الذكاء لا يصنع قائداً.. بل قد ينتج فاسداً!
ملتقى صائد الرؤى :: الملتقيات العامة و الساحة السياسية والاقتصادية المفتوحة :: حوار الثغور ومنبر السياسة والاقتصاد والفتن الخاصة (عمران بيت المقدس خراب يثرب)!
صفحة 1 من اصل 1
الذكاء لا يصنع قائداً.. بل قد ينتج فاسداً!
الإنسانية كرمت بالعقل ولا يعني هذا أن كل إنسان مكرم لأن الله أعطاه العقل ولم يعطِه البهيمة, بل التكريم ينخلع على من يحسن استخدام عقله ليس في المسائل التي يقتصر حلها على العقل (الذكاء العقلي البحت) كالمسائل المنطقية (العلوم البحتة) مثل علوم الرياضيات والفيزياء.. فكل من يتقن علم هذه نسميه ذكياً, لكن هذا الذكاء لا تترتب عليه درجة الإحسان في استخدام عقله ليكون حكيما؛ بل الإحسان في استخدام العقل يتصف به من لا يصطدم مع مشاكل الحياة فيتوقف عن قيادتها مهما كانت صعوبتها؛ أي أن الاستمرار في القيادة مع كثرة المخاطر والعقبات لا يقوى عليه العقل الذي يمنطق الأمور والذي يريد حل مسائل الحياة على طريقة [١+١=٢], بل في حل مسائل الحياة صعيبة التعقيد نحتاج إلى حكمة بجانب العقل؛ إذ قيادة عقول الإنسانية الغاية في الدقة والإتقان تحتاج إلى الاستعانة بصانع العقل الإنساني والتعمق في دراسة الكتلوج الإلهي؛ فالعقول البشرية مختلفة المشارب والأفهام؛ والذكاء أو العقل لوحده يستحيل أن يقوم بالقيادة وعمارة الحياة ليصل بها إلى الريادة، لأن سياسة عقل الإنسانية ليست بسهولة سياسة مسألة رياضية أو آلة صناعية، فهذه الأخيرة قد يكفي في حلها التطلع إلى تعليمات القيادة من الكتلوج الخاص بصانعه؛ فتعرف مكوناتها وكيف تعمل وكيف تدار، فإذا ما حصلت مشكلة ما فالسبب يرجع لعدم فهم شيء في إرشادات السلامة للصانع..
أُدرك أن جهاز الكمبيوتر أو السيارة قد اخترعها وصنعها عقل مثل عقلنا ومع ذلك أحتاج إلى الرجوع إلى إرشادات الصانع حتى أحسن القيادة ولا يحصل اصطدام؛ فأضطر إلى استخدام يدي صافعا وجه الجهاز أو شاشته وكأنني ألومه على الغباء الذي أنا واقع فيه.. والتعامل مع عقول الإنسانية نجاحاً وإخفاقا في قيادتها وترويضها مثله مثل الجهاز لا يعتمد العقل والاجتهاد, بل يتطلب الرجوع إلى كتلوج صانع العقل ومتقنه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
إن الذي لا يدرك حقيقة الإنسانية وأنها ذات صنعة إلهية (لا آلية) يتعامل معها بطريقة الحسابات الرياضية التي تتكئ على العقل أو الذكاء البحت, فهنا فقط يحصل الاصطدام والفشل؛ ومن ثم التبرم وتمني زوال نعمة العقل الذي هو مناط التميز الإنساني وكأنه يريد سحب حصانة التميز الكريم ليعيش في وسط العالم اللئيم.
إن الوقوع في مشكلة ليس سببها الذكاء الذي نتمنى في لحظة غيابه؛ بل المشكلة فعلاً هي غياب الذكاء الملقح بجرعة الحكمة، وجرعة الحكمة ليست متاحة في العقل المجبولة به الإنسانية؛ بل توجد في النقل، وحينها يصبح العقل وسيلة بحث عن الحكمة في كتلوج السلامة الوعية الإلهية, فليس مطلوب من العقل أن ينتج الحكمة معتمدا ذكاءه بل يستخدم الذكاء في البحث عنها؛ فهي ليست فطرة الإنسانية بل منحة الربانية عبر إرشاداتها المنهجية العلمية، فالإنسانية مميزة بالعقل منحة الإنسان ومكرمة بالحكمة منحة النقل أو القرآن؛ والذي يدرك حقيقة النقل والعقل وأنهما وجهان لإنسانية واحدة وبهما معا يحصل التميز ومن ثم التكريم فذلك هو الحكيم. إذا قيادة الحياة الإنسانية تحتاج إلى عقل وحكمة ولا تحصل الحكمة إذا أعرضنا عن النقل, فالنقل (القرآن والسنة) هو الذي يجعل العلاقة حميمية بين العقل وحكمته.
وبناء عليه يمكن القول: إن العقل معطى إنساني أي يلد به الإنسان؛ والحكمة معطى القرآن ويعتمد على فهم أو وعي الإنسان, فإذا كان العقل الإنساني محتاجاً إلى كتلوج صانع السيارة حتى يقودها, مع أن صانعها عقل مثله قد يكفي التعامل مع الكتلوج ليفهم؛ فإنه من باب أولى يكون أشد حاجة إلى الرجوع إلى كتلوج صانع العقل حتى يعرف كيفية استقاء الحكمة من خلاله؛ فإذا ما ادعى إنسانا أنه قادر على قيادة الحياة الإنسانية بالعقل دون الرجوع إلى النقل وفي الوقت نفسه يرفض قيادة آلة من صنع عقل إنسان مثله إلا بالرجوع إلى كتلوج الصانع فإن هذا هو أعلى سقف في التناقض أو عين الجنان؛ فتخيل عندما نترك سياسة عقل الحياة الإنسانية لمثل هؤلاء مجانين كيف ستكون عاقبة تلك القيادة ليس ثمة شك الفشل الذريع والمريع في القيادة والتهاوي من الريادة؛ لأنه يستحيل أن تقود عقول الإنسانية المتناهية في الدقة والإحكام والإتقان (صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه) دون الرجوع إلى تعليماته أو إرشادات كتلوجه؛ بل لا بد هنا أي في فن قيادة الحياة أو سياستها أو ترويضها من تقديم النقل على العقل؛ لأن قيادة الإنسانية لا تعتمد الذكاء بل الحكمة وهذه مصدرها الصانع عبر تعليمات كتلوجه..
لهذا نستطيع القول إن العقل منحة الإنسانية أو الإنسان والحكمة منحة القرآن وفهم القرآن ففيه كل تعليمات قيادة الحياة الإنسانية والوصول بها إلى بر الأمان, وأول تعليمات السلامة مثلاً التي يجب أن يفهمها العقل عن النقل أن الدنيا دار امتحان لا أمان وأنها دار اختبار لا افتخار (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا), وقد عبر عن الاختبار بالبلاء لندرك أننا في دار الابتلاء وكل ما يحدث فيها ابتلاء ولا أظن أن مثل هذه دار سنحس فيها بطعم الراحة.. والبلاء درجات أو أسئلة الامتحان تختلف من حيث السهولة والصعوبة؛ فأسهل سؤال أن تأتي شوكة على رجلك (حتى الشوكة يشاكها) وأعسر امتحان أن تأتي الشوكة على قلبك (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم).
إن الذي لا يدرك حقيقة الحياة وأنها اختبار وأسئلة امتحان دائماً ما يتوقف كثيراً شاغلاً نفسه بصعوبة الأسئلة ويحسب أنه سوف يسير باتجاه الجنة هرولة ذلك حين لا يدرك حقيقة المسألة, فالذي يعرض عن النقل مكتفياً بالعقل لا يمنح الحكمة فيتوقف عن قيادة الحياة لمجرد إصابته بزكمة أو بلكمة بسيطة حتى يود لو يدفن تحت البسيطة وسريعاً ما يعلن الفشل وتجري دموعه في المقل فيتهم الذكاء متوسلا إلى الغباء أن يدركه أو يتوسل من خالقه أن يهلكه.
إذاً الحكمة تعطى لمن يبحث عنها في النقل الإلهي (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي شيئا كثيراً) وبين الحكمة والعقل أو بين الحكمة والذكاء خصوص وعموم إذ الحكمة أخص والعقل أعم فالذكي الذي يسهل عنده حل مسألة رياضية تجده أفشل الفاشلين في حل معادلة حياتية لأنه ينظر إليها نظرة عقلية بعيدة عن النقلية المرتبطة بفطرة الإنسانية التي هي أقرب في قيادتها إلى العقل الحكيم وأبعد من العقل العليم؛ فالعقل العليم أقدر على حل المسائل الرياضية المرتبطة بالآلية، والعقل الحكيم أخبر بحل المسائل أو المعادلات الحياتية المرتبطة بالفهوم الإنسانية..
لهذا يصح أن نقول: كل حكيم عاقل أو كل حكيم ذكي وكل حكيم عالم، ولا يصلح العكس البتة، فلو كان كل عاقل حكيم لكانت منحت لنا الحكمة بالفطرة لا بالدراية ولكانت الحياة لمجرد المتعة والراحة وليست للبحث عن إجابة الأسئلة الصعبة والأقسى صعوبة، فالذي وقر في قلبه أن الحياة متعة وتمتع وراحة وسعادة يستغرب مبدأ الامتحان فكيف لو ناقشته حول سهولته وصعوبته ! لكن الذي وقر في قلبه أنه في قاعة امتحان لا بد أن يجتازه ولن يقف منشغلا عند شكل الامتحانات أو صعوبة أسئلتها بل إنه سيذوق في مرها عذوبتها ويستمرئ عذاباتها, فعندما يدرك الغاية من تلك الصعوبة فليس أسهل عليه من اجتياز الامتحان والتوق إلى الجنان.
إن الإخفاق في قيادة عقل الإنسانية أو الفشل في سياسة الحياة يأتي من أننا رجعنا إلى تعليمات السلامة الإلهية لكننا أسأنا الفهم، أو أن البعض لم يرجع إلى تلك التعليمات؛ وذلك شأن العلماني الذي ركن إلى عقله ففقد وعيه وترك تلك التعليمات وراء ظهره مقدسا عقله متناسيا تقديس صانع العقل الذي أتقن كل شيء مدعياً أنه قادر على قيادة أو سياسة الحياة مقتصراً على العقل فأفسد الحياة وأفسد فيها كل شيء..
إن مشكلتنا في بعض الأحيان تكمن في الغباء والغباء في فهم حقيقة الحياة, إذ يستحيل أن يكون الذكاء مشكلة حتى في بعض السياقات الأشد إيلاما؛ بل من الذكاء والحكمة معاً أن ندرك أننا في دار اختبار؛ وإرادة أن تكون الأسئلة سهلة النجاح إنما ذلك شأن الغبي لا شأن الذكي فكيف بالحكيم ! إنه شأن الغبي الذي لم يدرك أن قساوة الامتحان -وليست صعوبته فحسب- تزيده ثباتاً وإصراراً؛ إذ كلما كان الامتحان الدنيوي صعبا كلما كانت المخرجات الأخروية أكثر إتقاناً وأرفع مقاماً؛ لهذا كانت أسئلة الاختبار الأشد صعوبة والأشد قساوة وإيلاما خاصة بالأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, ففي غزوة ما وأظنها غزوة الأحزاب؛ كان الابتلاء قاسيا والباطل معربدا ومتغطرسا؛ حتى أن الرسل أنفسهم استيأسوا حصول النصر (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) إن الحكيم يدرك أن الامتحان الصعب يعقبه نجاح يليق بالممتحَن؛ لهذا كان مقام رسولنا الكريم هو الفردوس الأعلى من الجنة وما كانت الجنة درجات إلا لأن هناك من يجتاز أشد الأسئلة صعوبة وآخر يتوقف عندها بل عند الأسهل فالأسهل وإن الذي يدرك صعوبة الأسئلة ويسعى لتجاوزها -لا التوقف عندها - فإنه في بداية الطريق الصحيح.
وفي المقابل الذي يقرأ الدنيا على أنها دار بقاء ولا يؤمن بالآخرة فإنه لا يكترث بصعوبة أو سهولة الأسئلة لهذا تجده يلهو ويرقص على دماء الذين اجتازوا الامتحان, وكونك تتمنى أن تكون مثله فإنك لم تعد إنسانا؛ فالإنسان خلق قائداً يقوده النقل وتبقى وظيفة العقل حسن تلقي النقل وفهمه وقيادة الإنسانية على حسبه؛ لهذا قال رسولنا الكريم "عجباً لأمر المؤمن إن أمره له كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له", فالأغلب ليست مشكلته مع مفردة "شكر" بل مع مفردة "صبر" إذ تقف الغالبية عندها ولا يتجاوزها إلا الحكماء؛ لهذا كل ثوار سورية حكماء لأنهم تجاوز أصعب الأسئلة وإن رأتهم الأغلبية غرباء ويتسمون بالغباء؛ فالذي يدرك أن حقيقة الإنسانية في القيم لا في أمعاء الدم لا يعتريه الندم عندما يرى في سورية حمامات الدم، لهذا كان الثوار في سياق ثورات الربيع العربي قمم.
وأصعب الأسئلة في امتحان الحياة وقيادتها تلك التي تتطلب الإجابة عليها منح الروح, فأنت في الدنيا موجود لكي تجتاز الامتحان لا لتشغل نفسك بصعوبة الأسئلة, فالذي يظل يشغل وقته في صعوبة الأسئلة قد يدركه الوقت قبل أن يدرك الحل، وذلك قد يكون شأن الغبي والذكي، والحكمة أن يعافيك الله منهما.. لقد كان البرادعي ذكيا بما يكفي, لكن لم ينتفع بذكائه في قيادة الإنسانية, حيث قادها إلى الغرق, (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت).
أُدرك أن جهاز الكمبيوتر أو السيارة قد اخترعها وصنعها عقل مثل عقلنا ومع ذلك أحتاج إلى الرجوع إلى إرشادات الصانع حتى أحسن القيادة ولا يحصل اصطدام؛ فأضطر إلى استخدام يدي صافعا وجه الجهاز أو شاشته وكأنني ألومه على الغباء الذي أنا واقع فيه.. والتعامل مع عقول الإنسانية نجاحاً وإخفاقا في قيادتها وترويضها مثله مثل الجهاز لا يعتمد العقل والاجتهاد, بل يتطلب الرجوع إلى كتلوج صانع العقل ومتقنه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
إن الذي لا يدرك حقيقة الإنسانية وأنها ذات صنعة إلهية (لا آلية) يتعامل معها بطريقة الحسابات الرياضية التي تتكئ على العقل أو الذكاء البحت, فهنا فقط يحصل الاصطدام والفشل؛ ومن ثم التبرم وتمني زوال نعمة العقل الذي هو مناط التميز الإنساني وكأنه يريد سحب حصانة التميز الكريم ليعيش في وسط العالم اللئيم.
إن الوقوع في مشكلة ليس سببها الذكاء الذي نتمنى في لحظة غيابه؛ بل المشكلة فعلاً هي غياب الذكاء الملقح بجرعة الحكمة، وجرعة الحكمة ليست متاحة في العقل المجبولة به الإنسانية؛ بل توجد في النقل، وحينها يصبح العقل وسيلة بحث عن الحكمة في كتلوج السلامة الوعية الإلهية, فليس مطلوب من العقل أن ينتج الحكمة معتمدا ذكاءه بل يستخدم الذكاء في البحث عنها؛ فهي ليست فطرة الإنسانية بل منحة الربانية عبر إرشاداتها المنهجية العلمية، فالإنسانية مميزة بالعقل منحة الإنسان ومكرمة بالحكمة منحة النقل أو القرآن؛ والذي يدرك حقيقة النقل والعقل وأنهما وجهان لإنسانية واحدة وبهما معا يحصل التميز ومن ثم التكريم فذلك هو الحكيم. إذا قيادة الحياة الإنسانية تحتاج إلى عقل وحكمة ولا تحصل الحكمة إذا أعرضنا عن النقل, فالنقل (القرآن والسنة) هو الذي يجعل العلاقة حميمية بين العقل وحكمته.
وبناء عليه يمكن القول: إن العقل معطى إنساني أي يلد به الإنسان؛ والحكمة معطى القرآن ويعتمد على فهم أو وعي الإنسان, فإذا كان العقل الإنساني محتاجاً إلى كتلوج صانع السيارة حتى يقودها, مع أن صانعها عقل مثله قد يكفي التعامل مع الكتلوج ليفهم؛ فإنه من باب أولى يكون أشد حاجة إلى الرجوع إلى كتلوج صانع العقل حتى يعرف كيفية استقاء الحكمة من خلاله؛ فإذا ما ادعى إنسانا أنه قادر على قيادة الحياة الإنسانية بالعقل دون الرجوع إلى النقل وفي الوقت نفسه يرفض قيادة آلة من صنع عقل إنسان مثله إلا بالرجوع إلى كتلوج الصانع فإن هذا هو أعلى سقف في التناقض أو عين الجنان؛ فتخيل عندما نترك سياسة عقل الحياة الإنسانية لمثل هؤلاء مجانين كيف ستكون عاقبة تلك القيادة ليس ثمة شك الفشل الذريع والمريع في القيادة والتهاوي من الريادة؛ لأنه يستحيل أن تقود عقول الإنسانية المتناهية في الدقة والإحكام والإتقان (صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه) دون الرجوع إلى تعليماته أو إرشادات كتلوجه؛ بل لا بد هنا أي في فن قيادة الحياة أو سياستها أو ترويضها من تقديم النقل على العقل؛ لأن قيادة الإنسانية لا تعتمد الذكاء بل الحكمة وهذه مصدرها الصانع عبر تعليمات كتلوجه..
لهذا نستطيع القول إن العقل منحة الإنسانية أو الإنسان والحكمة منحة القرآن وفهم القرآن ففيه كل تعليمات قيادة الحياة الإنسانية والوصول بها إلى بر الأمان, وأول تعليمات السلامة مثلاً التي يجب أن يفهمها العقل عن النقل أن الدنيا دار امتحان لا أمان وأنها دار اختبار لا افتخار (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا), وقد عبر عن الاختبار بالبلاء لندرك أننا في دار الابتلاء وكل ما يحدث فيها ابتلاء ولا أظن أن مثل هذه دار سنحس فيها بطعم الراحة.. والبلاء درجات أو أسئلة الامتحان تختلف من حيث السهولة والصعوبة؛ فأسهل سؤال أن تأتي شوكة على رجلك (حتى الشوكة يشاكها) وأعسر امتحان أن تأتي الشوكة على قلبك (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم).
إن الذي لا يدرك حقيقة الحياة وأنها اختبار وأسئلة امتحان دائماً ما يتوقف كثيراً شاغلاً نفسه بصعوبة الأسئلة ويحسب أنه سوف يسير باتجاه الجنة هرولة ذلك حين لا يدرك حقيقة المسألة, فالذي يعرض عن النقل مكتفياً بالعقل لا يمنح الحكمة فيتوقف عن قيادة الحياة لمجرد إصابته بزكمة أو بلكمة بسيطة حتى يود لو يدفن تحت البسيطة وسريعاً ما يعلن الفشل وتجري دموعه في المقل فيتهم الذكاء متوسلا إلى الغباء أن يدركه أو يتوسل من خالقه أن يهلكه.
إذاً الحكمة تعطى لمن يبحث عنها في النقل الإلهي (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي شيئا كثيراً) وبين الحكمة والعقل أو بين الحكمة والذكاء خصوص وعموم إذ الحكمة أخص والعقل أعم فالذكي الذي يسهل عنده حل مسألة رياضية تجده أفشل الفاشلين في حل معادلة حياتية لأنه ينظر إليها نظرة عقلية بعيدة عن النقلية المرتبطة بفطرة الإنسانية التي هي أقرب في قيادتها إلى العقل الحكيم وأبعد من العقل العليم؛ فالعقل العليم أقدر على حل المسائل الرياضية المرتبطة بالآلية، والعقل الحكيم أخبر بحل المسائل أو المعادلات الحياتية المرتبطة بالفهوم الإنسانية..
لهذا يصح أن نقول: كل حكيم عاقل أو كل حكيم ذكي وكل حكيم عالم، ولا يصلح العكس البتة، فلو كان كل عاقل حكيم لكانت منحت لنا الحكمة بالفطرة لا بالدراية ولكانت الحياة لمجرد المتعة والراحة وليست للبحث عن إجابة الأسئلة الصعبة والأقسى صعوبة، فالذي وقر في قلبه أن الحياة متعة وتمتع وراحة وسعادة يستغرب مبدأ الامتحان فكيف لو ناقشته حول سهولته وصعوبته ! لكن الذي وقر في قلبه أنه في قاعة امتحان لا بد أن يجتازه ولن يقف منشغلا عند شكل الامتحانات أو صعوبة أسئلتها بل إنه سيذوق في مرها عذوبتها ويستمرئ عذاباتها, فعندما يدرك الغاية من تلك الصعوبة فليس أسهل عليه من اجتياز الامتحان والتوق إلى الجنان.
إن الإخفاق في قيادة عقل الإنسانية أو الفشل في سياسة الحياة يأتي من أننا رجعنا إلى تعليمات السلامة الإلهية لكننا أسأنا الفهم، أو أن البعض لم يرجع إلى تلك التعليمات؛ وذلك شأن العلماني الذي ركن إلى عقله ففقد وعيه وترك تلك التعليمات وراء ظهره مقدسا عقله متناسيا تقديس صانع العقل الذي أتقن كل شيء مدعياً أنه قادر على قيادة أو سياسة الحياة مقتصراً على العقل فأفسد الحياة وأفسد فيها كل شيء..
إن مشكلتنا في بعض الأحيان تكمن في الغباء والغباء في فهم حقيقة الحياة, إذ يستحيل أن يكون الذكاء مشكلة حتى في بعض السياقات الأشد إيلاما؛ بل من الذكاء والحكمة معاً أن ندرك أننا في دار اختبار؛ وإرادة أن تكون الأسئلة سهلة النجاح إنما ذلك شأن الغبي لا شأن الذكي فكيف بالحكيم ! إنه شأن الغبي الذي لم يدرك أن قساوة الامتحان -وليست صعوبته فحسب- تزيده ثباتاً وإصراراً؛ إذ كلما كان الامتحان الدنيوي صعبا كلما كانت المخرجات الأخروية أكثر إتقاناً وأرفع مقاماً؛ لهذا كانت أسئلة الاختبار الأشد صعوبة والأشد قساوة وإيلاما خاصة بالأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, ففي غزوة ما وأظنها غزوة الأحزاب؛ كان الابتلاء قاسيا والباطل معربدا ومتغطرسا؛ حتى أن الرسل أنفسهم استيأسوا حصول النصر (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) إن الحكيم يدرك أن الامتحان الصعب يعقبه نجاح يليق بالممتحَن؛ لهذا كان مقام رسولنا الكريم هو الفردوس الأعلى من الجنة وما كانت الجنة درجات إلا لأن هناك من يجتاز أشد الأسئلة صعوبة وآخر يتوقف عندها بل عند الأسهل فالأسهل وإن الذي يدرك صعوبة الأسئلة ويسعى لتجاوزها -لا التوقف عندها - فإنه في بداية الطريق الصحيح.
وفي المقابل الذي يقرأ الدنيا على أنها دار بقاء ولا يؤمن بالآخرة فإنه لا يكترث بصعوبة أو سهولة الأسئلة لهذا تجده يلهو ويرقص على دماء الذين اجتازوا الامتحان, وكونك تتمنى أن تكون مثله فإنك لم تعد إنسانا؛ فالإنسان خلق قائداً يقوده النقل وتبقى وظيفة العقل حسن تلقي النقل وفهمه وقيادة الإنسانية على حسبه؛ لهذا قال رسولنا الكريم "عجباً لأمر المؤمن إن أمره له كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له", فالأغلب ليست مشكلته مع مفردة "شكر" بل مع مفردة "صبر" إذ تقف الغالبية عندها ولا يتجاوزها إلا الحكماء؛ لهذا كل ثوار سورية حكماء لأنهم تجاوز أصعب الأسئلة وإن رأتهم الأغلبية غرباء ويتسمون بالغباء؛ فالذي يدرك أن حقيقة الإنسانية في القيم لا في أمعاء الدم لا يعتريه الندم عندما يرى في سورية حمامات الدم، لهذا كان الثوار في سياق ثورات الربيع العربي قمم.
وأصعب الأسئلة في امتحان الحياة وقيادتها تلك التي تتطلب الإجابة عليها منح الروح, فأنت في الدنيا موجود لكي تجتاز الامتحان لا لتشغل نفسك بصعوبة الأسئلة, فالذي يظل يشغل وقته في صعوبة الأسئلة قد يدركه الوقت قبل أن يدرك الحل، وذلك قد يكون شأن الغبي والذكي، والحكمة أن يعافيك الله منهما.. لقد كان البرادعي ذكيا بما يكفي, لكن لم ينتفع بذكائه في قيادة الإنسانية, حيث قادها إلى الغرق, (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت).
الحالم- موقوووووووف
- عدد المساهمات : 1116
تاريخ التسجيل : 27/01/2014
ملتقى صائد الرؤى :: الملتقيات العامة و الساحة السياسية والاقتصادية المفتوحة :: حوار الثغور ومنبر السياسة والاقتصاد والفتن الخاصة (عمران بيت المقدس خراب يثرب)!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى