيل ، والشيء العريض والكثير والصلب يسمى عظيما . ( منتقى من لسان العرب )
وجاء في النهاية في غريب الحديث عند كلمة صلاة قال : وقيل إن أصل الصلاة في اللغة التعظيم وسميت العبادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى .
أما متى يكون التعظيم شركا ؟ .
فمثل ما قلنا في الخشوع ، فنقول : أما إن عظم تعظيما صورته عبادة محضة فهذا شرك أكبر لكن اسمه ونوعه يتبع صورة العبادة ، فمثلا قد يطلق على السجود تعظيم كما جاء في لسان العرب ، فهنا يقال أشرك شركا أكبر ونوع الشرك لأنه سجد لغير الله. أو طاف على القبور المعظمة أو ذبح أو نذر لها ونحو ذلك فهذا شرك أكبر .
ب ـ أو عظم أحدا كما يعظم الله فهذا شرك أكبر .

( التوكل ):
والتوكل عبادة قلبية وهي الاعتماد فإذا توكل على الله فهذا توحيد .؟
ومتى يكون التوكل شركاً ؟ يكون في الحالات التالية:
أ ـ أن يعتمد على المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله.
ب ـ أن يعتمد على الأموات والمقبورين.
ج ـ أن يعتمد على الغائبين فيما لا يقدرونه.


وسيتبع بمشيئة الله تعالى
عاشقة السماء
عاشقة السماء
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

عدد المساهمات : 4735
تاريخ التسجيل : 08/02/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى